ذاكرة الخيانة: حين يصير الحلم العسكري موتًا مؤجلاً
تاريخ النشر: 26th, April 2025 GMT
"قراءة في بنية الانقلابات في السودان من عبود إلى البرهان وحميدتي"
إهداء
إلى الذين لم يكفوا عن الإيمان بأن الحلم أكبر من البندقية،
وأن الوطن لا يُؤخذ بيانًا، بل يُصنع صبرًا.
…………………………….
مفتتح
ثمة خيبات لا تسقط فجأة، بل تنمو، مثل داء خفي، في بطانة البزة العسكرية، قبل أن تنفجر بيانًا يبتلع ما تبقى من الحلم.
………………………….
في أعماق كل ضابط جيش سوداني، ترقد بذرة صامتة:
أن يقود انقلابًا، ويُصبح الحاكم الذي كتب له التاريخ مكانه بين أضرحة الخراب.
وكما نبّهت حنة أرندت، فإن “غواية السلطة المطلقة ليست امتياز الطغاة وحدهم، بل لعنة كامنة في كل بنية سلطوية غير خاضعة للمساءلة”.
وفي السودان، حيث اختلطت البنادق بالأوهام، صار الحلم بالاستيلاء على الوطن نزعة تتخلق باكرًا في مؤسسات أُقيمت لا لصناعة المواطنين، بل لصناعة الحكام.
منذ انقلاب الفريق عبود (1958)، مرورًا بنميري (1969)، وصولًا إلى انقلاب البشير (1989)، كانت الدبابة تكتب التاريخ بالحبر الأسود قبل أن تسطره الشعوب بدمائها.
لم يكن الوطن ساحةً للحرية، بل ساحةً للمناورات؛ تُمحى خرائطه مع كل بيان أول، ويُعاد رسمه كغنيمة معلقة على كتف جنرال.
لم تكن الانقلابات عارضًا، بل سلوكًا بنيويًا، تجد جذوره في الخيال السياسي المشبع بثقافة “الزعامة” لا ثقافة “الشراكة”.
شعارات مثل “الإنقاذ”، و”تصحيح المسار”، و”الثورة”، كانت مجرد أقنعة فضفاضة لغريزة التملك: غريزة تختصر الوطن في رقعة يسودها البيان العسكري لا العقد الاجتماعي.
ولو تعمقنا أكثر، لاكتشفنا أن هذه الغواية العسكرية ليست ابنة اليوم،
بل ابنة مجتمع رعوي تاريخي رفع من شأن السيطرة على القطيع أكثر من شأن بناء المؤسسات.
فالبنية الاقتصادية الاجتماعية، حيث يُنظر إلى الزعامة باعتبارها غنيمة، تقاطعت مع العقلية العسكرية التي ترى الحسم فوق التعاقد، والولاء الشخصي فوق الشرعية الدستورية.
جاء انقلاب البرهان، في 2021، كتجلٍ فج لهذا المسار الكارثي.
لم يكن انقلابًا ضد فساد سابق، بل كان نزاعًا مكشوفًا بين مشروعين صغيرين يتنازعان على جسد وطنٍ جريح.
البرهان الذي سُيّرته عقدة تحقيق “حلم الأب”، لا حلم الوطن،
و من خلفه الجبهة الإسلامية و حلمها ايضاً بالعودة إلي المشهد، وحميتي الذي ورث أدوات القوة دون أن يمتلك مشروعًا وطنيًا،
كلاهما كان وجهين لعملة اغتيال آخر لأمل الانتقال المدني.
كما وصف غوستاف لوبون: “الجماهير لا تطلب الحرية، بل مخلصًا”،
وقد ظلت الجماهير في السودان، تحت وطأة الدبابة، تختار سجانيها الجدد،
ربما تحت إكراه، وربما تحت إرث نفسي أعمق من أن يمحوه بيان ثورة عابر.
ما يجعل المؤسسة العسكرية أكثر خطورة ليس فقط امتلاكها للبندقية،
بل قناعتها الداخلية أن الوطن مشروع امتياز شخصي، لا فضاءً مشتركًا.
المدنيون في هذا المخيال، مجرد "مَلَكِية" يفتقرون للصرامة؛
أما الضابط فهو، في أسوأ تجلياته، المنقذ الذي لا يعرف سوى لغة النار.
ليس غريبًا إذًا أن يخرج الضباط من ثكناتهم حاملين هذا الحلم الدفين:
أن يُصبح البيان الأول طريقًا معبدًا نحو القصر، لا نحو الشعب.
وكما قال نيتشه: “من يحارب طويلاً من أجل الغلبة قد يصير الغلبة نفسها”،
فقد تحولت المؤسسة العسكرية السودانية، عبر الأجيال، إلى جهاز يعيد إنتاج نزعته الخاصة في التشبث بالغلبة، حتى لو كان الثمن وطنًا آخر يُضاف إلى خرائط الخراب.
والحق أن فترات الحكم المدني في السودان، مهما تألقت ومضت ساطعة لحظات،
كانت دومًا استثناءات هشة، محاطة بثكنات تنتظر فرصة الانقضاض.
من عبود إلى البرهان، ليس مسارًا سياسيًا فقط، بل مسارًا نفسيًا أيضًا:
خيبات متكررة، كأن الوطن لا يُكتب له إلا أن يكون صدى لحلم البزة لا حلم الجماعة.
وفي كل مرة، كانت الحرية تُدهس تحت جنازير الدبابات،
وكان الأمل يقتل برصاصة صادرة من حلمٍ فردي قصير النظر و الأفق.
وحين أشعل البرهان حربه مع مليشيا الدعم السريع، لم يكن يدافع عن وطن،
بل عن موقع في سُلم الغنائم.
وكذلك فعل حميدتي: صعد على جماجم الأبرياء ليعقد صفقاته باسم “الهامش” و”التحرير”.
واليوم، يتسكع الوطن بين أنقاضه كطفل يتيم، لا يجد حتى ظله.
وفي الأفق، لا تزال البزات مكوية، تنتظر من يحلم من جديد بالانقلاب الموعود.
ليس السؤال كيف نوقف البيان الأول،
بل كيف نوقف الحلم به قبل أن يُكتب.
وليس العدو بندقية،
بل الخيال المريض الذي يُقدّسها.
في انتظار معجزة من معجزات الوعي،
سيبقى السودان معلقًا بين فوهتين:
فوهة الحلم المعطوب، وفوهة الخيانة المؤجلة.
zoolsaay@yahoo.com
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: فی السودان انقلاب ا
إقرأ أيضاً:
“تفاصيل دمشقية”.. حين تتحول ذاكرة دمشق إلى لون وفرشاة
دمشق-سانا
انبعثت رائحة الياسمين الدمشقي من بين الألوان الزيتية، ونبضت الحارات القديمة بالحياة مجددًا عبر معرض فني بعنوان “تفاصيل دمشقية” للفنانتين التشكيليتين ريم بسمار وهلا حسناوي، وذلك في المركز الثقافي العربي بأبو رمانة.
المعرض، الذي افتُتح مساء أمس يأخذ الزوار في رحلة بصرية داخل البيوت الدمشقية العريقة، برحابها وبحراتها وقناطرها، من خلال 50 لوحة تشكيلية جسّدت تراث المدينة وروحها الأصيلة.
ريم بسمار، التي تحمل دبلومًا من كلية لندن للفنون الجميلة بتقدير امتياز، وتعود اليوم إلى المشهد التشكيلي السوري بعد سنوات من الغياب، قدّمت في هذا المعرض 30 لوحة فنية، تنوّعت بين مشاهد من الحارات الدمشقية القديمة، وعادات البيوت، وبعض اللوحات الزهرية التي أضفت لمسة شاعرية خاصة، مستعيدةً من خلال هذا المعرض مسيرتها الفنية الطويلة وحضورها المتجدد في الساحة الثقافية السورية.
أما هلا حسناوي، التي تخوض تجربتها الأولى في عرض أعمالها أمام الجمهور، فشاركت بـ 20 لوحة زيتية، رسمتها على قماش “ديفينجي”، وركّزت فيها على التفاصيل الداخلية للبيوت الدمشقية، كالبحرات والقناطر والمباخر، بأسلوب واقعي كلاسيكي يعكس ذاكرتها البصرية منذ الطفولة.
رئيس المركز الثقافي في أبو رمانة، عمار بقلة، أكد في تصريح لـ سانا، أن رسالة المركز تتمثل في دعم المواهب واستقطاب الفنانين، مشيرًا إلى أن اختيار ريم وهلا جاء بعد الاطلاع على أعمالهما التي عكست موهبة فنية جديرة بالعرض والدعم.
وأضاف بقلة: “نحن نؤمن أن الثقافة ترفع مستوى الفكر عند الناس، وتنمّي الحس الفني والإبداعي، وهذا دور أساسي نسعى لتحقيقه من خلال فعالياتنا”.
“تفاصيل دمشقية” ليس مجرد معرض، بل هو احتفاء بالهوية والحنين، ومحاولة لاستعادة دمشق كما تسكن في الذاكرة والوجدان.
2025-05-14Hassan Nasrسابق المديرية العامة للموانئ تصدر شهادات الكفاءة للملاحين والمهندسين والأفراد انظر ايضاً المديرية العامة للموانئ تصدر شهادات الكفاءة للملاحين والمهندسين والأفراددمشق-سانا أصدرت المديرية العامة للموانئ التابعة للهيئة العامة للمنافذ البرية والبحرية
آخر الأخبار 2025-05-14المديرية العامة للموانئ تصدر شهادات الكفاءة للملاحين والمهندسين والأفراد 2025-05-14بالتزامن مع اليوم الدولي للتمريض… الصحة تكرم عدداً من الممرضين والممرضات 2025-05-14وزير الطاقة يبحث مع الجهات المعنية في درعا سبل النهوض بقطاعات الكهرباء والمياه والصرف الصحي والمحروقات 2025-05-14المنصور: رفع العقوبات عن سوريا تحول إستراتيجي ونقطة انطلاق جديدة نحو التعافي الاقتصادي 2025-05-14وزير النقل يبحث مع السفير القبرصي سبل تعزيز التعاون بين البلدين 2025-05-14الاتحاد الآسيوي لكرة القدم يثبت موعد ومكان إقامة مباراة سوريا وأفغانستان في تصفيات كأس آسيا 2027 2025-05-14مؤسسة “ميد لايف” الطبّية تنظم فعالية خيرية للأطفال المرضى في مشفى جامعة حمص 2025-05-14خبيران اقتصاديان: رفع العقوبات بوابة لتطوير سوريا وتجاوز فوضى اقتصاد النظام البائد 2025-05-14وزير الخارجية السعودي: ننسق مع واشنطن في إجراءات رفع العقوبات عن سوريا وسنكون سباقين في دعمها 2025-05-14إطلاق خدمة البيان العقاري المؤتمت في ثلاث مناطق بسلمية في حماة
صور من سورية منوعات اكتشاف آلية غير متوقعة وراء تلف القلب بعد النوبات 2025-05-09 تطبيق موبايل يوصل صوت الصم للحصول على خدمات الإسعاف 2025-04-27فرص عمل وزارة التجارة الداخلية تنظم مسابقة لاختيار مشرفي مخابز في اللاذقية 2025-02-12 جامعة حلب تعلن عن حاجتها لمحاضرين من حملة الإجازات الجامعية بأنواعها كافة 2025-01-23
مواقع صديقة | أسعار العملات | رسائل سانا | هيئة التحرير | اتصل بنا | للإعلان على موقعنا |