جريدة الرؤية العمانية:
2025-05-16@03:26:50 GMT

الصمت.. لغة الحكمة والسلامة

تاريخ النشر: 20th, April 2025 GMT

الصمت.. لغة الحكمة والسلامة

 

 

د. سليمان بن خليفة المعمري

 

عُرِفُ عن العرب أنهم يجلّون الصمت ويتركون الكلام إلا فيما ينفع معتبرين ذلك دلالة على الحكمة ورجاحة العقل، ويظهر ذلك في حكمهم وأمثالهم وأشعارهم المعروفة، وليس أدل على ذلك من القول المعروف" إذا كان الكلام من فضة فالسكوت من ذهب"، وقد قيل في الأمثال" ربّ كلمة تقول لصاحبها دعني".

وقد ورد في أصل هذا المثل أنّ ملكا صعد على صخرة كبيرة وكان معه أتباعه، فقال أحدهم: لو ذبح إنسان على هذه الصخرة، فمن أي جهة سيسيل دمه؟ فقال الملك: اذبحوه وللنظر من أي جهة سيسيل دمه؟ فبسبب ثرثرة هذا الشخص وكلامه الذي لا داعي له عرّض نفسه للتهلكة ولاقى حتفه، والحق أنّ ثمن إرواء شهية الكلام لدى البعض قد يكون باهظا فكم قد ندم أشخاصٌ على زلة لسان تسببت لهم في أفدح الخسائر من فقد وظيفة أو قطع علاقة أو افتضاح أمر كان مستوراً والعكس كم من أقوام عرفوا بمهابتهم وقوة شخصيتهم وتأثيرهم البالغ فيمن حولهم لا لشيء إلا لهدوئهم وسمتهم وتواضعهم وقلة كلامهم ونبل مبادئهم وحسن أخلاقهم.

وقد أمرنا الباري عز وجل بالصمت والخشوع في أسمى عبادة فرضها علينا وهي الصلاة فقال عز وجل "وَقُومُواْ لِلَّهِ قَٰنِتِينَ" (البقرة: 238) فقد ورد في بعض التفاسير أنها نزلت لتنهى عن الكلام في الصلاة، كما أورد القرآن الكريم في معرض ذكر قصة السيدة مريم العذراء عبرة بالغة الدلالة لأهمية الصمت، فعندما حملت وأنجبت بطريقة غير مألوفة لدى الناس أمرها ربها بأن تواجه انكار قومها عليها بالتزام الصمت فقال: "فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَٰنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيًّا"( مريم: 26)، فالتوجيه الرباني لها كان أن تترك المجادلات والنقاشات العقيمة معهم، وفي السنة النبوية الشريفة توجيهات نبوية صريحة بالتزام الصمت خلقا وسلوكا، ففي الحديث الشريف الذي رواه أبو هريرة رضي الله عنه، أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال :«من كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فليقل خيرًا أو ليصمت،..".

إنّ أخلاق المسلم الحق تجعله يترفع عن سفاسف الأمور، ويبتعد عن الخوض في أحاديث تجر عليه الحسرة والندامة، فيبقى دائم التفكر فيما يقول ويفعل لأنه يوقن أنه "مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ "( ق، 18)، والحق إنه اذا تم عقل الإنسان نقص كلامه، وأنّ من كثر كلامه كثر خطؤه، ولله در الإمام الشافعي رحمه الله حين قال:

 وَجَدتُ سُكوتي مَتجَراً فَلَزِمتُهُ

إِذا لَم أَجِد رِبحاً فَلَستُ بِخاسِرِ

وَما الصَمتُ إِلّا في الرِجالِ مُتَاجِرٌ

وَتاجِرُهُ يَعلو عَلى كُلِّ تاجِ

وإنّ مما يؤسف له أن تجد أشخاصا يكثرون اللغو والحديث في كل ناد وحوار ومجلس طلبا للشهرة والظهور، فيعلقون على كل قول ومكتوب ويمارون في كل مقولة ونقاش، ويحسبون أنّه من اللوازم والفروض الواجبة أن يردوا على كل ما يقال وينشر، فيقعون في أخطاء فادحة ويكسبون عداوات هم في غنى عنها، وما علم هؤلاء أن سلامة الإنسان في تجنب الرد والخوض في المهاترات، وقد صدق من قال "لو تحدث الناس فيما يعرفونه فقط لساد الهدوء أماكن كثيرة".

ورحم الله أناسا من الرعيل الأول كان دعاؤهم "اللهم أمتني دون أن يعرف بي أحد"؛ فكان أن عرفهم أهل الأرض والسماء وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، وخير للمرء أن لا يعرف من أن يعرف بفحش وسقط الكلام وبذيئه، وليكن شعارنا أحسن الكلام وأرقه وألينه، فإن وجهناه لكبير كان يعج بالأدب ويزخر بالتوقير، وإن كان لصغير كان ينضح بالرحمة والرأفة واللين، هذا والله تعالى نسأل أن يرزقنا الحكمة في القول والسداد في العمل.

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

إسرائيل مستاءة من ترامب لكنها تلتزم الصمت

التزمت حكومة بنيامين نتنياهو صمتا دبلوماسيا هذا الأسبوع، في وقت أطلق فيه الرئيس الأميركي دونالد ترامب عاصفة من التصريحات التي هزت افتراضات إسرائيل بشأن مكانتها لدى أهم حلفائها، الولايات المتحدة.

ويُنظر إلى قرار ترامب تجاوز إسرائيل خلال زيارته الحالية إلى الشرق الأوسط على أنه علامة على تركيز إدارته المتزايد على الصفقات التجارية المربحة مع دول الخليج.

