الجديد برس:

حذر عضو المجلس السياسي الأعلى في صنعاء محمد علي الحوثي، روسيا والصين من خطر يهددهما عقب انضمام السعودية والإمارات الحليفتين لأمريكا إلى مجموعة “بريكس”.

وقال محمد علي الحوثي في تغريدة على حسابه بموقع (تويتر): “اذا قبلت مجموعة بريكس حلفاء أمريكا قبل مواقف معلنة منها، فإن المجموعة ستخضع للتاثيرات التي تعيق عالم متعدد الأقطاب”.

وأضاف الحوثي أن ذلك “سينهي في المنظور القريب حلم اقلق ويقلق أمريكا”.

 

اذا قبلت مجموعة #بركس حلفاء امريكا قبل مواقف معلنة منها
فإن المجموعة ستخضع للتاثيرات التي تعيق عالم متعدد الاقطاب
وينتهي في المنظور القريب حلم اقلق و يقلق #امريكا . #الصين#روسيا#الجزائر

— محمد علي الحوثي (@Moh_Alhouthi) August 24, 2023

المصدر: الجديد برس

إقرأ أيضاً:

أحمد الزرقة يكتب للموقع بوست عن: ما الذي يعنيه اليمن في استراتيجية الأمن القومي الأمريكية لعام 2025؟ وما دور السعودية والإمارات؟

يمثل اليمن محورًا مهمًا في الاستراتيجية الأمريكية للأمن القومي لعام 2025، لا سيما فيما يتعلق بأمن الملاحة البحرية والتوازنات الإقليمية في شبه الجزيرة العربية. تعكس الوثيقة الرسمية للاستراتيجية تحولًا في المقاربة الأمريكية، حيث تتجه واشنطن إلى تقليص انخراطها المباشر في صراعات المنطقة لصالح تكليف الحلفاء الإقليميين بمسؤوليات أمنية أكبر.

 

ويبرز هذا التحول بوضوح في الحالة اليمنية، إذ انتقلت الأولوية الأمريكية من دعم الحكومة اليمنية سعيًا لإعادة بناء الدولة، إلى التركيز على حماية الممرات البحرية الحيوية في البحر الأحمر وخليج عدن . في هذا التقرير نستعرض كيفية معالجة الاستراتيجية الجديدة لليمن مقارنةً بالسياسات السابقة، ونناقش تحليلات مراكز أبحاث أمريكية وكتاب ومسؤولين سابقين حول أدوار السعودية والإمارات ضمن هذه الاستراتيجية. كما نلقي الضوء على دور الإمارات كوكيل إقليمي يسعى للسيطرة على الموانئ والجزر اليمنية (خصوصًا باب المندب)، ونقيّم ما إذا كان سلوكها يخدم أم يهدد المصالح الأمريكية، وطبيعة التنسيق أو التباين في الأهداف بين أبوظبي وواشنطن.

 

من دعم الدولة إلى حماية الممرات – تحول المقاربة الأمريكية تجاه اليمن

 

شهدت السياسة الأمريكية تجاه اليمن تغيّرًا جذريًا في الأعوام الأخيرة. ففي بداية إدارة بايدن (2021)، كان التركيز منصبًا على إنهاء الحرب الأهلية اليمنية عبر الدبلوماسية ودعم الحكومة المعترف بها. على سبيل المثال، ألغت واشنطن تصنيف الحوثيين كمنظمة إرهابية أجنبية في 2021 لتسهيل وصول المساعدات وتجنب عرقلة جهود السلام ، كما علّقت مبيعات أسلحة هجومية للسعودية للضغط من أجل إنهاء الحرب . هذا النهج هدف إلى تحفيز مفاوضات بقيادة الأمم المتحدة والتخفيف من الكارثة الإنسانية. وفي تلك الفترة، عُيّن مبعوث أمريكي خاص إلى اليمن، وكثفت الولايات المتحدة دعمها الإنساني والتنموي للمناطق المحررة.

 

لكن الأوضاع تغيرت أواخر 2023 مع تصاعد هجمات الحوثيين على الملاحة الدولية في البحر الأحمر. شنّ الحوثيون حملة ممنهجة ضد السفن التجارية في باب المندب والبحر الأحمر بذريعة التضامن مع غزة أثناء الحرب هناك، مما هدد أمن الممرات البحرية الدولية . دفع ذلك إدارة بايدن إلى تعديل موقفها جذريًا؛ حيث استأنفت بيع الذخائر الموجهة للسعودية، وأعادت إدراج الحوثيين ضمن الكيانات الإرهابية العالمية الخاصة (SDGT) في أواخر 2023 . كما نفذت ضربات جوية محدودة ضد أهداف حوثية مرتبطة بإطلاق الصواريخ والمسيّرات، وأوضحت واشنطن أنها ستعارض أي اتفاق يمنح الحوثيين مكاسب مالية أو سياسية ما دامت هجماتهم على الشحن مستمرة، وهكذا تراجع زخم المسار الدبلوماسي – تعطّل مسار التفاوض وأصبح وقف تهديد الملاحة أولوية فورية.

 

مع تولي إدارة جديدة في 2025، اتجهت السياسة الأمريكية نحو تصعيد عسكري مؤقت ثم تراجع. ففي مارس 2025، أعاد الرئيس ترامب تصنيف الحوثيين كمنظمة إرهابية أجنبية (FTO) مما يعني تجريم أي دعم مادي لهم . وتبع ذلك إطلاق عملية عسكرية جوية واسعة النطاق باسم “عملية الفارس الجسور (Rough Rider)” بهدف ضمان حرية الملاحة في البحر الأحمر عبر استهداف قدرات الحوثيين البحرية والصاروخية . وخلال مارس وأبريل 2025، كثّفت القوات الأمريكية ضرباتها ضد الحوثيين لإضعاف قدراتهم ووقف هجماتهم على السفن . وقد أفادت تقارير أنّ تكلفة الحملة الجوية تجاوزت مليار دولار خلال أقل من شهر ، ورغم ذلك لم تنجح تمامًا في تحييد تهديد الحوثيين للملاحة.

