تغيير رئيس الحكومة.. محاولة لمعالجة الأزمات المتراكمة أم تكريس للفشل في المنظومة الحاكمة؟
تاريخ النشر: 4th, May 2025 GMT
يمن مونيتور/تقرير خاص
بعد عام وشهرين على تكليفه برئاسة حكومة لم يشكّلها، جاءت استقالة رئيس الوزراء أحمد عوض بن مبارك وتعيين سالم صالح بن بريك خلفًا له، كمؤشر واضح على حجم الانسداد السياسي داخل مؤسسة الحكومة الشرعية، وكاشف لهشاشة المنظومة الحاكمة وفشلها في إدارة المرحلة.
وتأتي هذه الخطوة في ظل تصاعد الانتقادات لأداء الحكومة، حيث يُنظر إلى الفشل الحالي ليس كظرف عابر، بل كسمَة ملازمة لبنية الحكم ذاته، ابتداءً من المجلس الرئاسي وانتهاءً بمؤسسات الدولة التنفيذية.
ويرى مراقبون أن الأزمة الراهنة تمثل انعكاسًا مباشرًا لحالة الانهيار المزمن في منظومة الحكم، أكثر من كونها نتيجة لسياسات فردية أو أخطاء مرحلية.
وجاءت استقالة بن مبارك وسط حالة احتقان شعبي جراء استمرار تدهور العملة إلى مستويات قياسية وانهيار حاد في الخدمات العامة مثل التيار الكهربائي, وفقد الريال اليمني أكثر من مائة بالمئة من قيمته منذ تشكيل مجلس القيادة الرئاسي في أبريل 2022، حيث بات سعر الدولار اليوم نحو 2600 ريال لأول مرة في تاريخه.
بين إرادة التغيير وشلل القرار
في مشهد يتكرر كلما بلغت الأزمات ذروتها، تعود السلطة الحاكمة إلى ورقة “تغيير رئيس الحكومة” كخطوة يُراد لها أن تبدو استجابة لضغوط الداخل وغضب الشارع؛ إلا أن هذا التغيير، في ظل غياب إصلاحات حقيقية وشاملة في بنية المنظومة الحاكمة، يثير تساؤلات مشروعة: هل نحن أمام محاولة جادة لمعالجة الأزمات المتراكمة التي تعصف بالبلاد منذ سنوات؟ أم أن التغيير مجرد إعادة تموضع داخل منظومة أثبتت فشلها البنيوي، وعاجزة عن إنتاج القرار السيادي بعيداً عن الوصاية والتجاذبات الإقليمية.
ورغم الترقب الذي رافق التغيير، إلا أن الكثير من المحللين يرون أن هذه الخطوة لن تكون كافية للخروج من المأزق المتأزم. ففي حديثه لموقع “يمن مونيتور”، يرى المحلل السياسي فهد السيف أن تغيير رئيس الوزراء قد يمثل حلاً مؤقتًا فقط، هدفه الأساسي هو التخفيف من حرج مجلس القيادة الرئاسي أمام الرأي العام، في ظل الاتهامات المتزايدة بالعجز والفشل في إدارة الدولة.
يؤكد السيف أن جوهر المشكلة لا يكمن في شخص رئيس الحكومة بقدر ما هو مرتبط بطبيعة المجلس الرئاسي ذاته، باعتباره السلطة العليا التي تتنازع داخلها المصالح والصلاحيات، الأمر الذي ينعكس سلبًا على فعالية الحكومة.
ويضيف: ” تعاقب الأسماء دون تغيير حقيقي في بنية القرار أو إصلاح آليات الحكم يعمّق الشعور العام بعدم جدوى تلك التعيينات، ويعكس عجزًا بنيويًا في إنتاج سلطة تنفيذية قادرة على انتشال البلاد من أزماتها المتفاقمة”.
ويرى السيف أن المجلس الانتقالي الجنوبي، أحد أبرز مكونات المجلس الرئاسي، يلعب دورًا معرقلًا في المشهد، بما يملكه من أدوات ضغط وإمكانيات، تمكّنه من تعطيل قرارات الحكومة، بل ومنعها أحيانًا من العمل في مناطق نفوذه.
في ضوء هذا الواقع، تبدو الحكومة – بحسب السيف – “سلطة شكلية”، لا تملك القرار التنفيذي الحقيقي، في ظل تشظي مراكز القوة داخل الدولة، وتحول المؤسسات إلى أدوات بيد الفاعلين السياسيين والعسكريين.
