ترتدي تاجا من نور يوم القيامة.. الفوز العظيم لمن علم أبناءه هذا الأمر
تاريخ النشر: 21st, April 2025 GMT
قال الدكتور مختار مرزوق عبدالرحيم، أستاذ التفسير وعلوم القرآن بكلية أصول الدين جامعة الأزهر فرع أسيوط، وعضو لجنة ترقية الأساتذة بجامعة الأزهر، إن من علم أبنائه وحفّظهم هذا الذكر في حياته البسه الله تاجا من نور يوم القيامة.
فأخرج الإمام أحمد عن ﻋﺒﺪ اﻟﻠﻪ ﺑﻦ ﺑﺮﻳﺪﺓ، ﻋﻦ ﺃﺑﻴﻪ ﻗﺎﻝ: ﻛﻨﺖ ﺟﺎﻟﺴﺎ ﻋﻨﺪ اﻟﻨﺒﻲ ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﻓﺴﻤﻌﺘﻪ ﻳﻘﻮﻝ: " ﺗﻌﻠﻤﻮا ﺳﻮﺭﺓ اﻟﺒﻘﺮﺓ؛ ﻓﺈﻥ ﺃﺧﺬﻫﺎ ﺑﺮﻛﺔ ﻭﺗﺮﻛﻬﺎ ﺣﺴﺮﺓ، ﻭﻻ ﻳﺴﺘﻄﻴﻌﻬﺎ اﻟﺒﻄﻠﺔ ".
ﻓﻴﻌﻄﻰ اﻟﻤﻠﻚ ﺑﻴﻤﻴﻨﻪ، ﻭاﻟﺨﻠﺪ ﺑﺸﻤﺎﻟﻪ، ﻭﻳﻮﺿﻊ ﻋﻠﻰ ﺭﺃﺳﻪ ﺗﺎﺝ اﻟﻮﻗﺎﺭ، ﻭﻳﻜﺴﻰ ﻭاﻟﺪاﻩ ﺣﻠﺘﻴﻦ ﻻ ﻳﻘﻮﻡ ﻟﻬﻤﺎ ﺃﻫﻞ اﻟﺪﻧﻴﺎ ﻓﻴﻘﻮﻻﻥ: ﺑﻢ ﻛﺴﻴﻨﺎ ﻫﺬا ؟
ﻓﻴﻘﺎﻝ: ﺑﺄﺧﺬ ﻭﻟﺪﻛﻤﺎ اﻟﻘﺮﺁﻥ.
ﺛﻢ ﻳﻘﺎﻝ ﻟﻪ: اﻗﺮﺃ ﻭاﺻﻌﺪ ﻓﻲ ﺩﺭﺝ اﻟﺠﻨﺔ ﻭﻏﺮﻓﻬﺎ، ﻓﻬﻮ ﻓﻲ ﺻﻌﻮﺩ ﻣﺎ ﺩاﻡ ﻳﻘﺮﺃ، ﻫﺬا ﻛﺎﻥ، ﺃﻭ ﺗﺮﺗﻴﻼ".
والسنة النبوية من خلال العديد من النصوص والآيات والأحاديث، والتي من خلالها استمدَّ العلماء أهمية وفضل حفظ القرآن الكريم، ومن تلك الفضائل والأدلة عليها من كتاب الله وسنة نبيه ما يلي:
1- حافظ القرآن من أهل الله وخاصَّته: حيث أن أهمِّ وأبرز فضائل حفظ القرآن الكريم والتي ينفرد بها من يحفظ كتاب الله أو يقرؤه أنه يُصبح من أهل الله في الدنيا والآخرة، ويُشير إلى ذلك ما رواه المنذري في الترغيب والترهيب عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم-: «إنَّ للهِ أهلين من النَّاسِ قالوا من هم يا رسولَ اللهِ قال أهلُ القرآنِ هم أهلُ اللهِ وخاصَّتُه».
