عربي21:
2025-10-13@02:01:51 GMT

نحو مشهد سياسي جديد في النمسا

تاريخ النشر: 25th, April 2025 GMT

المهاجرون وسعيهم للانتقال من  التمثيل الرمزي إلى الشراكة الحقيقية:

في زمن تعاد فيه صياغة مفهوم المواطنة في أوروبا، لم يعد بالإمكان تجاهل التحول العميق في الوعي السياسي للمهاجرين. جيلٌ جديد خرج من دائرة التلقي إلى فضاء الفعل، يطالب لا بامتياز، بل بتمثيل عادل وشراكة كاملة. هذه ليست مطالبة عاطفية، بل تطور طبيعي لوجود إنساني ترسخ في الجغرافيا، وامتزج بثقافة البلد، وساهم في بنائه.

لحظة فارقة تتجسد اليوم في الصورة الانتخابية التي يقدمها حزب SÖZ (حزب مستقبل النمسا): امرأة ترتدي الحجاب، وشاب بملامح شرقية مسلمة. لكنها ليست مجرد صورة انتخابية، بل إعلان رمزي عن تحول في العقل السياسي المهاجر، وانتقاله من موقع التابع أو المتوسل إلى موقع الفاعل والمؤثر.

إنها صورة تقول الكثير دون كلمات: تقول إن المهاجر ـ مسلماً كان أم غير مسلم ـ لم يعد طارئًا على هذا البلد، بل صار جزءًا أصيلًا من نسيجه الاجتماعي. وُلد هنا، وترعرع في مدارس هذا البلد، وتشرب لغته وثقافته، وها هو اليوم يترشح لا ليستجدي أصواتًا، بل ليقدم مشروعًا، رؤية، وشراكة سياسية.

العمل السياسي التابع لم يعد مقبولاً. لقد ولى زمن الشعور بالدونية السياسية، ونحن أمام جيل جديد يرى في نفسه أهلية للمساهمة، لا على الهامش بل في صلب المشهد. جيل لا يرضى بأن يُختزل في خانة الضيف أو “المندمج الصالح”، بل يسعى لأن يكون شريكًا كاملاً، مواطنًا بحقوقه الكاملة، وطموحاته الكبيرة.

إن الإسلام، في جوهره لا في تشوهات بعض أتباعه، هو الوجود العالمي السلمي، الذي عرفته أوروبا منذ القرون الأولى، حضوره كان دائمًا في البناء، لا في الهدم؛ في الإنتاج لا في التنازع. وليس من المقبول أن يبقى الإسلام هامشًا ثقافيًا أو هوية مهاجرة. لقد أصبح اليوم جزءًا من النسيج القانوني والثقافي للنمسا، لا تهديدًا كما يصوره الإعلام المتعصب، بل قوة تنوع، وتماسكًا اجتماعيًا أصيلاً يقوم على التعدد، والاحترام المتبادل. فحين يعترف الوطن بجميع أبنائه، يصبح الدفاع عنه فعل حب، لا مجرد واجب ثقيل.وفي الوقت ذاته، تحمل هذه الصورة رسالة واضحة إلى التيار المتعصب، الذي ما زال يعيش على خطاب التخويف من “الآخر” المهاجر: هذا الآخر لم يعد غريبًا، ولم يعد متطرفًا، بل أصبح جزءًا من وجدان البلاد وضميرها السياسي. استمراركم في التلويح بفزاعة الهوية أصبح مملاً، وفاقدًا للشرعية السياسية.

هذا الملصق ليس دعاية انتخابية فقط، بل دفعة سياسية وثقافية نحو الاندماج الحقيقي، اندماج يتجاوز اللغة والعمل، إلى اندماج في القرار، في البرلمان، في السياسات العامة. وهو تذكير بأن مواجهة التطرف لا تكون بإقصاء الآخر، بل باحتضانه وتوسيع مفهوم الوطنية ليشمل كل من يؤمن بها ويعمل لأجلها.

لقد شبَّ هذا الجيل عن طوق آبائه، وخرج من عباءة التردد والتوجس، يبحث عن ذاته لا في أرضٍ أخرى، لا في أرض الأجداد ولا في جغرافيا الذكريات، بل هنا، في قلب هذا الوطن. الوطن الذي احتضنه، وضمن له الأمان، ومنحه فرصة النمو والتعلم والمشاركة. لم يعد يفكر في الرحيل، ولا يرى في “أرض الأجداد” ملاذًا بقدر ما يرى في أرض الميلاد قدرًا ومسؤولية. هنا وُجد، وهنا وجد رسالته، ومستقبله، وهنا سيكون في مقدمة الصفوف إن نادى الوطن، معمّرًا، ومساهمًا في البناء، ومدافعًا عنه إن احتاج، لا لأنه مفروض عليه، بل لأنه اختياره الحر، وانتماؤه العميق.

إن الإسلام، في جوهره لا في تشوهات بعض أتباعه، هو الوجود العالمي السلمي، الذي عرفته أوروبا منذ القرون الأولى، حضوره كان دائمًا في البناء، لا في الهدم؛ في الإنتاج لا في التنازع. وليس من المقبول أن يبقى الإسلام هامشًا ثقافيًا أو هوية مهاجرة. لقد أصبح اليوم جزءًا من النسيج القانوني والثقافي للنمسا، لا تهديدًا كما يصوره الإعلام المتعصب، بل قوة تنوع، وتماسكًا اجتماعيًا أصيلاً يقوم على التعدد، والاحترام المتبادل. فحين يعترف الوطن بجميع أبنائه، يصبح الدفاع عنه فعل حب، لا مجرد واجب ثقيل.

لماذا يجب دعم هذا الحزب والوقوف معه؟

لأن التجارب أثبتت أن العمل السياسي القائم على الاستجداء والرضا بالأدوار الثانوية لم يعد مجديًا، ولا مؤثرًا. لقد مرت سنوات طويلة والمهاجرون، خصوصًا المسلمون، موزعون بين أحزاب لا تملك لهم رؤية، ولا تقدم لهم برنامجًا. يُستخدمون كديكور سياسي، أو كورقة انتخابية موسمية، بلا تمثيل حقيقي، ولا صوت يعبر عنهم.

النمسا تتغير، والمشهد يتبدل، والتاريخ لا ينتظر المترددين. وما نراه اليوم ليس إلا بداية تحوّل عميق في بنية الوعي السياسي الأوروبي نفسه، حين يعترف بأن مستقبل أوروبا لا يُكتب بدون جميع أبنائها، بكل تنوعهم، واختلافهم، وطاقاتهم.
في المقابل، نحن اليوم أمام ظاهرة سياسية جديدة، لا تقوم على الهامش، بل تسعى لتأسيس وجود مستقبلي مستقر ومؤثر. ظاهرة تحمل مشروعًا سياسيًا نمساويًا، لا طائفيًا ولا عرقيًا، بل جامعًا يستوعب الجميع: النمساوي والعربي، المهاجر والمولود، المسلم وغير المسلم. لا تبحث عن الغلبة، بل عن الشراكة؛ ولا تطرح الخوف، بل الأمل.

هذا الحزب ليس فقط صوتًا للمهاجرين، بل فرصة حقيقية لإعادة تشكيل السياسة النمساوية على قاعدة العدالة، والتمثيل، والمشاركة. دعمه اليوم ليس دعماً لفئة، بل دعماً لمستقبل أكثر توازنًا، وانفتاحًا، وإنصافًا للجميع.

ملامح الغد تتشكل اليوم

حين يُصوّت الناس لـSÖZ، فهم لا يصوتون للحجاب أو للهوية، بل يصوتون لمفهوم جديد للمواطنة، لمستقبل تنصهر فيه الهويات داخل إطار مشترك، دون تذويب، ودون استعلاء. إن دعم هذا الحزب هو استثمار في مستقبل تتسع فيه السياسة للجميع، لا يختزل فيه الإنسان في اسمه أو ملامحه أو ديانته، بل يُقاس بما يقدمه، وبما يحلم به لهذا الوطن.

النمسا تتغير، والمشهد يتبدل، والتاريخ لا ينتظر المترددين. وما نراه اليوم ليس إلا بداية تحوّل عميق في بنية الوعي السياسي الأوروبي نفسه، حين يعترف بأن مستقبل أوروبا لا يُكتب بدون جميع أبنائها، بكل تنوعهم، واختلافهم، وطاقاتهم.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات قضايا وآراء كاريكاتير بورتريه قضايا وآراء المهاجرون النمسا انتخابات النمسا رأي مهاجرون دور قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة لم یعد

إقرأ أيضاً:

أكثر من 550 حكم.. الإعدام السياسي ممارسةً راسخة في نهج الحوثيين

منذ سنواتٍ، تحوّل الخوف إلى واقعٍ يومي في مناطق سيطرة الحوثيين، حيث صار الموتُ بقرارٍ قضائيٍّ مسيّس أقربَ إلى سلاحٍ في يد سلطةٍ تتغذّى على الترهيب وتكميم الأصوات.

تجلس أمٌّ يمنية أمام صورة نجلها الذي أُعدم في ميدان التحرير بصنعاء عام 2021، تتذكر آخر كلماته حين قال لها: "لن أُقرّ بشيء لم أفعله حتى لو شنقوني." مثل هذه القصص لم تعد استثناءً، بل صارت شاهدًا يوميًا على ما تصفه منظمات حقوقية بأنه "موجة إعدامات سياسية ممنهجة" تستخدمها ميليشيا الحوثي لتصفية خصومها وإسكات معارضيها.

وقالت منظمة سام للحقوق والحريات، في تقريرٍ جديد لها، إن اليمن يعيش واحدة من أسوأ فترات استخدام عقوبة الإعدام لأغراض سياسية وانتقامية، مؤكدةً أن سلطة الحوثي في صنعاء حوّلت الإعدام إلى أداةٍ للبطش السياسي وتصفية الحسابات، في انتهاكٍ صارخٍ للحق في الحياة ولكلّ الضمانات القانونية للمحاكمة العادلة.

وأوضحت المنظمة أن عدد أحكام الإعدام الصادرة في مناطق سيطرة الحوثيين تجاوز 550 حكمًا منذ عام 2014، غالبيتها قضايا مفبركة ذات دوافع سياسية أو طائفية، أصدرتها محاكم تفتقر للاستقلالية وتعتمد على اعترافاتٍ انتُزعت تحت التعذيب والإكراه، مشيرةً إلى أن تلك الممارسات تمثل إعدامات سياسية خارج نطاق القانون الدولي الإنساني.

وأكدت المنظمة أن جريمة الإعدام الجماعي لأبناء تهامة في سبتمبر 2021 تبقى "شاهداً مأساوياً" على الإعدامات السياسية في اليمن، حيث أُعدم تسعة مواطنين علنًا أمام العامة بعد محاكمات صورية، مشيرة إلى أن هذه الجريمة وصمة عار لا تسقط بالتقادم وتشكل جريمة ضد الإنسانية.

كما استعرضت "سام" قضية الناشطة الحقوقية فاطمة العرولي، التي صدر بحقها حكم بالإعدام في ديسمبر 2023 بعد ثمانية أشهر من الاحتجاز القسري وحرمانها من محامٍ، وتوجيه تهم ملفقة بالتجسس، واصفةً ما تعرضت له بأنه انتهاك فاضح لمعايير العدالة والكرامة الإنسانية.

وتطرقت المنظمة إلى قضية الصحفي طه أحمد راشد المعمري، الذي حكمت عليه محكمة حوثية بالإعدام ومصادرة جميع ممتلكاته المقدرة بـ2.2 مليون دولار، رغم أنه مقيم خارج اليمن منذ 2015، معتبرةً الحكم أداةً للنهب السياسي والاقتصادي تحت غطاء القضاء.

وقالت المنظمة إن ما يُعرف بـ "الإعدام السياسي" أصبح ممارسةً راسخة في نهج الحوثيين، تُستخدم لترهيب المجتمع وإخماد أي معارضة فكرية أو سياسية، مشيرة إلى أن الحق في الحياة حقّ غير قابل للتصرف أو المساومة، وأن استمرار تنفيذ الإعدامات بهذه الطريقة يشكّل جريمة ضد الإنسانية.

ودعت "سام" المجتمع الدولي والأمم المتحدة إلى تشكيل آلية رقابية دائمة لرصد أحكام الإعدام ذات الدوافع السياسية في اليمن، وتمكينها من زيارة السجون وتوثيق الانتهاكات، والعمل على إنشاء مسار قضائي دولي لمحاسبة المسؤولين عنها وضمان حق الضحايا في الإنصاف والتعويض.

كما طالبت المنظمة الحكومة اليمنية باتخاذ موقف واضح وحازم من هذه الإعدامات السياسية، وتوحيد الجهود الحقوقية والقضائية لكشفها وتوثيقها، والعمل على وقف العمل بالنصوص القانونية الفضفاضة التي تُستخدم لتجريم المعارضة، تمهيدًا لإلغاء عقوبة الإعدام في القضايا ذات الطابع السياسي والفكري.

واختتمت المنظمة تقريرها بالتأكيد على أن صمت العالم عن هذه الجرائم يشجع على تكرارها، داعيةً إلى أن يكون اليوم العالمي لمناهضة الإعدام مناسبة لتذكير العالم بأن في اليمن مئات الأرواح تُزهق بقراراتٍ جائرة، وأن العدالة الحقيقية تبدأ من إنقاذ من تبقى على قيد الحياة.


مقالات مشابهة

  • رومانيا تهزم النمسا بهدف في تصفيات كأس العالم 2026
  • الرئيس السيسي يواصل دعم تمكين المرأة سياسيًا
  • فرنسا بين الانفجار والانفراج السياسي
  • أكثر من 550 حكم.. الإعدام السياسي ممارسةً راسخة في نهج الحوثيين
  • النمسا تبصم على تاريخ كرة القدم بالرقم غير المسبوق!
  • برلماني: مشهد رفع علم مصر بغزة ترجمة صادقة لدورها التاريخي في دعم فلسطين
  • نصرة قوية
  • المالكي يحذر من المال السياسي ويهاجم توظيف الدولة في التنافس الانتخابي
  • امرأه عارية على سلالم محكمة المحلة تثير غضب الأهالى
  • إذاعة جيش الاحتلال: لأول مرة منذ 7 أكتوبر 2023 يُسمح بعودة سكان غزة للقطاع