ما الهوية الدينية لـعلوية اليوم.. وهل هم نصيرية الأمس؟
تاريخ النشر: 25th, March 2025 GMT
كَثُر الحديث بعد سقوط حكم آل الأسد الذي امتد لـ 53 عاما عن الطائفة العلوية التي ينتسب إليها آل الأسد، إذ تتكاثر الأسئلة عن الهوية الدينية للطائفة العلوية، ومدى صلتهم بالإسلام، وهل "علوية" اليوم هم "نصيرية" الأمس الذين تحدث عنهم شيخ الإسلام ابن تيمية في زمانه، وهل يتبنون ذات العقائد التي كان يتبناها النصيرية أم لهم عقائد مختلفة تطورت عبر المراحل التاريخية اللاحقة؟
تُصنف النصيرية (العلوية) في كتب الملل والنحل على أنها فرقة من الفرق الدينية التي انبثقت وتفرعت عن الشيعة الإمامية الإثني عشرية، وتُنسب إلى محمد بن نصير النميري في القرن الثالث الهجري (كان من خواص الإمامين علي الهادي والحسن العسكري)، وفي إثبات عقائد الطائفة والمقولات التي يتبناها أتباعها ثمة آراء وأقوال بين من يراها ديانة مستقلة لها عقائدها الخاصة بها، والتي لا تمت لدين الإسلام بصلة، وبين من يراها فرقة إسلامية أقرب ما تكون إلى الطريقة الصوفية، كما يقدمها شيوخها ورموزها.
ووفقا لباحثين فإن النصيرية فرقة باطنية، تُعمل التأويل الباطني في العقائد والشرائع، ويحيط بها وبعقائدها قدر كبير من الغموض، وهي نتاج الفرق التي اتسمت بالغلو في العقائد كتأليه علي بن أبي طالب، وأن الله حلَّ فيه أو أنه مظهر من التجلي الإلهي، كما يُنسب إليهم القول بإباحة بعض المحرمات، كإباحة نكاح المحارم، واستباحة الزنا بنساء بعضهم، وإباحة الخمور، والإيمان بتناسخ الأرواح، وأن الإنسان عندما يموت تتنقل روحه إلى جسد آخر..
بداية الظهور والتشكل
في كتابه "تاريخ العلويين ـ وقائع وأحداث" أوضح الباحث السوري المتخصص في التاريخ، هاشم عثمان أن "الطائفة العلوية، هي بالأصل، شيعة إمامية إثني عشرية، ثم مع الأيام بلورت لنفسها مفهوما خاصا للأحكام الشرعية لا يختلف في جوهره عما تقول به بعض الطرق الصوفية، اعتبرت معه فرقة مستقلة عن الشيعة الإمامية، تتفق معها في أمور وتختلف معها في أمور".
ووفقا للكتاب فإن (النصيرية) تنتشر كأقلية ضئيلة في عدد من البلدان العربية والأجنبية، أما الأكثرية فتسكن في جبال اللاذقية، التي أُطلق عليها في العهود الحديثة، اسم جبال العلويين أو جبال النصيرية، وفي هذه الجبال جرت أبرز الحوادث التي كان العلويون الطرف الأساسي فيها".
وتاريخ العلويين مرتبط أشد الارتباط بالحياة السياسية في الساحل السوري، وكان العلويون قطب الرحى في كل حدث سياسي وقع بالساحل، لذا يمكن القول: إن تاريخ الساحل السوري جزء لا يتجزأ من تاريخ العلويين، لافتا إلى أن المؤرخين أطلقوا على الطائفة العلوية اسم "النصيرية"، وأرجعها بعضهم إلى محمد بن نصير، أحد أتباع الإمام الحسن العسكري، على اختلاف بينهم في تحديد اسمه وكنيته، في مقابل ذلك وجد من يشكك في صحة هذه التسمية، مصرحين بأنه لا يوجد ما يثبت هذه النسبة لأسباب واعتبارات بينها وبسطها في الكتاب.
وعن بداية الظهور والتشكل للعلوية، حدد المؤلف "تاريخ ظهور تسمية نصيرية، على وجه التقريب، وهو أواخر القرن الرابع الهجري/ العاشر الميلادي" لكنه أشار إلى "صعوبات جمة تعترضنا في معرفة المكان الذي ظهرت فيه هذه الطائفة أول مرة" مرجحا "أنه وادي التيم بلبنان، حيث أخذت الدعوة الدرزية تنتشر بنفس هذا التاريخ تقريبا..".
وفي هذا السياق يرى الكاتب والباحث السوري المتخصص في العقيدة والفلسفة الإسلامية، محمد علي النجار أن عقائد الطائفة النصيرية (العلوية) متطورة لم تثبت على ثوابت محددة، وهي امتداد للشيعة السبئية، وحينما تم الاختلاف على الإمام الثاني عشر عند الإمامية، والممثل له، فحينذاك سُميت الطائفة التي كانت مع محمد بن نصير بالنصيرية، وقد تطورت عقائدها ولا يمكن الحكم على عقائدها جملة واحدة، فقد بدأوا من عقيدة الباب والحجاب ثم دخلت عناصر فارسية أخرى في مراحل تاريخية لاحقة.
وأضاف في حديثه لـ"عربي21": "الطائفة النصيرية العلوية لها عقائدها الخاصة بها، وكثير من المعاصرين منهم يتبنون ذات العقائد القديمة إلى حد كبير، لكن يوجد فرق أخرى إحداها تأثرت بالشيعة وأصبحوا قريبين منهم في المعتقدات، وفرقة أخرى منهم نصيرية في العقائد لكن ولاءها للشيعة سياسي، واتجاهات أخرى منهم لا تهتم بالدين..".
محمد علي النجار كاتب وباحث سوري متخصص في العقيدة والفلسفة الإسلامية
عقائد العلوية
وإجابة عن سؤال: هل العلوية مذهب ديني أم فرقة؟ قال الباحث عثمان في كتابه الآنف ذكره "إذا رجعنا إلى كتب الفرق، وجدناها تتحدث عن النصيرية كفرقة من الفرق الدينية التي تفرعت عن الشيعة، والحقيقة أن العلوية، طريقة صوفية كما صرح بذلك المكزون السنجاري كبير فلاسفة العلويين في أكثر من قصيدة له.. وكونها طريقة صوفية، أكده شيخ العلويين في العصر الحديث، العلامة الشيخ سليمان الأحمد، في رسالة بعث بها إلى محمد كرد علي جاء فيها: إنما لهم طريقة كالنقشبندية والرفاعية وغيرها من الطرق الصوفية بالنسبة إلى أهل السنة".
أما دين العلويين وعقائدهم فيبينها الشيخ العلوي، محمود الصالح بقوله: "فدين العلوي التوحيد المحض، وتنزيه الخالق عن كل مشابهة للمخلوق، والإقرار بنبوة سيد الرسل محمد صلى الله عليه وسلم، والاعتقاد بالمعاد، والعمل بدعائم الإسلام الخمس، ويتفق جميع الشيعة الإمامية على زيادة ركن خامس على هذه الأركان الأربعة التي هي أصول الإسلام والإيمان بالمعنى الأخص عند جمهور المسلمين، ألا وهو الاعتقاد بالإمامة، يعني إن العلوي يعتقد أن الإمامة منصب إلهي يختار الله لها من يشاء اختياره للنبوة والرسالة".
ويؤكد الشيخ العلوي، الصالح في رسالته المعنونة بـ"النبأ اليقين عن العلويين" أن "العلوي مسلم، مؤمن يدين لله دين الحق، دين الإسلام الذي لا مراء فيه، ولا شك يعتريه، كتابه القرآن، وقبلته الكعبة، يعرف ما افترضه الله عليه في يومه وعامة عمره.. يرجع في فتاويه المذهبية، ومسائله الفقهية إلى أحكام مذهب الإمام أبي عبد الله جعفر الصادق عليه السلام، ومن أولى من الإمام الصادق بالتأويل ومعرفة أحكام التنزيل.. وعن هذا الإمام المعصوم يأخذ العلوي الفقه، ويروي العلم وعلى مذهبه يقيم الصلاة".
لكن كتب الملل والنحل والفرق التي ألفها أئمة وعلماء مسلمون تُصنف العلوية (النصيرية) ضمن الفرق المنحرفة والضالة، حتى أن شيخ الإسلام ابن تيمية في جوابه عن سؤال يتعلق بهم وبعقائدهم قال "هؤلاء القوم المسمون بالنصيرية هم وسائر أصناف القرامطة الباطنية أكفر من اليهود والنصارى، بل وأكفر من كثير من المشركين وضررهم على أمة محمد صلى الله عليه وسلم أعظم من ضرر الكفار المحاربين مثل كفار التتار والفرنج وغيرهم".
وطبقا للباحث في العقائد والفرق، صابر مشهور فإن "الشيعة النصيرية يعتقدون أن عليا بن أبي طالب ليس من البشر، بل يعتقدون أنه هو الله جاء على صورة إنسان، أي تجسد في صورة علي بن أبي طالب أو حلَّ فيه، كما يعتقد المسيحيون أن الله جاء على صورة إنسان هو عيسى، وهذا موجود في كل العقائد الباطنية".