2- القرآن يرفع حافظه: من أهمِّ فضائل حفظ القرآن: أنَّه يرفع من يحفظه حتى يبلغ منزلة الملائكة الكرام، حيث صحَّ من حديث السيدة عائشة أم المؤمنين -رضي الله عنها- أنها ذكرت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: «مَثَلُ الَّذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ وَهُوَ حَافِظٌ لَهُ مَعَ السَّفَرَةِ الْكِرَامِ الْبَرَرَةِ وَمَثَلُ الَّذِي يَقْرَأُ وَهُوَ يَتَعَاهَدُهُ وَهُوَ عَلَيْهِ شَدِيدٌ فَلَهُ أَجْرَانِ».
3- رفعة القدر في الدنيا: فمن فضائل حفظ القرآن الكريم في الدنيا أن يُصبح صاحبه رفيع القدر، كما أنه يكون من أهل الإجلال والتقدير عند الناس ويفرض احترامه على الناس لما يحمل في قلبه من القرآن، فقد رُوي عن عمر- رضي الله عنه- قوله: «أما إنَّ نبيَّكم - صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- قد قال: إِنَّ اللَّهَ يَرْفَعُ بِهَذَا الْكِتَابِ أَقْوَامًا وَيَضَعُ بِهِ آخَرِينَ»، كما جاء في سنن أبي داود من رواية أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه- قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم-: «إِنَّ مِنْ إِجْلَالِ اللَّهِ إِكْرَامَ ذِي الشَّيْبَةِ الْمُسْلِمِ وَحَامِلِ الْقُرْآنِ غَيْرِ الْغَالِي فِيهِ وَالْجَافِي عَنْهُ وَإِكْرَامَ ذِي السُّلْطَانِ الْمُقْسِطِ».
4- حافظ القرآن مغبوطٌ في الدنيا والآخرة: فإن أهل الدنيا يغبطون حافظ القرآن على المكانة التي وصل إليها بحفظه لكتاب الله، وفي ذلك جاء عن النبي - صلى الله عليه وسلم- من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه- أنه قال:« لا حسدَ إلا في اثنتَينِ: رجلٌ علَّمه اللهُ القرآنَ فهو يَتلوه آناءَ الليلِ وآناءَ النهارِ...».
5- حافظ القرآن له الأولوية في إمامة الناس في الصلاة: فقد أرشد النبي - صلى الله عليه وسلم- أصحابه إلى تقديم أكثرهم حفظاً لكتاب الله وأقرئهم له، مما يُشير إلى أولوية حافظ القرآن وأحقيته بإمامة الناس وأنه الأجدر بها، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم-: «يَؤُمُّ الْقَوْمَ أَقْرَؤُهُمْ لِكِتَابِ اللَّهِ».
6- يشفع القرآن لحافظه يوم القيامة: فقد ثبت في الأحاديث الصحيحة الواردة عن النبي - صلى الله عليه وسلم- أن القرآن يأتي شفيعاً لأصحابه يوم القيامة حتى يخرجوا به من النار، حيث يروي أبو أمامة - رضي الله عنه- يقول: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: «اقْرَءُوا الْقُرْآنَ فَإِنَّهُ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ شَفِيعًا لِأَصْحَابِهِ...».
7- حافظ القرآن يرتقي في منازل الجنة: فإن من يحفظ القرآن الكريم يرتقي في الجنة بمقدار حفظه من كتاب الله، وكلما ازداد حفظه ازداد رفعةً في درجات الجنة، فقد ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم- أنه قال:«يُقالُ لصاحبِ القُرآنِ يومَ القيامةِ اقرَأْ وارْقََ ورتِّلْ كما كُنْتَ تُرتِّلُ في دارِ الدُّنيا فإنَّ منزلتَك عندَ آخِرِ آيةٍ كُنْتَ تقرَؤُها».
8- إكرام الله لوالدي حافظ القرآن: فإن الله سبحانه وتعالى يُكرم والدي حافظ القرآن ويُعلي من قدرهما ويرفع منزلتهما مما يُشير إلى إكرام حافظ القرآن وفضله حتى إنّ والدَيه ينتفعان بحفظه ويعلو قدرهما ببركة ما حفظ من كتاب الله، فعن سهل بن معاذ الجهني عن أبيه - رضي الله عنه- قال إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- قال: «مَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ وَعَمِلَ بِمَا فِيهِ أُلْبِسَ وَالِدَاهُ تَاجًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ ضَوْءُهُ أَحْسَنُ مِنْ ضَوْءِ الشَّمْسِ فِي بُيُوتِ الدُّنْيَا لَوْ كَانَتْ فِيكُمْ فَمَا ظَنُّكُمْ بِالَّذِي عَمِلَ بِهَذَا».
