الثورة نت:
2025-07-09@01:12:08 GMT

مسيرة الحق والوعد الإلهي

تاريخ النشر: 10th, May 2025 GMT

 

نتذكر العام 2004 وما قبله من الأعوام عندما ظهر قائـد إيماني قـرآني هو السـيد حسين بن بدر الدين الـحـوثـي سلام الله ورضوانه عليه وكان مع قلة قليله من المستضعفين بجانبه في منطقة مران يهتفون بشـعار الحق ” الله اكـبـر الـمـوت لأمريكا الـموت لإسـرائيـل الـلعنـة على الـيهـود الـنصـر للإسلام ” وهذا الشـعار هو مستنبط من محكم كتاب الله والكثير من الآيات في القرآن الكريم التي تأمر المؤمنين بالبراءة من أعداء الله وأعداء الأمة الإسلامية .

. وكان في تلك المرحلة بجانبه عدد بسيط من المستضعفين المتفـقهين بالـدين .

في تلك المرحلة عندما علم البيت الأبيض بهذا التحرك الذي يدعو إلى البـراءة من أعداء الإسلام اعتبروه تحركا خطيرا يهدد الكـيان الصهيـوني اليهـودي رغم قلة عدد الأفراد وضعف إمكانياتهم التي لا تساوي شيئاً اطلاقاً ولكن لعلمهم بالوعد الإلهي الذي لا مناص منه، لذلك تحرك العـدو الأمريكي والإسرائيلي بشكل سريع وجاد وتمثل ذلك بتواصلهم مع النظام الحاكم في صنعاء آنذاك لوضع حد لهذه الحركة، وقد تحرك النظام حسب توجيهات أسياده لتلبية مطلبهم وإخماد ذلك التحرك وقام بتوجيه بوصلة الاسـتهداف وتحريك ترسانته العـسكرية المسـلحة بالسـلاح الثقيل والطـيران لاستهداف وإخماد هذا الـشعـار .

هذا الشـعـار لم يقل المـوت للرئيس أو الـموت للسعودية أبدا، وانما كان واضحاً انه إعلاء لكلمة الله في مرحلة كانت الأمة تقبل أقدام العـدو الأمريكي والإسرائيلي، هؤلاء المستضعفون القلة القليلة مـؤمنون بالله تعالى وبوعده بأن النـصر حليفهم لا محالة .. وكان النصر حليفهم لا محالة بتأييد الله وتمكينه وخاض النظام ضدهم ست حـروب ظـالمة و في كل حـرب كانوا يزدادون قوة وعدداً وعتاداً .

وفي خلال عشر سنوات منذ الحرب في مران عام 2014حتى العام 2014 اصبح هذا المنهـج وهذه القيـادة في عاصمة النظام الذي خاض ضـدها حـروباً ظالمـة لعدة أعوام وبدأ المشروع القـرآني بالتوسع والتأييد بفضل الله وتوفيقه .

في هذه المرحلة بالتحديد بدأ القلق والـرعب في قلوب الأعداء ومن والاهم من خـطر هذا المـنهج وهذه القيـادة التي حسبوا لها الف حساب وهي مازالت في مـران في اصغر رقعة جغرافية واقل عددا .. اذ وصولهم للعاصمة معناه التوسع الأكثر والأكثر لهذا المنهـج ليس بداخل الجمهورية اليمنية فحسب .. بل والانتشار في الدول العربية والإسلامية لذلك لم يستطيعوا تحمل هذا الواقع الذي جثم على قلوبهم اذ قاموا في هذه المرحلة بتحريك أياديهم في الخليج ممثلة بقوى العـدوان بالسعودية والإمارات الذين يعتبرونهم الابن المطيع لهم، وفي نفس الوقت قادة هاتين الدولتين يريدان خدمة أسيادهم لكي يرضوا عنهم اكثر وأكثر، وفي منتصف ليل مارس 2015 قاموا بشن العـدوان على اليمن وليس مران فقط لأن هذا المنهـج القـرآني المبارك وصل إلى جميع المحافظات وكان شن الحرب بقصد القضاء عليه وإخماده، ولكن لن يضروكم إلا أذى .

