شهد حي الجمالية وخان الخليلي، وهما من أعرق أحياء القاهرة التاريخية، زيارة خاصة قام بها الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ونظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون، في جولة تعكس اهتمام الدولة المصرية بإبراز كنوزها التراثية والتاريخية، وتؤكد على البُعد الحضاري لمصر كجسر ثقافي بين الشرق والغرب.

وجاءت الزيارة في توقيت هام، حيث تسعى مصر إلى تعزيز السياحة الثقافية وتسليط الضوء على الأحياء القديمة التي تمثل هوية البلاد، وتؤرخ لتاريخها العريق الذي يمتد لآلاف السنين، وقد حظي حي الجمالية وخان الخليلي، في هذه المناسبة، باهتمام خاص من وسائل الإعلام المحلية والعالمية، لما يحمله من قيمة رمزية وثقافية فريدة.

الجمالية.. حيّ يروي حكاية وطن

يقع حي الجمالية في قلب القاهرة، ويُعد من أقدم أحيائها، إذ يضم بين جنباته كنوزًا معمارية تعود إلى عصور الفاطميين والمماليك والعثمانيين، هو أكثر من مجرد حي شعبي؛ إنه سجل حيّ لتاريخ المدينة، ومتحف مفتوح للعمارة الإسلامية، لا تزال الشوارع تحتفظ بطابعها التراثي، والأسواق تعجّ بالحركة، والمآذن تزين الأفق في مشهد لا يتكرر كثيرًا في مدن العالم.

حظيت المنطقة بأهمية كبيرة، فهي من المناطق النادرة التي تجتمع فيها مراحل تطور التراث المعماري الإسلامي، فنجد الآثار التي تعود للفاطميين مثل مساجد الأزهر والأقمر والحاكم بأمر الله، ونجد آثاراً نادرة تعود للعصر الأيوبي مثل المدرسة الكاملية، وآثار تعود لعهد المماليك مثل مجموعة قلاوون، وتضم أيضاً آثاراً عثمانية مثل أعمال عبدالرحمن كتخدا، فالجمالية منطقة جامعة لسلسلة التاريخ، وتضم تنوعاً معمارياً لا مثيل له يعكس تطور كل الفنون الإسلامية.

وعلى مدار السنوات كانت الجمالية ملتقى للفنانين من كل المجالات، فهي مكان ذو طاقة دافعة للإبداع، فالتجوال في الشوارع العريقة وسط الأبنية التاريخية يلهم المبدع كثيراً من الأفكار التي يستلهم منها في كل مجالات الإبداع، سواء الكتابة أو الفنون التشكيلية، وغيرها.

يحتفظ الحي بمكانته أيضًا في وجدان المصريين، كونه ارتبط بأعمال الأديب العالمي نجيب محفوظ، الحائز على جائزة نوبل للآداب، والذي وُلد ونشأ في هذا المكان، وقد تحولت الجمالية إلى مسرح حيّ لأعماله الروائية، التي جسدت بواقعية مذهلة الحياة الشعبية، والصراعات الإنسانية، والقيم الاجتماعية في مصر.

خان الخليلي.. سوق التاريخ وروح القاهرة

إلى جوار الجمالية يقع خان الخليلي، السوق الأشهر في القاهرة، والذي يعود تاريخه إلى القرن الرابع عشر الميلادي، عندما أنشأه الأمير "جُهاركس الخليلي" كمركز تجاري كبير، اليوم، لا يزال خان الخليلي يحتفظ بطابعه الأصيل، حيث تتراصّ المتاجر الصغيرة التي تعرض المشغولات اليدوية، والفضة، والنحاس، والعطور الشرقية، والتحف الإسلامية، في مشهد آسر لا تخطئه عين.

ويُعد خان الخليلي من أبرز المعالم السياحية والثقافية في القاهرة، حيث يستقبل يوميًا الزوار من كل أنحاء العالم، فضلًا عن كونه ملتقى للأدباء والمثقفين، خاصة في "قهوة الفيشاوي" التي طالما جلس فيها نجيب محفوظ، وكبار المثقفين المصريين والعرب.

يبلُغ عُمر حيّ «خان الخليلي» العتيق، 600 عام، حيثُ يُعتبر واحدًا من أقدم الأسواق في أنحاء المحروسة والشرق الأوسط، وما زال مُحتفظًا بمعماره القديم مُنذُ عصر المماليك، فلم يتأثر خان الخليل بعوامل الزمن، وظل مُلهمًا للأدباء والفنانين، فيحرض أخيلتهم دائمًا على الإبداع، مثلما كتبَ، نجيب محفوظ، روايتهُ «خان الخليلي» من وحي أجواء الحي القديم، واصفًا إياه بـ: «ستجِد في الشارع الطويل، عمارات مربعة القوائم تصل بينها ممرات جانبية تقاطع الشارع الأصلي، وتزحم جوانب الممرات والشارع نفسه بالحوانيت؛ فدكان للساعاتي وخطاط وأخر للشاي، ورابع للسجاد وخامس للتحف وهكذا».

رسائل الزيارة

الزيارة الرئاسية المزدوجة حملت رسائل متعددة، أبرزها التأكيد على أن مصر لا تملك فقط الأهرامات والمعابد، بل تمتلك قلبًا نابضًا بالحضارة في أزقة القاهرة القديمة، كما تعكس دعم الدولة لمشروعات التطوير والترميم التي تهدف للحفاظ على الهوية المعمارية والتاريخية للمنطقة، مع مراعاة البعد الإنساني والتراثي.

وتُعد هذه الجولة رسالة انفتاح ثقافي وسياحي، تعزز من مكانة مصر كوجهة متكاملة تجمع بين التراث الإنساني العريق، والواقع الحضاري المتجدد.

ويعتبر حي الجمالية وخان الخليلي ليسا مجرد موقعين أثريين، بل هما مرآة لروح القاهرة القديمة، وذاكرة وطن لا تزال تنبض بالحياة، وزيارة الرئيسين للمكان لم تكن فقط تقديرًا للتاريخ، بل دعوة للعالم للعودة إلى جوهر مصر، حيث يتعانق الماضي بالحاضر في مشهد لا يُنسى.

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: حي الجمالية لرئيس المصري عبد الفتاح السيسي الفرنسي إيمانويل ماكرون الدولة المصرية جسر ثقافي المزيد حی الجمالیة خان الخلیلی

إقرأ أيضاً:

