إغناتيوس: صراع على السلطة داخل إدارة ترامب يجبر والتز على الاستقالة
تاريخ النشر: 2nd, May 2025 GMT
قال الكاتب ديفيد إغناتيوس، في مقال رأي بصحيفة واشنطن بوست، إن تعيين مايكل والتز مندوبا للولايات المتحدة في منظمة الأمم المتحدة بأمر من الرئيس الأميركي دونالد ترامب خفّف من وطأة إقالته من منصبه مستشارا للأمن القومي.
ووصف الكاتب تولي والتز المنصب الجديد بأنه هبوط ناعم وسيتيح له تواصلا أفضل مع أصدقائه الكثر في الخارج، لكنه في الوقت نفسه سيبعده عن الصراع على النفوذ داخل البيت الأبيض لأنه لم يكن له تأثير كبير فيه.
وأشاد إغناتيوس بوالتز قائلا إنه كان يملك كل المؤهلات التي تجعله الشخصية المناسبة ليكون مستشارا للأمن القومي في أي إدارة أميركية عادية، فقد كان جنديا سابقا محترما في قوات العمليات الخاصة المعروفة باسم "القبعات الخضر"، ومناصرا قويا لإسرائيل، وصارما مع روسيا والصين وإيران. ولعل هذا كان السبب في الإطاحة به، حسب زعم الكاتب.
تصفية حسابات داخليةوكانت مصادر مطلعة قد كشفت لوكالة رويترز أن والتز أُجبر ونائبه أليكس وونغ على ترك منصبيهما بعد أن أصبح -برأي إغناتيوس- هدفا للانتقادات داخل البيت الأبيض عندما تورط في فضيحة في مارس/آذار الماضي تتعلق بمحادثة عبر تطبيق سيغنال بين كبار معاوني ترامب للأمن القومي تداولوا خلالها خططا لضرب اليمن.
إعلانلكن كاتب المقال يعتقد أن والتز -الذي يصفه بالمنضبط- لم يكن منذ البداية على وفاق مع ترامب "الذي ملأ إدارته بأصدقائه من أصحاب المليارات".
ويقول المطلعون على الأمور في واشنطن إن أحد دوافع الإطاحة بوالتز كان خلافا محتدما داخل إدارة ترامب منذ تنصيبه.
ويرى إغناتيوس أن هذا الخلاف يضع صقورا ممن يطلق عليهم "المحافظون الجدد"، مثل والتز، في مواجهة حلفاء جيه دي فانس نائب الرئيس الذين يوصفون بـ"الانعزاليين الجدد"، وهو اختزال يقلل من شأن التعقيدات التي تكتنف السلطة داخل فريق ترامب، كما يقول الكاتب.
ويضيف أن إجبار والتز على ترك منصبه يأتي في وقت حرج، حيث يحاول المبعوث الخاص للشرق الأوسط ستيف ويتكوف -الذي يزعم كاتب المقال أنه يفتقر إلى الخبرة- التوسط في صفقات مع روسيا لإنهاء الحرب في أوكرانيا ومع إيران للحد من برنامجها النووي.
3 تيارات متنافسةويمضي الكاتب إلى القول إنه على الرغم من أن إدارة ترامب الجديدة تبدو في ظاهرها موحدة وتدين بالولاء العلني غير المحدود للرئيس، فإنها تخفي في طياتها صراعا على السلطة من قبل 3 مجموعات مختلفة.
وأوضح أن المجموعة الأولى تتألف من الأنصار الحقيقيين لحركة "لنجعل أميركا عظيمة مجددا"، الذين يرتابون مما يرونها تحالفات خارجية متشابكة تدفع الولايات المتحدة نحو الحروب وتثقل كاهلها بأعباء اقتصادية. وتحظى هذه المجموعة بدعم نائب الرئيس بالإضافة إلى دونالد ترامب الابن والمؤثرة اليمينية المتطرفة لورا لومر.
وتتكون المجموعة الثانية من الجمهوريين الذين يتبنون النهج الدولي في السياسة من أمثال وزير الخارجية ماركو روبيو ومدير وكالة الاستخبارات المركزية جون راتكليف، وقد كان والتز عضوا بارزا فيها، ولكن إغناتيوس يقول إن لهذه المجموعة تأثيرا محدودا على ترامب.
أما المجموعة الثالثة -وربما الأهم- فهي التي تضم المليارديرات الذين يشعر ترامب بأنه الأقرب إليهم ويثق فيهم أكثر من غيرهم، ويتصدر هذه القائمة ويتكوف. ومن بينهم أيضا وزيرا الخزانة ستيف بيسنت والتجارة هوارد لوتنيك، وأبرزهم حتى وقت قريب إيلون ماسك.