وأضاف: "الشيعة النصيرية يؤمنون بتناسخ الأرواح، ومن ذلك أن الله تعالى عندهم يظهر في صور، كما ظهر في صورة علي، كما أن جبريل عليه السلام يظهر في صور، كما ظهر في صورة دحية الكلبي، وصورة فلان وغيره.
وأضاف في تصريحاته لـ"عربي21": "الشيعة النصيرية يعظمون عبد الله بن سبأ، ويوجد قبره (مقام ومزار) في قرية المهالبة العلوية في جبل الأربعين، ويقولون في كتابهم "الرسالة الرستباشية" أن عليا بن أبي طالب أحرق عبد الله بن سبأ خمس مرات، من باب التكريم وليس عقابا، وواقعة حرق علي بن أبي طالب للسبأية أوردها الإمام البخاري في كتابه (صحيح البخاري) في باب العقوبة، نقله عن الإمام ابن شهاب الزهري، أي أنه أحرقهم عقوبة لهم".
ما صلة العقائد النصيرية بالإسلام؟
في تحديد صلة العقائد النصيرية بالإسلام يرى الباحث في الأديان والعقائد مشهور أن "عقائد المسلمين تستند وتبنى على القرآن الكريم، فهو كتاب المسلمين الأول، لكن الشيعة النصيرية لا يوجد لهم كتاب سماوي مقدس، وممن تناول ذلك بالشرح والبيان الدكتور جعفر كنج الدندشي، وهو أستاذ متخصص في هذا الموضوع، وله فيديوهات يتحدث فيها عن الديانة النصيرية، يقول في إحداها أن تسعة أعشار تلك الديانة قائمة على التقية والكتمان".
التقية والكتمان هما تسعة أعشار الديانة النصيرية جعفر الكنج الدندشي Jaafar AL KANGE
وأضاف: "كما أن الشيعة النصيرية لا يعترفون بالمذاهب الإسلامية، ولا يعتقدون بالحلال والحرام، ولا يؤمنون بالجنة والنار، على عكس الشيعة الإمامية فمرجعتهم هي الفقه الجعفري، والنصيرية في جوهرها تقوم على مبادئ ورؤى فلسفية، ولا توجد لديهم منظومة قانونية تشريعية، وأهم كتاب عندهم هو كتاب (الأسوس)، فدينهم قائم على العقائد الباطنية الباطلة، والتأويل الباطني للحقائق الدينية".
صابر مشهور باحث مصري في العقائد والمذاهب والأديان
وعن رأي شيخ الإسلام ابن تيمية وموقفه من النصيرية، أوضح الباحث السوري المتخصص في العقائد والفرق والمذاهب، محمد علي النجار أن ابن تيمية قال بتفكيرهم في بعض فتاويه، وأنهم أكفر من اليهود والنصارى، لكن في فتاوى أخرى خاصة فتوى جبل كسروان، اعتبرهم مسلمين، وحكم بإسلامهم".
وأردف: "وموضوع البحث يدور حول أصل إسلامهم، وما الذي يعرفونه عن الإسلام وكيف يتصورون ذلك، وهذه مسألة تحتاج إلى بحث متأن ومتعمق، مع أن عموم عقائدهم ليست عقائد إسلامية، لكن: هل يعتقد العلوي نفسه أنه مسلم، وأنه لم يشرك عندما يعتقد هذه المعتقدات في علي بن أبي طالب، فأكثر العلوية لا يعتقدون أنهم أخطأوا في ذلك، لأنهم يقولون نحن نوحد الله، لكن عليا هو مظهر من مظاهر التجلي الإلهي، ولا يعتقدون أن ذلك ينافي التوحيد وصحيح الاعتقاد حسب تأويلاتهم الباطنية".
واجب الإدارة الجديدة تجاه العلويين
من المهم بمكان التنبيه على كيفية تعامل الإدارة السورية الجديدة مع العلويين، وما الذي يجب على الحكومة الحالية تجاههم في الظروف الراهنة حسب الباحث النجار، الذي يرى أن على الحكومة أن تشجع العلماء والشيوخ للقيام بواجب البيان والدعوة، بدعوة العلويين، خاصة النساء منهم لأنهن لا يُعلمن، وجزء كبير منهن يبحثن عن التعلم، لكن لا يوجد من يعلمهن، لأنهن ممنوعات من التعلم باعتبارهم خطيئة، أو من حبائل الشيطان عند العلوية، فلا بد من دعوتهم، وهذا واجب الحكومة الشرعي تجاههم.
وأضاف: "وواجب الحكومة الثاني هو أن تقوم بمساعدة شيوخ العلويين الحقيقيين الذين لا يتبعون لإيران، ولا لنظام الأسد، فيقربوهم ويصدروهم ليلتف الناس حولهم، بدلا من الالتفاف حول الشيوخ الذين يتبعون لإيران ونظام الأسد، وهم الذين يحركون الناس لارتكاب الجرائم، وأعمال الإخلال بالأمن واستقرار سوريا.
وشدد في ختام حديثه على أهمية "قيام الحكومة بمساعدة عموم الطائفة العلوية باختيار شيوخها المستقلين، وإلغاء مشيخة الآخرين الذين تمشيخوا على الطائفة بدعم من الأسد وإيران وإسرائيل، لأن ثمة أحاديث داخل الطائفة عن كون آل الأسد ومن معهم من شيوخ العلوية هم امتداد يهودي للدولة الإسرائيلية، وحتى أنهم يتهمون بعض العائلات التي تتعامل مع الأسد أنهم من أصول يهودية، ويعملون لصالح دولة إسرائيل".
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي أفكار كتب تقارير تقارير آراء العلويون سوريا سوريا علويون أفكار آراء تقارير تقارير تقارير تقارير تقارير تقارير سياسة أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الطائفة العلویة علی بن أبی طالب یعتقدون أن ابن تیمیة فی کتابه
إقرأ أيضاً:
"التباشير".. بين الهوية والوسم
ماجد المرهون
majidomarmajid@outlook.com
يَصعُب التفريق بين الهُوية كأصالةٍ دائمةٍ تُكتسب بالوراثة والتَّنشِئة وبين تجسيد الهُوية في الاختزال الرمزي بإطلاقِ وسمٍ تسويقي وقد يشوب الأمر شيء من ارتياب الفهم، لنقع لا إراديًا في الخلط بين الأمرين؛ نظرًا لسَطوة الفكرة الترويجية وسيطرتها على الذهن، فإذا كان القصدُ من إطلاق شِعارٍ ذي طابعٍ بصري يُراد له حياة طويلة، فإنَّ البِناء على الهُوية ذات الأصالة أو العَراقةِ يتطلب جهدًا بالغًا لتجسيد عمق الفكرة، لأن الحكم في الجانب المُقابل هو إرضاء الشريحةِ العظمى من المجتمع الذي يحمل في مضمون وشائِجه تلك الهُوية وهذا ليس بالأمر السهل كما قد يُعتقد.
عدم التوافق سيستثير موجة عدم ارتياح لتتبعها موجاتٍ من النقد اللاذع والاستياء أحيانًا، وفي هذا الخصوص تحديدًا يجب التجرُّد من مقولة "رضى الناس غاية لا تُدرك" وتهميشها قليلًا لأن المُبتغى هو إرساء رمزية دلالية تُعبِر عن هويتهم، أما إذا كان القصد من إطلاق الشِعار البصري هو عمليةٍ ترويجية موسمية أو مؤقتة كالوسم أو "التعويذة" كمصطلحٍ غربي مُعرَّب كما تُسميها المهرجانات -مع اني لا استحسن هذه الكلمة- فلا بأس في الأمر ومن غير الضرورة أن يُعبِّر ذلك الوسم عن عمق الهُوية ولا أصالتها وحتى إن فعل فلن يُشكِّل بؤرة خلاف تستدعي التفسير وتقريب وجهات النظر كونه ذا بُعدٍ مرحلي ومؤقت يزول بانتهاء الحدث.
قد لا يدخُل مفهوم التباشير كأساسٍ ضِمن مقومات الهوية العامة أو السائدة، كونها مُتغيرةٍ من مكان إلى آخر في نطاقٍ جغرافي محدود وما تتأثر به المجتمعات من تفاعلات مُرتبطةٍ بضرورة الحدث وزمانه، وربما تَنتفي أهميتها أو فاعليتها في مرحلةٍ ما وذلك بانتفاءِ أسبابها، فتستحيل مادةً تاريخية ضمن ما يُحكى من مروياتٍ قديمة، وبذلك تنتهي أصالة توارثها ولن تعتَّد بها الأجيال الجديدة لعدم توافر مُقوماتها ومُغذياتها، فمثلًا عندما كان يستبشر الضيف أو الغارم أو طالب الحمى أو البحارة والمسافرون برمزية التباشير على بعض البيوت قديمًا فإننا نجد هذا الأمر بمقاييس اليوم لم يعد قائمًا نتيجة تأصيل القوانين المدنية، وبناءً عليه فقد انتهى العُرف السائد وبالتالي انتفت الضرورة، ومع انتفائها وحتمية التغيير الثقافي تلاشت الفكرة ومضمونها إلا ما بقي في شكل توظيف الديكور التجميلي دون فهمٍ أو تقعيدٍ لتوظيف الخاصية الدلالية له.