الصبان.. 4 أشهر تصنع تاريخاً جديداً للتايكوندو السعودي

خلال فترة زمنية لا تتجاوز أربعة أشهر، استطاع رئيس الاتحاد السعودي للتايكوندو أحمد الصبان، أن يعيد رسم ملامح اللعبة محلياً وآسيوياً، ويكتب صفحة ذهبية في سجل إنجازاتها؛ بحصد المنتخب السعودي سبع ميداليات آسيوية، وهو رقم غير مسبوق في تاريخ اللعبة بالمملكة. هذه النتيجة لم تأتِ من فراغ، بل كانت حصيلة عمل إداري وتنظيمي محكم، ورؤية تعتمد على فتح المجال أمام الكفاءات، ومنح الفرص للمتميزين، بعيداً عن أي احتكار. منذ اللحظة الأولى لتوليه المسؤولية، بدأ الصبان بترتيب الأوراق الداخلية للاتحاد، وفتح ما يمكن تسميته بـ “مخازن المواهب”؛ إذ أخرج إلى الواجهة نخبة من اللاعبين والمدربين والإداريين الجدد، ممن استطاعوا ترك بصمتهم سريعاً على ساحة المنافسة. هذا النهج ساهم في بروز أسماء جديدة على المستويين المحلي والدولي، حتى إن بعض الأندية كتبت تاريخاً جديداً، مثل نادي الفتح الذي حصد ميدالية آسيوية للمرة الأولى في تاريخه.
لم يكن النجاح حبيس المنتخبات بمختلف الفئات فقط، بل امتد ليشمل الدرجات والفئات، حيث تنوعت الميداليات السبع بين الفئات السنية والوزنية، بما في ذلك (الباراتايكوندو) ما يعكس عمق قاعدة اللاعبين وتعدد مصادر الإنجاز. وعلى الصعيد المحلي، تغيرت “بورصة الأبطال”؛ إذ ظهرت أندية جديدة على منصات التتويج، وتنوعت الفرق الحاصلة على كأس التفوق العام لأول مرة، مثل الحريق، وهو ما يعكس التوزيع العادل للفرص، والتحفيز المتوازن بين مختلف الأندية،
الملفت أيضاً هو ارتياح الغالبية العظمى من المدربين واللاعبين والحكام لأسلوب إدارة الصبان، الذي يقوم على وضوح الرؤية وحسن التخطيط وإشراك الجميع في مسيرة التطوير. فقد فتح الباب أمام المدربين والإداريين والإداريات، وأتاح الفرصة للكفاءات في اللجان الإدارية والفنية، سواء على مستوى الرئاسة أو العضوية، ما أضفى على العمل طابعاً مؤسسياً وتعاونياً،
ومن الناحية التنظيمية، شهدت اللعبة في عهد الصبان تحديثاً واستحداثاً للوائح الفنية والتنظيمية، بما يتماشى مع متطلبات المرحلة وتطور قوانين اللعبة عالمياً؛ ما عزز من قدرة المنتخبات على المنافسة وفق أحدث المعايير.
لقد رسم الصبان نموذجاً مختلفاً في الإدارة الرياضية؛ نموذجاً يؤمن بأن “البقاء للأفضل”، وأن المنافسة الحقيقية تقوم على إتاحة الفرص لمن يمتلك القدرة والتميز، بعيداً عن أي قيود أو احتكارات. هذه الفلسفة جعلت الإنجاز الآسيوي الأخير أكثر من مجرد رقم قياسي، بل محطة تحول تؤسس لمرحلة ذهبية في تاريخ التايكوندو السعودي.
اليوم، وبعد سبع ميداليات آسيوية جاءت من مختلف الفئات والدرجات، بما في ذلك الباراتايكوندو، يدرك المتابعون أن أحمد الصبان لم يكتفِ بإدارة اتحاد، بل قاد مشروعاً متكاملاً لإحياء روح التحدي، وصناعة أبطال جدد، وتوسيع رقعة النجاح لتشمل جميع أركان اللعبة. إنها أربعة أشهر فقط، لكنها كانت كافية لتؤكد أن القيادة الواعية والعمل المؤسسي قادران على تحقيق ما كان يبدو بعيد المنال.

مقالات مشابهة

  • مادونا تدعو لإنقاذ أطفال غزة: السياسة وحدها لا تصنع التغيير
  • الشرطة السودانية تصنع الحدث
  • الصبان.. 4 أشهر تصنع تاريخاً جديداً للتايكوندو السعودي
  • سبب وفاة الشيخ علي بن عبدالله الخليلي
  • وفاة الشيخ علي بن عبدالله الخليلي
  • شاهد بالفيديو.. أخذت تتفاعل في الرقص.. سيدة سودانية تفاجئ المعازيم وتقتحم “صيوان” فرح بأحد الأحياء وهي راكبة على ظهر “حمار”
  • قوات الدعم السريع تقصف بالمدفعية الثقيلة الأحياء السكنية ومراكز الإيواء بالفاشر
  • السيطرة على حريق مخلفات أخشاب أعلى سطح مسجد فى الجمالية
  • كيف تصنع واشنطن حكام المزارع؟
  • بدء تفعيل مواقف الرياض المدارة داخل الأحياء السكنية مجانًا ..فيديو