هل المنطقة العربية تتغير فعلا أم هي الأماني؟
تاريخ النشر: 9th, May 2025 GMT
حرض هذا السؤال لدينا كثرة المبشرين بالتغيير في وسائل التواصل الاجتماعي، فقد سكنا في اليوتوب العربي زمنا كافيا لنتابع لساعات طويلة هذه البشائر الافتراضية حتى ظننا أن التغيير حصل فعلا. لقد حوّل بعض الإسلاميين بشارات الشيخ ياسين وتأملات الشيخ حازم صلاح أبو إسماعيل عن قرب زوال الكيان الصهيوني إلى علم صحيح، سينفذ بعد ساعات، بل استمعنا إلى إسلاميين يعتمدون نبوءات توراتية بقرب الزوال وعودة الإسلام العظيم.
ميديا الوهم والإيهام
لم يزد الشيخان المذكوران على أن أوَّلا نصا قرآنيا في اتجاه يرغبانه والله أعلم بالسرائر، لذلك نحفظ لهما الاحترام ونقول لمن يبني على قولهما أوهامه الافتراضية ويستجدي المتابعة؛ توقف عن لهوك، فالإيهام بالتغيير ليس التغيير.
من هذا الابتذال المتفشي في السوشيال ميديا يَقِنَّا بأن التغيير لا يحصل على الأرض بل هو مشروع لا يزال بعيد المنال، لقد سهل النشر الافتراضي لعبة التعويض ومكّن كل كسول من بطولة
من هذا الابتذال المتفشي في السوشيال ميديا يَقِنَّا بأن التغيير لا يحصل على الأرض بل هو مشروع لا يزال بعيد المنال، لقد سهل النشر الافتراضي لعبة التعويض ومكّن كل كسول من بطولة (ومن سبوبة).
لقد أحدثت حرب الطوفان تغييرا في الواقع الفلسطيني فأنهت أخلاقيا وسياسيا حركة فتح كممثل شرعي وحيد وقطعت عاطفيا وعقليا مع أوسلو ومخرجاتها، وهي تعمل على إنهاء حالة الانقسام خارج المقاومة المسلحة. أهم مؤشر تغيير هو أن الفلسطيني عائد إلى سلاحه كحل أخير ووحيد (وليس هذا موضع الحديث عن الأثمان).
بعد عشرين شهرا من حرب الطوفان يتابع العرب القتل اليومي ولا يحركون شوارعهم في المعركة. هذه علامة موات سياسي لا علامة تغيير. فعلى الورق مَثَلُ معركة الطوفان كَمَثَلِ تسونامي وقد سماها قائدها طوفانا أملا في تغيير لا يقف عن حدود مربعه الغزاوي، وكم أرسل من نداء نجدة فلم يُستجب له.
بلادة الشارع العربي إزاء غزة لا تتلاءم مع النبوءات الافتراضية، والانتصارات الافتراضية لا تعوض النجدة بل تؤدي إلى العكس تماما، إنها عملية تخذيل وتمييع إرادات. هل تعذر الشوارع بالقمع المسلط عليها؟ وأين القمع مما احتملت غزة خلال شهور؟
الشوارع العربية رفعت العتب ببعض الشعارات وهي تظن نفسها بمنجاة، وعجزها الحالي من جهلها العميق والعضوي بأهمية المعركة هناك على مصيرها حيث هي مطمئنة في أقطارها.
الشعوب العربية ونخبها القائدة قبلت بأنظمتها القُطرية وسلّمت لها قيادها وتعارضها -إذا فعلت- من أجل خبزها القُطري، أما المعركة القومية التي تنتج تغييرا في أمة فليست على جدول أعمالها ولا ترغب بها. لقد استقر النظام العربي بكل عاهاته، لذلك فوهم التغيير أعلاه يدخل في باب الإيهام. لنتأمل فقط ثورة الربيع العربي، لقد أوشكت أن تغير المنطقة لكن الجميع (نخبا وشعوبا) قدر كلفة التغيير وارتد عنها. لنقلها بصوت عال، ليس عباس وحده من وصف المقاومة بأولاد الكلب، لقد سمعناها في تونس بعبارات أكثر سوقية.
شوشت معركة الطوفان طمأنينة العرب فلا تغيير ننتظر رغم البشارات، هنا تصير عندي منشورات اليوتيوب مشبوهة وممولة لغاية تغيير في الحواسيب لا في الشوارع.
ثورة سوريا حدث محلي
سقوط نظام البعث في سوريا بعد نصف قرن من الدماء ليس حدثا هيّنا في التاريخ، لكنه سيبقى حدثا سوريا خاصا، والذين بنوا عليه خيالات تغيير شامل ينطلق من الشام لبناء دولة أموية ثانية واهمون أو يتوهمون. الصورة تتضح بالتدريج، قيادة الثورة تحولت بسرعة الضوء إلى قيادة دولة مشغولة بخبز شعبها أولا وفي كل يوم تغرق في تدبيره.
الواهمون لا يرون كم الابتزاز الذي تتعرض له القيادة السورية من أجل رفع يدها عن كل قضية قومية، إنها تتنصل من الفلسطيني لتعيل السوري الجائع المشرد وتنسق مع النظام العربي لتقطع مع الإخوان (وهم بعض الواهمين بنجدة سوريا).