 

بحلول مايو 2025، أنهت واشنطن هذه الحملة بشكل مفاجئ بموجب هدنة توسطت فيها عمان، حيث وافق الحوثيون على وقف استهداف السفن الأمريكية مقابل وقف الغارات الأمريكية . هذا الإنهاء المفاجئ – الذي وصفه محللون بأنه انسحاب أمريكي قبل إنجاز المهمة – أثار قلق حلفاء واشنطن الإقليميين . فقد اعتبرت الرياض وأبوظبي القرار دليلًا على تقلب الموقف الأمريكي وصعوبة الركون إليه . وبالفعل، خرج الحوثيون من الحملة الأمريكية منهكين لكن غير مهزومين، وسرعان ما تباهوا بأنهم صمدوا في وجه الضربات الأمريكية وعدّوا ذلك انتصارًا معنويا . كما استغلوا الهدنة لإعادة ترتيب صفوفهم واستئناف نشاطهم ضد أهداف أخرى (لا سيما إسرائيل) .

 

بعد وقف العملية العسكرية، اتضح أن الولايات المتحدة تنكفئ عن الملف اليمني: إذ لم تُعيّن الإدارة الحالية مبعوثًا خاصًا جديدًا لليمن (عندما انتهت مهمة المبعوث السابق)، بما يشير إلى تراجع أولوية جهود السلام . كما أوقفت واشنطن معظم برامج المساعدات الخارجية المقدمة لليمن، حتى تلك الموجهة لمناطق الحكومة الشرعية المناهضة للحوثيين . وبدت الاستراتيجية الأمريكية الراهنة أقرب إلى “احتواء محدود” للحوثيين مع ترك الأزمة تغلي على نار هادئة – أي إبقاء الحوثيين تحت العقوبات والضغوط دون تحرك حاسم، والانصراف للاهتمام بملفات أخرى .

 

إن الرغبة الأمريكية في “مغادرة المطبخ” اليمني – بعد عقد من التورط غير المباشر في الحرب – مفهومة لكنها تنطوي على مخاطر. فكما علّقت باحثة في معهد واشنطن، قد يرى صانعو القرار الأمريكي أن الابتعاد عن مستنقع اليمن ضروري للتفرغ لتحديات أهم، لكن الحوثيين لم ينتهوا بعد من استهداف المصالح الأمريكية ومصالح الحلفاء . فالتهديد الحوثي للملاحة الدولية ولمنشآت الجوار بات أكبر مما كان عليه قبل حرب غزة 2023 بحسب تلك الباحثة . وعليه، ينتقد محللون ما يصفونه بقِصَر نظر النهج الحالي المتمثل بمجرد تجميد الصراع واحتوائه بحريًا؛ إذ يمنح ذلك الحوثيين فرصة لإعادة البناء وربما تصعيد أخطر مستقبلاً.

 

باختصار، تحوّلت مقاربة واشنطن في اليمن من الانخراط الدبلوماسي ودعم الدولة إلى التركيز على الأمن البحري ومكافحة التهديدات المباشرة. لقد حلّت أولوية حماية الممرات المائية الاستراتيجية محل هدف إعادة بسط سلطة الحكومة اليمنية على كامل البلاد. يوضح الجدول التالي أبرز الفروقات بين السياسات الأمريكية في المراحل السابقة وبين الاستراتيجية الحالية (2025)

 

على مستوى الهدف الرئيسي في اليمن، انتقلت السياسة الأمريكية من سعيٍ معلَن إلى إنهاء الحرب الأهلية عبر تسوية سياسية ودعم إعادة بناء دولة يمنية موحّدة في مرحلة 2021–2022، إلى مقاربة أكثر ضيقًا في إستراتيجية 2025 تركّز أساسًا على احتواء الحوثيين وردع تهديدهم للملاحة الدولية والأمن الإقليمي من دون الانخراط في حرب طويلة أو مشروع لإعادة بناء الدولة.

 

في التعامل مع الحوثيين، تخلّت واشنطن في المرحلة السابقة عن تصنيف الجماعة كمنظمة إرهابية لتسهيل التفاوض وفتح الباب أمام الحل الدبلوماسي، بينما عادت في إستراتيجية 2025 إلى إعادة تصنيف الحوثيين كجماعة إرهابية وفرض عقوبات عليهم، مع تبنّي نهج يقوم على استخدام القوة العسكرية الجوية المحدودة كلما تحوّل سلوكهم إلى تهديد مباشر للمصالح الأمريكية أو للملاحة.

 

أما على صعيد دعم الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا، فقد كانت المقاربة القديمة تقوم على الاعتراف السياسي الواضح بشرعية الحكومة، ودعم وساطات الأمم المتحدة، وتقديم مساعدات إنسانية واقتصادية للمناطق الواقعة تحت سيطرتها. في المقابل، تشهد مرحلة 2025 تجميدًا شبه كامل للدعم السياسي والمادي، وغيابًا لمبعوث أمريكي خاص، بما يعكس تراجع الانخراط الدبلوماسي المباشر في هندسة التسوية اليمنية.

 

في ما يخص الدور العسكري الأمريكي، اقتصر الوضع سابقًا على عدم التدخل العسكري المباشر ضد الحوثيين والاكتفاء بدور مساند للتحالف من خلال المعلومات الاستخباراتية والدعم اللوجستي وعمليات مكافحة الإرهاب ضد تنظيم القاعدة. بينما تتبنى إستراتيجية 2025 خيار الانخراط الجوي المباشر بصورة مؤقتة لـ”معاقبة” الحوثيين عندما يهددون الملاحة الدولية، ثم سحب اليد سريعًا لتفادي الاستنزاف، مع تحويل الثقل العسكري إلى دوريات بحرية دولية لحماية خطوط الشحن بدلًا من الانخراط في حرب برية أو حملة طويلة.

