سودانايل:
2025-05-17@23:13:28 GMT

رؤية شباب السودان لوقف الحرب

تاريخ النشر: 5th, May 2025 GMT

د. الشفيع خضر سعيد

شباب السودان هم وقود الثورات ومشعلو شرارتها، كما تشهد الانتفاضات الشعبية في أكتوبر/تشرين الأول 1964 وأبريل/نيسان 1985 وديسمبر/كانون الأول 2018. وهم دعاة الإصلاح السياسي وفق رؤى ناقدة للمارسة السياسية الراهنة، ويقودون معارك التجديد داخل أحزابنا ضد العقليات الجامدة والمتكلسة. وفي الحقيقة، فإن حركة الشباب، الثائرة أو الكامنة، في عدة بلدان عربية، تطرح بشدة قضايا إصلاح السياسة والمجتمع فتتبلور عندها شعارات الحرية والكرامة والعدالة والسلام كأجندة رئيسة للتغيير، وللتجديد الثوري الخلاق لوعي الحراك السياسي القائم.

وشباب السودان دائما في مقدمة الصفوف عند المحن والكوارث التي تضرب البلاد، مستلهمين إرث الشعب السوداني وتقاليده في التداعي والتكافل الاجتماعي، كما شهدت تجربة «نفير» إبان كارثة السيول والفيضان 1988، وكما نشهد اليوم في تصديهم للمأساة الإنسانية التي سببتها الحرب، عبر مبادرات ممرات آمنة ولجان غرف الطوارئ ولجان «التكايا».
وشباب السودان أوجعتهم مأساة الحرب المدمرة في البلاد، وهم يعون تماما أن من أهدافها الرئيسية قتل ثورتهم التي رووها بدماء أقرانهم الشباب في احتجاجات الشوارع وميدان الاعتصام، مثلما يعون تماما خطرها الماحق على مستقبلهم ومستقبل الوطن إذا تأخر السلام. ولثلاث سنوات وهم ينتظرون حتى تضاعفت شكوكهم، الموجودة أصلا، أن يأتيهم السلام من أطراف القتال، أو بجهود القوى التي تستثمر في خلافاتها وانتصار الذات أكثر من الاستثمار في الضغط من أجل السلام، وهم أصلا لا يأملون كثيرا أن يأتي من الخارج. ومثلما كانوا يشعلون شرارة الانتفاضة بحرق «اللساتك» قرروا إشعال شمعة وإطلاق مبادرة من أجل السلام، ومنها المبادرة الشبابية السودانية لوقف الحرب وبناء السلام، والتي، وبدعوة كريمة منهم، شاركت في حوارية حول فحواها، واستأذنتهم في التعريف بها في هذا المقال.
تُعرف المجموعة نفسها بأنهم اعضاء فاعلون في لجان المقاومة والتنظيمات القاعدية المساهمة في ثورة 2018، وهم مؤمنون بمبادئها في الحرية والسلام والعدالة، ومتطلعون للمساهمة في جهود وقف الحرب وبناء السلام والوصول لمصالحة وطنية، عبر خلق نموذج سوداني للعدالة الانتقالية ينهي سلسلة انتهاكات حقوق الإنسان والحروب المستمرة ويمهد لبناء دولة السودان مدنية الديمقراطية. واستعدادا للقاءات التي تمت وستتم مع الأطراف العسكرية والمدنية داخل وخارج البلاد، انخرطت المجموعة، ولشهور عدة، في نقاشات مع سياسيين ونشطاء مجتمع مدني وأكاديميين سودانيين ومختصين في مجالات العدالة الانتقالية وفض النزاعات، وقادت هذه المناقشات لتطوير رؤية المبادرة التي قدمت لكل الأطراف العسكرية والمدنية في السودان.

