في الوقت الذي تتجه فيه الخارطة السياسية والحزبية في الاحتلال الإسرائيلي إلى اليمين بشكل متزايد وصولا إلى اليمين الفاشي، تتزايد الدعوات الاسرائيلية لإقامة حزبٍ جديدٍ يُقدِّم بديلًا أيديولوجيًا لفكرة ضمّ الأراضي الفلسطينية المحتلة.

وذكر الوزير الإسرائيلي السابق، حاييم رامون أن "إسرائيل التي أحيت هذه الأيام ذكرى تأسيسها الـ77، لا يزال يُخيِّم عليها تهديدٌ وجوديٌّ كبير، ليس من إيران أو حماس أو حزب الله، بل تحوّلها ذاتها الى إلى دولة ثنائية القومية ذات أغلبية فلسطينية، لأن واقع سيطرتها على ثلاثة ملايين فلسطيني في الضفة الغربية منذ ستة عقود لن يدوم للأبد، ويقودها بالضرورة لدولة ثنائية القومية، والرغبة الحالية بضمّ قطاع غزة ستؤدي لتسريع العملية".

 

وأضاف رامون في مقال نشرته صحيفة "معاريف"، وترجمته "عربي21" أن "الخلاف بين مؤيدي رؤية أرض "إسرائيل" كاملة، ولو من خلال دولة ثنائية القومية، ومؤيدي اختيار دولة يهودية صرفة، ولو على حساب التخلّي عن وحدة الأرض، نقطة تحول فاصلة في السياسة الإسرائيلية حتى قبل قيام الدولة، فقد عرض ديفيد بن غوريون خيار الدولة اليهودية بوضوح ودقة، قائلا: إن الخيار الوحيد الذي تواجهه الصهيونية إما دولة يهودية على جزء من الأرض، أو أقلية يهودية في دولة فلسطينية على كامل الأرض". 

وأشار إلى أن "بن غوريون أدرك أن السياسة والحكم يجب أن ترتكز على فن الممكن، بالقدرة على تحديد ما هو ممكن في الوضع القائم، والعمل على تحقيقه حتى لو كلفه ذلك التخلي عن المثل الأعلى، فقد سعى بلا كلل لإقامة دولة يهودية، وضمان وجودها، وأن تحقيق هذا الهدف يتطلب تقديم تنازلات مؤلمة في الأرض، وتنازلات كبيرة على الصعيد الداخلي، مثل اتفاقية الوضع الراهن مع المتدينين المتشددين، وقبل قيام الدولة، عارض بشدة النهج المتطرف الذي دعم التوسع في جميع أنحاء الدولة، لمعارضته الشديدة للدولة ثنائية القومية". 


وأكد مرارًا وتكرارًا أن "غياب أغلبية يهودية واضحة في الدولة المستقبلية سيقوّض السيادة اليهودية بشدة، ويعرّض الرؤية الصهيونية للخطر، وبناءً على ذلك، قرر توسيع حدود الدولة بما يتجاوز خطة التقسيم، ولكن ليس احتلال الضفة الغربية، نظرًا لكثرة الفلسطينيين فيها، واستمر هذا المفهوم بتوجيهه لاحقًا، وفي عام 1967 كان من بين الأصوات القليلة التي دعت لاستعادة جميع الأراضي المحتلة، باستثناء الجولان والقدس، مُدركا أنه كي تكون الدولة يهودية، فيجب ضمان أغلبية يهودية كبيرة فيها". 

وأضاف أنه "مع اقتراب نهاية حرب 1948، وتوقيع اتفاقية الهدنة مع الأردن، تعرّض بن غوريون لهجوم في الكنيست في أبريل 1949 لتنازله عن وحدة أراضي الدولة، لكن ردّه جاء قاطعاً بقوله "عندما طُرح سؤال وحدة الأرض دون دولة يهودية، أو دولة يهودية دون وحدة الأرض، اخترنا الثانية".

وأوضح أن "هذا الخلاف الأيديولوجي استمرّ ورافق النظام السياسي الاسرائيلي على مدى العقود الستة التالية، لكن موقف بن غوريون وخلفائه، الذين فضّلوا ضمان وجود دولة قومية للشعب اليهودي على جزء من الأرض، بدلًا من دولة ثنائية القومية على كامل الأرض، لم يعد قائمًا في النظام السياسي اليوم: فمؤيدو الضم، قانونًا وفعلًا، يلعبون ضد هدف أجوف في الساحة الأيديولوجية والسياسية، وجميع أحزاب الائتلاف وبعض أحزاب المعارضة القائمة والناشئة تدعم سياسة ضمّ الضفة بحكم الأمر الواقع، وبعضها يسعى لضمّ لغزة أيضًا". 

