المهاجرون وسعيهم للانتقال من التمثيل الرمزي إلى الشراكة الحقيقية:
في زمن تعاد فيه صياغة مفهوم المواطنة في أوروبا، لم يعد بالإمكان تجاهل التحول العميق في الوعي السياسي للمهاجرين. جيلٌ جديد خرج من دائرة التلقي إلى فضاء الفعل، يطالب لا بامتياز، بل بتمثيل عادل وشراكة كاملة. هذه ليست مطالبة عاطفية، بل تطور طبيعي لوجود إنساني ترسخ في الجغرافيا، وامتزج بثقافة البلد، وساهم في بنائه.
إنها صورة تقول الكثير دون كلمات: تقول إن المهاجر ـ مسلماً كان أم غير مسلم ـ لم يعد طارئًا على هذا البلد، بل صار جزءًا أصيلًا من نسيجه الاجتماعي. وُلد هنا، وترعرع في مدارس هذا البلد، وتشرب لغته وثقافته، وها هو اليوم يترشح لا ليستجدي أصواتًا، بل ليقدم مشروعًا، رؤية، وشراكة سياسية.
العمل السياسي التابع لم يعد مقبولاً. لقد ولى زمن الشعور بالدونية السياسية، ونحن أمام جيل جديد يرى في نفسه أهلية للمساهمة، لا على الهامش بل في صلب المشهد. جيل لا يرضى بأن يُختزل في خانة الضيف أو “المندمج الصالح”، بل يسعى لأن يكون شريكًا كاملاً، مواطنًا بحقوقه الكاملة، وطموحاته الكبيرة.
إن الإسلام، في جوهره لا في تشوهات بعض أتباعه، هو الوجود العالمي السلمي، الذي عرفته أوروبا منذ القرون الأولى، حضوره كان دائمًا في البناء، لا في الهدم؛ في الإنتاج لا في التنازع. وليس من المقبول أن يبقى الإسلام هامشًا ثقافيًا أو هوية مهاجرة. لقد أصبح اليوم جزءًا من النسيج القانوني والثقافي للنمسا، لا تهديدًا كما يصوره الإعلام المتعصب، بل قوة تنوع، وتماسكًا اجتماعيًا أصيلاً يقوم على التعدد، والاحترام المتبادل. فحين يعترف الوطن بجميع أبنائه، يصبح الدفاع عنه فعل حب، لا مجرد واجب ثقيل.وفي الوقت ذاته، تحمل هذه الصورة رسالة واضحة إلى التيار المتعصب، الذي ما زال يعيش على خطاب التخويف من “الآخر” المهاجر: هذا الآخر لم يعد غريبًا، ولم يعد متطرفًا، بل أصبح جزءًا من وجدان البلاد وضميرها السياسي. استمراركم في التلويح بفزاعة الهوية أصبح مملاً، وفاقدًا للشرعية السياسية.
هذا الملصق ليس دعاية انتخابية فقط، بل دفعة سياسية وثقافية نحو الاندماج الحقيقي، اندماج يتجاوز اللغة والعمل، إلى اندماج في القرار، في البرلمان، في السياسات العامة. وهو تذكير بأن مواجهة التطرف لا تكون بإقصاء الآخر، بل باحتضانه وتوسيع مفهوم الوطنية ليشمل كل من يؤمن بها ويعمل لأجلها.
لقد شبَّ هذا الجيل عن طوق آبائه، وخرج من عباءة التردد والتوجس، يبحث عن ذاته لا في أرضٍ أخرى، لا في أرض الأجداد ولا في جغرافيا الذكريات، بل هنا، في قلب هذا الوطن. الوطن الذي احتضنه، وضمن له الأمان، ومنحه فرصة النمو والتعلم والمشاركة. لم يعد يفكر في الرحيل، ولا يرى في “أرض الأجداد” ملاذًا بقدر ما يرى في أرض الميلاد قدرًا ومسؤولية. هنا وُجد، وهنا وجد رسالته، ومستقبله، وهنا سيكون في مقدمة الصفوف إن نادى الوطن، معمّرًا، ومساهمًا في البناء، ومدافعًا عنه إن احتاج، لا لأنه مفروض عليه، بل لأنه اختياره الحر، وانتماؤه العميق.
إن الإسلام، في جوهره لا في تشوهات بعض أتباعه، هو الوجود العالمي السلمي، الذي عرفته أوروبا منذ القرون الأولى، حضوره كان دائمًا في البناء، لا في الهدم؛ في الإنتاج لا في التنازع. وليس من المقبول أن يبقى الإسلام هامشًا ثقافيًا أو هوية مهاجرة. لقد أصبح اليوم جزءًا من النسيج القانوني والثقافي للنمسا، لا تهديدًا كما يصوره الإعلام المتعصب، بل قوة تنوع، وتماسكًا اجتماعيًا أصيلاً يقوم على التعدد، والاحترام المتبادل. فحين يعترف الوطن بجميع أبنائه، يصبح الدفاع عنه فعل حب، لا مجرد واجب ثقيل.
لماذا يجب دعم هذا الحزب والوقوف معه؟
لأن التجارب أثبتت أن العمل السياسي القائم على الاستجداء والرضا بالأدوار الثانوية لم يعد مجديًا، ولا مؤثرًا. لقد مرت سنوات طويلة والمهاجرون، خصوصًا المسلمون، موزعون بين أحزاب لا تملك لهم رؤية، ولا تقدم لهم برنامجًا. يُستخدمون كديكور سياسي، أو كورقة انتخابية موسمية، بلا تمثيل حقيقي، ولا صوت يعبر عنهم.
النمسا تتغير، والمشهد يتبدل، والتاريخ لا ينتظر المترددين. وما نراه اليوم ليس إلا بداية تحوّل عميق في بنية الوعي السياسي الأوروبي نفسه، حين يعترف بأن مستقبل أوروبا لا يُكتب بدون جميع أبنائها، بكل تنوعهم، واختلافهم، وطاقاتهم.
في المقابل، نحن اليوم أمام ظاهرة سياسية جديدة، لا تقوم على الهامش، بل تسعى لتأسيس وجود مستقبلي مستقر ومؤثر. ظاهرة تحمل مشروعًا سياسيًا نمساويًا، لا طائفيًا ولا عرقيًا، بل جامعًا يستوعب الجميع: النمساوي والعربي، المهاجر والمولود، المسلم وغير المسلم. لا تبحث عن الغلبة، بل عن الشراكة؛ ولا تطرح الخوف، بل الأمل.
هذا الحزب ليس فقط صوتًا للمهاجرين، بل فرصة حقيقية لإعادة تشكيل السياسة النمساوية على قاعدة العدالة، والتمثيل، والمشاركة. دعمه اليوم ليس دعماً لفئة، بل دعماً لمستقبل أكثر توازنًا، وانفتاحًا، وإنصافًا للجميع.
ملامح الغد تتشكل اليوم
حين يُصوّت الناس لـSÖZ، فهم لا يصوتون للحجاب أو للهوية، بل يصوتون لمفهوم جديد للمواطنة، لمستقبل تنصهر فيه الهويات داخل إطار مشترك، دون تذويب، ودون استعلاء. إن دعم هذا الحزب هو استثمار في مستقبل تتسع فيه السياسة للجميع، لا يختزل فيه الإنسان في اسمه أو ملامحه أو ديانته، بل يُقاس بما يقدمه، وبما يحلم به لهذا الوطن.
النمسا تتغير، والمشهد يتبدل، والتاريخ لا ينتظر المترددين. وما نراه اليوم ليس إلا بداية تحوّل عميق في بنية الوعي السياسي الأوروبي نفسه، حين يعترف بأن مستقبل أوروبا لا يُكتب بدون جميع أبنائها، بكل تنوعهم، واختلافهم، وطاقاتهم.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات قضايا وآراء كاريكاتير بورتريه قضايا وآراء المهاجرون النمسا انتخابات النمسا رأي مهاجرون دور قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة لم یعد
إقرأ أيضاً:
لاعب أوزبكي يحتفل مع عائلته بعد تأهل أوزبكستان التاريخي إلى كأس العالم
في مشهد مؤثر احتضنته المنصة الشرفية عقب نهاية المباراة الحاسمة، ظهر نجم منتخب أوزبكستان عبد القادر خوسانوف برفقة عائلته محتفلًا بتأهل منتخب بلاده إلى نهائيات كأس العالم، للمرة التي طالما حلم بها الشعب الأوزبكي.
وساهم خوسانوف، لاعب خط الوسط المتألق، بشكل بارز في مشوار التصفيات، حيث لعب دورًا محوريًا في قيادة المنتخب لتحقيق هذا الإنجاز التاريخي، الذي يُعد من أبرز المحطات في مسيرته الكروية.
وعقب نهاية اللقاء، توجه خوسانوف إلى المنصة الشرفية حيث كان في استقباله أفراد عائلته، ليشاركهم لحظات الفرح والتأثر، في مشهد لاقى تفاعلًا واسعًا من الجماهير ووسائل الإعلام، التي أشادت بدوره كلاعب ملتزم ومثال للروح الرياضية العالية.
ويُعد هذا التأهل بمثابة نقطة تحول في تاريخ الكرة الأوزبكية، فيما تعوّل الجماهير على نجومها، وعلى رأسهم خوسانوف، لتقديم مستوى مشرّف في نهائيات كأس العالم المقبلة.