في نفس العام 2015 اعلن ناطق قوى العـدوان السعودي والإماراتي انه تم القضاء على مقدرات القـوات المسلحـة اليمـنية و تدمير المنافذ الجوية والبحرية وكان بهذا يقصد انه تم إخماد هذا المنهـج، وأهم شيء انه اغلق المنافذ لكي لا يمتد هذا المنهج الذي يشكل خطراً حقيقياً على أسيادهم اليهـود الصهاينـة … وما يقارب عشرة أعوام وهذا المـنهج والقيـادة القـرآنية من تطور إلى تطور ومن نصر إلى نصر وصمـود وثبـات واستبسـال ونجـاح فاق كل المستويات، من التصنيـع الحربـي والقـوة الصـاروخية والطيـران المسيـر، ووصلت المواجهة إلى عمق العـدو السعودي وهناك الكثير من الأحداث التي لا يسعنا ان نوجزها هنا .. وكل هذا بفضل الله سبحانه وتعالى القائل “وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة” وبفضل القيـادة الثـورية والسيـاسية والجـيش واللجـان الشعبيـة وصمـود ووعـي شعبنـا اليمنـي المجـاهـد الصـامـد والثـابت ..

والآن دعونا لنقارن عشرة أعوام من عام 2014 من مواجهة مع أيادي الصهـاينة والعـدو الأمريكي .. إلى 2024 حتى أصبحت المواجهة مع العـدو الحقيقي الأمريكي والإسرائيلي نفسه، وإسنادا لمظلوميـة غـزة الذي كان دور المنـهج القرآني فيها بقـطع المنـافذ البحـرية واستهـداف بارجـات العـدو الإسرائيلي حتى رفـع الحصـار عن غـزة .. وآيـات النـصر واضحـة وجلية .. حتى في حاضـرنا إعلان الناطـق الرسمي للقـوات المسلحـة اليمنيـة عن استهـداف مطـار بن غـوريون في عمق الأراضي المحتلة في عمق العـدو الإسرائيلي ..

في العام 2015 اعلن ناطـق قوى العـدوان انهم فـرضوا حصـارا على اليـمن جـوا وبحـرا .. واليوم في عام 2025 تمكنت قواتنـا المسلحـة من فرض حصـار بحري كامل على السـفن الإسرائيلية في البحـر الأحمر وإغلاق مينـاء إيلات البحـري وتم الإعلان عن بدايـة الحصـار الجـوي للعـدو الإسرائيلي

وكل هذا حصل في ظل صمت عربي ومازال بعض المنـافقين من الخونة والمطبعين الذين يدعون انهم مسلمون وانهم يقولون ان هذه مسرحية.

هذا وعـد إلهي “إِنَّ ٱللَّهَ ٱشتَرَىٰ مِنَ ٱلمُؤمِنِينَ أَنفُسَهُم وَأَموَٰلَهُم بِأَنَّ لَهُمُ ٱلجَنَّةَ يُقَٰتِلُونَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ فَيَقتُلُونَ وَيُقتَلُونَ وَعدًا عَلَيهِ حَقّا فِي ٱلتَّورَاةِ وَٱلإِنجِيلِ وَٱلقُرءَانِ وَمَن أَوفَىٰ بِعَهدِهِ مِنَ ٱللَّهِ فَٱستَبشِرُواْ بِبَيعِكُمُ ٱلَّذِي بَايَعتُم بِهِ وَذَٰلِكَ هُوَ ٱلفَوزُ ٱلعَظِيمُ”.

نسأل من الله سبحانه وتعالى ان يجعلنا من أنصاره وانصـار رسوله وانصـار أوليائه، وان يجعلنا من الذين قال فيهم لا خوف عليهم ولا هم يحزنون، وان يحفظ وينصـر علـم الهـدى سيـدي ومـولاي عبدالـمـلك بن بـدر الـديـن الحـوثـي يحـفـظـه الله.

 

المصدر: الثورة نت

إقرأ أيضاً:

معقولية نظرية التكليف الإلهي مقابل قصور الأطروحة القانونية العلمانية.. كتاب جديد

الكتاب: لإنشاء الأحكام بين أصول الفقه وعلم الكلام
المؤلف: عمر فرحات
ترجمة: محمود عبد العزيز أحمد
الناشر مركز نهوض للدراسات والبحوث
الطبعة الأولى ـ السنة 2024
عدد الصفحات:304


لخص كثير من المفكرين الخلاف بين العلمانية ونظرية التكليف الإلهي في مبدأ السيادة ومصدر الاستمداد، فجوهر العلمانية في فكر طه عبد الرحمان على سبيل المثال يقوم على فكرة تسيد الإنسان، والاعتماد على العقل كمصدر للاستمداد، سواء تعلق الأمر بالاستمداد المعرفي (الاستمداد العام) أو تعلق بالاستمداد القانوني أو الفقهي (الاستمداد الخاص). ولئن هذا العصر طبع بهيمنة العلمانية، لاسيما في مجال الاستمداد القانوني، فقد أضحت فكرة الاستمداد من الوحي لبناء النظرية القانونية أو بناء الأحكام الفقهية التي تنظم حياة الناس، نوعا من الانتظام في الماضي حتى سادت مقولات وكليشيهات تنسب هذا الانتظام المعرفي، بكونه يعاكس تطور العصر، ويسير في الاتجاه المضاد للعقلانية والحداثة.

ويزيد الأمر تعقيدا حين يتعلق الأمر بالنظرية القانونية، التي جرى فيها تهميش المدرسة المثالية التي ترى في القانون نشدانا لمثال أعلى ينبغي أن يستهدي به، لفائدة المدرسة الواقعية التي ترفض البحث الذي يتجاوز القواعد القانونية القائمة، وترفض إدخال أي شيء وراء القانون، لاعتقادها أن القانون هو ابن بيئته، وابن الواقع، وصنيعة الجماعة، فصارت نظرية التكليف الإلهي-تبعا لهذا التصنيف والتهميش أيضا،  خارج دوائر الاهتمام، ليس فقط لأنها تستمد المادة القانونية من مثال أعلى، بل أيضا لأن سمة الثبات والاستقرار فيها، تجعلها عاجزة عن  لا تساير تطور المجتمع، ولأنه بدلا من أن  تهتم ببناء المادة القانونية وتعديلها ومراجعتها انطلاقا من حركتها في الواقع، أو انطلاقا من شكل تعاطي المجتمع معها، تعتبر أن السلوك الإنساني يفتقر إلى  توجيه السماء وإرشادها.

بين يدي الكتاب

يخوض الكتاب الذي بين أيدينا" إنشاء الأحكام بين أصول الفقه وعلم الكلام: فلسفة الكم الشرعي في التراث الإسلامي" لمؤلفه عمر فرحات في جزئية جد دقيقة، تركز على سؤالين اثنين: ما السبب الذي يجعلنا نلتمس من الوحي من الإلهي الهداية لأفعالنا؟ وكيف يكون ذلك منا؟ ويجعل من التراث الإسلامي، وبخاصة التراث الكلامي والأصولي، مادته الأساسية للإجابة عنهما، بحيث لا يقتصر الكتاب على القرن الخامس الهجري وإنما يتعداه حتى لواقعنا المعاصر.

يتميز الكتاب، الذي هو عبارة عن أطروحة دكتوراه حصل عليها الباحث عمر فرحات من جامعة كولومبيا، ثم تم تطويرها، بعدم الاكتفاء بالتعمق في نظريات علم الكلام وعلم أصول الفقه، وإنما مد الباحث نظراته العميقة بتوظيف جملة أدوات منهجية ومعرفية استقاها من حقول معرفية مختلفة، مثل مباحث القانون والسوسيولوجيا والانثروبولوجيا وغير ذلك، مما أكسب الكتاب عمقا نظريا وتجريديا يصعب فهم   أطروحته دون تخصص، ودون عمق وروية.