وتكمُن أهمية التركيز في إطلاق العام على الخاص وليس العكس في اعتبار ما هو سائدٌ لدى أكبر شريحةٍ بشريةٍ في المُجتمع على أوسع نِطاقٍ جُغرافي ممكن، وبهذا الاعتبار فإنَّ إمكانية القبول ستكون أكثر ترجيحًا مع حظوظ ضعيفة للرفض، ذلك بأنَّ المُجتمعات غالبًا ما تركن للتنميط جراء صلابة هويتها وتستحسن السائد في وعيها الجمعي المشترك، وتنبذ المُتطرف باعتباره دخيلًا وحتى إن كان التجديد الاستثنائي أو الغريب، وقد تنظر له بأنه خارج عن المألوف عندما يحاول إسباغ الخاص على العام.
لا شك أن مُحافظة ظفار هي أرض اللُبان ولن يختلف على ذلك اثنان، وتداخلت مع ارتباط هُويتها بهذه التسميةِ القديمة جدًا وبكُل فخر تعالُقاتٍ كثيرة، منها ما هو مادي شاهد ومنها المعنوي الحسي وحق الفخر بذلك كما تفخر سائر المجتمعات بعراقة رمزياتها. فمثلًا عندما جاء شِعار السلطنة على العلم العُماني فإنه اتخذ من السيفين والخنجر رمزية ذات طابع عام ومتواصل مستمر كأدوات دفاعٍ وقتال وزينة، وهي سائدة في أرجاء عُمان، ولا تزال سارية المفعول وستبقى كذلك، وقياسًا على المِثال فإن رمزية شجرةِ اللبان في مُحافظة ظفار لا تزال صلبةً منذ الأزل وستستمر إلى مالا نهاية، ولا يمكن لي القول إن هناك متغيراتٍ قد تطرأ لتحييد الهوية الدلالية لها ولا حتى مع عشرات الأجيال القادمة، وقد غرس حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم- حفظه الله ورعاه- شجرة اللبان عند زيارته لمزرعة أرزات السلطانية عام 2020؛ تأكيدًا منه على الرمزية والمضمون وتأصيلًا للدلالة والمفهوم.
وإذا حملنا أرض التباشير على محمل الهوية البصرية باعتباره وسمًا مرحليًا أو دوريًا، فقد نَستملِح ذلك من الناحية الترويجية، ولكن ما سيُستهجن في هذا العنوان وما بُني عليه من دلالاتٍ خاصة ذات محدودية زمنية وجغرافية، هو اعتباره هُوية دائمة تعبِّر عن الجميع وعن كل شيء، وهذه مُقاربة لا تتسق مع الثقافة العامة للجميع ولن يقبلها الوعي الجمعي المُشترك ولن تبرح مكانها إلا في نطاقٍ محدود ولفترة زمنية قصيرة تنتهي بقرار أو بانتهاء الحدث، بعد أن أشغل الرأي العام وأَسلَكَه في تجاذُباتٍ لا طائل لها وجدالاتٍ لا فائدة منها.
إن إشراك المُجتمع في صِناعة القرار سيجعل منه متفاعلًا ايجابيًا؛ بل ومُمتَّنًا باعتباره عنصرًا مُهمًا حين أدلى برأيهِ في شأنٍ يخصه ويرتبط به، وحتى لو كان على صعيد إطلاق هوية بصرية جديدة، ولم يعد استِشفاف وجهات النظر بتلك الصعوبة اليوم مع ثورة المعلومات وتطور منافع التقنية من خلال استطلاع رأي مُبسطٍ يأخذ تقييم الاغلبية في الاعتبار ويعتمد على المُفاضلة بين عدة خيارات ونماذج مطروحةٍ، ثم تَحسم اللجنة المُكلفة بالقرار أمرها لتبقى في إطار التواصل المجتمعي من جانب ومن جانبٍ آخر تقيم الحجة على الجميع، وبما لا يدع مجالًا لانتقاد كل رافضٍ أو غير مُقتنع لاحقًا؛ حيث أُفرغ محل النزاع ومنذ البداية من محتواه.
رابط مختصر