كيف ساعد البريكس إيران على كسر عزلها من الغرب؟
تاريخ النشر: 26th, August 2023 GMT
جاءت الدعوة لإيران للإنضمام للبريكس بعد عام من الاضطرابات الداخلية والكآبة الاقتصادية، وفي أعقاب تحول البلاد نحو روسيا والصين. وبحسب ما نشرته نيويورك تايمز، فعلى مدى الأشهر الاثني عشر الماضية، انتقلت إيران من أزمة إلى أزمة.
ترددت أصداء الانتفاضة التي قادتها النساء والشباب سعياً لإنهاء حكم رجال الدين في جميع أنحاء البلاد.
لكن بعد ذلك جاء إعلان مفاجئ عن دعوة البلاد للانضمام إلى البريكس، وهي مجموعة من الاقتصادات الناشئة تهدف إلى العمل كثقل موازن للهيمنة الغربية على النظام العالمي. وأعلن المسؤولون الإيرانيون على الفور النصر، وتفاخروا "بالإنجاز التاريخي" الذي حققته بلادهم وتحدثوا عن إمكاناتها كشريك تجاري ومعطل إيديولوجي للهيمنة الغربية.
اتفق المحللون، بحسب تقرير للنيويورك تايمز الأمريكية، على أن ذلك كان انتصارا سياسيا للجمهورية الإسلامية بعد عام من الاضطرابات التي واجهت فيها أزمة شرعية حادة في الداخل والخارج.
على الرغم من أن الانضمام إلى البريكس ليس من المتوقع أن يساعد في حل المشاكل الاقتصادية الهائلة التي تواجهها إيران، إلا أن الفائدة الأساسية من الانضمام إلى المجموعة، كما يقول الخبراء، ستكون إثبات أن طهران لديها أصدقاء أقوياء. وقد يمنحها ذلك نفوذاً في أي مفاوضات أخرى مع الولايات المتحدة.
قال هنري روما، من معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى: "جزء من رسالة الحكومة، سواء إلى الجمهور الخارجي أو الداخلي، هو أنهم لن يذهبوا إلى أي مكان وأنهم يتمتعون بتصديق بعض القوى الكبرى في العالم".
كان هذا التصديق، وفقاً لساسان كريمي، المحلل السياسي في طهران، بمثابة شكل من أشكال المكافأة لإقامة علاقات أوثق مع كل من الصين وروسيا.
أظهرت دعوات الأنضمام للمجموعة طبيعة هذا التجمع في الرغبة في إعادة تشكيل النظام المالي والحكم العالمي الحالي ليصبح أكثر تنوعا وأقل خضوعا للسياسة الأمريكية والدولار.
ووفقا لتحليل النيويورك تايمز، يأتي إدراج إيران في قائمة المدعوين في الوقت الذي أصبحت فيه الجغرافيا السياسية في الشرق الأوسط معقدة بشكل متزايد، مع غضب بعض حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة من شراكاتهم مع واشنطن.
تأكيدًا على أهمية حدث البريكس بالنسبة لإيران، سافر الرئيس إبراهيم رئيسي، لقبول الدعوة شخصيًا في جنوب إفريقيا.وقال رئيسي في كلمة ألقاها: إن جمهورية إيران تتمتع بإمكانات استثنائية وهي مستعدة للتعاون في جميع الركائز الثلاث الرئيسية لمجموعة البريكس؛ السياسية والاقتصادية والأمنية.
سيكون من الصعب حل المشاكل الاقتصادية التي تواجهها إيران. وقد ساهمت عقود من سوء الإدارة والفساد في تدمير الاقتصاد. حيث إن ما يسمى بالعقوبات الأمريكية الثانوية، التي تستهدف الأشخاص والكيانات التي تتعامل مع إيران، تمثل عقبة أخرى أمام جني الفوائد المالية الكاملة للعضوية في مجموعة مثل البريكس. على سبيل المثال، قال محللون إن إيران ستظل على الأرجح غير قادرة على الحصول على قرض من بنك التنمية الذي أنشأته دول البريكس.
تأتي الدعوة للانضمام إلى البريكس تتويجا لأشهر من النشاط الدبلوماسي لإيران، التي تمتلك ثاني أكبر احتياطي من الغاز في العالم، بعد روسيا، وربع احتياطيات النفط في الشرق الأوسط، والتي تعتبر نفسها دولة إقليمية.