أثبت المؤلف ضمن خلاصاته المركزية في أطروحته سمتين للفكر الإسلامي الكلاسيكي، أولاهما أن العلماء حين أصلوا لمذهب أو نظرية التكليف الإلهي ولمدى الحاجة للاعتماد على الوحي بحجة عدم كفاية العقل المجرد، وبحجة جبر ما تأصل في البشر من العجر عن إدراك للأحكام الموضوعية العامة. وأما السمة الثانية، فهي نزوع التراث الفقهي إلى اعتبار إنشاء الأحكام قضية جماعية تنتظم جماعة المؤمنين.في الواقع، قد يبدو الكتاب من عنوانه، كما ولو كان مندرجا ضمن التاريخ الفكري الذي يعني بتتبع جدل وسجالات المذاهب في مرحلة تاريخية معنية، أو يعني بتتبع تشكل مفهوم من المفاهيم وتطورها في حقل من الحقول المعرفية مثل علم الكلام،  لكن، الأمر هو خلاف ذلك تماما، فمع أن المؤلف اتخذ من المادة الكلامية والأصولية مستنده في هذا الكتاب، إلا أن أفقه، كان ممتدا للواقع المعاصر، وطرح معضلته الرئيسة المتمثلة  في النظر في إمكان الإفادة من نظرية التكليف الإلهي في بناء القاعدة القانونية ومناقشة معقوليتها، وهل هي مجردة تماما من المعقولية، أم أن لها نسقها العقلاني، الذي من الممكن أن يكون له تأثير إيجابي على النظرية القانونية، فلم يكن قصد المؤلف وضع العلماء الذين أورد مقولاتهم ضمن قوالب نظرية، وإنما كان قصده بالدرجة الأولى، تحري الاتجاهات النظرية العامة في مصنفاتهم، والتوقف أمامها بعمق وروية من أجل الاستهداء بالأسئلة التشريعية والأخلاقية التي تعرفها المجتمعات الإنسانية، وذلك بغض النظر عن الحدود التاريخية والسياقات التي أنتج فيها هذا التراث الكلامي والأصولي.

يتألف الكتاب من مقدمة وبابين وخاتمة، ويضم كل باب ثلاثة فصول، وقد حرص المؤلف في مقدمة كتابه أن يعرض بدقة للسؤال البحثي الذي يشتبك معه، إذ اختار أن يجعل من المادة التراثية (الفكر الإسلامي الكلاسيكي) مجسدة في علم الكلام وعلم الأصول، متنا للجواب عن إشكاليات ما بعد العلمانية، أي إمكان الإفادة من نظرية التكليف الإلهي في بناء القاعدة القانونية، أو على الأقل إمكان أن تقدم هذه النظرية جوابا عن الإشكالات والتحديات التي انتجتها النظريات القانونية المشحونة بالخلفية العلمانية.

تناول المؤلف في الباب الأول، ثلاثة إشكالات مختلفة داخل علم الكلام الكلاسيكي، يتعلق الأول بالبحث في التراث الكلامي عن مصدر المعرفة، وهل العقل يستقل بها، أم أنه يقصر عن إدراك الكلام الكلامي، ويتعلق الثاني بمقام الإله بين البشر من خلال ميتافيزيقا علم الكلام، ويتعلق الثالث بماهية الكلام الإلهي في علم الكلام الكلاسيكي.

وأما الباب الثاني، فقد كان مصدر البحث فيه، في التراث الأصولي، وتحديدا في مباحث الأمر (ماهية الأمر الإلهي في النظرية الأصولية الكلاسيكية، والتكليف بصيغة الأمر)، كما ناقش المؤلف في الفصل الثالث من هذا الباب (الفصل السادس في الكتاب) بقاء القانون الطبيعي في علم أصول الفقه، وختم بحثه بجملة خلاصات مهمة، كلها تقريبا مرتبطة بالإشكالات التي تعرض لعالمنا المعاصر، وتحديدا التحديات التي تطرحها النظريات القانونية العلمانية، أو الإشكالات التي نتجت عنها (إشكالات ما بعد العلمانية).

في سمات النموذج الإسلامي للتكليف الإلهي

أثبت المؤلف ضمن خلاصاته المركزية في أطروحته سمتين للفكر الإسلامي الكلاسيكي، أولاهما أن العلماء حين أصلوا لمذهب أو نظرية التكليف الإلهي ولمدى الحاجة للاعتماد على الوحي بحجة عدم كفاية العقل المجرد، وبحجة جبر ما تأصل في البشر من العجر عن إدراك للأحكام الموضوعية العامة. وأما السمة الثانية، فهي نزوع التراث الفقهي إلى اعتبار إنشاء الأحكام قضية جماعية تنتظم جماعة المؤمنين.

وقد انتهى المؤلف في استقرائه لمدارس علم الكلام (الأشعرية والاعتزالية) إلى أن الاتهامات بالنصوصية والإرادية والتحكم التي طالما وصفت بها نظريات التكليف الإلهي تفتقد إلى الدقة العلمية، وتغفل جوانب مهمة من نظم إنشاء الكلام في التراث الكلاسيكي، وقد ذكر منها خمسة جوانب أساسية، أولها الشكوكية المعرفية، سواء اتصلت بإمكان إدراكنا للقيم الأخلاقية ام تعلقت بقدرتنا على الوقوف على المراد الإلهي.

ويتعلق الثاني بالفصل الميتافزيقي الصارم الذي يتبوأ فيه الإله منزلة لا تحيط بها تجارينا الدنيوية.

والثالث، اعتبار الكلام الإلهي صفة قديمة، لا فعلا، واعتبار الأمر الإلهي صفة متعالية ذات أثر معياري.

 والجانب الرابع، وهو أن الأحكام العملية الناشئة عن نظام إنشاء الكلام في التراث الكلاسيكي ليست محض استنباط من الكلام الإلهي، وإنما تبنى هذه الأحكام على التداول الجماعي، ويتعلق الخامس، بوجود سيادة اعتبارات المعقولية والعملية في المناهج الأصولية الموضوعة للنظر في النص الإلهي على الرغم من استمدادها المركزي من الوحي.

على الرغم من الطابع التجريدي والتخصصي للكتاب، إلا أن السؤال البحثي الدقيق الذي اشتغل عليه، ونوع المقاربة التي اختارها، فضلا عن النتائج التي انتهى إليها، تعزز الحاجة إلى ابتكار مناهج وآليات جديدة لمناقشة الفرضيات العلمانية، والتي أضحت تشكل مسبقات جاهزة، تحكم المعرفة بكل حقولها، وتهيمن على الباحثين حتى في العلوم ذات العلاقة بالتراث الإسلامي.تركيب هذا النقد الذي صاغه المؤلف بكل نسبية وهو يتحدث عن جوانب مغفلة في دراسة نظرية التكليف الإلهي من لدن الدارسين لاسيما منهم الغربيين، أن المقولات الجاهزة التي توصم بها هذه النظرية، تحتاج إلى مراجعة شاملة، وأن هناك حاجة للتدقيق في الآثار السلبية للنظريات القانونية العلمانية، والتي تحجب عن أي نظرية قانونية تجعل من الوحي مستندها لبناء الأحكام، خصائصها العقلانية والموضوعية، وتنسبها بتحكم مسبق إلى معاداة العقل أو معاداة التطور الذي بصم عليه المجتمع العلماني، إذ بينت هذه الدراسة الحاجة إلى دراسة البعد العقلاني في التراث الكلامي والأصولي المؤسس لنظرية التكليف الإلهي، وأن استناد النظرية إلى الوحي، لا يعني تجردها من المعقولية، وأن ما يؤكد خطأ هذا الادعاء غير العلمي، أن  عملية بناء الأحكام، مع ارتكازها على الوحي، كانت تتم ضمن فضاء تداولي جماعي، وكان التعليل والتعليل المضاد، محكوما بقواعد عقلانية،  بل كان الترجيح أيضا يحتكم إلى هذه القواعد، وليس مجرد استنباط من الوحي، وفهم لدلالات النص القرآني.

في حاجة واقع ما بعد العلمانية للإفادة من نظرية التكليف الإلهي لترشيد النظرية القانونية

يشير الباحث في أهم خلاصات بحثه إلى ظاهرة الإهمال التي طالت نظرية التكليف الإلهي في الدرس الحديث للقانون والأخلاق، ويعزو هذا الإهمال إلى سيادة فرضية عامة تقضي بوجود تنازع مبدئي بين الحقول الفكرية التي تسلم بالمفاهيم الإيمانية، كالوحي، وتتخذها منطلقا من جهة، وبين الفكر الفلسفي والنظري الصحيح من جهة أخرى، إذ يقع على عاتق المفكر تبعا لذلك أن يثبت قدرته على الامتثال الناجع لمقتضيات العقل العلماني. وأن ذلك ما يفسر شيوع مقاربات القانون الطبيعي في الأخلاق الإيمانية في الدرس المعاصر، بحكم أن منظري القانون الطبيعي سلموا بطائفة من الفرضيات الأخلاقية العلمانية المسبقة عن القصور الجوهري للفكر المستند إلى الوحي.

وقد كان من بين أهداف المؤلف في أطروحته أن يناقش هذه الفرضيات ويبين قصورها ووهنها وذلك بالاستناد إلى تقديم قراءة للنظريات الإسلامية الكلاسيكية في باب الكلام والأمر الإلهي.