وأشار أن "الأيديولوجية شبه المعلنة لأحزاب الضم هي تحقيق تفكيك السلطة الفلسطينية، والسيطرة على خمسة ملايين فلسطيني، وتوطين الضفة الغربية، بما فيها قلب المراكز السكانية، وعلى المستوى السياسي، يقف بتسلئيل سموتريتش في طليعة التحرك لضم الضفة، ويعمل بشكل منهجي على تفكيك السلطة، وإقامة المستوطنات في جميع أنحائها، بما فيها غير القانونية، بدعم من نتنياهو والليكود وأحزاب الائتلاف الأخرى، لكنه غير راضٍ بشكل كامل عن ضم الضفة فقط، بل يتحدث مع إيتمار بن غفير أيضًا عن ضم أجزاء من غزة". 


وأوضح أنه "من الناحية السياسية، لم يكن وضع معسكر الضم، وتحويل إسرائيل لدولة ثنائية القومية أفضل من أي وقت مضى، ولدى الحكومة ائتلاف واسع من 68 مقعدًا، بينما تضم المعارضة حزبين، حزب إسرائيل بيتنا بزعامة ليبرمان، والحزب الذي سيُنشأ تحت قيادة نفتالي بينيت، وهما، وفقًا لأحدث استطلاع رأي، يمتلكان معًا 36 مقعدًا، ومواقفهما السياسية لا تختلف إطلاقًا عن مواقف حكومة نتنياهو المؤيدة للضم، حيث يتم إحياء رؤية معسكر أرض إسرائيل الكاملة، وتعني دولة ثنائية القومية ذات أغلبية فلسطينية". 

الفراغ الأيديولوجي
وأكد رامون أنه "على الجانب السياسي والأيديولوجي الآخر فراغ كامل، لأكثر من عقد من الزمان، تخلى معسكر يسار الوسط عن تعاليم بن غوريون، ولم يقدم أي بديل أيديولوجي لرؤية معسكر الضم، ولا يتعامل قادة يسار الوسط مع أي قضية أيديولوجية، والقضية الوحيدة التي تهمهم هي مجرد عدم نتنياهو، مما يقودهم لعوالم وهمية، مثل دعم ليبرمان وبينيت المؤيدين للضم، حتى أن الفراغ الأيديولوجي في هذا المعسكر دفع قادته لتبنّي العديد من عناصر سياسة نتنياهو تجاه الفلسطينيين، كسياسة "احتواء حماس"، وفصل غزة عن الضفة".

وحذر أن "الإسرائيليين واهمون إذا اعتقدوا أن الفلسطينيين سيستمرون بالانتظار بصبر حتى نقرر مصيرهم فيما بيننا، لأن الوضع الذي نسيطر فيه على ثلاثة ملايين منهم في الضفة دون حقوق مدنية، لن يستمر، ومن يفحص ويُحلّل اتجاهات المجتمع الفلسطيني في الضفة يرى أن أغلبية كبيرة من الشباب تؤيد التخلي عن حل الدولتين، وإقامة دولة فلسطينية مستقلة، وتدعو بدلاً من ذلك لإقامة دولة واحدة على كامل الأرض، يكون فيها للجميع صوت واحد".

وكشف أنه "في حواراتي مع كبار القادة الفلسطينيين الذين سيشغلون موقعًا محوريًا في القيادة التي ستبرز بعد عهد أبو مازن، أخبروني صراحةً أنه إذا لم توافق دولة إسرائيل على دولة فلسطينية مستقلة بجانبها، فإنهم ينوون التنازل عن السيادة المستقلة والمطالبة بحقوق متساوية، بما فيها التصويت والترشح للكنيست". 

تشكيل حزب جديد
وضرب على ذلك مثالا أن "محمد دحلان، أحد أبرز القادة الفلسطينيين، خاطب الاسرائيليين في كانون الأول/ ديسمبر 2018: إذا أردتم الضم، فلا مشكلة، لكننا نعلن: دولة واحدة، حقوق متساوية، وحقوق تصويت، ويضيف المسؤولون الفلسطينيون أنهم لا ينوون البقاء الشعب الوحيد في العالم أجمع الذي لا يملك الحق السياسي في التصويت للحكومة المركزية".


وأوضح أن "زعيمي المعارضة الحاليين، يائير لابيد وبيني غانتس، يُكرّسان وقتهما لمهاجمة حكومة نتنياهو على أمور تافهة، ولكن عندما يتعلق الأمر بترويج الحكومة لكابوس الدولة ثنائية القومية، يلتزمان الصمت، ولا يهاجم بينيت وليبرمان الحكومة لتوسيعها المستوطنات، وضمّها الهادئ للضفة، لأنهما يدعمان هذه الخطوات بفخر، حتى يائير غولان، زعيم حزب يساري ظاهريًا، لا يشغل نفسه إلا بترديد الأفكار البلشفية، داعيًا للتمرد والعصيان، وتبني مواقف متطرفة". 

وأضاف أنه "لم يعد لاختيار بن غوريون دولة يهودية، حتى بدون وحدة الأرض، أي مبرر اليوم، لم يعد هناك أي ممثل مخلص في النظام السياسي، ويكاد يكون منعدمًا، لذلك، مع اقتراب الانتخابات القادمة، لا بد من ظهور حزب بن غوريون ينقش على لوائه خيار الدولة اليهودية على جزء من الأرض، ويحارب رؤية الدولة ثنائية القومية ذات الأغلبية الفلسطينية، التي تُمثل نهاية الرؤية الصهيونية، ويعمل الحزب الجديد على إرساء ترتيبات أمنية صارمة في جميع أنحاء الأرض للحفاظ على أمن اليهود، وتطبيق سياسة براغماتية بجانب أمننة حازمة".

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي صحافة صحافة عربية صحافة إسرائيلية صحافة إسرائيلية الاحتلال الإسرائيلي اليمين إسرائيل الاحتلال اليمين المشروع الصهيوني حكومة الاحتلال صحافة إسرائيلية صحافة إسرائيلية صحافة إسرائيلية صحافة إسرائيلية صحافة إسرائيلية صحافة إسرائيلية صحافة صحافة صحافة سياسة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة دولة یهودیة وحدة الأرض بن غوریون

إقرأ أيضاً:

كاتب إسرائيلي: هوية الدولة ممزقة بين الليبراليين والمحافظين

يرى الكاتب الإسرائيلي آري شافيت في مقال نشرته يديعوت أحرونوت أن إسرائيل لم تعد منقسمة فقط بين أحزاب أو طوائف، بل باتت ممزقة بين روايتين متصارعتين حول هوية الدولة وطبيعة نظام الحكم فيها.

وقال الكاتب إن كل رواية تصف الواقع السياسي من زاوية مغايرة تماما للثانية، وكلٌّ منهما تحمّل الأخرى مسؤولية انهيار الديمقراطية في البلاد.

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2موقع أميركي: روسيا تدعم مساعي العراق لإعادة فتح خط أنابيب النفط إلى سورياlist 2 of 2موقع إنترسبت: القوات الأميركية تتعرض للهجوم كل يوم في الشرق الأوسطend of list الرواية الليبرالية

حسب الكاتب، تقوم الرواية الليبرالية على أن رجلا واحدا عديم الرحمة وسيئ النوايا سيطر على الدولة واستولى على مؤسساتها وخربها وحوّلها إلى مملكته الخاصة، ما تسبب في تآكل الديمقراطية، وتأجيج الكراهية، وهو يقود إسرائيل نحو الهاوية.

وترى هذه الرواية أن جريمة اغتيال رئيس الوزراء الأسبق إسحاق رابين عام 1995، كانت البداية الحقيقية لهذا الانهيار، وتتهم رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بالتحريض على عملية الاغتيال.

وتقول الرواية إن شرعية حكم نتنياهو أصبحت موضع شك منذ ولايته الأولى، لكنها انهارت تماما عندما أصبح متهما رسميا بقضايا فساد، وعندما شكّل حكومة يمينية متطرفة شرعت في انقلاب على الجهاز القضائي.

وجاء السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023 ليشكل لحظة الانهيار النهائي لهذه الشرعية، وفق أصحاب هذه الرواية، حيث لم يعد زعيما منتخبا، بل دكتاتورا يسيطر على مفاصل الحكم.

إعلان رواية المحافظين

وفي المقابل، ترى الرواية المحافظة أن النخب الليبرالية المتغطرسة فقدت ثقة الجمهور منذ زمن، لكنها وجدت طرقا ملتوية للاحتفاظ بالسلطة رغما عن إرادة الشعب.

هذه النخب، حسب الرواية، أقصت التيارات اليمينية لعقود، واستخدمت القضاء والإعلام والأجهزة الأمنية لفرض هيمنتها على مفاصل الدولة.

ويشير مؤيدو هذا الخطاب إلى ما يسمونه "الثورة القضائية" التي قادها القاضي أهارون باراك في تسعينيات القرن الماضي، باعتبارها لحظة مفصلية حوّلت إسرائيل إلى دولة تحكمها مؤسسة قضائية – بيروقراطية، تتجاهل صوت الأغلبية اليمينية في الانتخابات.

ويؤكد المحافظون -وفقا للكاتب- أن حملة نزع الشرعية المستمرة ضد نتنياهو هي في حقيقتها حملة ضد ناخبيه، وضد الشرقيين والمتدينين واليهود الحريديم، الذين طالما وُضعوا في "معازل سياسية واجتماعية".

أزمة هوية

ويرى الكاتب أن هذا الانقسام ليس مجرد خلاف سياسي، بل صراع بين هويتين متضادتين: واحدة ترى إسرائيل دولة ديمقراطية ليبرالية، والأخرى تنظر إليها كمجتمع يهودي تقليدي محافظ، لكن خلف هذا الصراع تكمن رؤيتان متصادمتان لطبيعة الحكم، ومبادئ اللعبة السياسية، ومفهوم الحرية.

فالليبراليون يشعرون بأن حكم نتنياهو ومؤيديه يهدد حرياتهم وحقوقهم، في حين يشعر المحافظون بأن سلطة النخب الليبرالية انتزعت منهم حرياتهم منذ زمن.

وينظر الليبراليون إلى "الانقلاب القضائي" كمحاولة لتحويل إسرائيل إلى دولة استبدادية، أما التيار المحافظ فيرى في محاكمة نتنياهو دليلا على أن البلاد تحولت إلى دولة يسيطر عليها القضاة والجنرالات.

تآكل الدولة

ويحذر الكاتب من أن كل رواية تحتوي على مزيج خطير من الحقيقة والخيال، من الوقائع والهلوسات، ومن المشاعر المكبوتة والتصورات المتطرفة، إذ يرى كل طرف نفسه ضحية للآخر ويبرر لنفسه استخدام جميع الوسائل لحماية هويته وبقائه.

إعلان

ويضيف أنه في غياب التعاطف، وانعدام الإنصاف، وانهيار المعايير المشتركة، تحوّل الخلاف إلى "حوار صُمّ"، بينما تزداد الهوة بين الطرفين، وتنهار مؤسسات الدولة الواحدة تلو الأخرى، ويتآكل النسيج الديمقراطي، وتقترب البلاد من حافة حرب أهلية.

الحل في رواية ثالثة

في ظل هذا المشهد المأزوم، يدعو الكاتب إلى تبني "رواية ثالثة" توحّد بين القيم الليبرالية والتقاليد المحافظة، وتحمل في طياتها الاعتراف المتبادل و"قواعد لعب" متفق عليها، وتضع حدا للتطرف من الجانبين، وتستبدل المواجهة بالتفاهم، والصراع بالحوار.

ويختم الكاتب بأن عدم السير في مثل هذا المسار التصالحي يعني الدمار الشامل للديمقراطية الإسرائيلية، و"خراب الهيكل الثالث على رؤوس الجميع".

مقالات مشابهة

  • كمين مركب استهدف جنود العدو الصهيوني برفح - شاهد
  • تحذير من كارثة سماوية عمرها خمسون عامًا تنتظرها الأرض 
  • الاحتلال الامريكي لغزة و اقامة الدولة العبرية
  • اشتباكات بجنين بعد اقتحام إسرائيلي لمنزل في بلدة برطعة
  • قوات العدو الصهيوني تعتقل 43 فلسطينيا من الضفة
  • نائب رئيس جامعة القاهرة: كلية الإعلام لها دور في خدمة المجتمع والقضايا القومية
  • لجنة الإدارة المحلية بالنواب تناقش تخصيص أرض لمعهد أزهري بالغربية
  • كاتب إسرائيلي: هوية الدولة ممزقة بين الليبراليين والمحافظين
  • سموتريتش: سنفصل شمال الضفة عن جنوبها لاجهاض مشروع الدولة الفلسطينية (شاهد)