 

وأخيرًا، في التعاطي مع الحلفاء الخليجيين، انتقلت واشنطن من مرحلة الضغط على السعودية لوقف العمليات الهجومية (بما في ذلك تعليق بعض مبيعات السلاح الهجومي) والتعامل البارد مع الأجندة الإماراتية في الجنوب مع التركيز الخطابي على “الحل الشامل”، إلى مرحلة تقوم فيها إستراتيجية 2025 على تنسيق وثيق مع السعودية والإمارات في مواجهة الحوثيين، وتقاسم أعباء الأمن الإقليمي معهما صراحةً، عبر تقديم الدعم اللوجستي والاستخباراتي وتمكينهما من تولي القيادة الميدانية للملف اليمني بدلًا من أن تكون واشنطن في الواجهة

 

كما اتضح أعلاه، جرى تغيير الأولوية من بناء السلام الداخلي في اليمن إلى حماية المصالح الاستراتيجية (الملاحة ومكافحة الإرهاب). وتندرج هذه التحولات ضمن توجه أوسع في استراتيجية 2025 يرمي إلى “تحويل الأعباء” على الشركاء الإقليميين بحيث لم تعد الولايات المتحدة تقوم بدور “الشرطي العالمي” منفردة ، بل تحث الحلفاء على تحمل المسؤولية الرئيسية عن أمن مناطقهم بدعم أمريكي عند الضرورة.

 

ثانيًا: دور السعودية والإمارات في اليمن في ضوء الاستراتيجية الأمريكية الجديدة

 

ترتكز الاستراتيجية الأمريكية لعام 2025 في الشرق الأوسط على مبدأ “نقل المسؤوليات الأمنية إلى الشركاء الإقليميين” . وينعكس هذا جليًا في اليمن، حيث تعتمد واشنطن على كل من الرياض وأبوظبي للاضطلاع بأدوار أكبر في تحقيق الاستقرار ومواجهة الحوثيين. فبحسب الوثيقة الرسمية، “على الحلفاء الأغنياء تولي المسؤولية الرئيسية عن أمن مناطقهم” مع استعداد أمريكا لتقديم العون والمساندة . في السياق اليمني، يعني ذلك عمليًا تفويض الكثير من ملف اليمن إلى السعودية والإمارات باعتبارهما قادرتين على التأثير ميدانيًا وسياسيًا هناك.

 

السعودية: تنظر واشنطن إلى السعودية باعتبارها القائد الطبيعي للتحالف الداعم للحكومة اليمنية. وقد شجعت الاستراتيجية الأمريكية الرياض على مواصلة دورها في قيادة الجهود العسكرية والدبلوماسية ضد الحوثيين. خلال التصعيد البحري الحوثي أواخر 2023، أنهت إدارة بايدن تعليق مبيعات الأسلحة الهجومية للسعودية كي تتمكن المملكة من تعزيز دفاعاتها والتصدي لهجمات الحوثيين على السفن . لاحقًا، مع عودة ترامب إلى البيت الأبيض، بات الاعتماد على الدعم السعودي أكثر وضوحًا؛ إذ تشير تقارير إلى أن الحملة الجوية الأمريكية في 2025 (عملية “الفارس الجسور”) اقتضت دورًا مساندًا من القوات السعودية خصوصًا في الدفاع الجوي والتزود بالمعلومات الاستخباراتية . كما يُرجح أن السعودية قدمت إسنادًا بحريًا لمنع تهريب الأسلحة الإيرانية للحوثيين وتأمين السواحل .

 

رغم ذلك، انتهجت الرياض منذ 2022 مسارًا مغايرًا بعض الشيء يقوم على تخفيف التصعيد مع الحوثيين لضمان أمن حدودها الجنوبية. فقد انخرطت في مفاوضات مباشرة مع الحوثيين (بوساطة عمانية) سعيًا لاتفاق تهدئة طويل الأمد يحمي أراضي المملكة من الصواريخ والمسيّرات . هذا التوجه السعودي لـ**“السلام المنفصل” مع الحوثيين** جاء بدافع إنهاء تورطها العسكري في اليمن، وهو ما أثار تباينًا مع رؤية أبوظبي وواشنطن حين قررتا تصعيد الضغط العسكري على الحوثيين نهاية 2023 ومطلع 2025. ففي الوقت الذي فضّلت الرياض الهدنة واستمرار التفاهمات مع الحوثيين، كانت الإمارات تدفع باتجاه إعادة تصنيف الحوثيين كإرهابيين وتحجيمهم عسكريًا – وقد لاقى ذلك صدى لدى الإدارة الأمريكية الجديدة كما يتضح من إعادة إدراج الحوثيين على قوائم الإرهاب الأمريكية بناءً على طلب إماراتي . ومع ذلك، شاركت السعودية بحذر في الحملة ضد الحوثيين 2025 وحصلت على تطمينات أمريكية بتقديم الدعم اللازم لحمايتها إذا رد الحوثيون بهجمات مضادة .

 

الإمارات: ترى الاستراتيجية الأمريكية أن للإمارات دورًا حيويًا في جنوب اليمن وعلى طول سواحله. فالإمارات تمتلك نفوذًا واسعًا عبر قوات محلية موالية لها (في عدن والساحل الغربي وحضرموت وغيرها)، مما يجعلها شريكًا لا غنى عنه لأي جهد عسكري بري ضد الحوثيين. وقد أقرّ مسؤولون أمريكيون ضمنيًا بذلك، حيث يعوِّل الرئيس ترامب على الإمارات وقواتها بالوكالة لقيادة أي عمليات برية محتملة ضد الحوثيين . وتشير التحليلات إلى أن أي حملة للقضاء على الحوثيين ستستلزم الاستعانة بالقوات التي دربتها ومولتها أبوظبي (مثل ألوية العمالقة وقوات المقاومة الوطنية في الساحل الغربي) بدعم من سلاح الجو الأمريكي أو السعودي . وقد ألمح ترامب بنفسه إلى احتمال “الاعتماد على الشركاء الإقليميين” بشكل أكبر في العمليات القادمة ضد الحوثيين .

