الإفتاء توضح الموقف الشرعي من مسألة المساواة الكاملة في الميراث
تاريخ النشر: 21st, April 2025 GMT
أصدرت دار الإفتاء المصرية بيان حول دعوى المساواة المطلقة في الميراث تحت لافتة التطوع أو الاستفتاء الشعبي
قائلة: الحمد لله الذي بيَّن فرائض هذا الدين فأحكمها، وحدَّد مواريث العباد فأقام بها ميزان العدل، نحمده سبحانه على ما أنزل من الكتاب، وما شرع من الأحكام، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم المبلِّغ عن ربِّه والمبيِّن لشرعه وبعد،،
لقد تابعت دار الإفتاء المصرية باهتمام بالغ النقاشات الدائرة حول الدعوة إلى المساواة المطلقة في الميراث، تحت لافتة التطوع أو الاستفتاء الشعبي، وانطلاقًا من مسئوليتها وواجبها نشير إلى ما يلي
أولًا: التبرع الفردي لا ينتج تشريعًا عامًا يلغي أصل جواز التبرع ويجعله إلزامًا قانونيًّا
لا خلاف بين العلماء في جواز تبرع الشخص لأخته أو غيرها من ماله أو نصيبه من الميراث، كما لا يوجد ما يمنع من تبرع الأخت لأخيها ومساعدته من مال الميراث أو غيره أيضًا، إذ التبرع باب من أبواب الإحسان، ولكن أن يُتخذ هذا الجواز الفردي ذريعة لاقتراح تشريع عام ملزم يُلغي أصل جواز التبرع علاوة على أحكام المواريث القطعية، فذلك خلط بين التصرف الفردي والتشريع الإلزامي، وهو مغالطة لا تخفى على ذوي العقول والبصيرة.
ثانيًا: الفرضيات الجدلية لا تُنتج أحكامًا شرعية
حين يُقال «لو تراضى المجتمع على المساواة بين الذكر والأنثى في الميراث، فلماذا لا يُشرّع ذلك؟»، فهذه فرضية مفتعلة لا تُغير من الحقيقة شيئًا؛ فإن الأحكام الشرعية توقيفية لا تُغيَّر بالتصويت ولا بالتوافق المجتمعي، خصوصًا وأن من يدعون إلى ذلك أوينادون به يتغافلون أن من أسماء هذا العلم علم الفرائض، جمع فريضة، وهو ينزع عنه صفة الفريضة والواجب عند التوزيع إلى صفة الحق فقط، وينسى أن الله تعالى قال في آيات الميراث: {فريضةً من الله} [النساء: 11]، فأحكام الميراث ليست حقًا فقط لصاحبه التبرع به؛ بل واجب وفريضة وليس رأيًا بشريًّا قابلًا للإلغاء أو التطويع.
ثالثًا: مغالطة القياس على التبرع
القياس بين التبرع (وهو مباح) وبين تغيير فريضة الميراث (وهو محظور) هو قياس فاسد، أشبه بمن يقترح توزيع أموال الأغنياء بين الفقراء بالقوة لأنهم «يستطيعون التبرع بها!» فلو كان هذا منطقًا سليمًا، لما بقي حقٌ ثابت ولا مالٌ مصون.
رابعًا: المقصد الحقيقي هو زعزعة قدسية النص
إن ما يُراد فعليًا من هذه الدعوات ليس المساواة كما يُدعى؛ بل نزع القداسة عن النصوص القطعية، وتحويلها إلى ساحة نقاش وجدال، لكنها أمور محفوظة بحفظ الله لها، لأنه إذا قُبل هذا المنطق غير المستقيم، فستُفتح الأبواب لكل تأويل باطل، يُقاس فيه المشروع «التبرع» على غير المشروع «تغيير الفرائض»، ويمهد لهدم الضروريات الخمس، تحت غطاء «الاجتهاد المجتمعي»، والواقع أنه إلغاء للشريعة باسم الاجتهاد.
خامسًا: هل يبقى التبرع حقًّا بعد تحويله إلى قانون؟
إذا ما تم تشريع المساواة في الميراث، فلن يعود التبرع خيارًا؛ بل يُصبح حقًا قانونيًّا يُمكن أن يُقاضى الأخ إن لم يعطِ أخته ما لم يُفرض عليه شرعًا، فيُسلَب الإنسان ماله، ويُحمّل ما لم يُكلّفه الله به، وهذا هو عين الظلم.