وتتلخص رؤية المبادرة في الوصول إلى اتفاق سلام شامل بمشاركة جميع الأطراف العسكرية والمدنية، ينهي الحرب، ويؤسس لانتقال مدني ديمقراطي بناء على نموذج سوداني للعدالة الانتقالية يقضي على ظاهرة الافلات من العقاب، مع نأي المؤسسة العسكرية بعيدًا عن العمل السياسي والاقتصاد، وخضوعها لعملية إصلاح حقيقي تمكن من القضاء على ظاهرة تعدد الجيوش والمليشيات والوصول لجيش قومي مهني موحد، وعقد مصالحات مجتمعية والوصول لمواثيق مشتركة تضمن التعايش السلمي بين السودانيين بمختلف إثنياتهم وطوائفهم. وكآلية لتنفيذ ذلك، تقترح المبادرة انتظام حوار سوداني سوداني يشارك فيه الجميع عدا الذين انتهكوا حقوق الإنسان وارتكبوا الجرائم في حق الوطن والمواطن. وتنطلق المبادرة من إعادة تعريف لمفهوم السلام الشامل ليتجاوز مجرد وقف إطلاق النار ليشمل بناء نظام متكامل يرتكز على العدالة الانتقالية والمصالحة المجتمعية والتنمية المستدامة. وتقترح أن توكل الوساطة لشخصيات سودانية مستقلة، تشرف على تحديد أجندة الحوار بالتشاور مع الأطراف، والضغط المستمر لتنفيذ إجراءات بناء الثقة، على أن يقتصر الدور الأجنبي في تواجدهم كشهود وضامنين، وكمساهمين في تمويل إعادة الإعمار ومتطلبات العدالة الانتقالية، وأن تأتي جهودهم عبر المنظمات الأممية والإقليمية وليس كدول منفردة. وتتمسك المبادرة بمبدأ أن تكون العملية السياسية شاملة ودون إقصاء لأي طرف، مقترحة بنودا لتحقيق الشمول، منها: مخاطبة كل الأطراف على قدم المساواة، مشاركة القوى المهنية والمطلبية والأجسام الشبابية ولجان المقاومة والقيادات المجتمعية والإدارات الأهلية، وتعزيز مشاركة النساء، حل كل المليشيات ودمجها في الجيش السوداني الموحد مع التأكيد على خروج المؤسسة العسكرية والأجهزة الأمنية من العمل السياسي بشكل كامل، إعادة تشكيل المؤسسات العدلية والقضائية لضمان تحقيق العدالة، وبناء إطار جديد للحوار السوداني والعدالة الانتقالية باستخدام استراتيجيات جديدة لإنهاء الحرب عبر الحوار السوداني سوداني، مع الأخذ في الاعتبار فشل عمليات السلام السابقة. كما تقترح المبادرة التوافق على ميثاق يحدد مبادئ رئيسية غير قابلة للمساومة، وتشمل إرساء دعائم الدولة المدنية العادلة، وتحقيق العدالة والمساءلة والإنصاف، وتفكيك التمكين وإعادة بناء مؤسسات الدولة على أسس وطنية.
وتؤكد المبادرة الشبابية على أن العملية السياسية هي السبيل الوحيد لوقف الحرب وإخراج البلاد من أزمتها الرهنة، وتقترح لها ثلاث مراحل: مرحلة التوافق الوطني على إنهاء الحرب وصون السيادة الوطنية، بمعنى التوافق والإجماع حول الترتيبات السياسية والعسكرية لوقف إطلاق النار، ومعالجة الوضع الإنساني، وتوحيد الموقف الوطني تجاه الدور الخارج وتجاه التمسك بالسيادة الوطنية. والمرحلة الثانية، وهي للتوافق حول مشروع سوداني للعدالة الانتقالية كمدخل رئيسي لتحقيق السلام، يهدف لتحقيق العدالة وإنصاف الضحايا دون تشف أو انتقام بغرض الوصول لمصالحة وطنية شاملة، كما يتناول تحسين معيشة الناس وقضايا إعادة الإعمار واقتصاديات ما بعد الحرب، إضافة إلى الإصلاح المؤسسي ووضع اللبنات والتصورات الأساسية لإعادة بناء المؤسسات المدنية والعسكرية والعدلية. أما المرحلة الثالثة، فتتناول ترتيبات المرحلة الانتقال السياسية والدستورية وتشكيل مؤسسات السلطة الانتقالية، إضافة إلى صناعة الدستور الدائم والإنتخابات.
صحيح أن عناوين المبادرة الشبابية لا تختلف كثيرا عن المطروح في الساحة، لكن هناك الجديد في محتواها، رغم غياب للتفاصيل، وهناك تصميمها لتفعيل خطوات عملية منها سفرها للالتقاء بقيادة القوات المسلحة في بورتسودان وأمدرمان، وفي برنامجها لقاء الأطراف العسكرية الأخرى، إضافة إلى إلتقاء كل مكونات القوى المدنية.

نقلا عن القدس العربي  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: العدالة الانتقالیة الأطراف العسکریة

إقرأ أيضاً:

ضمن مبادرة "رؤية أمل"..نجاح أول عملية حقن بدواء "لوسنتس" لطفل مبتسر بمستشفى رمد المنصورة

نجح الفريق الطبي بمستشفى رمد المنصورة في إجراء أول عملية من نوعها لحقن دواء "لوسنتس" (Lucentis) داخل الجسم الزجاجي لطفل مبتسر يعاني من اعتلال الشبكية الناتج عن الولادة المبكرة (ROP)، وذلك في إطار مبادرة "رؤية أمل" للكشف المبكر عن المرض والوقاية من مضاعفاته التي قد تصل إلى فقدان البصر.

وفي تعليقه على هذا الإنجاز، صرّح الدكتور تامر مدكور، وكيل وزارة الصحة بالدقهلية، أن "هذا التدخل النوعي يمثل خطوة محورية في تطوير خدمات الرعاية الصحية للأطفال حديثي الولادة، ويفتح آفاقًا واسعة لتوسيع المبادرة مستقبلًا، كما يعكس التزام القطاع الصحي بالمحافظة بتوفير أحدث الأساليب العلاجية لأكثر الفئات عرضة للمخاطر".

وأضاف مدكور أن العملية أُجريت على يد فريق متخصص في جراحة الشبكية ضم الدكتور أحمد النجدي والدكتور محمد معوض، وبمشاركة فريق التمريض بقيادة الممرضة عزة عيد، ومنسقي المبادرة الدكتورة هيام الحماقي والدكتور عمرو زغلول. وقد بدأت متابعة الحالة منذ دخولها إلى حضّانة مستشفى السنبلاوين العام، حيث قامت الدكتورة دعاء نبيل، رئيس قسم الحضّانات، بتسجيل الطفل ضمن نظام المبادرة الإلكتروني، وتم تحديد موعد الفحص بالتنسيق مع مستشفى الرمد وفقًا للبروتوكول الطبي المعتمد.

تأتي هذه الخطوة تحت رعاية الدكتور أحمد البيلي، وكيل المديرية للطب العلاجي، وإشراف مباشر من الدكتور أحمد حسان، مدير مستشفى رمد المنصورة واستشاري الرمد بمديرية الصحة، وبمتابعة دؤوبة من الدكتورة بسمة شوكت، مدير إدارة الحضّانات بالمديرية.

يُذكر أن مبادرة "رؤية أمل" أطلقتها مديرية الشؤون الصحية بالدقهلية في فبراير 2025 بالتعاون مع وحدة المبتسرين بجامعة المنصورة، بإشراف الأستاذ الدكتور محمد رضا بسيوني، والأستاذ الدكتور أمجد النقراشي، وتهدف إلى إجراء الفحوصات المبكرة لأطفال الحضّانات المعرضين للإصابة بـ ROP، في إطار نموذج متكامل يجمع بين الرعاية المركزة للأطفال وخدمات طب العيون.

صحة الدقهلية 1000166536 1000166534 1000166532 1000166530

مقالات مشابهة

  • سوريا.. مرسوم رئاسي بتشكيل هيئة للعدالة الانتقالية
  • ضمن مبادرة "رؤية أمل"..نجاح أول عملية حقن بدواء "لوسنتس" لطفل مبتسر بمستشفى رمد المنصورة
  • خبراء قانونيون: رفع العقوبات عن سوريا خطوة نحو التعافي وتعزيز ‏العدالة الانتقالية
  • ماهي الأدوار المهمة التي يمكن أن يلعبها الإعلام في السودان في فترة ما بعد الحرب
  • في عامها الثالث للحرب.. الشبكة الشبابية السودانية تتحرك بحملة «رؤية جيل» من المشاورات إلى الفعل السياسي 
  • هل هي “حمى الذهب والمعادن الثمينة” التي تحرك النزاع في السودان.. أم محاربة التطرف الإسلامي؟
  • في ختام ورشة العدالة الانتقالية في سوريا.. تأكيد على ضرورة نبذ ‏جميع أشكال العنف والتحريض وتشكيل هيئة العدالة الانتقالية
  • ورشة عمل “العدالة ‏الانتقالية في سوريا: آفاق وتحديات” تواصل أعمالها لليوم الثاني
  • ورشة عمل “العدالة ‏الانتقالية في سوريا.. آفاق وتحديات” تواصل أعمالها لليوم الثاني
  • هذه الحرب مختلفة عن كل الحروبات التي عرفها السودان والسودانيون