كيف يقرأ خبراء إيرانيون مباحثات طهران وواشنطن في مسقط؟
تاريخ النشر: 13th, April 2025 GMT
طهران- على وقع الحشد العسكري في المنطقة والتهديد الأميركي باستخدام القوة الخشنة بحق إيران، تغلبت الإرادة الدبلوماسية في الجولة الأولى من مباحثات مسقط حول البرنامج النووي الإيراني أمس السبت، ليخرج منها الوفدان الإيراني والأميركي برواية إعلامية موحدة وصفت "بالإيجابية والبنّاءة"، ويؤكدان الاتفاق على مواصلتها السبت المقبل.
ومع ذلك، لم تتطابق رواية الجانبين؛ فبينما قالت طهران إن الوفدين تبادلا عبر الوسيط العماني مواقف حكومتيهما، كرّرت واشنطن وصفها للمحادثات بأنها مباشرة.
وما كان من الإعلام الفارسي سوى أن يناور على لقاء وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي والمبعوث الأميركي ستيفن ويتكوف، ويؤكد أنه حدث عقب انتهاء المباحثات، معتبرا إياه مؤشرا على أن المفاوضات كانت "غير مباشرة" كما أرادتها طهران.
وفي تقييم الجانبين للمباحثات، وصفت الخارجية الإيرانية الجولة الأولى بأنها إيجابية وبناءة"، في حين وصفها البيت الأبيض -وليس وزارة الخارجية- "بالإيجابية والبنَّاءة جدا".
حذر وتفاؤلوإذا كانت مباحثات مسقط قد وضعت بالفعل حدا للتباين الإعلامي الذي ظهر بإعلانها على لسان الرئيس الأميركي دونالد ترامب والوزير عراقجي الأسبوع الماضي، وردمت جزءا من الهوة بمواقفهما بشأن إمكانية تذليل العقبات في علاقاتهما، فإنها ترسم علامة استفهام عن سبب تفاؤل الأميركيين بها ووصفها بأنها "بناءة جدا" رغم عدم التوصل إلى أي اتفاق أولي أو إنجاز عملي.
إعلانوتقرأ أوساط سياسية في طهران تفاؤل البيان الأميركي -إلى جانب الحذر الإيراني- في سياق تذكير الرأي العام بعزم ترامب على إحلال السلام؛ إذ عاد للبيت الأبيض متحمسا لوضع حد للعديد من الأزمات الدولية، لكن الرياح جاءت معاكسة -حتى الآن- بخصوص الحرب الأوكرانية والعدوان الإسرائيلي على غزة.
وتعتقد الباحثة السياسية عفيفة عابدي، أنه خلافا للجانب الإيراني الذي يفضل شراء الوقت بناء على حساسية الجوانب التقنية في الملف النووي، فإن ترامب يبدو مستعجلا لحسم المفاوضات، لكنه يصطدم بشرط طهران مواصلتها "بعيدا عن التهديدات والضغوط".
وتعتبر عابدي، في حديثها للجزيرة نت، وصف الجانبين الإيراني والأميركي مباحثات مسقط بأنها إيجابية مؤشرا على عزمهما مواصلة المسار الدبلوماسي بالمرحلة الراهنة، موضحة أن أميركا تخشى العودة للمربع الأول في حال استخدامه لغة التهديد والوعيد بعد أن أظهرت طهران جدية لإزالة القلق الدولي بشأن برنامجها النووي.
وترى أن مبدأ "عدم الثقة" لا يزال يخيم على رؤية طهران حيال سياسات واشنطن وأنها لا تستبعد تغيير اللهجة الأميركية بشأن المفاوضات الجارية في الأيام المقبلة تحت تأثير اللوبي الإسرائيلي في الولايات المتحدة.
وخلصت عابدي إلى أن لقاء عراقجي وويتكوف لدى مغادرتهما مكان التفاوض جاء بمبادرة عُمانية ورغبة الجانبين بإيصال رسالة على توفر الإرادة لديهما لمواصلة المباحثات الأسبوع المقبل، وقد يكون "للتمهيد لتحولها إلى مباشرة في المستقبل".
انتقادوفي حين تحرص الرواية الإيرانية الرسمية على وصف لقاء عراقجي وويتكوف أنه كان "عفويا وغير مبرمج" فإنه حظي بتأييد كبير في أوساط سياسية بإيران التي ترى أن عقد المفاوضات المباشرة بطهران من دون وسيط وتبادل البعثات الدبلوماسية كفيل بوضع حد للعداء المتواصل منذ أكثر من 4 عقود.