 

بالفعل، لعبت الإمارات دورًا هامًا في تحرير مناطق جنوبية من الحوثيين سابقًا، فهي التي تولت قيادة معركة استعادة عدن عام 2015 عبر دفع الآلاف من جنودها ومقاتلي المقاومة المحلية . كما ساهمت قواتها في التقدم نحو الحديدة عام 2018 قبل أن يتم إيقاف الهجوم بضغط دولي . وعلى مدى سنوات، درّبت الإمارات أكثر من 90 ألف مقاتل يمني ضمن تشكيلات محلية مثل الحزام الأمني وألوية العمالقة وغيرها ، بعضهم انخرط في عمليات مشتركة مع القوات الأمريكية ضد تنظيم القاعدة . كل ذلك يجعل واشنطن ترى في الإمارات شريكًا عسكريًا كفؤًا يمكنه تنفيذ أهداف الاستراتيجية الأمريكية على الأرض اليمنية بأقل تدخل أمريكي مباشر.

 

إلى جانب الدور العسكري، ترحب واشنطن ضمنيًا بأن تتصدر الرياض وأبوظبي المشهد في إدارة الملف اليمني سياسيًا. فبعد وقف الحملة الجوية الأمريكية في مايو 2025، بات مصير الهدنة والتسوية مرهونًا بشكل كبير بالحوار السعودي – الحوثي بدعم عماني، فيما انكفأت واشنطن خطوة إلى الوراء . ويبدو أن صناع القرار الأمريكيين يفترضون أن الرياض كفيلة بكبح جماح الحوثيين عبر التفاهمات أو الضغط العسكري المحدود، وأن بإمكان الإمارات إدارة أمر الجنوب اليمني وحماية مصالح الغرب هناك (الملاحة ومكافحة الإرهاب). وهذا ينسجم مع مبدأ “تقاسم الأعباء” حيث تكتفي الولايات المتحدة بدور المساند أو المنسق بين حلفائها الإقليميين . فعلى سبيل المثال، يدعو معهد واشنطن الإدارة الأمريكية إلى جمع السعوديين والإماراتيين على رؤية استراتيجية موحدة في اليمن بدلًا من عمل كلٍ منهما بشكل متعارض ، عبر **تقديم ضمانات أمنية واضحة لهما (أسلحة وتدريبات والتزام بالدفاع عنهما ضد أي تهديد حوثي) وتشجيعهما على دعم حكومة يمنية موحدة بدلًا من رعاية فصائل متنافسة .

 

ورغم التنسيق الأمريكي مع الرياض وأبوظبي، لا يخلو المشهد من تحديات. فقد أدى اختلاف أجندات السعودية والإمارات في اليمن إلى توترات ميدانية خطيرة بين حلفاء الطرفين. أبرز مثال على ذلك ما جرى في أغسطس 2019، حين دعم الإماراتيون المجلس الانتقالي الجنوبي (الانفصالي) في السيطرة على عدن بالقوة، واندلعت اشتباكات بين قوات الانتقالي المدعومة إماراتيًا والقوات الحكومية المدعومة سعوديًا . هذا الصدام هدد بتمزيق التحالف العربي وإضعاف الجبهة المناهضة للحوثيين . اضطر الأمريكيون لاحقًا لدعم اتفاق الرياض (2019) لإصلاح ذات البين بين المجلس الانتقالي والحكومة، تفاديًا لانهيار التحالف. ويشير خبراء إلى أن الولايات المتحدة مطالبة بالقيام “بدور المايسترو” لتنسيق استراتيجيات الرياض وأبوظبي في اليمن حتى لا تعمل كل منهما في اتجاه متعارض . أي أن تفويض واشنطن للأدوار الأمنية لحلفائها ينبغي أن يترافق مع جهود دبلوماسية لضمان توافق رؤاهم حيال اليمن، وإلا فإن التباينات السعودية-الإماراتية قد تقوّض الأهداف الأمريكية ذاتها.

 

ثالثًا: الإمارات كوكيل إقليمي – السيطرة على الموانئ والجزر اليمنية وباب المندب

 

تبنت الإمارات منذ بدء الحرب في اليمن استراتيجية نفوذ ترتكز على السيطرة البحرية والموانئ. فإلى جانب محاربتها للحوثيين، سعت أبوظبي لبناء نفوذ طويل الأمد عبر الإمساك بمفاصل ساحل اليمن ومنافذه البحرية الإستراتيجية. ويشرح الباحثون أن للإمارات ثلاثة أهداف استراتيجية في اليمن: مساعدة الحلفاء (السعودية والولايات المتحدة) عسكريًا، محاربة الإسلام السياسي (إضعاف حزب الإصلاح الإخواني)، والتحكم بالمواقع الساحلية والممرات التجارية . الهدف الأخير برز بقوة في تحركات الإمارات باليمن، إذ **تعتبر نفسها مركزًا تجاريًا ولوجستيًا عالميًا وتسعى لمد نطاقها عبر “سلسلة من الموانئ” على طرق الشحن الدولية】 .

وفي هذا السياق،اليمن تمثل موقعًا محوريًا عند ملتقى البحر الأحمر بخليج عدن والمحيط الهندي؛ أي أن السيطرة على سواحل اليمن تتحكم فعليًا بحركة الشحن عبر باب المندب وقناة السويس.

 

الطموح الجيوسياسي لباب المندب

 

إن باب المندب هو شريان تجارة النفط والتجارة العالمية بين المحيط الهندي والبحر المتوسط. تدرك الإمارات أن من يملك نفوذًا على هذا المضيق الحيوي يحظى بأفضلية استراتيجية واقتصادية كبرى. وقد سعت أبوظبي لتثبيت وجودها في هذه المنطقة عبر السيطرة على الجزر والموانئ القريبة من المضيق. أبرز هذه المواقع جزيرة ميون (بريم) الواقعة في قلب باب المندب، حيث قامت الإمارات بتشييد مدرجٍ جوي وقاعدة عسكرية سرية عام 2021 . وجود هذا المدرج على ميون يمنح الإمارات قدرة على نشر الطائرات والمراقبة والتحرك السريع تجاه ساحل البحر الأحمر اليمني . وبحسب خبراء، فإن قاعدة ميون توفر منصة متقدمة للإمارات (وربما لحلفائها) لمراقبة أنشطة الحوثيين العسكرية في مناطق سيطرتهم القريبة من الساحل الغربي . كما تسمح بمشاغلة أي تهديد فوري للملاحة في باب المندب. وقد علّقت مصادر إعلامية أن هذه القدرة الإماراتية في المضيق يمكن أن تسهّل تنسيقًا عملياتيًا مع القوات الأمريكية عند الحاجة .

إلى جانب ميون، أولت الإمارات اهتمامًا خاصًا بأرخبيل سقطرى الواقع في المحيط الهندي قرب مضيق باب المندب. سقطرى جزيرة ذات موقع استراتيجي بين المحيط والبحر الأحمر، وقد عززت أبوظبي نفوذها عليها تدريجيًا منذ 2016 عبر مشاريع تنموية ومساعدات ثم حضور عسكري غير مباشر.

هذا النفوذ بسيطرة المجلس الانتقالي الجنوبي (اداة الإمارات) على الجزيرة في يونيو 2020 وإقصاء السلطات الموالية للحكومة . وأصبحت سقطرى فعليًا قاعدة إماراتية متقدمة؛ حيث تشير تقارير إلى إنشاء بنية تحتية عسكرية واتصالات إماراتية هناك. أهمية سقطرى أنها تشرف على طرق الملاحة في بحر العرب، كما يمكن استخدامها لرصد تحركات بحرية إيرانية محتملة باتجاه اليمن. وبهذا باتت الإمارات تمتلك “عينين” على جانبي باب المندب – ميون غربًا وسقطرى شرقًا – مما يعزز قدرتها على التحكم بهذا الممر.

 

سلسلة الموانئ والسواحل اليمنية

 

اتبعت الإمارات استراتيجية “سلسلة الموانئ” على طول الساحل اليمني والجوار. فعلى الساحل الجنوبي لليمن (بحر العرب)، سيطرت القوات الإماراتية أو حلفاؤها على موانئ عدن والمكلا (حضرموت) ومنشآت تصدير النفط في شبوة خلال السنوات الأولى من الحرب . كما أنشأت قوات نخبة محلية (مثل النخبة الشبوانية والحضرمية والحزام الأمني) لضمان الأمن في هذه المناطق الساحلية . وفي الساحل الغربي على البحر الأحمر، بسطت الإمارات نفوذها على ميناء المخا التاريخي عبر دعم قوات طارق صالح (المقاومة الوطنية) التي تسيطر عليه . وحتى ميناء الحديدة الاستراتيجي – الذي بقي بأيدي الحوثيين – حاولت أبوظبي انتزاعه في 2018 عبر هجوم واسع كاد ينجح لولا وقف إطلاق النار برعاية أممية (اتفاق ستوكهولم) . ويشير محللون إلى أن ترك الحديدة بيد الحوثيين نتيجة ذلك الاتفاق مكّنهم لاحقًا من استخدامه قاعدة لتهديد الملاحة الدولية بالصواريخ والقوارب المفخخة , ما اعتبرته الإمارات خطأً استراتيجيًا كانت تدفع ثمنه عبر اضطرارها لحماية الملاحة دون القضاء على مصدر التهديد .

 

على الجبهة الاقتصادية، عملت الإمارات عبر ذراعها اللوجستي العالمي (شركة موانئ دبي العالمية DP World) على الاستثمار في تشغيل وإدارة الموانئ في اليمن والقرن الأفريقي. ففي 2006، حصلت موانئ دبي على عقد لإدارة ميناء عدن ، غير أنه ألغي بعد ثورة 2011 بسبب توتر العلاقة مع الحكومة الجديدة آنذاك . لكنها عادت ووقعت اتفاقات لإدارة موانئ في جيبوتي (دوراليه) والصومال (بربرة) لتعزيز حضورها الإقليمي . وبعد نشوب الحرب، استثمرت الإمارات في تطوير موانئ أصغر في جنوب اليمن لتكون بدائل عن ميناء عدن الرسمي الواقع تحت سلطة الحكومة. كما انخرطت أبوظبي في بناء قواعد عسكرية صغيرة قرب بعض الموانئ (كميناء المخا وجزيرة ميون) لتحصين وجودها . هذه التحركات جميعها جعلت الإمارات صاحبة سطوة على معظم الشريط الساحلي اليمني المطل على طرق التجارة. وبالفعل، يشير تحليل لمركز كارنيغي أن الإمارات استحوذت عبر حلفائها على موانئ عدن والمكلا وبلحاف (شبوة) والمخا، إضافة لجزر مثل سقطرى وميون في باب المندب ، **واستثمرت في تحسين تلك المرافق وتعزيز حضورها الأمني فيها لضمان سيطرتها عليها على المدى الطويل .

 

أبعاد جيوسياسية واقتصادية

 

وراء هذا السعي الإماراتي للسيطرة البحرية تكمن اعتبارات جيوسياسية واقتصادية هامة، جيوسياسيًا، توفر السيطرة على الموانئ اليمنية خيارًا للإمارات والسعودية لتجاوز مضيق هرمز في حال إغلاقه من قبل إيران . وقد خططت الرياض بالفعل لبناء خط أنابيب نفطي من شرق السعودية إلى ساحل المهرة اليمنية (بحر العرب) لهذا الغرض في 2018 ، بما يعكس أهمية وجود منافذ بحرية بديلة عن هرمز لدى الحلفاء الخليجيين. كذلك، فإن تحكم الإمارات بسواحل اليمن يمنحها عمقًا استراتيجيًا مقابل المنافسين الإقليميين. إذ برز خلال العقد الماضي تنافس إماراتي مع كل من تركيا وقطر والصين على الموانئ والنفوذ في القرن الأفريقي والبحر الأحمر . وقد وجدت أبوظبي في اليمن أرضًا أقل ازدحامًا بالمنافسين الدوليين لتوسيع نفوذها، مقارنة بجيبوتي والسودان وغيرها . لذلك، ركزت الإمارات مواردها في اليمن حيث المنافسة الدولية محدودة نسبيًا ، وعززت تواجدها قبل أن تتمكن قوى أخرى من ذلك.