قال روما من معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى: عندما تجمع كل هذه الأمور، ومن منظور أوسع، فإن إيران بالتأكيد ليست معزولة كما كانت قبل عام مضى.
بالنسبة لإيران، كان الدافع وراء المحور الشرقي جزئيًا هو القرار الذي اتخذه الرئيس السابق دونالد ترامب في عام 2018 بإخراج الولايات المتحدة من الاتفاق النووي الذي توصلت إليه إدارة أوباما مع إيران قبل ثلاث سنوات وفرض العقوبات.
وفي وقت لاحق، قالت الحكومة الإيرانية إنها لم تعد قادرة على الثقة في الغرب أو الاعتماد عليه لتحقيق التنمية الاقتصادية، وغيرت سياستها، واقتربت من روسيا والصين. كما قامت بتسريع برنامجها النووي إلى مستويات تتجاوز بكثير تلك المتفق عليها في الاتفاق.
مع الأعضاء الخمسة في مجموعة البريكس قبل التوسع المخطط له، على سبيل المثال، زادت التجارة غير النفطية من إيران بنسبة 14 في المائة، إلى 38.43 مليار دولار، في السنة المالية 2022-23، وفقًا لتقارير إخبارية إيرانية نقلاً عن بيانات جمركية رسمية.
وقال ساسان كريمي، المحلل المقيم في طهران: "إن هذه النجاحات ذات الصلة في السياسة الخارجية لا تحسن الوضع الداخلي ولكنها تمنح إيران نفوذاً ضد الولايات المتحدة". "يمكن لإيران أن تدعي أن الولايات المتحدة فشلت في عزلها سياسيا وكسرها اقتصاديا والدخول في مفاوضات تتحدى الأمريكيين بثقة جديدة".
حتى في الوقت الذي تنخرط فيه إيران في الجهود الدبلوماسية لرفع صورتها في الخارج، فإن الصراع مستمر في الداخل بين الأشخاص الذين يسعون إلى الحصول على قدر أكبر من الحريات والحكومة التي تصر على سحقهم.
ينظر العديد من الإيرانيين والناشطين إلى الجهود الأخيرة التي بذلتها بعض الدول لجذب إيران باعتبارها ضربة لتطلعاتهم إلى التغيير الديمقراطي. قال جيسو نيا، المحامي الحقوقي المنتسب إلى المجلس الأطلسي في واشنطن والذي عمل على نطاق واسع بشأن إيران، إن توقيت المبادرات الدبلوماسية مع إيران، وخاصة عضوية البريكس، من شأنه أن يمد بلا شك شريان الحياة للنظام من خلال الدعم الاقتصادي.
وقالت نيا: إن الخاسر النهائي في كل هذا هو الشعب الإيراني – الذي يشعر بأنه غير ممثل وغير مدعوم من قبل رئيس دولته غير المنتخب وحكومته غير الخاضعة للمساءلة.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: ايران أعضاء مجموعة البريكس الولایات المتحدة
إقرأ أيضاً:
صناعة برامج التجسس.. تعاون تاريخي بين الولايات المتحدة وإسرائيل
في أعماق السوق السيبرانية العالمية يكمن تهديد بالغ الخطورة يعرف باسم برامج التجسس، إذ تساهم بشكل مباشر في انتهاكات حقوق الإنسان وتهديد الأمن القومي، وقد واجهت شركة "إن إس أو غروب" (NSO Group) الإسرائيلية -إحدى أشهر مزوّدي برمجيات التجسس المعروفة باستخدامها في مراقبة الصحفيين والدبلوماسيين والناشطين المدنيين حول العالم- حكما قضائيا أميركيا ألزمها بدفع 168 مليون دولار في مايو/أيار الماضي، بتهمة استهداف البنية التحتية لتطبيق واتساب باستعمال برنامجها الشهير "بيغاسوس" وتؤكد هذه القضية مدى خطر انتشار برامج التجسس على الأمن القومي وحقوق الإنسان.
وبحسب ما ورد في تقرير المجلس الأطلسي لعام 2024 فإن مزوّدي برمجيات التجسس غالبا ما يعملون عبر شبكات معقدة من الشركات القابضة والمستثمرين والموردين والشركاء، بهدف إخفاء أنشطتهم التجارية، مما يزيد من صعوبة مهمة واضعي السياسات في التصدي لإساءة استخدام هذه القدرات أو الحد من انتشارها.