إعلانفي المقابل، هاجم النائب المتشدد مهدي كوجك زاده مباحثات بلاده مع واشنطن، وكتب في قناته علی منصة "إيتا" المحلية أن "السبت كان يوما سيئا".
في حين أشار النائب حميد رسائي إلى أن عراقجي تأخر 10 دقائق في المجيء إلى مكان المفاوضات لكنه التقى الطرف المقابل بعد ختامها، وخاطب عراقجي بتغريدة على منصة إكس "لقد مُنِحتَ الإذن للتفاوض غير المباشر وكان بإمكانك التأخر بمغادرة المكان كما فعلت بداية لتفادي الحديث (مع الممثل الأميركي)، هذا ليس سلوكا عاديا".
من ناحيته، قلّل أستاذ العلاقات الدولية المتخصص بالملف طهران النووي محسن جليلوند من أهمية إشادة الجانبين الإيراني والأميركي بمباحثات مسقط، وقرأها في سياق "المجاملات الدبلوماسية المعتادة"، معتبرا أن العامل الأساس لتفاقم أزمة البرنامج النووي الإيراني لم يعد في الولايات المتحدة بل في تل أبيب التي ترى فيه تهديدا وجوديا لها.
واستذكر جليلوند، بحديثه للجزيرة نت، زيارات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى واشنطن عقب الانتخابات الأميركية 2016، حينما حث ترامب على الانسحاب من الاتفاق النووي.
عقبات إسرائيلورأى الأكاديمي أنه قد يكون الأجدر بطرفي المفاوضات طرح القضية الأساس بدلا من الملفات الثانوية، لأن طهران تمتلك بالفعل قدرات تؤرق الجانب الإسرائيلي، منها الصواريخ والمسيرات وفصائل المقاومة، وستكون سببا لأزمات محتملة بين طهران وواشنطن لاحقا.
وسيتواصل الضغط الأميركي على إيران بشتى الذرائع لتنصيب إسرائيل شرطيا في الشرق الأوسط -حسب جليلوند- كي تتفرغ الولايات المتحدة لمواجهة الصين، مؤكدا أن المحور "الصهيوأميركي" ينفذ مخططا محكما منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 للقضاء على الحاءات الأربعة (حماس وحزب الله والحشد الشعبي والحوثيين) لضمان أمن الكيان الصهيوني.
ويرى جليلوند أنه لطالما لا يقبل اللوبي الإسرائيلي بالولايات المتحدة بحل لملف إيران النووي سوى بتحييد عوامل الخطر التي تتهدد أمن إسرائيل "لا يمكن التفاؤل بصمود أي اتفاق محتمل بشأنه".
إعلانواستدرك أن العالم الغربي لا يريد تفويت فرصة تفعيل آلية الزناد قبل حلول يوم النهاية في الاتفاق النووي (18 أكتوبر/تشرين الأول 2025)، وذلك ما يجعل ترامب في عجلة من أمره لحسم مباحثات مسقط خلال شهرين أو ثلاثة على أقصى تقدير.
وختم الأكاديمي الإيراني بالقول إنه "مهما تقدمت مباحثات مسقط بشكل إيجابي وحصل تقارب حقيقي في وجهات النظر فستبقى معرضة للانهيار عند نشوب احتجاجات شعبية داخل إيران أو مهاجمة إسرائيل منشآت طهران الحيوية، أو فبركة أطراف خارجية هجوما على مصالح تل أبيب أو الولايات المتحدة وتوجيه أصابع الاتهام لإيران".
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات الولایات المتحدة مباحثات مسقط
إقرأ أيضاً:
إدوارد سعيد يقرأ بنيامين نتنياهو
وسط الجريمة المستمرة والمعلنة التي تقوم بها إسرائيل ضد الفلسطينيين، وسط الانحطاط الإنساني وانعدام الأخلاق الفج، يهمنا استعادة ما قاله المفكر الأمريكي الفلسطيني الراحل إدوارد سعيد عن بنيامين نتنياهو، ذلك لأن تراث المبدعين يبصرنا بحاضرنا وحياتنا أكثر، خاصة حين تدلهم الظلمة ويبدو ألا مخرج.
نبدأ باللقاءات المباشرة التي جمعت بين الرجلين، ولترتيب الأفكار نبدأ بالعكس من اللقاء الأخير بينهما، وهي صدفة جمعت الرجلين، وننقل هنا من كتاب إدوارد سعيد نهاية عملية السلام، دار الآداب، ط٢، ٢٠١٥م: «المرة الأخيرة التي رأيته فيها، ١٩٨٨، كنت أجلس في طائرة عندما دخل مسرعًا ولم يرني.. وقضى الساعة الأولى يتصفح أعدادًا قديمة من التايم والنيوزويك، ورآني عندما عاد من الحمام، وتجمّد وجهه، ودعا المضيفة فورًا وطلب تغيير مقعده، وهذا ما حدث فورًا، فعلق مسؤول كبير في الأمم المتحدة: «السيد السفير يبدو خائفًا منك».