إعلان علامات الخلافوطبقا لمقال واشنطن بوست، فقد كانت هذه المجموعات الثلاث مستقرة في بعض الأحيان، لكن التوتر بدا جليا في حدثين وقعا مؤخرا يقفان شاهدا على الخلافات الأيديولوجية الكامنة وراء الإدارة الأميركية.
الأول، تقرير نشرته صحيفة نيويورك بوست أول أمس الأربعاء نقلت فيه عن مساعد سابق لترامب -لم تكشف هويته- وصفه المبعوث الرئاسي ويتكوف بأنه "رجل لطيف لكنه أحمق وأخرق".
وتضمن التقرير أيضا انتقادات وجهها اثنان من العاملين في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات، المعروفة بتأييدها إسرائيل، إلى ويتكوف، تشكك في دوره في المفاوضات مع إيران.
والمثال الآخر الذي يدل على الفوضى في الإدارة -حسب إغناتيوس- هو إقالة 3 من كبار مساعدي وزير الدفاع بيت هيغسيث الشهر الماضي.
المصدر: الجزيرة
إقرأ أيضاً:
التنسيق الأمني ورفض المقاومة لم يمنعا واشنطن معاقبة السلطة الفلسطينية
فرضت إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الخميس، عقوبات جديدة على السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير، في خطوة وُصفت بأنها امتداد لسياسات العقاب الجماعي التي تنتهجها واشنطن ضد الفلسطينيين منذ وصول ترامب إلى الحكم، رغم موقف السلطة الرافض للمقاومة المسلحة، والمؤيد للتنسيق الأمني مع الاحتلال الإسرائيلي.
ووفق بيان صادر عن وزارة الخارجية الأمريكية، فإن العقوبات تشمل منع منح تأشيرات لمسؤولين في السلطة الفلسطينية وأعضاء من منظمة التحرير، بحجة "تقويضهم فرص السلام" عبر اللجوء إلى محكمتَي العدل والجنائية الدوليتين، في ما اعتبرته واشنطن "انتهاكاً" للاتفاقيات الموقعة و"دعماً للإرهاب".
وقالت الخارجية إنها أبلغت الكونغرس بعدم امتثال السلطة الفلسطينية لقانون الامتثال لعام 1989، ولا لاتفاقيات أوسلو لعام 2002، في حين اعتبر وزير الخارجية أن السلطة والمنظمة تواصلان "التحريض على العنف" و"تقديم دعم مادي للإرهابيين"، في إشارة إلى رواتب الأسرى وعائلات الشهداء، وهي الذريعة التي استخدمتها إدارة ترامب سابقًا لتبرير قطع المساعدات.
دعم الاحتلال... وعقاب للسلطة
ويأتي القرار في سياق متواصل من دعم إدارة ترامب للاحتلال الإسرائيلي، لا سيما في ظل الحرب المستمرة على قطاع غزة منذ ما يزيد عن 660 يوماً، والتي خلّفت أكثر من 208 آلاف شهيد وجريح، أغلبهم من الأطفال والنساء، وسط دمار شبه كامل للقطاع ومجاعة كارثية بفعل الحصار.
وفيما تواصل إدارة ترامب تزويد الاحتلال بالغطاء السياسي والدعم العسكري، فإنها تفرض مزيداً من الضغوط على السلطة الفلسطينية، رغم التزامها بالتنسيق الأمني ورفضها العلني والواضح للمقاومة المسلحة.
واستنكر عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، واصل أبو يوسف، القرار الأمريكي، واعتبره "انحيازاً فاضحاً للاحتلال ودعماً لحرب الإبادة في غزة"، مضيفاً في تصريحات لوكالة الأناضول أن هذه العقوبات تمثل "محاولة لطمس القضية الفلسطينية بعد مؤتمر نيويورك"، في إشارة إلى التحركات الدولية للاعتراف بالدولة الفلسطينية.
السلطة تدفع ثمن خياراتها
ورغم موقف الرئيس محمود عباس الرافض للمقاومة، فإن إدارة ترامب لم تتوانَ عن معاقبة السلطة الفلسطينية، في ما وصفه مراقبون بأنه "إذلال متواصل"، يطال حتى من يرفض خيار المقاومة ويكرّس التعاون الأمني مع الاحتلال.
فمنذ توليه الرئاسة عام 2017، أطلق ترامب سلسلة من الإجراءات العقابية، شملت نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، وإغلاق مكتب منظمة التحرير في واشنطن عام 2018، ووقف المساعدات المالية للسلطة الفلسطينية والأونروا، والتخلي عن سياسة الإدانات الشكلية للاستيطان.
وبعد أن قطع عباس العلاقات مع إدارة ترامب عقب إعلان "صفقة القرن"، حاول لاحقاً إعادة فتح قنوات تواصل خلال الحملة الانتخابية الأخيرة، إلا أن البيت الأبيض تجاهل ذلك، وواصل نهج العقاب السياسي.
وتشير تقارير أمريكية إلى أن بعض ممولي حملة ترامب طلبوا منه خلال الانتخابات "إطلاق يد إسرائيل" في الضفة الغربية، وهو ما تُرجم في الأيام الأولى لولايته الثانية بقرار إلغاء أمر تنفيذي كان يمنع الاعتداءات الاستيطانية، رغم مقتل مواطنين أمريكيين على يد المستوطنين.
عباس... عداء علني للمقاومة
وتأتي هذه العقوبات رغم أن السلطة الفلسطينية، بقيادة محمود عباس، باتت تُعرف بموقفها المناهض للمقاومة، وحرصها على استمرار التنسيق الأمني مع الاحتلال.
فمنذ عام 2005، تحوّل خطاب عباس من تبني "المقاومة الشعبية والدبلوماسية" إلى رفض صريح للمقاومة المسلحة، داعياً إلى "الحل السياسي والمفاوضات"، رغم انهيار مسار أوسلو عملياً.
وفي مقابلة مع فضائية "العربية" السعودية، عام 2009، قال عباس: "أنا ضد المقاومة، ولست مع استعمال السلاح لا في الضفة الغربية المحتلة ولا في قطاع غزة؛ لأنني أسير على خطى السلام".
وفي نيسان/أبريل 2020، وخلال تصريحات بثها التلفزيون الرسمي، هاجم عباس أي عمل مسلح خارج إطار ما أسماه "الشرعية الدولية"، مؤكداً أن الخيار الدبلوماسي هو الوحيد الممكن، مهدداً بإلغاء الاتفاقات مع الاحتلال الإسرائيلي في حال ضم الضفة، دون تنفيذ ذلك فعلياً.
وفي انتفاضة القدس عام 2021، ومع تصاعد دعم المقاومة في الشارع الفلسطيني، اتُّهم عباس بـ"العداء العلني للمقاومة"، خصوصاً بعد إلغاء الانتخابات وتكثيف الاعتقالات بحق عناصرها في الضفة، بالتزامن مع العدوان الإسرائيلي على غزة.
أما خلال حرب الإبادة والتي بدأت أواخر عام 2023 فقد فضّل عباس عدم إصدار أي موقف داعم للمقاومة، وركّز على المطالبة بتقديم مساعدات إنسانية، وتجنّب المطالبة بوقف التنسيق الأمني، ما أثار غضبا واسعا في الأوساط الشعبية والأكاديمية، وصدرت عرائض تطالب باستقالته.
يُذكر أن الكونغرس الأمريكي أدرج منظمة التحرير الفلسطينية كمنظمة "إرهابية" منذ عام 1987، قبل أن ينخرط في التطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي ويوقع على اتفاقات أوسلو ومدريد.
وفي 2019 أُقرّ قانون يسمح لضحايا العمليات الفدائية الفلسطينيين (الذين يحملون الجنسية الأمريكية) بمقاضاة المنظمة والسلطة في المحاكم الأمريكية.
وفي السياق ذاته، استخدمت واشنطن مرارًا مبرر "رواتب الشهداء والأسرى" لتجريم النضال الفلسطيني، رغم أن المستوطنين الذين يهاجمون المدنيين الفلسطينيين لا يُحاكمون، وغالباً ما تتم تبرئتهم أو دعمهم من الحكومة الإسرائيلية.
وتؤكد هذه العقوبات أن دعم الاحتلال الإسرائيلي هو الثابت الأبرز في سياسات ترامب، سواء واجه الفلسطينيون الاحتلال بالمقاومة أو بالمفاوضات والتطبيع والتنسيق الأمني. وفي ظل استمرار حرب الإبادة على غزة، وارتفاع منسوب العنف الاستيطاني في الضفة، يبدو أن السلطة الفلسطينية تدفع اليوم ثمن خياراتها التي لم ترضِ حليفتها واشنطن، ولا شعبها الذي ينزف وتتم إبادته.