ورغم العقوبات والقيود الأميركية التي تهدف إلى وقف انتشار برمجيات التجسس التجارية، يرى المحللون أن هذا القطاع لا يزال إلى حد كبير خارج نطاق الرقابة الفعلية. ومع دخول مزيد من المستثمرين إلى هذا المجال وتكيّف الشركات مع المتغيرات، تستمر عمليات التجسس السرية في التوسع وزيادة النفوذ.
وبحسب تقرير نشره موقع "أرس تيكنيكا" فإن المستثمرين الأميركيين يضخون أموالا كبيرة في الشركات التي تطوّر برمجيات التجسس التجارية، مما يدعم انتشار هذه الصناعة عالميا ويثير تساؤلات متزايدة حول مخاطر الخصوصية والأمن، كما رصد تحليل أجراه المجلس الأطلسي ارتفاعا ملحوظا في دور المستثمرين الأميركيين خلال العام الماضي.
ورصد الباحثون دخول 20 مستثمرا أميركيا جديدا إلى السوق عام 2024، ليصل عددهم الإجمالي إلى 31 (وهو عدد يساوي عدد المستثمرين في مجموعة الدول الأوروبية) ومن جهة أخرى بلغ عدد مُستثمري إسرائيل 26 مُستثمرا داخل حدودها.
يتمثل دور الولايات المتحدة في صناعة برامج التجسس من خلال بعض المؤسسات المالية في "وول ستريت" مثل صناديق التحوّط "دي إي شو آند كو" و"ميلينيوم مانجمنت" وشركة التداول "جين ستريت" بالإضافة إلى شركة الاستثمارات المالية "أميريبرايز فايننشال". وقد كشف باحثو المجلس الأطلسي أن هذه المؤسسات الأربع استثمرت في الشركة الإسرائيلية "كوغنيت" (Cognyte) التي يُزعم أن تقنيات التنصت لديها استُخدمت في انتهاكات لحقوق الإنسان في دول مثل أذربيجان وإندونيسيا، وفقا لتقارير حكومية وتحقيقات مستقلة.
إعلانوفي تطور آخر، أتمت شركة "إيه إي إندستريال بارتنرز" (AE Industrial Partners) الأميركية -المتخصصة في الاستثمارات الدفاعية والأمن القومي ومقرها فلوريدا- عملية استحواذها أواخر عام 2024 على شركة التجسس الإسرائيلية "باراغون سوليوشنز" (Paragon Solutions) وقد عادت الشركة مؤخرا إلى العلن بعد أن أعادت السلطات الأميركية تفعيل عقدها مع هيئة الهجرة والجمارك الأميركية، وقد أثارت هذه الصفقة انتقادات من خبراء الخصوصية والمدافعين عن الحريات المدنية الذين يرون أن عودة استخدام برمجيات التجسس من قبل الحكومة تعمّق المخاطر على الحقوق الدستورية والحريات.
ورغم أن الاستثمارات الأميركية والإسرائيلية تحظى بأكبر قدر من الاهتمام الدولي، فإن التقرير أشار أيضا إلى شبكة واسعة من الوسطاء والموزعين الذين يسهلون الصفقات بين البائعين والموردين والمشترين، ومن بين اللاعبين الجدد في سوق المراقبة شركات مثل "بينديسي" (Bindecy) الإسرائيلية، و"إس آي أو" (SIO) الإيطالية، كما لفت التقرير إلى وجود موردين إضافيين مقرين بالمملكة المتحدة والإمارات.
من المُصدّر الرئيسي لبرامج التجسس عالميا؟رغم الفضائح المتتالية المرتبطة ببرمجيات التجسس وعلى رأسها برنامج "بيغاسوس" فإن صناعة برمجيات التجسس والأدلة الجنائية الرقمية لا تزال في توسع متزايد، فبين عامي 2011 و2023، تعاقدت 74 حكومة حول العالم مع شركات تجارية للحصول على برمجيات تجسس أو أدوات للأدلة الجنائية الرقمية، وفقا لقاعدة بيانات أعدّها معهد كارنيغي.
