صافرات الإنذار تدوّي في جميع أنحاء أوكرانيا
تاريخ النشر: 25th, August 2023 GMT
أفادت صحيفة "سترانا" الأوكرانية بأنه تم إطلاق صافرات الإنذار في جميع أنحاء أوكرانيا، محذرة من ضربات جوية روسية.
وأعلنت وزارة الدفاع الروسية في وقت سابق من اليوم أن بحريتها وجهت ضربة بأسلحة عالية الدقة بعيدة المدى تطلق من البحر لأحد مواقع البنية التحتية للموانئ الذي يستخدم لمصلحة القوات الأوكرانية.
يشار إلى أن الجيش الروسي بدأ ضرباته الصاروخية والجوية لمواقع البنية التحتية والحيوية الأوكرانية منذ 10 أكتوبر الماضي، بعد يومين من الهجوم الإرهابي على جسر القرم، الذي تحمل السلطات الروسية الاستخبارات الأوكرانية مسؤولية عنه.
المصدر: بوابة الفجر
كلمات دلالية: الدفاع الروسية وزارة الدفاع الروسية صافرات الإنذار الجيش الروسي الهجوم الإرهابي
إقرأ أيضاً:
غربنة: تفكيك البنية الحكائية من منظور نسوي
مفتتح
«لقد آلمني كثيرًا اكتشاف أنني بلا اسم، ولا هوية، ولا جذور، ولا ارتباط بأي مكان».
عن دار سما للنشر والإنتاج والتوزيع، صدرت رواية «غربنة، بقلم الغراب»، وهي العمل الروائي الأول للدكتورة فاطمة البريكي، عام 2023م في دولة الإمارات العربية المتحدة.
يتألف النص من عتبات افتتاحية، تبدأ بصفحة الإهداء التي جاءت على النحو الآتي: «... هذا النص إهداء للغربان.. الغرباء.. النبلاء فقط». وفي عتبة «شكر وعرفان»، تكشف المؤلفة عن رحلتها الطويلة في كتابة نص عصيّ لا يُسلّم نفسه للقارئ بسهولة، لكنه يفاجئه بهدوء مدوٍّ، ثم ننتقل إلى فهرس الرواية، التي بلغ عدد صفحاتها (256) صفحة، مقسّمة إلى ثلاثة عناوين أقرب إلى الفصول، مكتوبة بلون أسود داكن وبخط كبير: العنوان الأول (غراب) وتندرج تحته الأسماء التالية: «ندية، وبسيلة، والراعية»، والعنوان الثاني (غريب) ويتضمن أسماء أخرى هي: «حبيب، والبَثْنَة، وساري، والآنسة فتنة، وبخيت»، أما العنوان الثالث (غروب) فضمّ: «غريب دون حبيب، وغرابيب سود، وغَرْبَنَة».
بالانتقال إلى متن الحكاية، يتصدّر كل فصل صورة ظلية ثابتة لغراب واقف على غصن شجرة بلون أسود داكن، يليها في كل فصل صورة مختلفة تؤدي وظيفة رمزية وتأملية ضمن السياق الروائي. ففي الفصل الأول، نقرأ معلومة تضفي بُعدًا تأمليًا مكثفًا تقول: «يستطيع الغراب محاكاة الكلام البشري، وتعلّم 100 كلمة، وحوالي 50 جملة كاملة». ويُفتتح الفصل الثاني بحكاية رمزية قصيرة (Fable) على غرار حكايات إيسوب أو كليلة ودمنة، حيث تُوظف الحيوانات لنقل حكمة أو مغزى (حكاية الغراب والطاووس). أما الفصل الثالث، فيُقدّم معلومة علمية مؤكدة، تبرز ذكاء الغراب ووفاءه وأهميته البيئية. وتختتم الرواية في صفحتها الأخيرة بتنبيه واحتراز يُبقي اتصال السرد عائمًا بين عالمي الخيال والواقع.
«غربنة، بقلم: الغراب» رواية تحكي سيرة فتاة راعية مهقاء تُعد رمزًا للتطيّر، تُهملها أمها «ندية» عقب ولادتها، لتتولاها بالرعاية جدتها «ناجية»، وتعلّمها القراءة والكتابة. توسم الفتاة بالشؤم، فتعيش منبوذة في الوادي السفلي لقريتها الجبلية، باستثناء من تقبلها وأحبها: (بسيلة) ابنة عمها، و(عميرة) زوجة أخيها، و(بُنّة) راعية الماشية، والسيدة (مهيرة)، و(البثنة). تتزوج لاحقًا من رجل ثري يُدعى (حبيب)، وتصف بيته بالجنة، حيث تحقق لها الحب والاهتمام والتعليم واقتناء الكتب. غير أنها تُطلّق فجأة دون معرفة السبب، وتعود إلى قريتها مكسورة، لا أحد يناديها باسمها أو يلتفت إليها. وحين تكتشف لاحقًا زواج طليقها، يشتد عليها ألم الإقصاء، ويأخذ السوس ينخر روحها. تتوالى الأحداث فيموت (جلهم) ميتة أغرب من كل ما عرفه أهل الوادي، فتقرر الراعية اعتزال الجميع، ويقودها غراب فاحم إلى كهف في جبل نافر يشبه الأثلول الناتئ في جسد أملس، وهناك، في العزلة، تنحلّ ذاتها وتستقر أخيرًا في مكان يُرحب بها بلا قيد أو شرط.
تطرح الرواية نصًّا مدهشًا على المستويين السردي والرمزي النفسي؛ إذ تسرد تجربة فتاة مهمشة من خلال خطاب لا يُفصح عنها إلا عبر كائن محايد. وما يبدو سردًا بسيطًا لحياة فتاة منبوذة، ينفتح تدريجيًّا على شبكة كثيفة من الرموز والإحالات، تعيد النظر في مفاهيم الجمال، والذكاء، والتقبل الاجتماعي، وفعل الكتابة ذاته.
هذا النص يقترح قراءة نسوية لا تكتفي بالموضوع، بل تتجذر في عمق البنية الحكائية، إذ تفكك الرواية النظام الذكوري للسرد، وتعيد تموضع المرأة داخل اللغة والحكاية، متحدية منطق البطولة والهوية والنهاية، عبر ثلاثة محاور: البنية السردية، الرمز، والهوية الأنثوية.
إذا تأملنا عنوان الرواية، نجد أنفسنا أمام تركيب فني رمزي غني بالدلالات. من الناحية اللغوية، فجذر (غ-ر-ب) يستحضر معاني تدور حول الاغتراب الوجودي، وانطفاء الهوية والذات، ليأتي تعبير (بقلم الغراب) كتوقيع رمزي ينكر وجود كاتب بشري، ويمنح السرد لكائن منبوذ، كأن الراوية لا تستحق صوتًا بشريًّا يحكي عنها. بهذا، تُعلن الرواية منذ عنوانها أنها لا تُروى من داخل النظام الأبوي المركزي، بل من هوامشه القصوى؛ من قلم الغراب، لا من قلم الأب أو الزوج.
من الناحية الرمزية، تُشتق كلمة «غربنة» من «غربال/ غربلة»؛ بما تحمله من دلالات التصفية والتنقية. وتوحي اللفظة بثلاثة معانٍ محورية: أولها، خوض امتحان عسير، وهو ما يتجلى في رحلة الراعية نحو اكتشاف ذاتها لتعيش ما تبقى من عمرها بسكون تام؛ وثانيها، الإقصاء والتهميش من نسيج مجتمع الوادي؛ أما ثالثها فيدل على تفكيك البنية الاجتماعية والذاتية لحياة الأفراد. تكتب البطلة: «أنظر إلى أخويّ [...] أتأمل حياتهم وعلاقاتهم ببعضهم وبأمي وبزوجاتهم وبأولادهم، أشعر أنهم أيضا غريبون عن بعضهم».
«بقلم الغراب» هو تعبير ينطوي على ظاهرة «القَلَب»، بتعبير الناقد إبراهيم غلوم؛ إذ تُحيل دلالات الغراب في الرموز السردية إلى سياقات المجهول، والنحس، والموت. وهو ما تؤكده الرواية، حين تُكتب بقلم كائن منبوذ ومشؤوم، أو متعالٍ عن النظام البشري. ومن ذلك، نستنتج أن هناك إدانة رمزية لعالم لم يمنح المرأة اعترافًا بوجودها.
إصابة الراعية بالمهق عند ولادتها تكشف عن مستوى مضاعف من القسوة. فالمهق اضطراب وراثي ناتج عن خلل في إنتاج صبغة الميلانين في الجسم. وإزاء هذا الاختلال، يُنظر إليها بأنها «راعية مهقاء بلهاء»، وصف يُعبّر عن كائن منفصل عن الجماعة بسبب لونه الصادم. أما وصفها بالبلهاء، فهو حكم اجتماعي بالغ القسوة، ولا يكتفي النص بهذا التوصيف، بل يفككه، جاعلًا من الرواية مرآةً لخيبة المعايير الجمالية والمعرفية المفروضة على المرأة المهمشة، حيث يتقاطع التهميش الطبقي (الراعية)، والبيولوجي (المهق)، والعقلي (البله).
تخوض الراعية أشكالًا متباينة من الفقد: تيتمت وأمها على قيد الحياة، وفقدت جدتها التي منحتها كل جميل، وفقدت أباها رغم وجوده، و«بسيلة» التي كانت لها أمًّا ثانية، و«حبيب» الذي أطلّ على حياتها ثم اختفى، وأخيرًا فقدت ذاتها، لكنها شرعت في رحلة البحث عنها، وقررت أنها ستعثر عليها، حتى وإن كانت مجرد غراب في كهف الغربان. وهنا تبتكر الرواية بنية سردية نسوية مقلوبة: لا اسم، لا صوت، لا نهاية، لا مركز؛ بل سرد يدور حول الصمت كاحتجاج، والانسحاب كفعل وجودي.
تأتي العبارة المفتاح في الرواية، ولحظة التحول الأبرز، في الفصل الثالث، حينما أرادت البطلة أن تكتب رسالة إلى (البثنة) في هذا المقطع: «... بعد أن كتبتُ رسالة واحدة [...] لكنها كشفت لي أمرًا خنقني ولم أستطع تجاوزه [...] لم أعرف بماذا أُعرّف نفسي، راجعت رسائلها [...] وتُوقّع باسمها في آخر كل رسالة، [...] لكني حاولت مرارًا تذكّر اسمي ولم أتمكن، [...] حاولت أن أجد اسمي في فم أي أحد حولي [...] اكتشفتُ ألّا أحد يناديني باسمي، [...] يطلقون عليّ لقب المهقاء [...] هل يُعقل أنني لم أُمنح اسمًا عند ولادتي!»
بهذا الاكتشاف، تبلغ الرواية ذروة النقد النسوي: الاسم، أبسط أشكال الاعتراف الاجتماعي، غائب. والمرأة، كما تراها الرواية، ليست مغيبة في الجسد فحسب، بل في اللغة ذاتها. لا تعود البطلة إلى بيت الزوجية، ولا تتزوج ثانية، بل تصعد إلى الجبل وتسكن الكهف بين الغربان، حيث لا أحد. لكنها لا تموت، بل تنزوي كفعل وجودي احتجاجي.
في خاتمتها، تقترح الرواية نموذجًا نسويًّا بديلًا: المرأة لا تنتظر خلاصًا خارجيًّا، بل تبحث عن مساحة للانسحاب، لتكتب عن ذاتها، حتى وإن كان ذلك بقلم الغراب. في هذا النص المشبع بالتوتر الجمالي والنفسي، تنجح الكاتبة فاطمة البريكي في إعادة بناء الرواية من موقع نسوي دقيق، لا يكتفي بالشكوى من التهميش، بل يُعرّي البُنى التي تُنتجه: من اللغة، إلى الجمال، إلى السلطة، إلى حتى الحق في الاسم.