 

اقتصاديًا، يعزز امتداد شبكة موانئ الإمارات إلى البحر الأحمر والبحر العربي مكانتها كمركز لوجستي عالمي. فموانئ دبي العالمية تدير موانئ في السعودية (جدة) ومصر (السخنة) أيضًا ، وبالتالي فإن تأمين الاستقرار البحري في البحر الأحمر يصب مباشرة في مصلحة أعمالها. وقد تأثرت مصالحها بهجمات الحوثيين: إذ تشير بيانات إلى أن حركة السفن عبر موانئ البحر الأحمر تراجعت بنسبة 50% تقريبًا بسبب هجمات الحوثيين منذ أواخر 2023 . انخفض نشاط ميناء جدة السعودي بـ70% تقريبًا نتيجة تحويل الكثير من السفن مساراتها بعيدًا عن البحر الأحمر ، ما أثر أيضًا على موانئ تديرها الإمارات مثل جدة والسخنة . بل إن شركات الشحن العالمية فضّلت في ذروة الأزمة أن تسلك طريق رأس الرجاء الصالح الطويل بدلًا من المرور بالبحر الأحمر، رغم الكلفة الإضافية . وإلى جانب ذلك، تعطلت سلاسل توريد النفط والبضائع بقيمة تريليون دولار سنويًا كانت تمر عبر باب المندب بسبب تلك التهديدات . كل هذا أضر بالمصالح الاقتصادية الإماراتية التي استثمرت مليارات في موانئ المنطقة. صحيح أن الإمارات عوّضت جزئيًا عبر استفادتها من نقل البضائع برًا من دبي إلى موانئ السعودية وإسرائيل خلال الأزمة (كطريق بديل) , لكن ذلك حل مؤقت ولا يغني عن عودة الاستقرار للممر البحري الحيوي.

 

من هذا المنطلق، تلقي الإمارات بثقلها لحماية مصالحها البحرية، فهي تجد نفسها في موقف حرج: فمن ناحية تعتمد على السعودية في المفاوضات مع الحوثيين (حيث إن الرياض تتصدر الحوار مع صنعاء)، ومن ناحية أخرى تخشى أن أي اتفاق سعودي-حوثي قد لا يراعي بالكامل مصالحها في الجنوب والبحر الأحمر . لذا تكثف أبوظبي جهودها لتعزيز موقف القوى الموالية لها (كالانتقالي الجنوبي وقوات الساحل الغربي) لضمان حضور صوتها في أي ترتيبات مستقبلية تخص موانئ الجنوب أو الأمن البحري. وبالتزامن، تزيد من تعاونها الأمني مع الأمريكيين والأوروبيين في مبادرات حماية الملاحة. فقد شاركت الإمارات في القوة البحرية المشتركة (TF 153) لحماية البحر الأحمر، وتنسق مع عملية “أسپيديز (Aspides)” الأوروبية التي أُطلقت أوائل 2024 لحراسة باب المندب . لكن هذه العمليات الدولية تبقى حلولًا مؤقتة. يعلق باحث في كارنيغي بأن الجهود البحرية الحالية (الأوروبية والأمريكية) اتسمت بقصر النظر وغياب استراتيجية شاملة لمعالجة جذور التهديد الحوثي . إذ اكتفت بحماية عدد محدود من السفن مقابل انخفاض كبير في إجمالي حركة المرور البحرية ، ولم تقدم حلًا دائمًا يمنع الحوثيين من إعادة تهديد الملاحة مستقبلاً.

 

خلاصة القول، نجحت الإمارات في ترسيخ دورها كطرف إقليمي مهيمن على سواحل اليمن وممرات باب المندب. هذا الدور يمنحها أوراق قوة إقليمية واقتصادية بلا شك، لكنه أيضًا يضعها في خط مواجهة مباشر مع الحوثيين الذين باتوا يدركون أن استهداف المصالح البحرية يوجِع الإمارات. وقد ذهب الحوثيون إلى تهديد الإمارات نفسها بشكل غير مباشر عبر إعلانهم مؤخرًا نيّة ضرب أي سفن تتبع شركات تتعامل مع موانئ إسرائيل – في إشارة ضمنية إلى موانئ دبي العالمية ونشاطها في ميناء حيفا الإسرائيلي. كما كشفت تقارير استخباراتية أمريكية عن مساعٍ حوثية لبناء علاقة مع تنظيم “الشباب” الصومالي (التابع للقاعدة) بغرض تبادل المنفعة ضد الإمارات ، حيث يستهدف الشباب القوات الإماراتية في أفريقيا ويستفيد الحوثيون من إمداده بالسلاح . هكذا يجد الإماراتيون أنفسهم أمام شبكة أخطار معقدة في البحر الأحمر، مما يزيد من حساسية دورهم ويستدعي تنسيقًا أكبر مع واشنطن.

 

رابعًا: سلوك الإمارات – بين خدمة المصالح الأمريكية وتهديدها

 

يثير الدور الإماراتي النشط في اليمن تباينات في تقييم صنّاع القرار الأمريكيين ومحللي مراكز الأبحاث حول مدى توافقه مع المصالح الأمريكية. فمن جهة، تُعتبر الإمارات شريكًا استراتيجيًا للولايات المتحدة في تحقيق العديد من الأهداف الإقليمية؛ إذ شاركت أبوظبي واشنطن في ما يسمى بجهود مكافحة الإرهاب باليمن . وقد استطاعت الإمارات عقد صفقة مع تنظيم القاعدة في 2016 تخلى بموجبها عن سيطرته على مدينة المكلا وانسحب منها بدون مواجهات .

كما تعاونت مع القيادة المركزية الأمريكية في استهداف قيادات القاعدة عبر توفير مجموعات محلية على الأرض . هذا التنسيق الأمني الوثيق جعل مسؤولين أمريكيين يشيدون مرارًا بـ”احترافية” الإمارات كشريك يعتمد عليه في اليمن .