طرق ووسائل تسريع حفظ القرآن الكريممن أهمِّ النصائح التي يرشد العلماء من أراد حفظ القرآن الكريم إليها ما يلي:
1- الإخلاص: فإن الإخلاص من أهم الوسائل المُعينة على حفظ القرآن الكريم، لأن الحافظ أمينٌ على رسالة الوحي الخالدة التي نزلت على قلب رسول الله - صلى الله عليه وسلم- وحفظت في الصدور وفي السطور.
2- تصحيح النطق: بأن يقرأ القرآن قبل حفظه على المشايخ المتقنين ويتعلم منه كيفية النطق الصحيح للآيات، خاصة المواضع التي فيها تشابه وصعوبة في اللفظ .
3- تحديد كمية الحفظ: حيث إن لكل شخصٍ حداً ومقداراً معيناً لا يستطيع أن يزيد عليه، وتحديد مقدارٍ ثابتٍ للحفظ يعتبر من أهم الوسائل المعينة على ديمومة الحفظ والصبر عليه.
4- اختيار الزمان والمكان المناسبين: فينبغي على الذي يريد حفظ كتاب الله أن يُحدد المكان والتوقيت المناسب للحفظ؛ فلا يحفظ في وقت اشتداد الحر أو في مكانٍ مليءٍ بالإزعاج وأفضل مكانٍ لحفظ القرآن على الإطلاق المسجد.
5- لا ينبغي على الذي يريد حفظ القرآن الانتقال إلى موضع حفظٍ جديد حتى يُتقن الذي حفظه سابقاً؛ حيث إن ذلك يؤدي إلى تشتيت القرآن في عقله ولا يكون قد استقرَّ في ذهنه شيءٌ منه إلا النزر اليسير.
6- حافظ على الحفظ من مصحفٍ خاص ( له رسمٌ واحد)؛ لأن عقل الإنسان يهتمُّ بالتفاصيل فإذا تغيرت المصاحف في رسمها من حيث عدد الأسطر ولون الكلمات تشتت الحافظ ولم يُثبت حفظه كما ينبغي.
7- المحافظة على ترابط السور والآيات: فالسورة الواحدة تحتوي على أحداث متسلسلة، وكذلك الآيات الطويلة؛ فلا ينبغي حفظ جزءٍ من السورة ثم الانتقال إلى موضعٍ آخر منها دون ربط السابق باللاحق، والترابط بين آيات السور وقصصها يُسهل من الحفظ ويجعله يسيراً مرناً.
8- الفهم من أسرع طرق الحفظ: فإن الحافظ إذا فهم مغزى الآيات حفظها وإن توضَّح له معناها سهُل عليه الربط بين جزئيات السورة وبالتالي حفظها بيسرٍ وسهولة.
9- التفسير يُعين على الحفظ: فيجب على من يريد حفظ القرآن أن يقرأ التفاسير ليُدرك أسباب النزول والمعاني الخفية وراء الآيات وبعض الكلمات ذات الدلالات البعيدة، مما يُعينه على الحفظ بشكلٍ أيسر.
10- العناية بالمتشابهات: في بعض المواضع المتشابهة بين السور والآيات ينبغي العناية بتلك المواضع وربط أطراف الآيات ومواضع السور حتى يسهل التفريق بين المتشابهات من الآيات والسور.
11- التسميع والتسابق مع أهل القرآن: فينبغي على من يريد الحفظ أن يختار صُحبةً ممن يسعون إلى حفظ كتاب الله ليشجعوه على الحفظ ويتسابق معهم عليه مما يُحرك فيه روح المنافسة ويجعله أكثر نشاطاً وهمة.
12- معاهدة القرآن الكريم: حيث إن القرآن الكريم شديد التَّفلُّت من صاحبه ما لم يتعاهده بالمراجعة والمذاكرة.