سادسًا: الثوابت ليست محل تصويت
إن الثوابت ليست قاصرة على العبادات أو أركان الإسلام، بل كل قطعيات الدين، أي التي ثبتت بنص قطعي الثبوت وقطعي الدلالة- سواء في كل مجالات التشريع الإسلامي كما لا يخفى ذلك على العامة فضلًا عمن ينتسب للعلم.
إن هذه الدعوى من شأنها قلب الموازين فبدل أن يحمى التشريع القانوني الحق الشرعي ويضمن تنفيذه على خير وجه، يحاول صاحب هذا الطرح أن يجعل التشريع القانوني معتديًا على الحقوق الشرعية وطريقًا لسلب الناس حقوقهم وأموالهم، مستندًا في سلبه إلى قابلية الحق للتبرع بعد وجوبه، وهو من أغرب أوجه الاستدلال وأبعدها عن قواعد النظر السليم، وتحريفٌ لمفهوم الإحسان عن موضعه الصحيح.
وختامًا إن الدعوة إلى المساواة المطلقة في الميراث، تحت لافتة التطوع أو الاستفتاء الشعبي، ليست إلا ستارًا خادعًا يراد به نقض الحكم الشرعي، وإسقاط القدسية عن النص، وإلحاق الأمة بركب مفاهيم دخيلة لم تُنتج إلا اضطرابًا وانهيارًا في مجتمعاتها فالنص القطعي ليس مادة لإعادة التشكيل؛ بل هو نور يُهتدى به، وحدٌّ لا يُتجاوز.
المصدر: بوابة الفجر
كلمات دلالية: بصيرة صلى الله عليه وسلم دار الافتاء دار الإفتاء المصرية التصويت شعبي تشريع حكم الشرع المجتمعي مفتعلة أحب الدعوات فی المیراث
إقرأ أيضاً:
التصرف الشرعي لشخص اشترى الأضحية وطرأ عليها عيبا يجعلها لا تصلح
تلقت دار الإفتاء المصرية استفسارًا من أحد المواطنين حول حكم الأضحية إذا طرأ عليها عيب يُخل بصحتها بعد تحديدها.
وأجابت الإفتاء عبر صفحتها الرسمية على موقع فيسبوك موضحة أنه إذا قام المضحي بالحفاظ على أضحيته من العيوب بكل الوسائل الممكنة، واستعان بأهل الخبرة ولم يُقصر في ذلك، ثم أصابها عيب يمنع إجزاءها سواء قبل دخول وقت الأضحية أو بعد دخوله وقبل أن يتمكن من النحر، ففي هذه الحالة، فإن أمكنه استبدالها بأخرى سليمة فذلك أفضل.
أما إذا لم يستطع الاستبدال، فلا يلزمه شيء بديل، وله أن يذبحها في الوقت المحدد ويتصدق بها كأنها أضحية.
كما تناولت دار الإفتاء الحديث عن كفارات الحج، وبيَّنت أنها وسائل شرعية حددها الإسلام للتكفير عن بعض المخالفات التي قد يرتكبها الحاج أثناء أداء المناسك، وذلك لجبر أي خلل يقع فيه. وتنقسم الكفارات إلى عدة أنواع، منها:
كفارة ترك واجب من واجبات الحج
من ترك واجبًا فعليه أداؤه إذا كان وقته ما زال متاحًا، أما إذا فات الوقت أو عجز عن الأداء عمدًا دون عذر، فعليه فدية تتمثل في ذبح شاة، وإن لم يستطع، فعليه صيام 10 أيام؛ 3 أيام خلال الحج، و7 عند عودته إلى بلده.
كفارة الإحصار: وهي خاصة بمن يُمنع من الوصول إلى مناسك الحج بسبب مرض أو عطل في الإجراءات أو ما شابه، فيلزمه ذبح شاة أو ما يعادلها.
كفارة قتل الصيد
كفارة ارتكاب محظور من محظورات الإحرام: كحلق الشعر أو وضع الطيب أو ارتداء المخيط أو تقليم الأظافر بعد الإحرام، ويُخيَّر فيها بين ذبح شاة، أو إطعام 6 مساكين، أو صيام 3 أيام.
كفارة الجماع قبل التحلل الثاني: فإذا وقع الجماع بين الزوجين قبل التحلل الثاني، فسد الحج، ويجب على الرجل الترتيب بين ذبح بدنة، فإن لم يجد فبقرة، فإن لم يجد فسبع من الغنم، وإن عجز عن كل ذلك، فعليه أن يقدِّر ثمن البدنة ويشتري بها طعامًا، فإن لم يستطع، صام يومًا عن كل مُدٍّ من الطعام، ويجب عليه مع ذلك إتمام مناسك الحج وقضاؤه في العام التالي.