 

إلى جانب ذلك الملف، تتلاقى أهداف الإمارات مع المصالح الأمريكية في كبح نفوذ الحوثيين وقي ذاك السياق يمكن اعتبار ان الضربات الجوية الأمريكية ضد الحوثيين في 2025 جاءت كدعم غير مباشر للطموحات الإماراتية في البحر الأحمر، حيث ساهمت في تأمين الملاحة وتعزيز الطموح الاقتصادي البحري لأبوظبي . وبشكل عام، استثمار الإمارات في حماية باب المندب يتسق تمامًا مع المصلحة الأمريكية العليا في بقاء البحر الأحمر ممرًا ملاحيًا آمنًا ومفتوحًا . فواشنطن معنية تاريخيًا بضمان حرية الملاحة في الممرات الدولية، وأي طرف إقليمي يساعد في هذا الهدف يعتبر مكسبًا استراتيجيًا لها. من هذا المنطلق، ينظر الكثيرون في واشنطن إلى الدور الإماراتي على أنه داعم لاستراتيجية الولايات المتحدة الجديدة التي تقوم على إسناد أمن المنطقة للحلفاء؛ فالإمارات تملأ فراغ الانخراط الأمريكي المباشر في اليمن عبر إمساك زمام المبادرة عسكريًا وأمنيًا ضد خصوم أمريكا هناك .

 

لكن في المقابل، ثمّة مخاوف وانتقادات بين بعض الأوساط الأمريكية تجاه بعض أوجه السلوك الإماراتي في اليمن. أبرز هذه الانتقادات تتعلق بدعم الإمارات لأجندة تقسيم اليمن من خلال مساندتها للمجلس الانتقالي الجنوبي. يرى منتقدو أبوظبي أن تشجيعها للنزعة الانفصالية الجنوبية يقوّض وحدة اليمن واستقراره، مما يصب في مصلحة الحوثيين الذين يسيطرون على الشمال ويعزز حُجتهم كأقوى كيان يمني. وقد عبّر جيرالد فايرستاين (السفير الأمريكي الأسبق لدى اليمن) عن هذا القلق صراحةً، إذ صرّح أن شرعية تواجد الإمارات في اليمن تستند إلى قرار مجلس الأمن 2216 الداعي لوحدة اليمن وعودة الحكومة الشرعية، وأن أي تحرك إماراتي خارج هذا الإطار (أي باتجاه تقسيم اليمن) هو عمل غير قانوني . كما شدد فايرستاين على أن تقرير مصير الجنوب (وحدة أو انفصال) يعود للشعب اليمني وحده وليس للإمارات فرضه . هذا التصريح القوي من دبلوماسي أمريكي بارز يظهر أن دعم الإمارات للانفصاليين قد خلق توترًا بينها وبين بعض صناع القرار الأمريكيين الذين يرون في تفكك اليمن خطرًا أمنيًا قد يستغلّه تنظيما القاعدة و”داعش” للتوسع، أو يزيد من نفوذ إيران عبر الحوثيين في الشمال.

 

علاوة على ذلك، أضرّت الخلافات بين الإمارات والسعودية داخل المعسكر المناهض للحوثيين بالهدف المشترك المتمثل في إضعاف الحوثيين. فقد أدى النزاع المسلح بين حلفاء أبوظبي والرياض في 2019 (في عدن وأبين وشبوة) إلى تشتيت الجهود وإضعاف مواقع الحكومة الشرعية . توقف الزحف نحو صنعاء والحديدة نتيجة هذه الصراعات البينية، مما منح الحوثيين فرصة لالتقاط الأنفاس وتعزيز سيطرتهم. وبالتالي، يجادل البعض بأن سعي الإمارات لتحقيق مصالحها الخاصة (كالسيطرة على عدن وسقطرى) جاء أحيانًا على حساب هدف إنهاء التمرد الحوثي سريعًا. ومن منظور المصلحة الأمريكية، فإن إطالة أمد الحرب وتقسيم المعسكر المناهض للحوثيين يعتبر تطورًا سلبيًا لأنه يعقّد التوصل لحل سياسي ويتيح لإيران ترسيخ نفوذها عبر الحوثيين. لذلك يدعو محللون أمريكيون إلى ضغط واشنطن على أبوظبي والرياض لتوحيد أولوياتهما في اليمن بدل منافسة بعضهما .

 

في سياق آخر، انتهاج الإمارات لسياسة خارجية براغماتية تجاه إيران يثير علامات استفهام في واشنطن. فمنذ 2019، خففت أبوظبي لهجتها التصعيدية وفتحت قنوات تواصل مع طهران بهدف حماية مصالحها الاقتصادية وتجنب الاستهداف . استأنفت التجارة مع إيران وبلغت مستويات عالية (حوالي 25.7 مليار دولار عام 2022) ، كما استضافت محادثات أمريكية-إيرانية سرية على أراضيها في 2023 قبل انتقالها إلى عمان . هذا النهج الإماراتي المتريث تجاه إيران يتناقض مع سياسة “الضغط الأقصى” الأمريكية ضد طهران . البعض في واشنطن يخشى أن تتردد الإمارات في المضي بعيدًا في مواجهة الحوثيين عسكريًا إذا كان ذلك سيجرها إلى تصعيد مع إيران يهدد اقتصادها وانفتاحها التجاري . وقد لوحظ مثلًا أن الإمارات لم تتبنَّ علنًا الضربات الجوية الأمريكية على الحوثيين أواخر 2023 بنفس الحماس السعودي ، ربما لتحاشي استفزاز طهران بشكل مباشر. هذا التباين في الأولويات قد يسبب اختلافات في التنسيق الأمريكي-الإماراتي إن قررت واشنطن اتباع نهج أكثر تشددًا مع إيران ووكلائها.

 

رغم هذه المنغصات، تظل العلاقة الأمريكية-الإماراتية في اليمن تعاونًا أكثر منها تنافرًا. فصنّاع القرار الأمريكيون يقدّرون أن الإمارات حققت لواشنطن ما لم ترغب الأخيرة في القيام به بنفسها – من قتال القاعدة ميدانيًا إلى تحمل كلفة دماء ومخاطر مواجهة الحوثيين على الأرض. وفي الوقت عينه، تعي الإمارات أنها بحاجة للدعم الأمريكي دبلوماسيًا وعسكريًا (استخباراتي وتكنولوجي) لضمان تفوقها على الحوثيين . لذلك يحرص الطرفان على إبقاء التنسيق وثيقًا وتضييق هوة الخلافات. وقد يكون تشكيل رؤية أمريكية خليجية مشتركة للمرحلة المقبلة في اليمن هو الحل الأمثل من منظور مراكز الأبحاث : رؤية تضمن عدم خروج التباينات السعودية-الإماراتية عن السيطرة، وتحقق توازنًا بين ضرب الحوثيين عند اللزوم وترك باب الدبلوماسية مفتوحًا، مع احترام وحدة اليمن على المدى الطويل تجنبًا لخلق فراغات تستغلها القاعدة أو إيران.

 

في المحصلة النهائية فان موقع اليمن في استراتيجية الأمن القومي الأمريكية 2025 أصبح مرتبطًا أساسًا بحماية المصالح الأمنية والاقتصادية الأمريكية (حرية الملاحة ومكافحة الإرهاب) أكثر من التزامه بتشكيل مستقبل اليمن السياسي. فبعد سنوات من الحرب والأزمة الإنسانية، اختارت واشنطن تقليل انخراطها المباشر مع تحميل الحلفاء الإقليميين (السعودية والإمارات) مسؤولية أكبر في إدارة الصراع. وبينما حققت الإمارات والسعودية بعض النجاحات في ملء الفراغ وضمان قدر نسبي من الاستقرار البحري، يبقى التحدي قائما في تنسيق أهدافهما ومنع تضاربها بحيث لا يقوض ذلك الأهداف المشتركة مع الولايات المتحدة.

 

إن التحول من مشروع “بناء الدولة اليمنية” إلى مجرد “تأمين الممرات البحرية” قد يحمي المصالح الأمريكية الآنية في الملاحة الدولية، لكنه لا يقدم حلاً مستدامًا لأزمة اليمن. لذا تدعو العديد من مراكز الأبحاث إلى اعتماد مقاربة أشمل تتضمن جانبًا سياسيًا وتنمويًا بجانب الجوانب العسكرية والأمنية . فبدون تسوية سياسية عادلة ومشاركة جميع الأطراف اليمنية، قد يستمر النزاع بأشكال مختلفة ويظل باب المندب مهددًا. وفي المحصلة، توازن الاستراتيجية الأمريكية حاليًا بين تقليل التورط المباشر وتفويض الحلفاء، مع محاولة حماية المصالح الحيوية. ويبقى نجاحها مرهونًا بقدرة هؤلاء الحلفاء على التعاون فيما بينهم وتحقيق الاستقرار – الأمر الذي ستراقبه وتوجهه واشنطن عن كثب لضمان ألا تتحول اليمن مجددًا إلى مصدر تهديد عابر للحدود لمصالح الولايات المتحدة وحلفائها .

 

المصادر:

 

• الوثيقة الرسمية لاستراتيجية الأمن القومي الأمريكية 2025 (البيت الأبيض) – خاصة قسم الشرق الأوسط الذي يؤكد التحول نحو توزيع الأعباء على الحلفاء الإقليميين وضمان أمن الممرات الاستراتيجية .

 

• معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى (تحليل أبريل لونجلي ألي) – “نحو سياسة أمريكية أكثر فاعلية في اليمن”، سبتمبر 2025 – الذي يرصد تحولات السياسة الأمريكية من حقبة بايدن إلى ترامب 2025 ويوصي بتنسيق أكبر مع الخليج .

 

• مركز صنعاء للدراسات (تقرير يناير-مارس 2025) – “الحلفاء الخليجيون مفتاح الخطة الأمريكية في اليمن” – الذي يناقش اعتماد إدارة ترامب الثانية على تعاون السعودية والإمارات ضد الحوثيين ودور كل منهما وتباين مواقفهما .

 

• مركز كارنيغي للشرق الأوسط – عدة إصدارات منها “عملية أسْبيديز أو مخاطر انخفاض التوقعات في اليمن” (إبراهيم جلال، نوفمبر 2024) الذي يحلل تهديد الحوثيين للملاحة وردود الفعل الدولية قصيرة المدى ، وكذلك “بحار وبنادق: المصالح البحرية للإمارات والسعودية في حرب اليمن” (مارس 2023) الذي يستعرض الاستراتيجية الإماراتية للسيطرة على سواحل اليمن وموانئه وخلفياتها .

 

• معهد الشرق الأوسط – MEI – مقالة “مسار التصادم بين الحوثيين والإمارات في البحر الأحمر” (يوليو 2024) التي توضح تأثير هجمات الحوثيين على مصالح الإمارات البحرية في موانئ البحر الأحمر وعلاقات الحوثيين مع جهات معادية للإمارات .

 

• تصريحات مسؤولين أمريكيين سابقين – مثال: السفير الأسبق جيرالد فايرستاين الذي انتقد علنًا دعم الإمارات للانفصاليين واعتبره مخالفًا للشرعية الدولية ، مما يعكس جانبًا من التخوف الأمريكي من تأثير الأجندة الإماراتية الخاصة


مقالات مشابهة

  • أحمد الزرقة يكتب للموقع بوست عن: ما الذي يعنيه اليمن في استراتيجية الأمن القومي الأمريكية لعام 2025؟ وما دور السعودية والإمارات؟
  • محمد الحوثي يعزّي في وفاة محمد محسن العياني
  • تقرير إسرائيلي يحذر من صاروخ مصري “قد يغير قواعد اللعبة”
  • أخبار التوك شو| أحمد موسى يحذر من فخ منتخب إيران.. والجيزة تتأهب لاستقبال بديل التوك توك
  • بعد شكاوى المستخدمين… جوجل تعيد أداة تصحيح مهمة إلى صور Google Photos
  • الدفاع المدني يحذر سكان منطقة “حمل” بصنعاء من مخاطر الصخور الجبلية
  • بعد التعرف على مجموعة مصر في المونديال.. أحمد موسى يحذر من فخ منتخب إيران
  • مصر والإمارات تفتحان أفقاً جديداً للتكامل الجوى .. وتؤسسان لمحور عربى جديد فى صناعة الطيران
  • تحليل أمريكي: غزو الانتقالي لحضرموت أحد مظاهر الحرب بالوكالة بين السعودية والإمارات (ترجمة خاصة)
  • صحيفة أمريكية: حضرموت ساحة معركة جديدة بين السعودية والإمارات