الكتاب: الإسلاميون في الأردن: الدين والدولة والمجتمع
تأليف: د. محمد أبو رمان، حسن أبو هنية، وعبد الله الطائي
الناشر: مؤسسة فريدريش إيبرت، 2023
عدد الصفحات: 314

دراسة الظاهرة الإسلامية بمختلف مكوناتها، وتعدد تشكيلاتها، يتطلب جهدا بحثيا متميزا، للتعرف على مقولاتها المؤسِّسة، وتحديد أصولها ومرتكزاتها الفكرية، ومن ثم رصد نشاطاتها الدعوية والتعليمية والفكرية، وتتبع ممارساتها ومواقفها السياسية، والوقوف على مدى انسجام مساراتها العملية مع مقولاتها المؤسسة، وتوائمها مع أصولها الفكرية، وتحليل طريقة تعاطيها مع إكراهات الواقع وضغوطه التي عادة ما تُحدث جدلا داخليا بين دعاة التشبث بالأصول والثوابت، وبين منظري براغماتية التكيف مع الواقع بإكراهاته المختلفة.



في هذا الإطار، وبمنهجية بحثية موضوعية ومنضبطة، يأتي الكتاب الصادر حديثا (2023) عن مؤسسة فريدريش إيبرت، مكتب عمان، والمعنون بـ"الإسلاميون في الأردن: الدين والدولة والمجتمع"، من تأليف الدكتور محمد أبو رمان، وحسن أبو هنية، وعبد الله الطائي، وهو حافل بالأحداث والوقائع، ومعني بالرصد والمتابعة، ومكتنز بتحليل مسارات الحركات والاتجاهات ومآلاتها، مسلطا الضوء على التحولات الطارئة على البنى الفكرية لبعضها، ومبرزا في الوقت نفسه نماذج ما بعد الربيع العربي، وما بعد الإسلام السياسي.

وتجدر الإشارة إلى أن الكاتبين أبو رمان وأبو هنية سبق لهما تأليف كتابهما (الحل الإسلامي في الأردن: الإسلاميون والدولة ورهانات الديمقراطية والأمن) عام 2012 لدراسة الأحزاب والجماعات الدينية الرئيسية في الأردن (الإخوان، السلفيون، الجهاديون، حزب التحرير)، وهو ما حملهما على اعتبار كتابهم الجديد "بمثابة زيارة جديدة Revisiting لحقل الإسلاميين" بعد أن انضم إليهما الباحث العراقي عبد الله الطائي".

ووفقا للمؤلفين فإن "بحثهم في هذا الكتاب لا يقتصر على تجديد وتطوير ما حدث بعد إصدار ذلك الكتاب، والذي تعود أغلب أبحاثه ودراساته إلى مرحلة ما قبل الربيع العربي" لافتين إلى أن عملهم البحثي في هذا الكتاب "يتجاوز عملية رصد التحولات والتطورات والتغييرات البنيوية التي حدثت بعد تلك الفترة، بخاصة منذ العام 2013" وأن "هنالك مراجعة شمولية لهذا الحقل على أكثر من صعيد ومستوى" فالكتاب يتوافر على مراجعات في المنهج والفهم والأدوات البحثية المستخدمة، مما ينعكس على مقاربة هذه الجماعات والحركات في المجال العام".

الإخوان المسلمون ما بعد الربيع العربي

احتوى الكتاب على ستة فصول، وهي: الأول: كيف نفهم الإسلام السياسي في الأردن؟ الثاني: الإخوان المسلمون من طموحات الربيع العربي إلى التمسك بالوجود، الثالث: أحزاب ما بعد الإسلام السياسي (خيارات التحالف والصدام مع السلطة)، الرابع: السلفية التقليدية: التكيف مع سياسات "ما بعد الربيع العربي"، الخامس: تحولات التيار الجهادي منذ صعود تنظيم داعش، السادس: حزب التحرير تصلب الأيديولوجيا في سياق الثورة والديمقراطية.

يرصد الكتاب حالة الإخوان المسلمين في الأردن، وذراعها السياسي حزب جبهة العمل الإسلامي، بعد الثورات العربية، وكيف ارتفع سقف طموحات الجماعة من المشاركة السياسية المحدودة إلى الشراكة الاستراتيجية مع النظام، وإلى زيادة نفوذ الحركة داخل النظام السياسي، وهو ما انعكس أيضا على مطالب الحركة نفسها وشروطها للمشاركة في لجنة الحوار الوطني التي شكلها النظام لمحاولة امتصاص المطالب الشعبية في التغيير بعد تتابع الانتفاضات العربية.

في المراجعة التاريخية لتحديد المسار الذي أخذته العلاقة بين الدولة وجماعة الإخوان في الأردن، منذ تأسيس الجماعة عام 1946 (أي بالتزامن مع تأسيس المملكة)، حدد الكتاب عدة مراحل رئيسية لتلك العلاقة، المرحلة الأولى، تتمثل في التأسيس وفيها كانت الجماعة تحظى بدعم وتأييد من الملك عبد الله الأول، واستمر الحال كذلك خلال مرحلة الستينيات..

أما طبيعة العلاقة بين الجماعة والنظام من بداية السبعينيات إلى منتصف الثمانينيات فكانت بمثابة المرحلة الذهبية للجماعة، إذ كانت مرحلة الصعود، مستفيدة من سياسات ملء الفراغ والتمدد في المجتمع والعمل الخيري والنقابي.. لكن العلاقة من (1985 ـ 1999) أخذت منحى آخر بين الطرفين فهي "بداية الأزمة والتحول من التعايش والتواطؤ إلى الشك والاختلاف والمواجهة وانقلاب السياسات الرسمية ضد الجماعة".

الإخوان في الأردن بالرغم من أنهم لم يرفعوا شعار (إسقاط النظام)، وأصروا على (إصلاح النظام) فقد ذهبوا نحو مقاربة جديدة أثارت حفيظة الملك، وعززت الأزمة المتبادلة عندما تضمنت مطالبهم تحجيم سلطاته وصلاحياته، وهو الأمر الذي نُظر إليه رسميا بوصفه تقويضا غير مباشر للنظام،ووفقا للكتاب فإن المرحلة الثانية من الأزمة السياسية، بدأت مع عهد الملك عبد الله الثاني، ومما يشير على تجذر الأزمة ونموها هو ما حصل في العام 2006 عندما حرمت الدولة الجماعة من جمعية المركز الإسلامي التي كانت تشكل مصدرا مهما من مصادر القوة والتجنيد للجماعة.. إضافة إلى سياسات التضييق على الجماعة، وتحجيم نشاطاتها عبر تعديل قوانين الفتوى وأنظمة المساجد، وفي مرحلة ما بعد الربيع 2011 وصلت الأزمة إلى مرحلة متقدمة بين الطرفين.

ويلفت الكتاب إلى أن الإخوان في الأردن بالرغم من أنهم لم يرفعوا شعار (إسقاط النظام)، وأصروا على (إصلاح النظام) فقد ذهبوا نحو مقاربة جديدة أثارت حفيظة الملك، وعززت الأزمة المتبادلة عندما تضمنت مطالبهم تحجيم سلطاته وصلاحياته، وهو الأمر الذي نُظر إليه رسميا بوصفه تقويضا غير مباشر للنظام، وما لبثت الأمور أن سارت لصالح النظام مع انقلاب العسكر على الإخوان في مصر 2013، ثم الحملة الإقليمية العربية لتجريم الجماعة ووسمها بالإرهاب والتطرف".

أما على صعيد الخطاب الإيديولوجي، فطبقا للكتاب "كان واضحا أنه شهد تحولا جوهريا في الأعوام الأخيرة، وأصبح أكثر تسييسا وابتعادا عن اللغة الدعوية الوعظية السابقة التي وسمت مواقف الجماعة وخطابها الأيديولوجي.. وشكلت وثيقة الرؤية السياسية للحركة ذروة الانتقال نحو لغة ومصطلحات وأفكار جديدة أحدثت قطيعة مع المراحل السابقة، وتم إقرارها من قبل مجلس الشورى في الجماعة..

أما فيما يتعلق بالحراك الداخلي والتنظيمي في الجماعة، والحزب، فشهدت فترة ما بعد 2013 تطورات كبيرة أبرزها النزوح الجماعي لقيادات وشباب ما سمي بالجناح المعتدل من الحركة باتجاه تأسيس تجارب جديدة (مثل جمعية الإخوان المسلمين الجديدة، وحزبي زمزم والشراكة والإنقاذ".

ومن الاستنتاجات والخلاصات الهامة التي توصلت إليها الدراسة الإشارة إلى أن "مصطلحات (الاعتدال) و (التطرف) و (الصقور) و (الحمائم) التي عادة ما تستخدم في توصيف تيارات الجماعة المختلفة تتسم بالنسبية والضبابية، وقد تكون مضللة خاصة عندما نتحدث عن مرحلة الربيع العربي".

أحزاب ما بعد الإسلام السياسي..

يرصد الكتاب الكيانات الجديدة التي خرجت من رحم الإخوان المسلمين، بعد الربيع العربي، وهي ما وصفها المؤلفون بـ"أحزاب ما بعد الإسلام السياسي"، والتي كانت بقيادة ورعاية قيادات إخوانية مرموقة، شغلت في فترات سابقة أعلى المناصب في الجماعة، كمنصب المراقب العام للجماعة، أو مدير الدائرة السياسية فيها، وهي حالة غير مسبوقة في تاريخ الجماعة التي عُرفت بالتماسك الداخلي، وانضباط جميع قياداتها وكوادرها بسياسات الجماعة، واحترامهم لقراراتها والتقيد بها.

ويشير المؤلفون إلى أن حركات الخروج والانشقاق والفصل في أوساط جماعة الإخوان المسلمين شهدت تطورا ملموسا وواضحا منذ العام 2013، فبدأت الأمور بالإعلان عن مبادرة زمزم في ذلك العام، بقيادة القيادي في الجماعة الدكتور رحيل غرايبة، ثم التأسيس لجمعية جديدة تحمل اسم الإخوان المسلمين بقيادة المراقب العام الأسبق، عبد المجيد الذنبيات، في العام 2015، ولاحقا الإعلان عن نية تأسيس حزب الشراكة والإنقاذ في العام 2017 لمجموعة أخرى من قيادات الجماعة، منهم سالم الفلاحات، وهو مراقب عام سابق للجماعة أيضا.

وتتبع الكتاب مسارات تلك الهياكل والأحزاب التي انشقت وانفصلت عن الجماعة، لا سيما حزبي زمزم والشراكة والإنقاذ والتي تراوحت بين خيارات التحالف والصدام مع السلطة، وتوقف الباحثون مطولا في بحث وتحليل أسباب ذهابهما في مسارين متباعدين تماما، على الرغم من كل وجوه التشابه بينهما في الأفكار (خرجا من رحم الجناح المعتدل أو يسمى بالحمائم) وحيثيات التأسيس، وعوامل الانشقاق والانفصال عن الجماعة، فحزب زمزم لديه علاقات قوية مع مؤسسات الدولة، واندمج مع حزب الوسط برغبة من الحكومة، ويبتعد عن الخط الصدامي مع الحكومات..".

أحزاب ما بعد الإسلام السياسي"، التي كانت بقيادة ورعاية قيادات إخوانية مرموقة، شغلت في فترات سابقة أعلى المناصب في الجماعة، كمنصب المراقب العام للجماعة، أو مدير الدائرة السياسية فيها، هي حالة غير مسبوقة في تاريخ الجماعة التي عُرفت بالتماسك الداخلي، وانضباط جميع قياداتها وكوادرها بسياسات الجماعة، واحترامهم لقراراتها والتقيد بها.أما حزب الشراكة والإنقاذ، فذهب نحو العمل الاحتجاجي، وتقارب مع مجموعات الحراكات الشعبية، وهو ما دفع المؤلفين للتساؤل لماذا كان هذا الاختلاف الكبير بين مساري الحزبين؟ في الإجابة عن ذلك أورد الباحثون عدة عوامل، بدءا بالعامل الأبرز ألا وهو " التباين في القيادات الرئيسية في الحزبين في خبراتهما ومواقفهما" فحزب زمزم ذهب نحو خط سياسي محافظ نسبيا، يتجنب الصدام، ويحاول تحقيق مكاسب سياسية.. بينما ساهمت تجربة الفلاحات، المراقب العام السابق، منذ تزوير الانتخابات النيابية 2027، ثم انخراطه مع المجموعات الحراكية في الأنشطة الاحتجاجية منذ الربيع العربي، ولدت لديه شبكة علاقات سياسية مغايرة، إضافة لأسباب أخرى مذكورة في الكتاب".

وعن الآفاق القادمة بالنسبة للحزبين، فالائتلاف الوطني يواجه تحديات مرتبطة بالمشاركة في الانتخابات وترتيب البيت الداخلي بعد الاندماج (بين حزبي الوسط وزمزم)، والوصول إلى مرحلة من الاستقلالية عن الأجهزة الرسمية.. بينما يواجه الشراكة والإنقاذ التحديين البارزين له، أولهما البقاء على قيد الحياة، وتجنب محاولات النظام سحب ترخيص الحزب، والثاني القدرة على إدارة الاختلافات الداخلية، بخاصة بين جناح متبق من شباب الإخوان، ممن لا ينسجمون مع الخطاب الحالي والمجموعات والشخصيات السياسية الجديدة ذات النزوع الأكثر راديكالية في المعارضة.

"السلفية التقليدية" والتكيف مع "ما بعد الربيع العربي"

استطاعت "السلفية التقليدية"، كما جاء وصفها في الكتاب، والتي يمثلها في الأردن السلفية الألبانية من تحقيق انتشار واسع منذ وجودها في سبعينات القرن الماضي، نظرا لوضوحها وبساطتها، وادعائها تمثيل السلف الصالح، لكن تحقيقها لذلك الانتشار والحضور اللافت في الساحة الدينية لم يكن لقوتها الذاتية فحسب، وإنما يرجع إلى أسباب موضوعية، تتعلق بظروف وعوامل جيوسياسية دولية وإقليمية ومحلية، أفضت إلى البحث عن حركات واتجاهات إسلامية سلمية وغير سياسية لتوظيفها في مواجهة حركات الإسلام السياسي وتنظيمات السلفية الجهادية وفق الكتاب.

ويلفت المؤلفون إلى أن "الأجهزة الأمنية في معظم البلدان العربية وجدت في السلفية التقليدية ضالتها المنشودة، وفي الأردن تمتعت سلفية مركز الألباني بالدعم والرعاية ومُنحت الأفضلية والتسهيلات، لكن السلفية التقليدية لم تكن أداة سلبية طيعة، وجماعة وظيفية خالصة بيد السلطة السياسية والأمنية للدولة، فقد تمكنت بفضل مهادنة السلطة من التغلغل في المجتمع وتحقيق انتشار واسع لأيديولوجيتها وثقافتها ودعوتها في المجتمع من خلال تأسيس شبكة دعوية امتدت إلى كافة مدن ومحافظات المملكة".

ويتحدث الكتاب عن المرحلة الأولى في مسيرة السلفية التقليدية في الأردن، والتي ارتبطت باستقرار الشيخ محمد ناصر الدين الألباني في الأردن، بداية ثمانينيات القرن الماضي، حتى وفاته 1999، وكانت العلاقة مع الدولة ملتبسة بسبب إصرار الألباني على استقلالية السلفية عن الدولة، ورفض مأسسة الدعوة السلفية، أما المرحلة الثانية فهي مرحلة ما بعد وفاة الألباني وفقدان الاستقلالية عن الدولة من خلال مأسسة السلفية بتأسيس مركز الألباني 2001، وتمتد إلى حدود 2010".

في الأردن تمتعت سلفية مركز الألباني بالدعم والرعاية ومُنحت الأفضلية والتسهيلات، لكن السلفية التقليدية لم تكن أداة سلبية طيعة، وجماعة وظيفية خالصة بيد السلطة السياسية والأمنية للدولةأما المرحلة الثالثة فتبدأ بعد ثورات الربيع العربي، وبدء الحراكات الاحتجاجية في الأردن 2011، والتي شهدت فتور علاقة سلفية مركز الألباني مع الدولة بعد أن فشلت في الحد من صعود النزعات التسييسية للسلفية ومواجهة خطابات الإسلام السياسي والجهادي، وبلغت العلاقة حد القطيعة والاستبعاد منذ 2017، وهي حقبة اتسمت بالشك وفقدان الثقة بين السلفية التقليدية والدولة، وتبدل الرعاية والدعم الحكومي إلى الاتجاهات الأشعرية والصوفية.

لكن منذ بداية 2022، وهي المرحلة الرابعة وفق الكتاب، فقد شهدت تخفيفا نسبيا في السياسات الإقصائية تجاه السلفية التقليدية لمركز الألباني في حدها الأدنى، بعد أن أصبحت الحكومة أكثر إدراكا لخطورة التداعيات السياسية والأمنية لتهميش السلفيين بصورة مطلقة. أما عن مستقبل السلفية التقليدية في الأردن فهو رهن لتقلبات السياسة، ومدى قدرة السلفية على التكيف مع التحولات الجيوسياسية الدولية، والمرونة في التعامل مع تقلبات السياسة المحلية".

تحولات التيار الجهادي منذ صعود داعش

تناول المؤلفون في هذا الفصل بالبحث والدراسة التحولات والتغيرات والإيديولوجية والهيكلية والحركية التي حدثت للتيار منذ ظهور تنظيم داعش وصعوده بعد العام 2013، ثم إعلان تنظيم الدولة الإسلامية عن إقامة الخلافة في نهاية شهر حزيران/ يونيو 2014، وتتبع الكتاب الخلافات والانقسامات الأيديولوجية، وتشظي التيار من قيادة موحدة وتماسك حركي إلى الانشطار التنظيمي، بين تنظيم الدولة الإسلامية والقاعدة والتنظيمات التابعة لها،  وانعكاس ذلك على التيار الجهادي في الأردن، والتي جاءت لتعزز الخلافات في أوساط التيار بين أتباع الزرقاوي والمقدسي.

ويشير الكتاب إلى أن تلك الخلافات أدت إلى انقسامات معلنة وصريحة، بل حرب داخلية بين أتباع المجموعتين، وقد انحاز العديد من قيادات التيار السلفي الجهادي إلى المقدسي، وفي مقدمة هؤلاء أبو قتادة الفلسطيني، وهو أحد المنظرين العالميين للجهادية العالمية، ومجموعة كبير من القيادات المعروفة في المحافظات (عمان، السلط، معان، الزرقاء) وتضامن مع هذه المجموعة مجموعات أخرى، من المقربين من التيار الجهادي، مثل د. إياد القنيبي، ود. أيمن البلوي، بينما انحاز لتنظيم داعش عمر مهدي زيدان، ولاحقا أحد القيادات التاريخية في التيار، عبد شحادة الطحاوي"ز

يرصد الكتاب السجال الذي دار بين مؤيدي تنظيم الدولة وبين مؤيدي تنظيم القاعدة، بعد إعلان الأول عن إقامة الخلافة وطلب البيعة للبغدادي، وعلى صعيد الخلاف الأيديولوجي كتب أبو محمد المقدسي، وأبو قتادة العديد من الرسائل، وأصدروا الفتاوى التي تنتقد تنظيم الدولة، والتي كان من أبرزها رسالة أبو قتادة بعنوان "ثياب الخليفة" يرد فيه على دعوى إعلان الخلافة من قبل تنظيم داعش وإلزام الآخرين بها.. ومع أن الخلاف بين المجموعتين حول إعلان الخلافة خلاف جديد، لكن ثمة ما يشير إلى جذور أعمق بين منهجين في التفكير والتغيير، بين أبي محمد المقدسي المنظر التاريخي للتيار، وبين أبي مصعب الزرقاوي.. في الأفكار والرؤى الموجهة وآليات العمل وميادينه.

من الاستنتاجات والخلاصات اللافتة في هذا الفصل تحذير الكتاب من الركون إلى القول بأن خطر تنظيم الدولة (داعش) لم يعد قائما، سواء في صورة التهديد الأمني والعسكري المباشر، أو التهديد غير المباشر المتمثل بالفكر الداعشي وما ينبثق عنه، بعد انهيار دولة الخلافة، وانحسار وجود التنظيم وفقدانه للسيطرة المكانية، فطبقا للكتاب لا ينبغي الاستسلام لهذه الخلاصة، فقد تكون خادعة، ولا يجب التوقف عند ما يحدث على السطح؛ فالتجربة مع الجماعات الجهادية تؤكد أنها تمر بمراحل كمون وهدوء وتراجع، لكنها تستثمر في هذه المرحلة لإعادة الهيكلة والتجنيد والتحضير للفترة التالية..".

الفصل الأخير (السادس) من الكتاب جاء بعنوان (حزب التحرير: تصلب الأيديولوجيا في سياق الثورة والديمقراطية) وكان رصدا وتتبعا لموقف حزب التحرير من الاحتجاجات والحراكات الشعبية التي اندلعت في العالم العربي عام 2011، من خلال المظاهرات والاعتصامات والمسيرات وإصدار البيانات، ومدى تأثير ذلك على أيديولوجية الحزب وطريقته المتبناة في التغيير عبر طلب النصرة، وانعكاسها على تماسكه الفكري والتنظيمي، وموقفه من الثورة السورية، وتعرضه لانتقادات شديدة بما قيل أنه تورط في دعم بعض الفصائل السورية عسكريا، وهو ما اعتبر خروجا عن طريقته في التفكير والتغيير. 

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي أفكار كتب تقارير كتب الكتاب الاردن كتاب خارطة كتب كتب كتب كتب كتب كتب أفكار أفكار أفكار سياسة أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الإخوان المسلمین تنظیم الدولة فی الجماعة الإخوان فی تنظیم داعش فی الأردن عبد الله وهو ما إلى أن فی هذا

إقرأ أيضاً:

الفوضى الخلاقة.. مصر هي الهدف

كانت كونداليزا رايس تشغل منصب وزيرة الخارجية الأمريكية، وقد طرحت رؤيتها للمتغيرات المقبلة لبناء شرق أوسط جديد وفي مقدمتها نظرية «الفوضى الخلاقة»، التي تعني في مضمونها «التخلي عن مفاهيم الأمن والاستقرار» حتى لو تسبب ذلك في إسقاط العديد من الأنظمة الحليفة والموالية للولايات المتحدة، بزعم أن هذه الفوضى حتمًا سينتج عنها وضع أفضل من الأوضاع السائدة في المنطقة، وقد أكدت ذلك تفصيلاً في حديثها لـ «الواشنطن بوست» بتاريخ 19 أبريل . 2005

تعددت الاتصالات التي رصدتها المخابرات العامة بين ممثلين لجماعة الإخوان وتحديدًا التنظيم الدولي، وبين عناصر استخباراتية أمريكية، بهدف الاتفاق حول الخطوات القادمة لأسس التنسيق بين الطرفين.

كانت واشنطن قد سعت في هذا الوقت إلى التأكد من مصداقية وعود الإخوان ومدي التزامهم بالاستراتيجية الأمريكية حال وصولهم للحكم في مصر والعالم العربي، وقد رصدت المخابرات العامة المصرية ورود تعليمات من قيادة الـ(سي.آي.إيه) إلى مسئولي محطات المخابرات الأمريكية في عدد من الدول الغربية والشرق الأوسط لتجنيد عدد من كوادر الجماعة للتعرف من خلالهم على الموقف الحقيقي للإخوان المسلمين من السياسة الأمريكية في المنطقة.

وفي عام 2006 قام وفد برئاسة ريتشارد ميرفي مساعد وزير الخارجية الأمريكي لشئون الشرق الأوسط بزيارة إلى مقر الكتلة البرلمانية لجماعة الإخوان في المنيل بالقاهرة، حيث التقي الوفد مع عدد من نواب جماعة الإخوان بالبرلمان، وهم: سعد الكتاتني وحسين إبراهيم وحمدي حسن، تم خلالها الحديث عن ضرورة تنمية العلاقة بين نواب الإخوان بالبرلمان وبين مراكز الأبحاث الأمريكية، ولم يكن ذلك إلا عنوانًا للمهمة، إلا أن الأمر كان يحوي تكليفًا من الإدارة الأمريكية لريتشارد ميرفي لمعرفة رؤية الإخوان حول القضايا المطروحة وتطوير الحوار بين الجماعة والإدارة الأمريكية.

وفي أكتوبر عام 2006 بدأت ملامح هذا المخطط تتكشف تدريجيًا بأبعادها المختلفة، من خلال البلاغ الذي تقدم به عضو جماعة الإخوان المدعو محمد عبد الغني محمد حسن الذي كان يعمل في بلغاريا، عندما التقي القنصل العام للسفارة المصرية في بلغاريا، وهو رجل مخابرات، وأبلغه أن أحد عناصر الاستخبارات الأمريكية التقاه أكثر من مرة في أماكن متعددة داخل بلغاريا، وكان الهدف من وراء هذه اللقاءات هو تجنيده لصالح المخابرات الأمريكية بهدف التجسس على جماعة الإخوان ومعرفة حقيقة مواقفها السياسية.

وأكد محمد عبد الغني للقنصل المصري أن الشخص الأمريكي الذي سعي إلى تجنيده يعمل بمقر السفارة الأمريكية في بلغاريا، وأنه فهم منه أن هناك عناصر إخوانية أخري في بلغاريا وغيرها تم تجنيدهم لنفس الغرض.

في هذا الوقت كتب القنصل العام المصري في بلغاريا تقريرًا أرسله إلى الجهات المختصة التي قامت بدورها باطلاع الرئيس مبارك عليه، كما جري إطلاع جهاز مباحث أمن الدولة على ذات المعلومات التي كان الجهاز نفسه قد توصل إليها عبر اختراقه للتنظيم الدولي للإخوان.

لقد نجحت عملية التجنيد لعدد من كوادر الإخوان في بعض دول أوربا، وتحديدًا في ألمانيا وبريطانيا والنمسا وفرنسا، وأصبح لدي الاستخبارات الأمريكية في هذا الوقت قناعة بأن الإخوان يستهدفون الوصول إلى السلطة في مصر، وأنهم في ذلك مستعدون لتنفيذ كافة المطالب الأمريكية.

مبارك وأمريكا

كانت الأزمة بين مصر والولايات المتحدة قد أصبحت على فوهه بركان بفعل التدخلات الأمريكية المباشرة في الشئون الداخلية المصرية، والتآمر علي استقرار البلاد.

وكان الرئيس مبارك قد أبلغ حكومته أنه لن يزور الولايات المتحدة كنوع من الاحتجاج على تدخل الإدارة الأمريكية في الشئون المصرية، ووصول معلومات تشير على دورها الهادف إلى إسقاط نظامه وفتح الطريق أمام الإخوان المسلمين للقفز على السلطة في البلاد.

كانت قطر وتركيا تلعبان نفس الدور بتعليمات أمريكية مباشرة، حيث أنشأت قطر في عام 2006 أكاديمية التغيير التي ترأسها هشام مرسي صهر الشيخ يوسف القرضاوي، وهي الأكاديمية التي تولت تدريب العديد من العناصر الشبابية والإخوانية على كيفية إسقاط نظام الحكم في مصر.

أما تركيا فقد فتحت أبوابها واسعةً أمام اجتماعات التنظيم الدولي للإخوان على أراضيها، وأيضًا رعاية الحوار الأمريكي- الإخواني الذي جري في سرية تامة ومن خلف ستار.

في 30 من يونيو 2007 استطاعت الأجهزة الأمنية المصرية الحصول على محضر الاجتماع الذي عُقد في اسطنبول بمشاركة أعضاء التنظيم الدولي للإخوان والذي مثَّل إخوان مصر فيه كل من د.سعد الكتاتني عضو مكتب الإرشاد ورئيس الكتلة البرلمانية للإخوان في مجلس الشعب وأيضًا سعد الحسيني النائب بمجلس الشعب وعضو مكتب الإرشاد.

وقد تضمن محضر الاجتماع في هذا الوقت عددًا من الأمور المهمة، أبرزها:

- موقف جماعة الإخوان في مصر من حكم الرئيس مبارك في ضوء الظروف التي كانت تعيشها البلاد، خاصة بعد التعديلات الدستورية التي استهدفت توريث نظام الحكم في مصر، وفي هذا الإطار طرح ممثلًا الجماعة في مصر خطة تهدف إلى استدراج النظام للصدام مع كافة القوي الشعبية مع بقاء جماعة الإخوان علي حيادها المعلن.

- ضرورة تهيئة الأجواء لمرحلة ما بعد سقوط نظام مبارك، عبر التواصل مع الأطراف الدولية وطمأنتها خاصة الولايات المتحدة، وبحيث تمهِّد واشنطن الأجواء لتولي الإخوان السلطة حال سقوط النظام عبر ثورة شعبية وبسبب تردي الأوضاع الاقتصادية والأحوال المعيشية في البلاد.

- أن جماعة الإخوان ستعزز من علاقاتها مع القوي السياسية المعارضة في مصر لحشدها ودفعها إلي مواجهة النظام، كما أنها ستواصل خطة سيطرتها علي كافة النقابات والاتحادات والهيئات الاجتماعية المختلفة، حتي تكون سندًا للجماعة في مخططها الذي يستهدف الوصول إلي السلطة.

وكان من ضمن توصيات هذا الاجتماع عقد لقاء لأعضاء مجلس شوري التنظيم الدولي للإخوان، وقد تحدد له موعد الثاني عشر من نوفمبر .2007

وفي الموعد المحدد عقد اللقاء في تركيا وحضره من مجلس شوري التنظيم الدولي من مصر كل من د.سعد الكتاتني والسيد عسكر وحسين إبراهيم وسعد الحسيني، وجميعهم كانوا أعضاء بمجلس الشعب المصري في هذه الفترة، وقد استغل التنظيم تمتعهم بالحصانة البرلمانية وقرر إيفادهم للمشاركة في هذا الاجتماع المهم الذي حضره عدد كبير من أعضاء مجلس شوري التنظيم الدولي.

في هذا الاجتماع تمت مناقشة خطة التمكين التي وضع إطارها المهندس خيرت الشاطر نائب المرشد العام للجماعة، وقد تم الاتفاق علي التحرك في ضوء هذه الخطة للوصول إلي أسلمة المجتمع والهيمنة علي النقابات والاتحادات والتغلغل داخل الأوساط العمالية والطلابية.

وفي العام نفسه عُقد لقاء بمنزل السفير الأمريكي بالقاهرة بين د.سعد الكتاتني زعيم الكتلة البرلمانية للإخوان في مجلس الشعب وبين «ستاني هوهر» زعيم الأغلبية الديمقراطية في مجلس النواب، حيث تعرض اللقاء إلي سيناريوهات المستقبل ومرحلة ما بعد نظام مبارك.

ووضح من خلال هذا الاجتماع أن واشنطن لن تقف حائلًا أمام وصول الإخوان للسلطة في البلاد، وأنها ستمارس ضغوطها علي النظام لوقف قمعه لجماعة الإخوان والمعارضة.

أحداث المحلة

وبعد أحداث المحلة في 6 من أبريل 2008 بدأت جماعة الإخوان تُعُّد العدة للمرحلة القادمة، خاصة بعد أن أدركت حجم الاحتقان الشعبي ضد نظام مبارك، فسعت إلي تكثيف لقاءاتها بالمسئولين الأمريكيين للاتفاق حول سيناريوهات المستقبل.

كان نظام مبارك في هذا الوقت يعقد الصفقات مع الجماعة، يتركها تعيش فسادًا في البلاد طولاً وعرضًا، شريطة ألا تتعرض لكرسي الحكم، وفَّر لها البيئة المناسبة للتحرك والتغلغل في النقابات وكافة الأوساط، ولم يكن يسمح لجهات الأمن بالتدخل إلا في مواجهة بعض التحركات التي كان يراها خطيرة.

كانت واشنطن تمارس ضغوطها علي النظام، وتتهمه بعدم احترام المنظمات الدولية والمحلية بإدانة ممارسات النظام ضد معارضيه تشكل قلقًا لأركان النظام الحاكم في هذا الوقت، ولذلك كان مبارك يرفض الاعتداد بالتقارير الأمنية التي كانت تطالبه بضرورة اتخاذ إجراءات جذرية لتجفيف منابع الإخوان ومنظمات المجتمع المدني المموَّلة من الخارج.

رفعت الجهات الأمنية في هذا الوقت تقريرًا يكشف خطورة تلقي عدد من النشطاء دورات تدريبية في الخارج وتحديدًا في صربيا وأواكرانيا وغيرهما من البلدان الأوربية بهدف إسقاط النظام في مصر من خلال ثورة شبيهة بالثورات البرتقالية، إلا أن مبارك تجاهل هذه التقارير، خوفًا من التصعيد الدولي ضد نظامه.

باراك أوباما ومصر

وفي عام 2009 ومع وصول المرشح الديمقراطي «باراك أوباما» إلى قمة السلطة في الولايات المتحدة بدأت المؤامرة تأخذ أبعادًا جديدة، لقد سعي أوباما إلى خديعة الرئيس مبارك وجاء إلى مصر في مايو 2009 ليخطب في قاعة المؤتمرات بجامعة القاهرة متحدثًا عن المصالحة مع العالم العربي والإسلامي، وبما يؤكد علي عدم التدخل في الشئون الداخلية للدول واحترام حقوق الإنسان والسعي إلي إيجاد حل عادل للقضية الفلسطينية، غير أن التحركات الأمريكية علي الأرض كانت علي العكس من ذلك تمامًا.

قرر أوباما في هذا الوقت استئناف ضخ ملايين الدولارات إلي منظمات المجتمع المدني الموالية لواشنطن خصمًا من قيمة المعونة الأمريكية المقدَّمة إلى مصر، وبرغم الاحتجاجات المصرية التي تقدمت بها د.فايزة أبو النجا وزيرة التعاون الدولي في هذا الوقت، إلا أن واشنطن ظلت علي موقفها ورفضت كافة النداءات المصرية، بل وزادت من حدة تدخلها في الشئون الداخلية للبلاد من خلال التقارير المعادية التي كانت تعدها جهات أمريكية حول تردي الحريات الدينية في مصر والممارسات القمعية للنظام، وبدأت حملة قوية في الصحافة ووسائل الإعلام الأمريكية حول قضية التوريث التي أحدثت قلقًا كبيرًا لدي كافة الدوائر الشعبية والعسكرية في مصر.

كان عمر سليمان يسدي النصائح للرئيس مبارك، حيث طالبه بضرورة إحداث تغيير واسع في البلاد، وقدَّم له العديد من التقارير التي تؤكد أن واشنطن تتحاور بجدية مع جماعة الإخوان للانقلاب علي نظام الحكم في البلاد، إلا أن مبارك لم يكن مستعدًا للاستماع إلي أحد في هذا الوقت.

تركيا والإخوان

وفي عام 2009 سافر وفد من جماعة الإخوان إلي تركيا لحضور اجتماعات اللجنة العليا لاتحاد المنظمات الطلابية، بهدف التنسيق المشترك بين طلاب الإخوان في تحركاتهم ضد الأنظمة الحاكمة في البلدان المختلفة، ومناقشة الخطط المستقبلية لمواجهة قمع الأنظمة للإخوان وأنشطتها الطلابية والسياسية.

وشارك من مصر في هذا اللقاء عدد من الكوادر الإخوانية، من بينهم سعد الحسيني وأيمن علي ومصطفي الطمان، حيث رفعوا تقريرًا إلي مكتب الإرشاد يتضمن ما تم التوصل إليه خلال هذه الاجتماعات من قرارات، بمجرد عودتهم إلي البلاد.

وكانت أبرز التوصيات تؤكد علي ضرورة إعداد العدة لخطة المواجهة مع النظام حال انفجار الأوضاع في مصر، مع التركيز علي القطاع الطلابي باعتباره الأكثر قدرة علي الحشد وإثارة شباب الجامعات وإحراج النظام.

وفي شهر مايو من ذاته العام سافر د.محمد البلتاجي القيادي الإخواني وعضو مجلس الشعب إلى تركيا، حيث التقي وفدًا من قيادة حماس كان يشارك في مؤتمر «نصرة غزة» الذي عُقد لبحث سبل دعم سكان قطاع غزة في مواجهة الحصار الذي كان مفروضًا عليهم.

وخلال هذا اللقاء أكد قادة حماس للبلتاجي أن هناك عبئًا كبيرًا ملقي علي جماعة الإخوان في مصر لإنهاء الحصار المفروض علي القطاع، وأكدوا له أن أعضاء الحركة قد منحوا بيعتهم للمرشد العام لجماعة الإخوان، وأنهم ملتزمون بكافة قرارات مكتب الإرشاد، وأن الولاء للجماعة والتنظيم الدولي له الأولوية.

وفي العام نفسه التقي القيادي الإخواني حازم فاروق النائب بالبرلمان عن جماعة الإخوان بالمسئول عن اللجان بحركة حماس في لبنان ويدعي «أبو هشام»، وقد دار حوار بين الطرفين حول مدي استعداد حركة حماس لمساندة جماعة الإخوان في مصر حال اتخاذها قرارها النهائي بالانقلاب علي نظام الحكم في مصر حال تدهور الأوضاع في البلاد.

وفي هذا اللقاء أكد حازم فاروق أن جماعة الإخوان تنسق مع كافة القوي السياسية لحشدها ضد النظام وتهيئة الساحة للتغيير الكبير الذي سيعمل الإخوان علي إحداثه في مصر خلال الفترة القادمة.

وأكد أبو هشام أن عناصر من حماس وحزب الله يجري تدريبها في معسكرات حزب الله بهدف إسقاط النظام المصري، الذي أصبح يشكل خطرًا على الشعب المصري وعلى القضية الفلسطينية.

في هذا الوقت كانت السلطات المصرية قد ألقت القبض علي خلية لعناصر تنتمي إلي حزب الله، تم القبض علي أعضائها وتقديمهم للمحاكمة في القضية رقم 284/2009 حصر أمن دولة عليا، حيث كانت هذه الخلية مكلفة بالقيام بأعمال عنف ضد المنشآت الحيوية بمصر.

لم يتوقف الأمر عند هذا الحد، كان المخطط قد بدأ يأخذ خطوات جادة سواء فيما يتعلق بالإعداد الداخلي أو التواصل مع قوي الخارج خاصة مع الأمريكان من جانب ومع حركة حماس وحزب الله من جانب آخر، كان الجميع قد اتفقوا علي ضرورة الاستعداد للتدخل المباشر والإجهاز علي نظام الحكم الضعيف في مصر.

اجتماع بيروت

وكان الاجتماع الأخطر هو الذي جري في الفترة من 17-15من يناير عام 2010 في بيروت بين محمد نزال عضو المكتب السياسي لحركة حماس وبين وفد إخواني كان قد قام بزيارة إلي لبنان في هذا الوقت وضم كلا من حسين إبراهيم ومحمد البلتاجي وإبراهيم أبو عوف وأسامة جادو.

وخلال هذا اللقاء حمل الوفد رسالة من المرشد الجديد للجماعة د.محمد بديع إلي قادة حماس أكد فيها أن الجماعة بصدد انتظار اللحظة الحاسمة لتنفيذ مخطط الاستيلاء علي السلطة في مصر بعد إسقاط النظام الحالي الذي يواجه معارضة شعبية كبيرة، وأن ذلك يوجب علي حركة حماس الاستعداد الكامل لمساندة الجماعة في تحركاتها المقبلة.

وأشار الوفد الإخواني إلي أن الجماعة أبعدت العناصر الإصلاحية عن صفوفها بهدف تمكين القطبيين من السيطرة الكاملة علي مكتب الإرشاد، لتنفيذ مخطط إسقاط النظام، الذي كان بعض الإصلاحيين يعترضون عليه.

وحذَّر محمد نزال وفد الإخوان من خطورة ما يتردد عن احتمال تولي اللواء عمر سليمان أو المشير حسين طنطاوي للحكم خلفًا لحسني مبارك حال سقوطه، وقال إن ذلك سوف يعني استمرار النظام وممارساته، وطالبهم برفض هذا الخيار، وبحيث يكونون هم الطرف الأساسي في تقرير مستقبل الحكم بعد سقوط مبارك.

ورصدت الأجهزة الأمنية في هذا الوقت أيضًا لقاء جري بين خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحركة حماس وبين علي أكبر ولايتي مستشار الإمام خامنئي في نوفمبر 2010 في دمشق حيث تم خلاله الاتفاق علي التنسيق المشترك بين الطرفين في إطار ترتيبات المرحلة القادمة في مصر.

كانت الأمور تمضي سريعًا، نظام يتهاوي في مصر بفعل الرفض الشعبي العارم لممارساته، وقوي تتآمر وتستعد للقفز علي السلطة في البلاد بمساندة إقليمية ودولية.

في هذا الوقت كانت حركة حماس قد عهدت إلي أحد أعضائها ويدعي أكرم العجوري، المعروف بعلاقاته مع عناصر من بدو سيناء، بالبدء في التواصل معهم، انتظارًا لأحداث هامة قد تشهدها البلاد في أقرب وقت ممكن.

كانت البلاد في هذا الوقت على فوهة بركان، كان المصريون ينتظرون التغيير الكبير، لكن الإخوان وبعض أتباعهم كانوا يعدون العدة لنشر الفوضى والسيطرة علي الحكم واختطاف الوطن.

كان عمر سليمان على اطلاع بتفاصيل هذا المخطط وأبلغ به الرئيس مبارك أكثر من مرة، غير أنه كان يعرف أن الرئيس مبارك لا يريد المواجهة مع جماعة الإخوان وفضح مخططاتهم، كان يظن أن الإخوان سيظلون على نهجهم المعلن بعدم معاداة السلطة أو رأس الدولة، ولذلك ترك مبارك لهم حرية التحرك في كافة الأوساط النقابية والاجتماعية والسياسية.

سمح لهم الرئيس بمقر علني في المنيل وآخر في جسر السويس والعديد من المقرات الأخرى، وكان مكتب الإرشاد يجتمع دوريًا تحت سمع وبصر السلطات الأمنية المصرية.

لقد جري ذلك عبر اتفاق غير معلن بين مبارك وجماعة الإخوان، «تحركوا وتغلغلوا كيفما تشاءون، ولكن بشرط عدم الصدام أو معاداة رئيس الجمهورية».

الاتفاق مع الإخوان

ومنذ انتخابات 2005 كان عمر سليمان علي علم بمضمون هذا الاتفاق الذي سمح للإخوان بالحصول على 88 مقعدًا في البرلمان بالرغم من أن الاتفاق قد جري بين الطرفين علي أقل من ذلك، وهو الاتفاق الذي تم داخل مبني مباحث أمن الدولة بحضور كل من د.محمد مرسي وخيرت الشاطر عضوي مكتب الإرشاد في هذا الوقت.

لقد كان عمر سليمان يعرف أن موافقة مبارك على هذه الصفقات التي كانت تعقدها مباحث أمن الدولة مع جماعة الإخوان، تمت بضغوط أمريكية، وكان مبارك يقول دائمًا: «أنا لا أريد صداعًا جديدًا، اتركوهم يتحركوا، ويدخلوا البرلمان حتى نأمن شرهم».

كان عمر سليمان وبتعليمات من مبارك يلتقي قيادات من جماعة الإخوان، إلا أنه كان يقول للرئيس دائمًا: «أنا لا أريد صداعًا جديدًا، اتركوهم يتحركوا، ويدخلوا البرلمان حتى تأمن شرهم».

كان عمر سليمان وبتعليمات من مبارك يلتقي قيادات من جماعة الإخوان، إلا أنه كان يقول للرئيس دائمًا: «حذارِ من غدرهم»، وكان مبارك لا يعر مثل هذا الكلام اهتمامًا.

وعندما تردد اسم محمد بديع كمرشح لمنصب مرشد عام جماعة الإخوان كتب جهاز مباحث أمن الدولة تقريرًا يحذر فيه من اختيار بديع باعتباره يميل إلى العنف ويقود التيار القطبي التكفيري داخل الجماعة.

وعندما سأل مبارك، عمر سليمان عن هذا الأمر، قال عمر سليمان: «كلهم زي بعض، ولكن تاريخ محمد بديع معروف للكافة، وهو بالفعل شخصية صدامية»، غير أن مبارك كان له رأي آخر، فقد كان على ثقة بأن بديع لن يخرج عن نهج محمد مهدي عاكف المرشد السابق، الذي كان حريصًا على عدم الصدام بالدولة وكان مؤيدًا للرئيس ونهجه.

وفي شهر سبتمبر، كان مبارك يدرس طلبًا بمقابلة المرشد العام لجماعة الإخوان مهدي عاكف بشكل غير معلن، وحينها توجه الرئيس بالسؤال إلي عمر سليمان، ما رأيك في ذلك؟ فقال له عمر سليمان: «لن يكون هناك سر لدي الإخوان، وسيجري تسريب الخبر إلى وسائل الإعلام، وإذا كُشف الأمر فسيتعامل الجميع مع الإخوان على أنهم كيان شرعي، وسيزيدهم ذلك قوة وطمعًا».

كان مهدي عاكف قد طلب لقاء الرئيس من خلال حديث أدلي به لوكالة الأنباء الألمانية في سبتمبر، قال فيه: «إنه بعث برسالة للرئيس حسني مبارك يطلب فيها لقاءه لنقل رؤية الجماعة إليه»، وقال: «إنه أرسل هذه الرسالة منذ عدة أسابيع ولم يتلق أي رد عليها، وأضاف أيضًا«إنه سبق أن أرسل أكثر من رسالة لمبارك يشرح فيها رؤية ومطالب الإخوان بشأن ما هو مطروح من قضايا علي الساحة السياسية حاليا»، وتابع: «إنه إذا ما تحقق لقاء الرئيس سنطرح عليه ما لدينا من أفكار ونستمع لما عنده، وسنطرح رؤيتنا لقاضي الإصلاح ومختلف القضايا القومية الأخرى، وسنؤكد له أننا لا نطمع في السلطة ولا نسعي إليها ولا نطرح أنفسنا كبديل للحكم».

كانت الكلمات قد أعجبت الرئيس، وكان يري أن مهدي عاكف من الشخصيات العاقلة التي يجب احتضانها والتعامل معها بطريقة مختلفة.

وصرَّح مهدي عاكف في حديث أدلي به لصحيفة «المصري اليوم» في الأول من يناير 2005 بأن: «الرئيس مبارك هو ولي الأمر، وطاعته واجبة»، وقال: «لا نقبل إفساد العلاقة بين مبارك وأبنائه من الإخوان المسلمين».

وفي 20 من يوليو من العام نفسه أدلي بحديث لمجلة «المصور» أعلن فيه تأييده لترشح مبارك لرئاسة الجمهورية، وطلب مجددًا لقاءه.

لقد وصل الأمر بجماعة الإخوان ومرشدها العام أن أدلي بحديث إلى وكالة رويترز في 31 من أكتوبر 2009 قال فيه: «إن الجماعة لن تحاول تحدي الحزب الوطني الديمقراطي الحاكم في انتخابات الرئاسة التي ستجري عام 2011 في ظل الدستور الحالي»، وأضاف: «إن حركته التي تسعي لإقامة دولة إسلامية بوسائل غير عنيفة، لن تقوم بعملية تحدٍّ انتخابي»، وقال: «إن الرئاسة الآن ليست في أجندتي، لأنها تحتاج إلي مقدمات كبيرة جدًا، حينما أريد أن أترشح لها»، وتابع: «أنا لن أدخل بالقوة واصطدم مع النظام، أنا قلت لهم: لا، إنما أدخل مع بقية كل الشرفاء من أبناء مصر ونتعاون معًا حتي نصلح هذا الفساد، ومهمتنا أن نضع أيدينا في أيدي بعض حتي نصلح الحال».

وبرغم التحذيرات الأمنية من تولي محمد بديع منصب المرشد الجديد لا يختلف كثيرًا عن صوت سابقه.

أرسل محمد بديع في 28 من مارس 2010 برقية تهنئة إلي الرئيس مبارك بمناسبة عودته إلي مصر سالمًا بعد رحلة علاج طويلة في الخارج، قال فيها: «السيد الرئيس محمد حسني مبارك رئيس الجمهورية، نهنئ سيادتكم بسلامة العودة إلي أرض الوطن، بعد أن من الله عليكم بنعمة الشفاء، داعين الله -عز وجل- أن يحفظ مصر وأهلها من كل سوء، وأن يجمع أبناء الوطن جميعًا قيادة وشعبًا على خير ما يحب ربنا ويرضي».

وفي أبريل 2010 كانت الإعلامية مني الشاذلي تُجري حوارًا مع د.محمد بديع المرشد العام للجماعة قال فيه: «مبارك أب لكل المصريين، والمصريين عاوزين حقهم من أبوهم».

ولم يكن الإخوان ضد توريث السلطة لجمال مبارك، فقط كانوا يريدون تحقيق بعض المكاسب السياسية والتنظيمية في المقابل ومن بينها حقهم في تشكيل حزب سياسي لهم ذي مرجعية دينية.

وقال لي عمر سليمان: «كان هناك توجه لدى بعض قيادات الحكم في مصر بالموافقة علي حزب لجماعة الإخوان باسم مختلف، إلا أنه رفض ذلك بكل شدة وأبلغ الرئيس مبارك بخطورة الموافقة على هذا الحزب الذي سيفتح الطريق أمام صراع ديني في البلاد».

كان عمر سليمان يعرف أن الإخوان يتعاملون بوجهين، وجه معلن وآخر خفي، وجه يفاوض، والآخر يتآمر، وجه يخطط ويتغلغل في المجتمع وآخر يسعي إلي طمأنة الرئيس ومؤسسات الدولة بأن الجماعة لا مطامع سياسية لها، لذا فقد كان للمخابرات العامة موقف آخر، وكان عمر سليمان يحذر في هذا الوقت من خطورة تغلغل الجماعة في المجتمع وصولاً إلي مرحلة التمكين وهو ما كشفت عنه بعد ذلك الوثيقة التي أعدها خيرت الشاطر في عام .2006

لم يكن مبارك مستعدًا للمواجهة والصدام مع جماعة الإخوان، كان مع الرأي القائل بتسكين الخلافات، والسعي إلي احتواء الجماعة مع فتح النوافذ لها داخل المجتمع، وكانت تلك في رأي عمر سليمان هي الكارثة الكبرى، حتى إذا ما جاءت الفرصة ظهر الإخوان على حقيقتهم وحاولوا تنفيذ خطتهم لإسقاط الدولة، إنها ذاتها خطة «التمكين» بموافقة أمريكية إسرائيلية تركية قطرية.

مقالات مشابهة

  • اختتام تحدي القراءة العربي في الأردن بتتويج الفائزين
  • بلوند.. حين أعادت جويس كارول أوتس كتابة حياة مارلين مونرو |ماذا تناول الكتاب؟
  • ثقافة النواب تناقش طلب إحاطة عن الاستثمار الثقافي بهيئة الكتاب
  • تأجيل محاكمة الطنوبي بتهمة إدارة شبكة إعلامية لدعم الإخوان
  • الهدف طهران.. ما هو الكتاب الأصفر الذي ظهر أمام نتنياهو؟
  • الفوضى الخلاقة.. مصر هي الهدف
  • بعائد 27%.. شهادات الادخار في بنكي مصر والأهلي بعد تحولات سعر الصرف
  • «المتأخر سيفوته القطار».. مسؤول يحذر من التراجع بمجال الذكاء الاصطناعي
  • كتاب “خلاصة التكنولوجيا البيولوجية”… عرض تفصيلي لتطورات العلوم الجينية
  • كتاب رخصة بالقتل.. الإبادة الجماعية والإنكار الغربي تحت مجهر باسكال بونيفاس