ويظهر أن الأنظمة الاستبدادية تكون أكثر ميلا لشراء برامج التجسس التجارية أو الأدلة الجنائية الرقمية من الأنظمة الديمقراطية، إذ اشترت 44 دولة مصنفة على أنها أنظمة استبدادية مغلقة أو أنظمة استبدادية انتخابية تقنيات مراقبة مستهدفة بين عامي 2011 و2023، مقابل 33 دولة ديمقراطية انتخابية أو ليبرالية.
وتُعد إسرائيل المصدر الرئيسي لبرامج التجسس، إذ حصلت 56 حكومة من أصل 74 على منتجات من شركات إسرائيلية أو مرتبطة بها مثل "إن إس أو" و "سيليبرايت" و"سيتروكس" و"كانديرو". وبجانب اللاعبين الكبار، ظهرت طبقة ثانية من مورّدين أصغر تشمل شركات ناشئة ووسطاء استغلال ومطورين مستقلين، مما جعل البرمجيات مفتوحة المصدر والبرامج التجارية البسيطة أكثر انتشارا وأرخص تكلفة.
ويتمتع هذا السوق بمرونة عالية حتى مع فرض عقوبات على موردين مثل "فاين فيشر" (FinFisher) أو "هاكينغ تيم" (Hacking Team) وسرعان ما انتقلت الحكومات للتعامل مع بدائل مثل "إن إس أو" و "سيتروكس" و "كانديرو".
يُذكر أن الاتحاد الأوروبي يعاني من تباين تشريعي تستغله الشركات لفتح مكاتب بدول ذات رقابة ضعيفة مثل قبرص وبلغاريا واليونان، مما يسهّل تصدير هذه التقنيات، كما تلجأ شركات التجسس عادة إلى هياكل معقدة للشركات القابضة لإخفاء نشاطاتها الحقيقية وهوية عملائها مما يصعّب ملاحقتها قانونيا.
وبصفتها مُصدّرا رائدا لبرامج التجسس، لم تُعطِ إسرائيل أولوية كافية لاعتبارات حقوق الإنسان في نظام تراخيص التصدير الخاص بها، مما يستدعي من الولايات المتحدة والديمقراطيات الأخرى استخدام الضغط الاقتصادي والدبلوماسي للحد من تعاملاتها مع دول منتهكة لحقوق الإنسان.
لم تُستخدم برمجيات التجسس كأدوات تقنية وحسب، بل تحولت إلى أوراق سياسية ودبلوماسية مؤثرة في الشرق الأوسط، لا سيما بين إسرائيل وحكومات المنطقة مثل السعودية والمغرب والإمارات، وفي عهد نتنياهو عوملت هذه الصناعة كأداة دبلوماسية، كما أن وزارة الدفاع الإسرائيلية لم تُعط أي أهمية للاعتبارات الحقوقية عند إصدار تراخيص التصدير، بل ركزت على الاستفادة من هذه التكنولوجيا في فتح قنوات جديدة مع حكومات المنطقة وتقوية الروابط القائمة.
إعلانومن جهة أخرى نظّمت الولايات المتحدة هذه الصناعة جزئيا من خلال تعديلات اتفاقية "واسينار" (Wassenaar) التي تُنظم تصدير التكنولوجيا السيبرانية الهجومية، ولكن سجلها كان متناقضا، فبعد أحداث 11 سبتمبر/أيلول (2001) سهّلت الحكومة بيع أدوات قرصنة من موظفين سابقين في وكالة الأمن القومي إلى الإمارات عبر شركة "سايبر بوينت إنترناشونال" الخاصة (CyberPoint International) ورغم أن الاتفاق كان مرخّصا وتحت إشراف حكومي، فإن الإمارات سعت لاحقا إلى الاستقلالية، فأنشأت شركة خاصة بها باسم "داركماتر" (DarkMatter) لتطوير وتنفيذ نفس المهام دون قيود القوانين الأميركية.
وفي حال قررت الولايات المتحدة فرض قيود أو لوائح صارمة على شركات صناعة التجسس، فقد يؤدي ذلك إلى بعض التوتر في العلاقات مع كلّ من إسرائيل وشركائها العرب الذين يشترون هذه الأدوات، ولكن هذا التوتر لن ينهي العلاقات مع الولايات المتحدة والتي واجهت مواقف مشابهة فيما يخص ملفات حقوق الإنسان بالمنطقة.