عربي21:
2025-06-30@11:51:10 GMT

عن الحديث المتجدد لموت السياسة

تاريخ النشر: 6th, May 2025 GMT

تُعرّف "السياسة"، بما هي كذلك، بأنها "فن الممكن" أو "فن تدبير الاختلاف"، أي الممارسة المحكومة بالواقع لا الموجهة بالرغبة. بيد أن "السياسة" قبل كل شيء، تستمد شرعيتها من التفكير في قضايا الجماعة، أي في المشترَك الذي ينذر الحزبُ نفسَه للدفاع عنه، والسعي إلى تحقيقه إن هو تمكن من الإمساك بمفاصل السلطة.

والحال أن السياسة، بما هي عمل بشري عاقِل، تغدو عديمة الجدوى حين تتنكر لهذه الروح: روح الانتصار لقضايا الجماعة السياسية، وتنتصر، في المقابل، للنزوات الذاتية أو التطلعات الشخصية، فعينُ العقل في السياسة تتحدد في قدرة الناس، والنخبة القائِدة على وجه التحديد، في الموازنة بين متطلبات التعاقد المؤسس لفكرة الحزب، وجموح الأفراد واندفاعهم اللامتناهي أحيانا في اعتماد الحزب جِسرا نحو التميز الذاتي والكسب الشخصي.

. إنه الفرق الفاصِل بين "موت السياسة" وبين استمرارها حية، متقدة، وفاعِلةَ.

ودرءا لأي التباس في الفهم، نشير إلى أنه ليس ثمة ضير في أن يطمح الناس، فُرادى وجماعات، إلى تحسين أوضاعهم داخل المؤسسة الحزبية، غير أن طموحهم يغدو غير مشروع حين يسخّرون الحزب لفائدة جماعة تَدين بالولاء لهم، وهو ما يلاحظ في العديد من أحزابنا العربية.. ومن المفارقة اللافتة أن يتعايش في الأحزاب منطقان: منطق الدعوة إلى دَمقرطة الدولة ومؤسساتها، ومنطق مقاومة الدمقرطة داخل هذه الأحزاب ذاتها، أو فيما بينها.. من المفارقة اللافتة أن يتعايش في الأحزاب منطقان: منطق الدعوة إلى دَمقرطة الدولة ومؤسساتها، ومنطق مقاومة الدمقرطة داخل هذه الأحزاب ذاتها، أو فيما بينها.. ومن رحِم هذه المفارقة يمكن تفسير المآلات التي انتهت إليها العديد من الأحزاب العربية، والمآزق التي تلُف حالها ومستقبلَهاومن رحِم هذه المفارقة يمكن تفسير المآلات التي انتهت إليها العديد من الأحزاب العربية، والمآزق التي تلُف حالها ومستقبلَها.

تتجسد روح السياسة في "العقلانية" التي تحكمها فكرا وممارسة، والعقلانية ليست شيئا آخر سوى إعمال العقل في ما نقدّر أنه الصواب في التفكير في حال الجماعة ومآلها، وما نعتبره تربية سليمة في توجيه السلوك وإرشاده إلى ما يخدم الجماعة السياسية لا إلى ما يضر أبناءها، أو يناقِض أهدافَهم وتطلعاتهم، وكي تتحقق العقلانية، أي روح السياسة، يحتاج الفاعلون السياسيون وفي صدارتهم الأحزاب، إلى حزمة من القيم، هي ما يشمل عمليا الثقافة الناظِمة للتفكير والممارسة على حد سواء.

لعل الحوار المفتوح، الحر والشفاف، هو أول لبنة في إدخال العقلانية في معمارية السياسة، بحسبها فنا لتدبير الاختلاف وترشيد التنازع حول المصالح. فعندما تضيق دائرة الحوار بين أعضاء الحزب والمناصرين له، أو يتحول، لاعتبارات كثيرة، إلى مجاملة وإرضاء الأمزجة والرغبات، أو حين يغدو نوعا من المحاباة والتملق، تجِف منابعُ الحياة في السياسة، ويتحول الحزب إلى جسم شبه ميت، لذلك، يستلزم الحوار المُعزز لروح العقلانية في السياسة ثقافة قوامُها الاعتراف المتبادل، والتناظر على قاعدة المحاجة والإقناع، وإفساح مساحة معقولة للنقاش الحر والمسؤول.

علاوة على الحوار، تعد الشفافية قيمة لا مندوحة عنها لجعل الحيوية منبثة في جسم السياسة، فبواسطتها تتعاظم ثقة الناس في المؤسسة الحزبية، ويزداد منسوبُ الولاء إلى أجهزتها. ثم إن من حسنات الشفافية في السياسة تقريب واقع الحزب إلى أعضائه ومناصريه، وحفزِهم على الاجتهاد من أجل تطوير أدائه. وتعتبر المحاسبةُ قيمة لا تقل أهمية عن الحوار والشفافية من زاوية ضمان السياسة حية في الجسم الحزبي، فبواسطتها تتأتى المساءلة عن صنع القرار الحزبي وتقييم نتائجه.. إنها إجمالا القيم الفاصلة بين موت السياسة واستمرارها حية.

فإذا نحن انتقلنا من الإطار النظري العام إلى عينة محددة، والحالة هنا التجربة المغربية، نلاحظ أن ثمة علاقة تلازمية بين مدى حضور القيم أعلاه ومآلات السياسة، والسياسة الحزبية على وجه التحديد. فمن اللافت للانتباه أن الحياة الحزبية في المغرب قديمة نسبيا مقارنة مع بعض الدول العربية، حيث تعود بدايتها إلى ثلاثينيات القرن الماضي، حين أُسست "كتلة العمل الوطني العام 1934، لتنشق سنة 1937 ويخرج من رحمها حزبان، هما: الحزب الوطني، والجبهة القومية قبل أن تتحول إلى "حزب الشورى والاستقلال"، إلى جانب الحزب الشيوعي الذي سيولد لا حقا بإيعاز من الحزب الشيوعي الفرنسي.

ومنذئذ بدأت تتشكل خريطة التعددية الحزبية، لتستقر دستوريا مع صدور أول وثيقة العام 1962، ويُحظَر نظام الحزب الواحد، لكن يتعايش في المغرب اليوم (2025) أكثر من ثلاثين حزبا، يشارك أكثر من نصفها في البرلمان.. فهل كان منطقيا أن تأخذ التعددية الحزبية هذا المسار؟ أم أن الطبيعي، الذي لم يحصل، هو أن تنحو التعددية منحى التقاطب "Bipolarisation"، وتكوين التحالفات الحزبية الكبرى، كي نتجنب ظاهرةَ الانشقاقات الحزبية غير المؤسسة على الاعتبارات الموضوعية؟ السياسة في المغرب تضررت كثيرا بسمة الانقسام والتذررِ التي طبعت التجربة الحزبية، وحكمت سلوك الفاعلين الحزبيين، وجعلت نزعة الريبة والتشكيك تتسرب إلى وعي الناس وثقتهم في الفعل الحزبيوالحال أن السياسة في المغرب تضررت كثيرا بسمة الانقسام والتذررِ التي طبعت التجربة الحزبية، وحكمت سلوك الفاعلين الحزبيين، وجعلت نزعة الريبة والتشكيك تتسرب إلى وعي الناس وثقتهم في الفعل الحزبي.

ومن مفارقات الحياة الحزبية في المغرب، أن فرضية تدخل الدولة والسلطة في تشجيع الانقسام وتفريخ الأحزاب، التي ظلت مصدرا لتفسير تكاثر الأحزاب ما بين 1956 و1999، لم تصمد كثيرا، حيث لا حظنا أن ما بعد هذا التاريخ (1999)، وبعدما رفعت الدولة يدها عن تأييد الانشقاقات الحزبية، وُلد أكثر من نصف عدد الأحزاب الحالية، أي أكثر من عشرين حزبا جديدا، ما يعني أنه بجانب مسؤولية الدولة، هناك محددات أخرى جديرة بالتحليل لتفسير هذا المنحى المرَضي في السياسية، والسياسة الحزبية في المغرب على وجه التحديد.. إنها، في تقديرنا، المحددات ذات الصلة بالحضور الضعيف والمحدود لقيم الحوار والشفافية والمحاسبة في ممارسة الأحزاب في حياتها الداخلية.