13- اغتنام سنوات الحفظ: فينبغي أن يسعى الإنسان إلى تحفيظ أبنائه القرآن الكريم وهم في بداية عمرهم حتى يسهل عليهم الحفظ ويترسخ في أذهانهم، وهذا لا يعني عدم قدرة الكبار على الحفظ إن توافرت العزيمة والإرادة لذلك.
14- الصلاة خلف إمام حافظ متقن: لأن المسلم إذا صلى خلف إمامٍ يحفظ القرآن يتشجع على الحفظ طمعاً بالوصول إلى ما وصل إليه الإمام من الحفظ.
15- المحافظة على الورد: ينبغي على الحافظ أن يجعل له ورداً مخصصاً يذاكره يومياً حتى يترسخ القرآن في عقله وقلبه.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: تعليم القرآن المزيد صلى الله علیه وسلم حفظ القرآن الکریم حفظ کتاب الله رضی الله عنه حافظ القرآن یوم القیامة ینبغی على على الحفظ رسول الله فی الدنیا ال ق ر آن عن النبی من أهم
إقرأ أيضاً:
حكم اختصار الصلاة على النبي عند الكتابة إلى (ص) أو (صلعم).. الإفتاء تجيب
تلقت دار الإفتاء المصرية سؤالا يقول صاحبه: ما حكم كتابة حرف الصاد (ص) أو لفظ (صلعم) بدلًا من كتابة (صلى الله عليه وسلم) بعد الاسم الشريف؟
وأجابت دار الإفتاء عبر موقعها الرسمى عن السؤال قائلة:
لا ينبغي للمسلم أن يستبدل الإشارة بحرف (ص) أو لفظ (صلعم) أو غيرهما بالصلاة والسلام على سيد الوجود صلى الله عليه وآله وسلم، ولا يَحْسُنُ به فعل ذلك؛ فهو أمرٌ منهيٌّ عنه كما قرره العلماء، كما أن فاعل ذلك يُخشى عليه أن يكون ممن حُرِمَ من فضل الله تعالى ورحمته؛ لما في ذلك من التكاسل عن تحصيل الثواب العظيم والأجر الجزيل، ولما فيه أيضًا من سوء الأدب والجفاء والتهاون مع جنابه الرفيع صلى الله عليه وآله وسلم.
وأوضحت أن الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم من أفضل القربات عند الله تعالى؛ لقول الله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ [الأحزاب: 56]؛ قال الإمام القرطبي في تفسيره "الجامع لأحكام القرآن" (14/ 235، ط. دار الكتب المصرية) قولَ سهل بن عبد الله: [الصلاة على محمد صلى الله عليه وآله وسلم أفضل العبادات؛ لأن الله تعالى تولاها هو وملائكته، ثم أمر بها المؤمنين، وسائر العبادات ليس كذلك] اهـ.
وتتأكد هذه العبادة الجليلة عند ذكر اسمه المنيف صلى الله عليه وآله وسلم؛ حتى إن مَن يتراخى عنها عند ذكر الاسم الطاهر يُتَوَجه إليه الذم واللوم؛ لسوء صنعه؛ قال العلامة الصالحي الشامي في "سبل الهدى والرشاد" (12/ 421، ط. دار الكتب العلمية): [ينبغي أن تكون الصلاة عليه مُعْقَبَةً بِذِكْرِهِ عنده؛ حتّى لو تراخى عن ذلك ذُمَّ عليه] اهـ.
واشارت الى ان كلُّ الأعمال بين القبول والرد إلَّا الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم فإنها مقبولة قولًا واحدًا.
قال العلامة ابن عابدين في "حاشيته على الدر المختار" (1/ 520، ط. الحلبي): [مطلب في أنَّ الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم هل ترد أم لا؟ قال الفاسي في "شرحه": ومن تمام كلام أبي سليمان عند بعضهم: وكل الأعمال فيها المقبول والمردود إلا الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم فإنها مقبولة غير مردودة، وروى الباجي عن ابن عباس: إذا دعوت الله عزَّ وجلَّ فاجعل في دعائك الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم فإنَّ الصلاة عليه مقبولة، والله سبحانه أكرم من أن يقبل بعضًا ويرد بعضًا، ثم ذكر نحوه عن الشيخ أبي طالب المكي وحجة الإسلام الغزالي.. والذي يظهر من ذلك أن المراد بقبولها قطعًا أنها لا ترد أصلًا مع أن كلمة الشهادة قد ترد فلذا استشكله السنوسي وغيره.
والذي ينبغي حمل كلام السلف عليه أنه لما كانت الصلاة دعاء، والدعاء منه المقبول ومنه المردود، وأن الله تعالى قد يجيب السائل بعين ما دعاه وقد يجيبه بغيره لمقتضى حكمته: خرجت الصلاة من عموم الدعاء؛ لأن الله تعالى قال: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ﴾ [الأحزاب: 56] بلفظ المضارع المفيد للاستمرار التجددي مع الافتتاح بالجملة الاسمية المفيدة للتوكيد وابتدائها بإن لزيادة التوكيد، وهذا دليل على أنه سبحانه لا يزال مصليًّا على رسوله صلى الله عليه وآله وسلم ثم امتن سبحانه على عباده المؤمنين حيث أمرهم بالصلاة أيضًا؛ ليحصل لهم بذلك زيادة فضل وشرف، وإلا فالنبي صلى الله عليه وآله وسلم مُسْتَغْنٍ بصلاة ربه سبحانه وتعالى عليه، فيكون دعاء المؤمن بطلب الصلاة من ربه] اهـ.
وقد جرت عادة علماء المسلمين قاطبةً أنهم إذا كتبوا أو نطقوا أو سمعوا أو شاهدوا اسمه المُعظم صلى الله عليه وآله وسلم بادروا بالصلاة والسلام عليه.
حكم اختصار الصلاة والسلام على سيدنا النبي عند الكتابة إلى (ص) أو (صلعم)
أما عن كلمة (صلعم)؛ فهي منحوتة من قولنا: "صلى الله عليه وآله وسلم"؛ ومعنى النحت أن تؤخذ كلمتان أو أكثر، وتنحت منهما كلمةٌ تكون مأخوذةً منهما جميعًا ومعبرةً عنهما؛ ينظر: "معجم مقاييس اللغة" للعلامة ابن فارس (1/ 328-329، ط. دار الفكر)، و"المزهر في علوم اللغة وأنواعها" للإمام السيوطي (1/ 372، ط. دار الكتب العلمية)، وقد ذكر العلامة الطاهر ابن عاشور أن القصد من النحت هو الاختصار أو التخفيف لكثرة دوران ذلك على الألسنة؛ ينظر: "التحرير والتنوير" (1/ 137، ط. الدار التونسية).
وهذه الكلمة وغيرها من نحو (ص) ممَّا يُقصَد به الاكتفاء والإشارة إلى الصلاة والسلام على سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم عند ذكر اسمه الكريم يُعدُّ من العادات السيئة والخصال المذمومة، سواءٌ قُصد بها الاختصار أو التخفيف لكثرة ورودها أو غير ذلك، ولا يفعل ذلك إلا محرومٌ من بركة الصلاة والسلام على سيد الكونين صلى الله عليه وآله وسلم.
نصوص العلماء في هذه المسألة
قد تواردت بكثرة نصوص العلماء التي تدل على الكراهة الشديدة لهذا الصنيع والتحذير منه.
قال الإمام ابن الصلاح في "معرفة أنواع علوم الحديث" (ص 298-300، ط. دار الكتب العلمية) في كتابة الحديث وكيفية ضبط الكتاب وتقييده: [ينبغي له أن يحافظ على كتابة الصلاة والتسليم على رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم عند ذكره، ولا يسأم من تكرير ذلك عند تكرره؛ فإن ذلك من أكبر الفوائد التي يتعجلها طلبة الحديث وكتبته، ومن أغفل ذلك حُرِمَ حظًّا عظيمًا، وقد روينا لأهل ذلك منامات صالحة، وما يكتبه من ذلك فهو دعاء يثبته لا كلام يرويه؛ فلذلك لا يتقيد فيه بالرواية ولا يقتصر فيه على ما في الأصل.. ثم ليتجنب في إثباتها نقصين: أحدهما: أن يكتبها منقوصة صورةً رامزًا إليها بحرفين أو نحو ذلك. والثاني: أن يكتبها منقوصة معنى بأن لا يكتب (وسلم).. سمعت أبا القاسم منصور بن عبد المنعم، وأم المؤيد بنت أبي القاسم بقراءتي عليهما قالا: سمعنا أبا البركات عبد الله بن محمد الفراوي لفظًا، قال: سمعت المقرئ ظريف بن محمد، يقول: سمعت عبد الله بن محمد بن إسحاق الحافظ، قال: سمعت أبي يقول: سمعت حمزة الكناني، يقول: كنت أكتب الحديث، وكنت أكتب عند ذكر النبي: (صلى الله عليه)، ولا أكتب (وسلم)، فرأيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم في المنام؛ فقال لي: ما لك لا تتم الصلاة عليَّ؟ قال: فما كتبت بعد ذلك (صلى الله عليه) إلا كتبت (وسلم)؛ قلت: ويُكره أيضًا الاقتصار على قوله: (عليه السلام)، والله أعلم بالصواب] اهـ.