وهم آخر..
وفي ظل تفاقم الأوضاع المعيشية والخدمية في مناطق سيطرة الحكومة الشرعية، وغياب أي مؤشرات على تحسن قريب، تتجدد الأسئلة حول جدوى التغيير في رئاسة الحكومة، وسط اتهامات متصاعدة بفشل شامل لمنظومة الشرعية، بدءًا من مجلس القيادة الرئاسي وحتى الحكومة التي شُكّلت وفق محاصصة حزبية لا تراعي معايير الكفاءة والنزاهة، وهو ما يعتبره كثيرون سببًا رئيسيًا في استمرار الانهيار.
الأكاديمي والباحث السياسي الدكتور سهيل راجح يرى في حديثه لـ”يمن مونيتور” أن تغيير رئيس الحكومة، لا يمثل حلًا حقيقيًا، بل هو مجرد وهم آخر. ويؤكد أن جوهر المشكلة لا يكمن في الأشخاص، بل في غياب القرار السيادي والإرادة الفعلية لإدارة الدولة. ويقول إن المواطن اليوم يعاني من غياب تام للخدمات، وتدهور العملة، بسسب توقف تصدير النفط والغاز، وتعطل الاستثمارات، بالإضافة إلى شلل الموانئ والمطارات والمصافي، في وقت يعيش فيه معظم المسؤولين خارج البلاد.
وبحسب راجح، فإن جميع الحكومات المتعاقبة لم تنجح في إحداث أي تغيير ملموس، لأن البيئة السياسية التي تعمل فيها هذه الحكومات بيئة فاسدة ومحكومة بمصالح ضيقة وتدخلات خارجية. ويشير إلى أن الحكومة الحالية لا تملك قرارها، والمشكلة أعمق من مسألة تغيير شخص رئيس الوزراء، لأن مجلس القيادة الرئاسي، بأدائه طيلة الفترة الماضية راكم تجربة وإحباط لدى الشعب، وكلما طالت المدة كلما ازدادت فجوة الفقر، وازدادت عمليات الفساد وازداد التضارب داخل هذا المجلس وذهب أبعد في خلافاته.
ويرى أن رئيس الحكومة، حتى وإن امتلك النية، يبقى عاجزًا عن إحداث أي تغيير في ظل الفوضى القائمة وغياب التراتبية داخل السلطة. ويشير الدكتور راجح الى تعاقب ثلاثة رؤساء وزراء دون أن يفضي ذلك إلى أي تحسن ملموس، بل إن كل من تولّى المنصب زاد الانهيار الاقتصادي وصرف العملة المحلية، ما يعكس خللًا بنيويًا لا علاقة له بالأشخاص, بل في غياب رؤية واضحة لأداء الحكومة، وانعدام الدور الفاعل لمجلس القيادة الرئاسي في توجيه السلطة التنفيذية وتحمل مسؤولياته الكاملة.
ويشدد الدكتور سهيل راجح على ضرورة تشكيل حكومة حرب مصغرة من التكنوقراط، تدير البلاد كخلية طوارئ، وتعمل ضمن رؤية موحدة وبصلاحيات واضحة. ويرى أن استمرار العمل بمنطق المحاصصة سيؤدي إلى مزيد من الفشل والانقسام، ويمنح الحوثيين ذريعة لتكريس خطابهم القائل إن الشرعية تعيش في الفنادق بينما الشعب يواجه الموت جوعًا.
ويطرح راجح تصورًا لحل الأزمة، يتمثل في دعم فعلي من دول الجوار لا يقتصر على سلال غذائية، بل يمتد إلى مشاريع تنموية وإعادة تصدير النفط والغاز، في مشروع يشبه خطة “مارشال” التي أنقذت أوروبا بعد الحرب العالمية.
ويختم حديثه بالتأكيد على أن اليمن بحاجة إلى رجال دولة حقيقيين يقدمون مصلحة الشعب على المصالح الشخصية، وإلى حكومة موحدة ذات صلاحيات فعلية تخضع لرقابة برلمانية، وتُدعم بإرادة حقيقية من الداخل والخارج لإنقاذ ما تبقى من الدولة، قبل أن تضيع البلاد في زحام التجاذبات والمصالح الإقليمية.
المصدر: يمن مونيتور
كلمات دلالية: الاقتصاد اليمن بن مبارك مجلس القیادة الرئاسی رئیس الحکومة تغییر رئیس
إقرأ أيضاً: