لجريدة عمان:
2025-05-21@13:58:58 GMT

المحادثة بين السيف والرقبة!

تاريخ النشر: 30th, March 2025 GMT

شاهدتُ مقطعا مصورا يعرضُ مقابلة الصحفـي الأسترالي ريتشارد كارلتون مع الكاتب والروائي والمناضل الفلسطيني غسان كنفاني. أُجريت المقابلة عام ١٩٧٠، أي قبل عامين من استشهاد كنفاني بعبوة ناسفة وُضعت فـي سيارته. تُرينا المقابلة قدرا هائلا من الاستخفاف بآلام الآخر، والرغبة فـي الوصول إلى حلول ترقيعية مُبتذلة، كما أنّها تؤكد بصورة لا تدعو إلى الشك أنّ نصف قرن من الزمان منذ إجراء هذه المقابلة لم تُغير قيد أنملة فـي روح الخطاب المُتعالي من «براهمة» هذا العالم ضد «منبوذيه» على حد تعبير المفكر الكيني - عُماني الأصل - علي المزروعي.

يسأل كارلتون: «لماذا لا تدخل منظمتكم فـي محادثات سلام مع إسرائيل؟، فتتوهجُ عينا كنفاني: «أنت لا تقصد محادثات سلام، بل تقصد استسلام؟»، ثمّ بشيء من اللامبالاة يسأل كارلتون: «لمَ لا تتكلمون؟»، فـيرد كنفاني بوجع خفـي: «نتكلم مع من؟»، فـيأتيه الجواب: «مع القادة الإسرائيليين»، فـيرد كنفاني بذكاء مُتقد: «المحادثة بين السيف والرقبة.. تقصد؟»، يقاطعه كارلتون: «إن لم يكن هنالك سيوف وأسلحة فـي الغرفة، تستطيعون التكلم؟» يستنكر كنفاني ما ذهب إليه كارلتون: «لم أرَ أبدا كلاما بين جهة استعمارية وحركة تحرر وطني»، ويعاود كارلتون استفزازه: «لمَ لا تتكلمون عن احتمال ألا تتقاتلوا؟»، لكن كنفاني وبنبرة هادئة يرد على سؤاله المُتعجرف بسؤال آخر لينقلُ الحوار إلى ضفة أخرى: «لا نقاتل من أجل ماذا؟ الناس عادة تُقاتل من أجل شيء ما، وتتوقفُ عن القتال من أجل شيء ما، لكنك لا تستطيع أنّ تُخبرني لماذا علينا أن نُوقف القتال؟»

وكما يحاول الإعلام اليوم، إلقاء اللوم على الضحية، لجعلها سببا فـيما تُكابده من مشقة وخذلان، أصرّ كارلتون على ضرورة التصالح بين كفتين غير مُتكافئتين: «تكلموا، لتوقفوا القتال والموت والدمار والألم»، ليرد كنفاني باتزان وثقة: «موت وبؤس ودمار وألم من؟»، فـيُجيب كارلتون بحنق وكأنّ هنالك من يجره إلى فخ: «الفلسطينيون والإسرائيليون والعرب»، ليذهب كنفاني إلى مقصده دون مواربة، مقصده الذي يتجلى فـي معظم كتاباته الأدبية: «تقصد الشعب الفلسطيني الذي اُقتلع من أرضه ورُمي فـي المخيمات؟ والذي يعيش فـي مجاعة ويُقتل منذ عشرين سنة؟ وممنوع عليه استخدام تسمية فلسطيني؟». يرد عليه كارلتون بشيء من الصلف: «ذلك أفضل من الموت؟»، لكن كنفاني يُقدم إجابة شديدة التماس مع مجريات ذلك الزمان وأحداث اليوم على حد سواء، عندما صفعه بقوله: «بالنسبة لك - ذلك أفضل من الموت - ولكن بالنسبة لنا الأمر ليس كذلك، بالنسبة لنا: تحرير وطننا والحصول على الكرامة والاحترام والحقوق، تلك أشياء أساسية كما هي الحياة ذاتها».

لقد أعدتُ سماع الحوار مرّة بعد أخرى، فأدركتُ كم أنّ تنظير من هم خارج حزام المعاناة مُغاير تماما عن أولئك الذين يتذوقون غصص المرارة فـي الداخل. ولذا ليس من حقنا أن نُشرعن -الاحتمالات الصائبة- ونحنُ نرفلُ فـي رفاهية عيشنا، مُنفصلين عن غلو العدو الذي يستبيحُ -وسط صمت مُخجل- تفتيت آخر ذرة من بشريتهم.

يتكشفُ لنا عاما بعد آخر تصدعنا العارم، فنحنُ نمضي مُذعنين إلى أفراحنا وأعيادنا، نهشُ الهواجس التي قد تُؤنبُ قلوبنا، كمن يهش الذباب عن وجهه! بينما حري بنا أن نتفحص نسيج إنسانيتنا الذائبة فـي اللهاث اليومي، وراء مُتع مُغلفة بنمط استهلاكي يسلبُ منا «قيمة» القضايا الكبرى التي ينبغي أن ننضوي تحت رايتها، «فالإنسان هو فـي نهاية الأمر قضية».

هدى حمد كاتبة عمانية ومديرة تحرير مجلة نزوى

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

صحيفة إسرائيلية: محاكمة جنود إسرائيليين حذروا من ضائقة نفسية

في مقال نشرته صحيفة "همكوم" الإسرائيلية سلطت الكاتبة إيلي باري الضوء على حادثة رفض عدد من جنود كتيبة 931 التابعة للواء ناحال العودة إلى قطاع غزة بعد شهور طويلة من القتال، معتبرين أن خدمتهم العسكرية تجاوزت الحدود المقبولة إنسانيا ونفسيا.

وأشارت الكاتبة إلى أن الجنود عبّروا عن احتجاجهم برفض الامتثال للأوامر، حيث توجه الجنود في حديثهم إلى قائد كتيبتهم العقيد (ي)، مشيرين إلى أنهم خاضوا 17 جولة داخل القطاع.

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2كاتب إسرائيلي لقادة الجيش: كونوا شجعانا وأوقفوا الحربlist 2 of 2فورين بوليسي: كيف ستبدو الحرب المحتملة بين روسيا والناتو؟end of list

وقال الجنود إنهم شهدوا أحداثا ميدانية عنيفة فقدوا خلالها أصدقاء مقربين، وإنهم لم يعودوا قادرين على الاستمرار في هذه المهام القتالية، وأضافوا أنهم كانوا ينتظرون تسريحهم في الشهر الماضي لكن أمر الطوارئ 8 جمد خروجهم.

محاكمات وغرامات

وأفادت الكاتبة بأن قائد الكتيبة لم يتعامل مع طلبهم بالاستماع أو الاحتواء، بل قرر تقديمهم لمحاكمة داخلية وفرض غرامة 1500 شيكل على كل منهم، وهددهم بالسجن إذا رفضوا تنفيذ الأوامر العسكرية.

وذكرت الكاتبة أن الجنود النظاميين هم من فوج التجنيد أغسطس/آب 2022، وقد شاركوا في القتال بشكل متواصل منذ طوفان الأقصى دون أن يحصلوا على أي فترة من الراحة، بخلاف جنود الاحتياط الذين أُعفي بعضهم أو خرجوا في إجازات قصيرة.

إعلان

وبينت الكاتبة أن الجنود تذمروا بعد استدعائهم مجددا، خاصة أنهم لم يحصلوا على استراحة كافية، واعتبروا أن الجيش يتجاهل تضحياتهم السابقة في جولات القتال الأولى.

تآكل نفسي متصاعد

وذكرت الكاتبة أن هذا الرفض لم يكن فرديا، بل تكررت حالات مشابهة في وحدات أخرى، مما يعكس حالة التآكل النفسي المتصاعدة داخل الجيش بعد أشهر من العمليات العسكرية المتواصلة في غزة.

وأشارت إلى أن هذه الحادثة تضاف إلى سلسلة حالات مشابهة ظهرت في الأشهر الأخيرة ضمن ما تعرف بظاهرة "الرفض الرمادي"، حيث يعبر الجنود عن رفضهم بطريقة غير مباشرة نتيجة الضغوط النفسية وضعف الاستجابة الرسمية لمعاناتهم.

وأفادت الكاتبة بأن الصحفية رويتال خوبل كانت قد كشفت في سلسلة تحقيقات منشورة خلال أكتوبر/تشرين الأول الماضي عن اتساع هذه الظاهرة بين الجنود النظاميين، وأن القيادة العسكرية تتعامل معها بصمت أو بقرارات عقابية بدلا من تقديم حلول جذرية.

وفي الختام نقلت الكاتبة تصريح المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي بأن "قائد الكتيبة استمع إلى أقوال الجنود، وأوضح لهم أن المؤسسة العسكرية منفتحة على الحوار، وتوفر دعما نفسيا عبر لقاءات تفريغ نفسي تنظم قبل وبعد المهمات القتالية".

مقالات مشابهة

  • صحيفة إسرائيلية: محاكمة جنود إسرائيليين حذروا من ضائقة نفسية
  • مسؤولون أوروبيون: محادثة بوتين وترامب انتصار كبير لموسكو
  • عقب محادثة هاتفية.. ترامب يصف بوتين بـ«الرجل اللطيف»
  • الجيش الإسرائيلي يعاقب 3 جنود رفضوا القتال في غزة
  • «هملولة» تعانق السيف الفضي للحول إنتاج في «ختامي الوثبة»
  • عالميا وعربيا.. ترتيب الدول من حيث حجم أساطيل الدبابات
  • ضابط إسرائيلي: ليس واضحا عن أي نوع من النصر نتحدث
  • إعلان وقف القتال وامداد تعز بالمياه والإخوان يتلكأون
  • بين عسكرين: حين انحنى السيف المصري واشتعل البركان الباكستاني
  • جيش الاحتلال يعلن توسيع القتال وبدء عملية برية داخل قطاع غزة