وقال الإمام النووي في "التقريب والتيسير" (ص: 68، ط. دار الكتاب العربي): [وينبغي أن يحافظ على كتابة الصلاة والتسليم على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ولا يَسْأم من تكراره، ومن أغفله حُرم حظًّا عظيمًا، ولا يتقيد فيه بما في الأصل إن كان ناقصًا، وهكذا الثناء على الله سبحانه وتعالى: كعزَّ وجلَّ، وسبحانه وتعالى، وشبهه، وكذا الترضي والترحم على الصحابة والعلماء وسائر الأخيار، وإذا جاءت الرواية بشيء منه كانت العناية به أكثر وأشد، ويُكره الاقتصار على الصلاة أو التسليم والرمز إليهما في الكتابة، بل يكتبهما بكمالهما] اهـ.
وقال الإمام جمال الدين الإسنوي في "المهمات" (1/ 33، ط. مركز التراث الثقافي المغربي): [أمَّا الصلاة على النبي فيجب أن تكتب كاملة، وقد كره الفقهاء اختصارها، وقد اختصرها بعض العجم على هذا الشكل: (صلعم، ص م)؛ أي: صلى الله عليه وآله وسلم، و (ع م)؛ أي: عليه السلام] اهـ.
وقال الإمام الْجَعْبَري برهان الدين [ت: 732] في "رسوم التحديث في علوم الحديث" (ص: 122، ط. دار ابن حزم): [ويحافظ على تكرار: سبحانه، وتبارك وتعالى، وعزَّ وجلَّ، وصلى الله عليه وآله وسلم، وعليه الصلاة والسلام، ورضي الله عنه، ورحمه الله تعالى، وإن حذفت في الأصل، وفاقًا للعنبري وابن المديني؛ لأنه تعظيم ودعاء، وقصره أحمد على ما في الأصل (الخطيب): ولفظ بها، وكره إفراد الصلاة أو السلام، ورمز (صلعم) أشدُّهُ أي: أشد كراهة- و(رضعنه) خَطَأ] اهـ.
وقال الحافظ أبو الفضل العراقي في "شرح التبصرة والتذكرة" (1/ 477، ط. دار الكتب العلمية): [ويُكْرَهُ أن يَرْمِزَ للصَّلاة على النبيِّ صلى الله عليه وآله وسلم في الخطِّ بأن يقتصرَ من ذلك على حرفينِ، ونحو ذلك كمن يكتُبُ (صلعم) يشيرُ بذلك إلى الصلاة والتَّسْلِيمِ] اهـ.
وقال العلامة شمس الدين ابن عمار [ت: 844هـ] في "مفتاح السعيدية في شرح الألفية الحديثية" (ص: 298، ط. مركز النعمان): [«واجتنب» يعني: أنه كَرِه الرَّمز للصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الخَطّ، فيقتصر على لفظين ونحوه فيكتب: (صلعم) إشارةً إلى الصلاة والتسليم] اهـ.
وقال الإمام الكافِيَجي [ت: 879هـ] في "المختصر في علم الأثر" (ص: 181، ط. مكتبة الرشد): [وَالرَّمْز بالصلاة مَكْرُوه؛ كأن يكْتب (صلعم) ويشير بذلك إلى الصَّلَاة والسلام] اهـ.
وقال الحافظ السخاوي في "القول البديع" (ص: 247-248، ط. دار الريان): [ولا ينبغي أن يُرمز بالصلاة كما يفعله الكسالى والجهلة وعوام الطلبة؛ فيكتبون صورة (صلعم) بدلًا من صلى الله عليه وآله وسلم] اهـ.
وقال أيضًا في (ص252-254): [وعن أبي علي الحسن بن علي العطار قال: كتب لي أبو طاهر المخلص أجزاءً بخطه فرأيته فيها إذا جاء ذكر النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: صلى الله عليه وآله وسلم تسليمًا كثيرًا كثيرًا كثيرًا؛ قال أبو علي: فسألته عن ذلك، وقلت له: لِمَ تكتب هكذا؟ فقال: كنت في حداثة سني أكتب الحديث، وكنت إذا جاء ذكر النبي صلى الله عليه وآله وسلم لا أصلي عليه؛ فرأيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم في النوم؛ فأقبلت إليه.. قال: فسلمت عليه؛ فأدار وجهه عني، ثم دُرْتُ إليه من الجانب الآخر، فأدار وجهه ثانية عني؛ فاستقبلته ثالثة؛ فقلت: يا نبي الله لِمَ تدير وجهك عني؟ فقال: لأنك إذا ذكرتني في كتابك لا تُصَلِّي عليَّ؛ قال: فمن ذلك الوقت إذا كتبت النبي؛ كتبت: صلى الله عليه وآله وسلم تسليمًا كثيرًا كثيرًا كثيرًا. رواه ابن بشكوال، وبالله التوفيق، ونسأله أن يلهمنا الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كلما ذكر خطًّا ونقطًا صلى الله عليه وآله وسلم تسليمًا كثيرًا كثيرًا كثيرًا آمين] اهـ.
وقال العلامة العلموي الدمشقي الشافعيّ [ت: 981هـ] في "العقد التليد في اختصار الدر النضيد" (ص: 255، ط. مكتبة الثقافة الدينية): [وجرت عادة السلف والخلف بكتابة: صلى الله عليه وآله وسلم، ولعل ذلك لموافقة الأمر في الكتاب العزيز في قوله: ﴿صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا﴾ [الأحزاب: 56]، ولا يختصر الصلاة في الكتابة، ولا يسأم من تكريرها كما يفعله بعض المحرومين: من كتابة: صلعم أو صلع أو صلم أو صم أو صلسلم، فإن ذلك مكروه كما قال العراقي] اهـ.
وقال الإمام محمد بن بلبان الدمشقي الحنبلي [ت: 1083هـ] في "مختصر الإفادات" (ص: 348، ط. دار البشائر الإسلامية): [ويكره الرمز للصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم، بأن يقتصر من ذلك على حرفين، ونحو ذلك ككتابة "صلعم" إشارة إلى الصلاة والسلام] اهـ.
ما قاله العلماء فيمن يقوم باختصار الصلاة والسلام على سيدنا النبي
ومن شناعة هذا الأمر أن العلماء قد وصفوا مَن يقوم بهذا الفعل بأنه متهاونٌ كسولٌ محسوبٌ على الجهلة، وأنه إنما يفعل ذلك لقلة أدبه مع الجناب النبوي الشريف صلى الله عليه وآله وسلم.
قال الإمام شمس الدين السَّفِيري [ت: 956هـ] في "المجالس الوعظية في شرح أحاديث خير البرية" (1/ 80، ط. دار الكتب العلمية): [ويتجنب أن يكتب (صلعم) مكان صلى الله عليه وآله وسلم كما يفعله الكسالى والجهلة وعوام الطلبة، يأخذون من كلِّ كلمة حرفًا: الصاد من صلى، واللام من الله، والعين من عليه، والميم من وسلم، ويجمعونها (صلعم)] اهـ.
وقال العلامة ابن علان في "الفتوحات الربانية على الأذكار النواوية" (3/ 320، ط. جمعية النشر والتأليف الأزهرية): [ويخشى على الكاتب إذا رمز للصلاة بصورة (صلعم) أن يندرج في هذا القبيل أي: ممن باء بغضب الله ومقته وطرده- لتهاونه وقلة أدبه] اهـ.