وكانت إسرائيل حتى قبل بدء الزيارة في حالة توتر بسبب المحادثات الأميركية مع إيران، وبسبب قرار ترامب وقف قصف الحوثيين في اليمن، بغض النظر عن تصميم هذه الجماعة على مواصلة ضرباتها الصاروخية ضد إسرائيل.

ووقف المسؤولون الإسرائيليون موقف المتفرج بينما كانت واشنطن تتفاوض للتوصل إلى اتفاق مع حركة المقاومة الإسلامية (حماس) لإعادة الأسير عيدان ألكسندر، وترامب يعلن إنهاء العقوبات على سوريا ويدعو إلى تطبيع العلاقات مع الحكومة الجديدة في دمشق.

حتى عندما كان ترامب يتحدث في الرياض -أول أمس الثلاثاء- ناسبا لنفسه الفضل في اتفاق وقف إطلاق النار مع الحوثيين، كانت صفارات الإنذار تدوي في مناطق بجميع أنحاء إسرائيل مع توجه صاروخ من اليمن نحوها.

وتجاهل ترامب نفسه أي تلميح إلى أي قطيعة مع إسرائيل، وقال إن زيارته للمنطقة ستعود بالنفع في نهاية المطاف على إسرائيل.

إعلان

موقف المتفرج

ولم يدل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو حتى الآن بأي تعليق، باستثناء توجيه الشكر لترامب على مساعدته في إطلاق سراح ألكسندر، لكنه يواجه بانطباع عام بأن إسرائيل تخلفت عن الركب، لا سيما وأنها تتعرض بالفعل لضغوط دولية بسبب الحرب على غزة.

وكتب يوآف ليمور، المعلق في صحيفة يسرائيل هيوم "الشرق الأوسط في طور إعادة التشكيل أمام أعيننا من خلال سلسلة من الاتفاقات والاجتماعات، بينما تقف إسرائيل (في أفضل الأحوال) موقف المتفرج".

ويواجه نتنياهو ضغوطا من المتشددين الدينيين القوميين في حكومته الذين يصرون على مواصلة الحرب على غزة حتى إنزال هزيمة ساحقة بحماس، ومن باقي الإسرائيليين الذين يتزايد ضيقهم بالصراع الدائر منذ أكثر من 18 شهرا. وينحاز نتنياهو حتى الآن إلى صف المتشددين.

وقال جوناثان بانيكوف، وهو نائب سابق لمسؤول شؤون الشرق الأوسط في المخابرات الأميركية، إن أحداث الأسبوعين الماضيين تشير إلى وجود "تباين واضح في الأولويات" وإن المعاملة الخاصة التي كانت تتمتع بها إسرائيل عادة من الإدارات الأميركية ربما لم تعد قائمة.

وأضاف المسؤول المخابراتي الأميركي السابق "إذا كانت المسائل السياسية أو الأمنية التقليدية التي لطالما كانت الولايات المتحدة وإسرائيل تنسقانها عن كثب لا تستقيم جيدا مع أولويات ترامب فإنه سيمضي قدما فيها على أي حال".

ومن جانب آخر، يؤكد مسؤولون في إدارة ترامب على أن العلاقات الأميركية الإسرائيلية ما زالت قوية، لكنهم عبروا أحيانا عن خيبة أملهم تجاه نتنياهو في جلسات خاصة في وقت يسعى فيه ترامب للوفاء بوعد حملته الانتخابية بإنهاء الحرب في غزة وأوكرانيا بسرعة.

ويريد المسؤولون من نتنياهو أن يعمل بجد أكبر للتوصل إلى وقف لإطلاق النار، واتفاق مع حماس للإفراج عن المحتجزين. ولم يبد المسؤولون دعما يذكر لأي ضربة إسرائيلية للمنشآت النووية الإيرانية في ظل سعي الولايات المتحدة إلى حل دبلوماسي.

إعلان

التزام الصمت

والتزم المتشددون في الحكومة الإسرائيلية الصمت إلى حد كبير بعد أن كانت قد غمرتهم السعادة ذات يوم بإعلان ترامب عن خطة لإخلاء غزة من سكانها الفلسطينيين وتحويل القطاع إلى منتجع ساحلي، وحرص المسؤولون الإسرائيليون على تجنب أي انتقاد للإدارة الأميركية.

وقال متحدث باسم الخارجية الأميركية هذا الأسبوع، حين سُئل عن القلق من تهميش إسرائيل في عملية إطلاق سراح ألكسندر "الولايات المتحدة دولة ذات سيادة" مضيفا أن "الحوار الودي" بين إسرائيل والولايات المتحدة "سيجري بشكل مباشر وليس عبر الإعلام".

وقد جرى إيفاد فريق إسرائيلي إلى الدوحة للمشاركة في محادثات وقف إطلاق النار التي ينسقها ستيف ويتكوف المبعوث الخاص لترامب، لكن القوات الإسرائيلية كثفت ضرباتها على غزة.

مقالات مشابهة

  • خبير لوائح: من المرجح إلغاء قرار لجنة التظلمات الصادر اليوم من الحكمة الرياضية الدولية
  • ضبط 4 مخالفين للائحة الأمن والسلامة للأنشطة البحرية بجازان
  • هشام حنفي: الكلام على تفويت علي ماهر لمباراة الأهلي "تهريج"
  • إسرائيل مستاءة من ترامب لكنها تلتزم الصمت
  • هشام حنفي: الكلام عن تفويت علي ماهر للمواجهة أمام الأهلي تهريج
  • هشام حنفي: الكلام على تفويت علي ماهر للمواجهة أمام الأهلي "تهريج"
  • من أرصفة الحكمة الى ظلال الحياة
  • خلص الكلام.. مهيب يعلق على تخطي الأهلي عقبة سيراميكا
  • ما درجات البخل عند العرب؟
  • نكبة الصمت