وقد قدم المؤلف من خلال هذه الأطروحة أجوبة موضوعية على الاعتراضات العلمانية الأساسية على الفكر الإيماني، فكشف ابتداء أن اتجاهي القانون الطبيعي والتكليف الإلهي في علم الكلام الكلاسيكي إنما صدرا عن خلاف معرفي أساسي لا عن تمسك مسبق بالوحي أو إعراض عنه. وبين في الفصل الأول من كتابه وجها من وجوه النفع المثمرة لعلماء الأخلاق المؤمنين المعاصرين، وذلك بسبر نواحي القصور في الأخلاق غير الإيمانية من خلال اتخاذ صورة من صور الشكوكية المعرفية، واعتبر المؤلف أن شأن هذه الشكوكية أن تهيئ للوحي سبيلا لإنشاء ضرب من الأحكام العامة بناء على التجربة البشرية المعتادة وليس المعجزة.

كما قدم في الباب الثاني الذي اتخذ التراث الأصولي مستندا ومادة للبحث، أدلة أخرى إضافية لتبديد الاعتراضات العلمانية، منها أن مناقشة رأي الأصوليين في الإرادة الإلهية لإيقاع الفعل من الأفعال، وهل ترجع إلى حسن الفعل، أن الأمر صفة إلهية قديمة سابقة عن مفهوم الحسن، وقدم في مناقشة الخلافات بين المدارس الأصولية، ما يبدد جزءا من الاعتراضات العلمانية على نظرية التكليف الإلهي.

على أن الحجة الأظهر في الكتاب للرد على هذه الاعتراضات العلمانية، هي ما بينه المؤلف في الفصل الخامس، وذلك حين بحث العمليات الدلالية والتفسيرية التي يثمر الأمر الإلهي من خلالها إنشاء للإحكام الأخلاقية، فانتهى في نقاشه إلى أن التمسك بالمذهب لم يكن حاسما في تشكيل الأقوال الأصلية، وأن الأصوليين قد اتخذوا من بعض صور البناء الاجتماعي منهجا جماعيا لإنشاء الأحكام، كما توقف على أثر الاتجاهات المستقلة عن الوحي في النظريات الأصولية، والتي تستند إلى التعليل المصلحي والمقاصدي، ولا تكتفي باستثمار الأحكام من النص دلالات اللغة.

على الرغم من الطابع التجريدي والتخصصي للكتاب، إلا أن السؤال البحثي الدقيق الذي اشتغل عليه، ونوع المقاربة التي اختارها، فضلا عن النتائج التي انتهى إليها، تعزز الحاجة إلى ابتكار مناهج وآليات جديدة لمناقشة الفرضيات العلمانية، والتي أضحت تشكل مسبقات جاهزة، تحكم المعرفة بكل حقولها، وتهيمن على الباحثين حتى في العلوم ذات العلاقة بالتراث الإسلامي.  

وقد أحسن الباحث، بالإفادة من أدوات معرفية ومنهجية مستوحاة من حقول معرفية مختلفة، من المناقشة الحذرة للأطروحة العلمانية، ومن بيان تهافت حججها، وبيان قصورها ووهنها، ومدى الحاجة إلى ترشيدها وتطوير المعرفة الإنسانية، بالإفادة من نظريات التكليف الإلهي، ودراسة نسق المعقولية الخاصة بها.

مقالات مشابهة

  • صرخة الحق في زمن السقوط العظيم
  • قتيلان وثلاثة مصابين بهجوم مسيرة إسرائيلية على سيارة شمال لبنان
  • معقولية نظرية التكليف الإلهي مقابل قصور الأطروحة القانونية العلمانية.. كتاب جديد
  • بوجاتشار يزاحم على صدارة «طواف فرنسا»
  • في الأمن الذي نستظل
  • مسيرة وفعاليات في ذمار بذكرى استشهاد الإمام الحسين
  • مسيرة جماهيرية كبرى بالعاصمة صنعاء إحياء لذكرى استشهاد الإمام الحسين
  • خروج شعبي حاشد في 18 مسيرة بصعدة إحياء لذكرى يوم عاشوراء
  • «الصحة» تدشن المرحلة الثانية من دورة شهادة البورد الأمريكي في مكافحة العدوى
  • مصادر: لبنان سيطلب ضمانات من المبعوث الأمريكي لوقف الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة