المدينة المنورة – واس

 تحدّث فضيلة إمام وخطيب المسجد النبوي الشيخ الدكتور صلاح بن محمد البدير عن أهمية انشغال العبد بما ينفعه من أمور دينه ودنياه، والبُعد عن الاشتغال بأخبار الناس، وتتبّع أخبارهم، وما لا يعنيه من أمورهم، مبينًا أن ذلك من المكروهات، ومدخل للخصومات والشرور الذي يورد للمرء الندامة والشقاء.

 وأوضح الشيخ الدكتور صلاح البدير أن من صفات أهل العزائم والكمالات ترك ما لا يعني، ورفضُ الاشتغال بما لا يُجدي، وأن ينشغل المرء بما يتعلق بضرورة حياته في معاشه، وسلامته في معادِه، فإذا اقتصر الإنسان على ما يعنيه من أموره، سلِم من شرٍ عظيم، وذلك من حُسن الإسلام، مضيفًا أن ثمرة اشتغال المرء بما يعنيه، وتركُهُ ما لا يعنيه، الرفعة، والراحة، والسكينة، والطمأنينة، والبركة في العمر والقول والعمل، والأهل والمال والولد.

 وقال إمام وخطيب المسجد النبوي: إن أكثر الناس تعاسة وانتكاسة وشقاء ً أكثرهم اشتغالًا بما لا يعنيه، مشيرًا إلى أن اشتغال المسلم بما لا منفعة له فيه هو الداءُ العُضال، الجالِبُ لكلّ شرّ، مبينًا أن من صور اشتغال المرء بما لا يعنيه كثرة البحث عن أخبار الناس، والاشتغال باستقصاء أخبارهم، وتتبع أحوالهم، وكشف عوراتهم، والشغف بمعرفة تفاصيل أمورهم، وحكاية أقوالهم، ومعرفة أملاكهم، وضِياعهم، وزوجاتهم، وأولادهم، ومعرفة الداخل عليهم والخارج منهم حتى يُدخل عليهم الحرج والأذى في كشف ما ستروه من أمورهم، وهو فِعلٌ قبيح مكروهٌ، يُدخل في عموم حديث المغيرة بن شعبة – رضي الله عنه – أنه سمع رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يقول: “إن الله كره لكم ثلاثًا: قيل وقال، وإضاعة المال، وكثرة السؤال” متفق عليه

 وتابع فضيلته قائلًا: كم سَلَب ذلك التهافت المشؤوم بكثرة سؤال الناس عن أحوالهم الخفية والدقيقة من خيراتٍ وبركات، وكم زرع من عداوات، وكم غرس من خصومات، وكم أوقع من حرج وحزازات، وقد جُبل الناس على بُغض الباحث عن مخبئات أمورهم، المستعلم عن أحوالهم، المتقصّي عن أهلهم وأولادهم وأموالهم، ومن تقصّى أخبار الناس مجّته قلوبهم، وعافته نفوسهم، وكرهته مجالسهم.

 وبيّن الشيخ صلاح البدير أن مِن سَعَادَةِ الْمَرْءِ أَنْ يَشْتَغِلَ بِعُيُوبِ نَفْسِهِ عَنْ عُيُوبِ غَيْرِهِ، وأن من صور اشتغال المرء بما لا يعنيه خوضُه في لغو الكلام الذي لا منفعة فيه، فمن ترَكَ من الأقوال والأفعال ما لا ضرورة فيه، ولا منفعةَ له منه، صانَ نفسَه، ومن أراد خِفة الذُّنوب، وقِّلة الأوزار، وراحة القلب، وحُسن الذكر، وصلاح العمل، فليترك الاشتغال بما لا يعنيه، مضيفًا أن من صور اشتغال المرء بما لا يعنيه سؤال العلماء عمّا لا يعنيه من القضايا والوقائع والحوادث، والإكثار من السؤال عمّا لم يقع، ولا تدعو إليه حاجة، تكلفًا وتنطعًا، داعيًا إلى مجاهدة النفس على التمسُّك بهذا الأصل العظيم من أصول الأدب والسلوك.

 وأشار إلى أن من صور اشتغال المرء بما لا يعنيه، انتصابه للفتوى والأحكام؛ وتصدُّره للإفادة في العلوم الشرعية، وهو ليس بأهلٍ لذلك، فيتَكَلَّم فِي الدّين بِلَا عِلم، ويُحدّث بِلَا عِلم، ويُفتي بِلَا عِلم، داعيًا العباد إلى تنزيه قلوبهم وجوارحهم عمّا لا ينفعهم، فإذا اشتغل العبد بما لا ينفعه، انصرف عما ينفعه، فتحقّقت خسارته، وعظُمت ندامته.

 وختم فضيلته خطبة الجمعة؛ مذكرًا العباد بملازمة الصلاة على نبينا محمد – صلى الله عليه وسلم – في كل وقت وحين، داعيًا الله جلّ جلاله أن يُعزّ الإسلام والمسلمين، وينصُر عباده الموحّدين، وأن يحفظ بلادنا وبلدان المسلمين، وأن يغيث إخواننا المستضعفين المظلومين في فلسطين، ويكون لهم معينًا وظهيرًا، ووليًا ونصيرًا، وأن يجبر كسرهم، ويشفِ مرضاهم، ويتقبّل موتاهم في الشهداء، ويفُكّ أسراهم، ويُعجّل نصرهم على المعتدين الظالمين.

المصدر: صحيفة البلاد

كلمات دلالية: المسجد النبوي خطبة الجمعة ما لا یعنیه ا لا یعنیه

إقرأ أيضاً:

تأملات قرآنية

#تأملات_قرآنية

د. #هاشم_غرايبه

يقول تعالى في الآية 20 من سورة الشورى: “مَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ ۖ وَمَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِن نَّصِيبٍ”.
تؤكد هذه الآية ما أكدته آيات كثيرة غيرها، بأن الإنسان مخير في اتباع ما يريد منهجا في حياته، ولم يفرض الله عليه اتباع صراطه المستقيم قسرا، لكي يتحمل المسؤولية عن حسن أو سوء اختياره.
خيرات الدنيا ومباهجها متاحة لمن بذل الجهد، فجدَّ واجتهد، لكن خيرات الآخرة أعظم وأدوم، لذا فنوالها مقصور على الذين آمنوا بالله ثم استقاموا، وظلوا ثابتين على منهجه القويم، وهي مُكلفة لمن يلتزم بها، وتُفقِده كثيرا من المتع والشهوات العارضة، والمنافع الآنية الرخيصة، لذلك نجد متبعي هذا المنهج هم القلة، والمتفلتون منه هم أغلب الناس.
إن إعراض أغلب الناس عن منهج الله لا يعني أن الأغلبية هم الأصوب رأيا والأفلح مسعى، بل لأن الإنسان يميل الى الكسب الظاهر والنفع المباشر، وينفر من المأمول والمرتجى المؤجل، ولو كان أعظم نفعا.
لذلك فتح الله المجال للناس للتنافس على الفوز بما وعدهم به في الحياة الآخرة، وأتاح للجميع فرصا متكافئة.
هنا يظهر دور أعظم ما كُرِّمَ به الله الإنسان وهو العقل، إذ هو الذي يهديه الى فوز مؤكد بالربح في الدارين، فلا يأخذ من خيرات الدنيا إلا تلك التي أحلها له الله، ولا يتعداها الى ما حرّمه، لكي لا يَحرِمه ذلك من خيرات الآخرة التي وعده بها الله.
هؤلاء هم من احتكموا الى عقولهم والمنطق، فآمنوا بيوم الحساب، لأنهم عرفوا أن الخالق الحكيم لا يمكن أن يترك الناس هملا، فاتّقوه ومنعوا أنفسهم من الإنجرار لمغريات ما حرّمه.. فأولئك هم أولو الألباب.
قال لي أحد الناس محاججا: لا تنفك تذكر أن المؤمنين حياتهم طيبة: “مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً” [النحل:97]، وأن معيشة الكافرين نكدة: “وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا” [طه:24]، فما لي أرى اليابانيين حياتهم طيبة وليس فيها ضيق ولا نكد، فيما لا أرى مثل ذلك في أي شعب مؤمن!؟.
قلت له سأذكر لك هذه القصة الواقعية عساها تكون لسؤالك إجابة شافية:
كان معنا في المرحلة الإبتدائية طالب قدراته في التحصيل المدرسي متواضعة، فترك المدرسة في الصف الخامس، والتحق بالعمل كعامل باليومية في ورشة بناء.
أصبح سعيدا أكثر عندما ترك المدرسة، وكنا نراه كذلك، ونحسده على أمور كثيرة، مثل أنه غير ملزم مثلنا بالدوام في أيام الشتاء القارسة، ونراه ذا مال يشترى ما يشاء من حلوى، فيما نحن لا نملك شروى نقير، ويسهر مرتاحا متحللا من الواجبات المدرسية الثقيلة، وفي أيام الإمتحانات كان يجلس في المقهى فيما نحن مكبون على الدرس والمراجعة المنهكة.
رغم كل ذلك، فلم نكن نتمنى أن نكون بحاله، حيث أن أمامنا بضع سنوات متعبة، لكن حالنا بعد التخرج سيكون أفضل منه بلا شك، وفعلا انقضت سنوات الدراسة الجامعية وعملنا جميعا في مهن مختلفة،.. لكننا بلا شك صرنا أفضل منه حالاً لأنه ظل يعمل باليومية، وتبدل شعورنا نحوه من الحسد الى الشفقة.
المعاناة في الحياة المدرسية مؤقتة، ولا قيمة لها مقابل النتائج العظيمة المرجوة بعد انتهائها، لذلك فقد كنا في قرارة أنفسنا خلالها نشعر بالسعادة، لأننا كنا نعيش على آمال عريضة بنوال ما يعوضنا عن تلك المعاناة أضعافا مضاعفة، لكن زميلنا العامل الذي كانت سعادته في تحلله من تلك القيود والواجبات المدرسية، انقضت سريعا، ليحل محلها الحسرة والندامة العارمةعلى ما فرط في حق نفسه، والسنوات القليلة التي قضاها ونراه فيها متميزا عنا بنمط حياته (المترف نسبيا عنا)، كان فيها في قرارة نفسه شقيا نكدا، كونه يعلم أنه لا ينتظر مثلنا انتقالا الى حياة باذخة مريحة.
لذلك من أعرض عن الله واختار لنفسه التنعم في الدنيا، يمد الله له منها، ولا يجازيه عن سوء اختياره بحرمانه منها، وإذاً لبطل الحساب والجزاء، لأنه حينها لن يعصي الله أحد، فينعدم الفارق بين من يتبع أوامره التزاما وطاعة، ومن يتبعها خوفا من حرمانه أنعمه.
وهذا عين العدل.

مقالات ذات صلة موقف عمومي 2025/07/23

مقالات مشابهة

  • تيقظوا من سنة الغفلات .. خطيب المسجد الحرام: انقضى محرم وحل بكم صفر
  • خطيب الجامع الأزهر: من علامات غضب الله على الإنسان ضياع عمره فيما لا يفيد
  •  الهلال الأحمر يباشر مهامها الإسعافية في المسجد النبوي أثناء صلاة الجمعة
  • سبيل السعادة في الدنيا والآخرة .. خطيب المسجد النبوي: أعظم نعم الله
  • خطيب المسجد الحرامي يحذر من سبّ الأوقات والتشاؤم بالأيام والسنين والشهور
  • خطيب المسجد النبوي: لو أجاب الله طلبات المشركين لزادوا استكبارًا وعنادًا
  • خطيب المسجد الحرام: ابتعدوا عن الأوهام والخيالات واحذروا التشاؤم والطيرة فإنها تجلب البلاء
  • خطبتا الجمعة من المسجد الحرام والمسجد النبوي
  • خطيب الجامع الأزهر: الإسلام أولى الوقت والزمان عناية فائقة.. فيديو
  • تأملات قرآنية