ومما يدل على شُؤم هذا الأمر وأنه قبيحٌ غير محمود ما ذكره الإمام جلال الدين السيوطي في "تدريب الراوي" (1/ 507، ط. دار طيبة) حيث قال: [(و) يُكره (الرمز إليهما في الكتابة) بحرف أو حرفين، كمن يكتب (صلعم) (بل يكتبهما بكمالهما) ويقال: إن أول من رمزهما ب(صلعم) قطعت يده] اهـ.
وقال شيخ الإسلام زكريا الأنصاري الشافعي في "فتح الباقي بشرح ألفية العراقي" (2/ 44، ط. دار الكتب العلمية): [(واجتنب) أنت (الرمز لها)؛ أي: للصلاة مع السلام في خَطِّكَ، كأن تقتصر منها على حرفين، كما يفعله أبناء العجم، وعوَامُّ الطلبة، فيكتبون بدلها: (صم)، أو (صلعم)؛ فذلك خلاف الأولى، بل قال الناظم: إنه مكروه، ويقال: إن من رمز لها بـ(صلعم) قُطِعَتْ يده] اهـ.
التحذير من الاستهانة باختصار الصلاة والسلام على سيدنا النبي إلى لفظ (صلعم)
بالإضافة لكلِّ ما سبق فإن لفظة: (صلعم) بخصوصها قد تُجرِّئُ بعض السفهاء المتربصين بالجناب النبوي الشريف أو غيرهم على الاستهانة بمقامه الرفيع؛ كأن يقولوا على سبيل الاستهزاء أو الاستهانة أو غير ذلك: "قال صلعم كذا" أو نحو ذلك؛ وهذا ممتنعٌ بالإجماع؛ فقد أنكر الله تعالى على من يفعل ذلك وخاطبه موبخًا له بقوله: ﴿قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ﴾ [التوبة: 65]، وقد انعقد إجماع الأمة على منع وتحريم الاستهانة برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؛ ينظر: "الإقناع في مسائل الإجماع" للعلامة ابن القطان الفاسي (2/ 270، ط. الفاروق الحديثة)، و"الإجماع" للإمام ابن المنذر (ص: 132، ط. دار الآثار).
فيُؤخذ من مجمل ما قرره العلماء مما ذكرنا أن هذه الكراهة المنصوص عليها بلفظ الاجتناب، وغيرها من التغليظ والتأكيد في النهي عن إتيان هذا الأمر واقترافه، وأنه يُتوقع أن يكون بابًا للاستهانة بالجناب النبوي العظيم: أن كتابة رمزٍ بدلًا من الصلاة عليه صلى الله عليه وآله وسلم أو الإشارة إليها بنحو لفظ (صلعم) أو غيره أمرٌ منهيٌ عنه؛ أي: لا ينبغي فعله.
قال العلامة أبو الوفاء نَصْر الهُوريني [ت: 1291هـ] في "المَطَالعُ النصرية للمطابع المصرية في الأصُول الخطية" (ص: 397، ط. مكتبة السُّنَّة): [كما أن للعجم في الكتب العربية رموزًا معروفة عندهم، مثل: (مم): ممنوع.. (عـ م) عليه السلام، وكذا (صلعم) أو (ص م)؛ لكن نَهَى العلماء عن تقليدهم في ترك كِتابة التَّصْلية] اهـ.
وأكدت بناءً على ذلك إنه لا ينبغي للمسلم أن يستبدل الإشارة بحرف (ص) أو لفظ (صلعم) أو غيرهما بالصلاة والسلام على سيد الوجود صلى الله عليه وآله وسلم، ولا يَحْسُنُ به فعل ذلك؛ فهو أمرٌ منهيٌّ عنه كما قرره العلماء، كما أن فاعل ذلك يُخشى عليه أن يكون ممن حُرِمَ من فضل الله تعالى ورحمته؛ لما في ذلك من التكاسل عن تحصيل الثواب العظيم والأجر الجزيل، ولما فيه أيضًا من سوء الأدب والجفاء والتهاون مع جنابه الرفيع صلى الله عليه وآله وسلم.