الضغط الدولي على حكام سوريا الجدد غير خاف، فهم يسيرون تحت القصف ويتوقونه بتنازلات محسوبة ولكنها الحسابات التي تؤدي إلى تنازلات لا تنتهي (كل العرب يعرفون أنهم لا يقاتلون عدوا نبيلا يحشم). القائلون بالتغيير يكبرون أمنية مستحيلة، أن تواصل الثورة السورية تمددها إلى جوارها فتغير وتعيد دولة بني أمية وربما ظهر من يطالبها باستعادة الأندلس فالكسالى كثير.
بشارات التغيير كما أتحسسها عربيا هي بشارات متواكلة على غزة وعلى سوريا، ولكنها لا تمر إلى فعل تغييري في أقطارها
بشارات التغيير كما أتحسسها عربيا هي بشارات متواكلة على غزة وعلى سوريا، ولكنها لا تمر إلى فعل تغييري في أقطارها، وتتذرع بالقمع وهو حقيقة، ولكن هل ترى هذه الكتل المتواكلة قمعا أكبر من قمع بشار لسوريا وقمع نتنياهو لغزة؟
هناك مغالطة فكرية تزعم فهم التاريخ تسهل على القائلين بالتغيير رؤية دولة بني أمية تفتح مصر وترسل عمرو بن العاص الثاني واليا عليها.
في هذه اللحظة التاريخية أرى الأنظمة العربية وفي مقدمتها النظام المصري تسند نفسها على عامود قوي هو دعم الكيان، ولذلك فهي تملك سببا قويا للبقاء. ما زالت هذه الأنظمة قادرة على تدبر أقوات الناس وتدريبهم على العيش بالقليل منه. وليس في هذا مزايدة على شعب مصر وهو يتدبر "العيش"، فالوضع في تونس متطابق. ونضيف للتوضيح أن جرأة نظام الأردن على جماعة الإخوان ومحوها في ظرف وجيز تكشف قوة الأنظمة المسنودة وتكشف بعد الحالمين بالتغيير عن الواقع الذي يعيشونه.
ربما رغب الشيخان أن يتحول التأويل إلى حافز للفعل، لكن قولهما صار مسندا للكسل عن الفعل وبفعل السوشيال ميديا السهلة. وهنا يمكننا مجادلة مؤرخ يبشر بتغير المنطقة وفشل الثورات المضادة؛ إن قوله لا يختلف عن أماني كثير من الجالسين خلف حواسيبهم يؤلفون انتصارات وهمية بالذكاء الصناعي.
لنغلق المتجر، من أراد التغيير فليقم إليه.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات قضايا وآراء كاريكاتير بورتريه العربي التغيير نبوءات الطوفان سوريا سوريا عرب تغيير نبوءات طوفان قضايا وآراء مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة صحافة سياسة سياسة سياسة سياسة صحافة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة
إقرأ أيضاً:
عاجل - الجامعة العربية تُشيد بجهود سلطنة عمان في إنجاح اتفاق وقف إطلاق النار في اليمن
أشادت الأمانة العامة لجامعة الدول العربية بالجهود الدبلوماسية البارزة التي بذلتها سلطنة عمان، ومساعيها الحميدة في التوسط للتوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار في اليمن، بالتعاون مع الولايات المتحدة الأمريكية.
وثمّنت الجامعة العربية هذه المساعي التي تُعد نموذجًا للدبلوماسية الفاعلة في تسوية الأزمات الإقليمية، مشيرة إلى أن نجاح هذه الجهود يعكس الدور الإيجابي الذي تضطلع به سلطنة عمان في تعزيز السلام والاستقرار في المنطقة.
سفيرة البحرين تهنئ جامعة الدول العربية بمناسبة مرور 80 عام على تأسيسها نائب وزير الخارجية يشارك في اجتماع جامعة الدول العربية على المستوى الوزاري بدورته الـ 163وأعربت الأمانة العامة عن أملها في أن يساهم هذا الاتفاق -في حال التزام الأطراف بتنفيذ بنوده- في تخفيف المعاناة الإنسانية التي يواجهها الشعب اليمني، وأن يُسهم في الحد من التصعيد العسكري، ويفتح المجال أمام جهود سياسية أكثر شمولًا تُفضي إلى حل دائم للأزمة اليمنية.
وفي السياق ذاته، أكدت الجامعة العربية أن التقدم المحرز في الملف اليمني من شأنه أن يُعزز مناخ التهدئة الإقليمي، ويُشكل دفعة إيجابية للجهود الدبلوماسية الجارية على صُعدٍ أخرى، لا سيما تلك المتعلقة بوقف العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، إضافة إلى عدد من الملفات الحيوية في المنطقة.
وأكدت الأمانة العامة في بيانها أن تفعيل المسارات السياسية والدبلوماسية يُمثل السبيل الأمثل لإنهاء النزاعات المسلحة، داعية جميع الأطراف إلى استثمار هذه الفرصة لتعزيز السلام، والالتزام بمسؤولياتهم تجاه شعوبهم وأمن المنطقة بأكملها.