كان الكاتب الإسباني البيروفي ماريو فارغاس يوسا، الحائز جائزة نوبل في الآداب عام 2010 والذي توفي الأحد عن 89 عاما، آخر ممثل عن الجيل الذهبي للأدباء في أميركا الجنوبية.

وقد كان فارغاس يوسا الذي نالت أعماله إعجابا كبيرا حول العالم بفضل طريقة تجسيده للحقائق الاجتماعية، أحد أبرز الكُتاب في فترة الطفرة الأدبية في أميركا اللاتينية، إلى جانب الكولومبي غابرييل غارسيا ماركيز والأرجنتيني خوليو كورتازار والمكسيكيين كارلوس فوينتس وخوان رولفو.

ألهمت تلك "الطفرة الأدبية" -التي عرفت باسم "إلبوم" (El boom)- حالة ثقافية جارفة وأثرت على الأفلام والمسرح والموسيقى والفولكلور، باختصار جعلت من أدب أميركا اللاتينية منتجا حيا وقابلا للتسويق في أوروبا وآسيا والشرق الأوسط وأفريقيا والولايات المتحدة، مما جعل شعوب القارة اللاتينية مرئية للعالم بفضل أدب لم يكن معروفا خارج حدود بلدانه، قبل أن يتحول إلى أهم الصادرات الثقافية، بحسب تقرير سابق للجزيرة نت.

وكتب ابنه الأكبر ألفارو في رسالة وقّعها أيضا شقيقه غونزالو وشقيقته مورغانا ونُشرت في الساعة 19.23 بالتوقيت المحلي (00.23 ت.غ) "ببالغ الحزن نعلن أن والدنا ماريو فارغاس يوسا توفي اليوم في ليما محاطا بعائلته وفي سلام".

ماريو فارغاس يوسا، الكاتب البيروفي الحائز على جائزة نوبل، يرتدي الزي التقليدي للأكاديميين الفرنسيين مع سيفه الاحتفالي (رويترز) جدل سياسي

وواجه فارغاس يوسا الذي انتخب عضوا في الأكاديمية الفرنسية عام 2021، انتقادات من الدوائر الفكرية في أميركا الجنوبية بسبب مواقفه المحافظة.

إعلان

ورغم أن الأديب ماريو فارغاس يوسا كان قريبا في موقفه من صديقه المدافع عن إسرائيل خورخي لويس بورخيس (1899-1986)، وكان يُنظر إليه في بلاده (البيرو) باعتباره يمينيا مؤيدا لأميركا، وكان يصف نفسه أحيانا بأنه صديق لإسرائيل، فإنه ذهب بنفسه في رحلات ليتعرف على واقع الحياة الفلسطينية، مما جعل رأيه يتغير من القضية.

وفي منتصف عام 2016، كتب يوسا -الذي حاور بورخيس- مقالا لصحيفة إلباييس الإسبانية ذاتها، وانتقد فيه ممارسات قوات الاحتلال الإسرائيلي التي قال إنها "تثير الذعر والاستقرار النفسي للأطفال والمراهقين الذين تتراوح أعمارهم بين 12 و17 عاما لتمنع الإرهاب"، وأضاف أن هذه الطريقة تختلف عندما يتعلق الأمر بالبالغين والمشتبه بهم، إذ تشمل "القتل الانتقائي والتعذيب وعقوبات السجن الطويلة والهدم ومصادرة الممتلكات".

وأبدى الأديب البيروفي الحائز على جائزة نوبل للآداب عام 2010 تعاطفه مع شبان فلسطينيين حضر بنفسه جلسة لمحاكمتهم، وقال "كان الصباح الذي قضيته معهم في القدس من أكثر ساعات حياتي تنورا".

سيرة لاتينية

وقال الأديب الراحل قبيل تسلمه جائزة نوبل في عام 2010 "نحن في أميركا اللاتينية حالمون بطبيعتنا، ونواجه صعوبة في التمييز بين الواقع والخيال. ولهذا السبب لدينا موسيقيون وشعراء ورسامون وكتاب بارعون، وكثير من القادة السيئين".

تُرجمت روايات فارغاس يوسا المحب للغة الفرنسية، إلى حوالي 30 لغة، وكان أول كاتب أجنبي يدخل مجموعة "بلياد" المرموقة خلال حياته في عام 2016، وهو العام الذي بلغ فيه الثمانين من عمره.

وكان المؤلف البيروفي الذي حصل على الجنسية الإسبانية عام 1993، قد قدم قبل بضع سنوات أحدث أعماله بعنوان "النظرة الهادئة (لبيريز غالدوس)"، وهي مقالة أدبية عن الكاتب الإسباني بينيتو بيريس غالدوس (1843-1920).

ماريو فارغاس يوسا (يمين) في حديث مع الرئيس الألماني فرانك فالتر شتاينماير في مهرجان الأدب الدولي العشرين في برلين 2020 (غيتي)

ولد فارغاس يوسا في أريكيبا في جنوب بيرو في 28 مارس/آذار 1936 لعائلة من الطبقة المتوسطة، ونشأ على يد والدته وعائلتها في بوليفيا ثم في بيرو. بعد دراسته في الأكاديمية العسكرية في ليما، حصل على شهادة في الأدب واتخذ خطواته الأولى في الصحافة.

إعلان

انتقل في عام 1959 إلى باريس حيث أمضى سنوات "حاسمة"، كما كتب في مقدمة أعماله المنشورة في مجموعة "بلياد".

وفي العاصمة الفرنسية كتب فارغاس يوسا أولى رواياته. وكان يقول إنه "بفضل (الأديب الفرنسي غوستاف) فلوبير" تعلم أسلوب العمل الذي يناسبه وكيفية أن يصبح "الكاتب الذي أراد أن يكون".

وفي باريس أيضا -حيث كان فارغاس يوسا مترجما ومعلما للغة الإسبانية وصحفيا في وكالة فرانس برس- تزوج من خوليا أوركيدي، التي كانت تكبره بـ10 سنوات، والتي ألهمت المؤلف لاحقا لكتابة "العمة خوليا والكاتب".

وبعد سنوات قليلة انفصل عنها وتزوج من قريبته باتريشيا يوسا، وأنجب منها 3 أبناء وظل معها لمدة 50 عاما.

تحولات الروائي والسياسي

انطلقت المسيرة الأدبية للكاتب البيروفي الشهير ماريو فارغاس يوسا عام 1959، مع صدور مجموعته القصصية الأولى "الزعماء" (Les caïds/Los jefes)، التي شكّلت باكورة إنتاجه الأدبي، وفتحت له باب الدخول إلى المشهد الثقافي في أميركا اللاتينية.

غير أن الانطلاقة الحقيقية نحو الشهرة جاءت بعد سنوات قليلة، حين أصدر روايته "المدينة والكلاب" (La ciudad y los perros) عام 1963، التي لاقت رواجًا نقديًّا وجماهيريًّا واسعًا، وأعقبها عمله الأبرز "البيت الأخضر" (La casa verde) سنة 1966، الذي رسّخ مكانته بين كبار كُتاب جيله.

في عام 1969، عزز فارغاس يوسا حضوره الأدبي برواية "حوار في الكاتدرائية" (Conversación en La Catedral)، التي تُعد من أبرز أعماله وأكثرها تعقيدًا، لما حملته من عمق سياسي ونقد اجتماعي حاد للواقع البيروفي آنذاك.

وواصل الكاتب الحائز على جائزة نوبل للآداب (2010) إبداعاته بروايات متنوّعة، من أبرزها: "بانتاليون والزائرات" (Pantaleón y las visitadoras)، و"حرب نهاية العالم" (La guerra del fin del mundo)، اللتان عكستا اهتمامه بالقضايا الإنسانية والحروب الأيديولوجية، فضلًا عن مذكراته "السمكة في الماء" (El pez en el agua)، التي وثّق فيها تفاصيل حملته الانتخابية للرئاسة في بيرو عام 1990، كاشفًا جانبًا من سيرته الذاتية والتجربة السياسية التي خاضها.

إعلان

في البداية انجذب فارغاس يوسا إلى أب الثورة الكوبية فيدل كاسترو، لكنه ابتعد عن النظام الشيوعي في عام 1971 عندما أجبرت كوبا الشاعر هيبرتو باديا على القيام بـ"نقد ذاتي".

كان مرشحا لرئاسة بيرو في عام 1990، وبدا فوزه مؤكدا حتى ظهر مهندس زراعي غير معروف، ألبرتو فوجيموري، وجرى انتخابه على نحو فاجأ الجميع.

ثم تخلى الحائز جائزة نوبل للآداب عن السياسة البيروفية.

ولكنه لم يتوقف أبدا عن متابعة الأخبار الدولية عن كثب، وكان يندد بانتظام بالشعبوية باعتبارها "مرض الديمقراطية"، بما يشمل سياسات تشافيز وكاسترو في أميركا اللاتينية واليمين المتطرف واليسار الراديكالي في أوروبا.

كان فارغاس يوسا صديقا مقربا من الكاتب الكولومبي الشهير غابرييل غارسيا ماركيز، قبل أن تنتهي علاقتهما بسبب جدال غامض. وتعهد فارغاس يوسا بالتكتم إلى الأبد عن الأسباب التي أدت إلى خلافهما.

وبعد أن انفصل عن زوجته الثانية، تصدر الكاتب عناوين الصحف المتخصصة في المشاهير في عام 2015 بسبب علاقته بالمرأة الإسبانية من أصل فلبيني إيزابيل بريسلر، الزوجة السابقة للمغني خوليو إيغليسياس. وأعلنا انفصالهما في نهاية عام 2022.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات فی أمیرکا اللاتینیة جائزة نوبل فی عام

إقرأ أيضاً:

لافروف: العالم على حافة الانفجار وحوار الكبار قد ينقذ البشرية

حذّر وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، من أن العالم يعيش على حافة أزمات خطيرة تتطلب حوارًا عقلانيًا بين القوى الكبرى، مشيرًا إلى أن استئناف العلاقات بين موسكو وواشنطن رغم صعوبته، قد يكون الخطوة الأهم لتجنب الانفجار العالمي.

وفي كلمته خلال منتدى “قراءات بريماكوف” الدولي في موسكو، أكد لافروف أن روسيا وافقت على مقترح إدارة ترامب لاستئناف الحوار مع الولايات المتحدة دون شروط مسبقة، في محاولة لإرساء توازن استراتيجي جديد، مشددًا على أن “الحوار المسؤول بين القوى الكبرى قد ينقذ البشرية من كوارث شبيهة بما نشهده اليوم”.

وأضاف: “ما زلنا بعيدين عن نقاش الاستقرار الاستراتيجي، لكن عندما يهدأ الغضب الأوروبي وتعود واشنطن إلى الواقعية، يمكن فتح الباب لحوار يعيد ضبط الأمن العالمي ويمنع تكرار أخطاء الماضي”.

وفي خضم تصاعد التوتر بين إيران وإسرائيل، انتقد لافروف الرواية الغربية بشأن “الحق في الدفاع عن النفس”، واعتبر أن “عدم وجود دليل على هجوم إيراني مزعوم يكشف حجم التسييس والخداع الإعلامي في الأزمة”، متهماً الأوروبيين بالتواطؤ في الهجمات الإسرائيلية والأمريكية على المنشآت النووية الإيرانية.ش

وفي موقف لافت، أعلن لافروف أن روسيا تقدّمت بمقترحات لحل النزاع عبر قنوات اتصال موثوقة مع واشنطن وطهران وتل أبيب، مؤكداً أن الردود كانت إيجابية، لكنه شدد في الوقت نفسه: “لسنا من يفرض نفسه كوسيط، لكننا نعرض المساعدة إن طلب منا ذلك”.

وتحدّث لافروف عن تقارير متضاربة حول وقف إطلاق النار بين إيران وإسرائيل، وقال: “قيل إن الأمريكيين أقنعوا تل أبيب بهدنة، وإن قطر لعبت دورًا في تهدئة طهران، لكن بعد إعلان التهدئة، تبادلت الأطراف الضربات مجددًا… لا يمكن بناء تقييم موضوعي على معلومات متناثرة”.

وفي انتقاد حاد للاتحاد الأوروبي، رأى لافروف أن أوروبا “أشعلت حربًا كبرى مرة أخرى في التاريخ”، مشيرًا إلى أنها لم تعد تملك ما تقدّمه في النظام العالمي الجديد، وبالتالي “من غير المرجح أن تكون أحد أقطاب العالم المتعدد الأقطاب الناشئ”.

وفي ختام كلمته، جدد وزير الخارجية الروسي استعداد موسكو للتعاون مع كل من يقبل بالحوار الصادق، قائلًا: “نحن مستعدون للبحث عن توازن في المصالح مع من يرغب بذلك بصدق وعلى قدم المساواة”.

يُذكر أن “قراءات بريماكوف” هو منتدى دولي يُعقد سنويًا في موسكو بمشاركة رفيعة من دبلوماسيين وخبراء وصناع قرار من مختلف دول العالم. وتركّز نسخة هذا العام على “الاضطرابات العالمية” والصراعات الجيوسياسية في ظل نظام دولي يشهد تحوّلات متسارعة تهدد الاستقرار العالمي.

آخر تحديث: 24 يونيو 2025 - 17:42

مقالات مشابهة

  • ذاكرة الألم والإبداع في أدب أفريقيا المدهشة بعين كتّابها
  • الهلال في مواجهة مكسيكية جديدة.. صدام باتشوكا يعيد ذكريات نادرة مع الكرة اللاتينية
  • يسرا تنعى الكاتب محمد عبد المنعم بهذه الكلمات «صورة»
  • إدارة الصين 31 ميناء بأميركا اللاتينية والكاريبي تشعل مخاوف واشنطن
  • «شكلت يقظة وطنية عظيمة».. أدباء ومفكرون: ثورة 30 يونيو أعادت الاعتبار لمفهوم الهوية المصرية
  • طلاب الثانوية الأزهرية بالفيوم: امتحان الأدب والنصوص مباشر ويعتمد على الحفظ
  • أدباء ومفكرون: ثورة 30 يونيو أنقذت الثقافة الوطنية وأعادت الاعتبار لمفهوم الهوية
  • طلاب الثانوية الأزهرية يؤدون اليوم امتحان مادة الأدب والنصوص
  • الأمانة العامة لمؤتمر أدباء مصر تعقد أول اجتماعاتها غدًا بالجيزة
  • لافروف: العالم على حافة الانفجار وحوار الكبار قد ينقذ البشرية