كان بنيامين نتنياهو آنذاك سفير إسرائيل في الولايات المتحدة الأمريكية، وإضافة لهذه الحادثة هناك حادثة أخرى تؤكد الخوف الذي يشير إليه تعليق مسؤول الأمم المتحدة، وتلك الحادثة يرويها إدوارد سعيد نفسه في مقابلة تلفزيونية مسجلة معه، ولم يوردها في الكتاب، وهي تلقي ضوءًا أكثر على الموقف، وملخص القصة أن إحدى القنوات الأمريكية طلبت من إدوارد سعيد إجراء مناظرة مع نتنياهو، السفير الإسرائيلي في أمريكا كما أسلفنا، وطلب نتنياهو قبل المقابلة ليس فقط ألا يتحدث مباشرة مع إدوارد سعيد، وألا تجمعهما غرفة واحدة، بل أن يكون في مبنى آخر، وحين سأله المذيع أثناء الحلقة: سعادة السفير لماذا ترفض الحديث مع البروفيسور سعيد؟ فأجاب مباشرة «لأنه يريد قتلي»، وقد تبدو إجابته مثيرة للسخرية لأول وهلة، لكنها تكشف مقدار الحس الإجرامي لدى نتنياهو الذي يجعله يهلع من الاقتراب من الفلسطيني.
اسم بنيامين هو بمعنى ابن اليمين كما في العربية، والمراد أنه من أهل اليمين كما لدينا في الثقافة الإسلامية، أما نتنياهو فأقرب ترجمة لها هي عطية الله أو هبة الله، وهذا الاسم (الديني) له دلالة الجذور التي يأتينا منها نتنياهو كنسل مباشر للصهيونية المتطرفة بما هو ابن أحد منظريها كما هو معروف، وهو ما يلمح إليه إدوارد سعيد في موضع آخر من كتابه: «أنا مقتنع بأن لا خيار لنا الآن سوى العودة إلى خطاب المظلومين وأن نستخدم ما يفعله نتنياهو بنا فرصةً لتسليط الضوء على العلاقة المباشرة بين سياساته وتاريخ السياسات الصهيونية تجاه الفلسطينيين. لأنه ينحدر مباشرة من ذلك الخط من المنظرين الصهاينة الذين أعلنوا دومًا أن حقوق اليهود تعلو على حقوق الفلسطينيين.»
في الخامس من سبتمبر المقبل تحل ذكرى رحيل إدوارد سعيد الـ 20، وقد كتب إدوارد سعيد كلماته قبل هذه الجريمة التي يواصل نتنياهو ارتكابها اليوم بثلاثة عقود من الزمن تقريبًا، لكن للصدفة القدرية المحضة في عالمنا المعاصر يكون إدوارد سعيد هو من يذكرنا بالطريق الذي قد يبدو مسدودًا ومنغلقًا، بفعل كل الأخبار المتصلة التي تحاصرنا بالمآسي والكوارث والجرائم والإبادة التي يمارسها نتنياهو وحكومته ضد الفلسطينيين في غزة وفي عموم فلسطين:
«نحتاج أن نذكر أنفسنا بأن الصراعات السياسية هي دائمًا صراعات إرادة، يحاول طرف أن يقنع الطرف الآخر أن يستسلم، أن يفقد الإرادة في المقاومة ومواصلة الكفاح، وهذا ليس شأنًا عسكريًا بل هو شأن سياسي ومعنوي.»
إن هذه الآلة الحربية الإسرائيلية الغاشمة بكل تقنياتها وتفننها في الإجرام ضد الإنسانية عبر القتل والاستهداف والمجازر تسعى فعليًا كي يتعالى الصراخ، ويتصل النواح، حتى تزرع اليأس المطبق داخل المقهورين، فتلك غايتها المباشرة، وإذا كان منطق نتنياهو ونظرته القاصرة هي من يواصل إنتاج وتصدير هذه المآسي والجرائم للعالم، فمن الجهل الانسياق خلفه، لأنه ليس أكثر من جندي تقني كما وصفه إدوارد سعيد: «نتنياهو تقني على الطراز الأمريكي، أي أنه إداري وأيضًا جندي أيديولوجي، ويحمل أفكارًا عن اسرائيل والعالم لا يمكن وصفها إلا بأنها بسيطة إلى درجة الفجاجة»
لعل من غرائب عالمنا المعاصر أن يكون لمثل هذه السطحية وضيق النظرة كل هذا الشأن والأثر العالمي اليوم، لكن ذلك ليس بفعل مآثرها ومجدها وانتصاراتها كما لعلها تزعم لنفسها، بل بفعل انحطاطها المثبت، والواقع أن أغلب مجرمي الحروب هم في دواخلهم بمثل هذه السطحية والأيدلوجية والفجاجة، التي يفصح لنا إدوارد سعيد على المزيد من جوانبها، بما يلقي الضوء حتى على مباحثات الهدنة المزعومة الجارية التي ما زالت تفشل: « (من) الاستحالة الدخول في أي نوع من التباحث معه، عندما كنا نطرح قضايا رئيسية مثل حقوق الإنسان وحق المقاومة والصراع من أجل العدالة، تلخص موقف نتانياهو وقتذاك في تكرار ممل لحفنة من العبارات الجاهزة عن أمن إسرائيل، والحاجة إلى مقاومة الإرهاب، ثم مرارًا وتكرارًا- أهمية دحر الإرهاب.»
إن (دحر الإرهاب) هذا هو كل ما يراه نتنياهو، مع أن هذا الدحر المزعوم لم يتحقق حتى اللحظة والساعة، وما زالت حركة حماس هي المفاوض الرئيسي الذي يرد عليه، ولنا أن نتساءل ما حجم الثمن المطلوب الذي يريد نتنياهو من الفلسطينيين والعرب أن يدفعوه كي يحقق ما يدعوه بـ (أمن إسرائيل)؟ كم مزيدًا من القتلى والأطفال والنساء والمستشفيات والمدارس والرضع والجوعى والمخيمات والتهجير والحصار والنكبات والنكسات؟ ويجيبنا إدوارد سعيد: «نتنياهو أو بيريز لا يهمه الثمن الذي يدفعه الفلسطينيون شعبًا نتيجة أعمال إسرائيل، الفرق هو أن بيريز يريد إقناع العرب وغيرهم أخلاقيًا بمواقفه. في حين لا يهتم نتنياهو بما يفكر به الآخرون.. ويريد سيطرة مباشرة، ويريد للكل أن يروا المستوطنين والجنود الإسرائيليين وهم يغزون ويحتلون المناطق الفلسطينية.» هل نقول أن إدوارد سعيد كان يرى من وراء الغيب؟ لأن هذا ما يفعله نتنياهو اليوم فعلًا حين يجعل «الكل» يرون بأم أعينهم ما يقوم به المستوطنون والجنود الإسرائيليون اليوم.
إن الأثمان التي دفعها الفلسطينيون خلال نضالهم الطويل ضد ضيق الأفق الصهيوني، وخاصة أهل غزة اليوم هي بلا شك أثمان باهضة، لكن الواقع أن كل تلك الأثمان العظيمة والغالية إنما بذلت كي تتجنب الانصياع لهذه الفجاجة والسطحية والرثاثة الإنسانية التي تسفر عنها الحكومة الإسرائيلية اليوم بكل جلاء، وما هذه القوة الساحقة التي سعت إسرائيل لامتلاكها إلا لتحقيق غايات بائسة ولا أدل على ذلك البؤس من موقفها اليوم بكل أسلحتها وآخر تقنياتها أمام أهل غزة الجوعى المحاصرين. فإذا كان هذا هو الهدف وهذه هي الغاية فإنهما لا يدللان على المعدن الروحي والفكري لمن يديرون المشهد، مشهد البؤس الذي تكبر جريمته وتتضخم كل يوم، أمام أعين العالم أجمع، ولم يعد بالإمكان، بأي وسيلة مهما بلغت، دفن الجريمة نفسها تحت التراب والركام والتضليل.
إن نتنياهو من حيث لا يشعر لقصر نظره وسطحيته إنما يعمل بالعكس على فضح حقيقة الصهيونية وانحطاطها أمام العالم بأسره، وفضح كل داعميها كذلك، ولا يقدم في كل ما فعله وتفعله قواته حتى اليوم غير تأكيد ذلك البؤس والانحطاط بالأدلة والإثباتات الحية، حتى أصبحت الحقيقة جلية للعالم بأسره شرقًا وغربًا، وهذه الحقيقة اسمها فلسطين، وأبطالها هم أهلها، الذين ما زالوا يقاومون بكل ما يملكون الانحطاط الأخلاقي والإنساني المريع للصهيونية ودولتها الإسرائيلية، ولا أدل من أن رئيس حكومة إسرائيل اليوم، بنيامين نتنياهو نفسه، ليس أكثر من مجرم حرب مطلوب للقبض دوليًا.
إبراهيم سعيد شاعر وكاتب عُماني