 لذلك، ما انفكت السياسة، باعتبارها مدرسة للتعاطي مع الشأن العام، تتراجع كقيمة في وعي الناس ومدركات الجماعة، وشرع المواطنون في البحث عن صيغ بديلة للتعبير عن تطلعاتهم، إما بالانخراط في العمل الاجتماعي القاعدي (مؤسسات المجتمع المدني)، أو الاستنكاف أصلا عن التفاعل مع كل ما يعبر عن السياسة ويرمز إليها، وفي مقدمة ذلك اللحظات الانتخابية.

لذلك، ومن أجل درء استحكام الموت في جسم السياسة، هناك حاجة قصوى إلى إعادة الاعتبار إلى السياسة، بحسبها ضرورة نبيلة، وأولوية مجتمعية لا مندوحة عنها، لأن في موت السياسة، تموت الكثير من المعاني، وعلى رأسها معنى الانتساب إلى الجماعة السياسية العاقِلة.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات قضايا وآراء كاريكاتير بورتريه قضايا وآراء السياسة الأحزاب الحوار الشفافية المغربية المغرب شفافية سياسة أحزاب حوار قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات صحافة رياضة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد سياسة سياسة صحافة سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة فی السیاسة فی المغرب أکثر من

إقرأ أيضاً:

محافظ الإسكندرية الأسبق: ثورة 30 يونيو علامة فارقة في تاريخ مصر الحديث

أكد الدكتور رضا فرحات محافظ الإسكندرية الأسبق، أن ثورة 30 يونيو تعد علامة فارقة في تاريخ مصر الحديث، موضحا أن الدولة في الفترة من 2011 وحتى يونيو 2013، كانت تمر بحالة من القلق الجماعي، وسط إحساس بانهيار مؤسسات الدولة جميعها.

وأضاف «فرحات»، خلال مداخلة هاتفية مع الإعلامية «عبيدة أمير» والإعلامي «أحمد دياب» ببرنامج «صباح البلد» المذاع على قناة «صدى البلد»، أن الفترة التي سبقت ثورة 30 يونيو، شهدت محاولات للقضاء على المؤسسات الشريفة، وسط ضغوطات كبيرة على الإعلام المصري ومحاولات التشويه، بالإضافة إلى محاولة شق الصفوف وخلق الفتن وسط حملات ممنهجة.

وأوضح أن مصر انهارت على المستوى الاقتصادي خلال الفترة من 2011 وحتى يونيو 2013، وسط توقف الاستثمارات واختفاء السياحة مع الاعتصامات في الشوارع، معلقا: مصر استعادت روح الوطن من بعد ثورة يونيو.

وذكر أن مصر تتميز بالمركزية الشديدة، والدولة العميقة، مؤكدا أنه لا يوجد أي عرقية أو طائفية في المؤسسات وخاصة مؤسسات الجيش والشرطة.

اقرأ أيضاً«أولياء أمور مصر» يهنئ الرئيس السيسي بذكرى ثورة 30 يونيو

مدبولي: ذكرى ثورة 30 يونيو كانت بداية تصحيح المسار للدولة المصرية

«مصطفى بكري»: ثورة 30 يونيو عظيمة وستبقى خالدة في الذاكرة مدى الدهر

مقالات مشابهة

  • هند صبري: 30 يونيو محطة فارقة في تاريخ مصر الحديث
  • الخارجية: 30 يونيو لحظة فاصلة في تاريخ مصر الحديث جسدت وعي شعبها الأبي
  • توك شو..رسائل حاسمة حول حادث الإقليمي وملفات هامة في السياسة والفن والقانون
  • طارق الشناوي: أحمد السقا أخطأ في الحديث عن أزمته مع زوجته مها الصغير
  • رئيس المصريين الأحرار لـ صدى البلد: 30 يونيو أعظم ثورة في التاريخ الحديث.. ونتأهب للانتخابات بتحالفات غير سياسية
  • محافظ الإسكندرية الأسبق: ثورة 30 يونيو علامة فارقة في تاريخ مصر الحديث
  • رسالة قرآنية من محرقة غزة
  • السؤال هنا، هل من الممكن تحصين الأحزاب السياسية من الاختراقات القبلية ؟
  • 30 يونيو.. 12 عامًا من السياسة الخارجية المتوازنة والاستقلالية في الجمهورية الجديدة
  • غرم العمري: الحديث الذي أراه عن فهد المفرج وفهد بن نافل لا يصح