معقولية نظرية التكليف الإلهي مقابل قصور الأطروحة القانونية العلمانية.. كتاب جديد
تاريخ النشر: 8th, July 2025 GMT
الكتاب: لإنشاء الأحكام بين أصول الفقه وعلم الكلام
المؤلف: عمر فرحات
ترجمة: محمود عبد العزيز أحمد
الناشر مركز نهوض للدراسات والبحوث
الطبعة الأولى ـ السنة 2024
عدد الصفحات:304
لخص كثير من المفكرين الخلاف بين العلمانية ونظرية التكليف الإلهي في مبدأ السيادة ومصدر الاستمداد، فجوهر العلمانية في فكر طه عبد الرحمان على سبيل المثال يقوم على فكرة تسيد الإنسان، والاعتماد على العقل كمصدر للاستمداد، سواء تعلق الأمر بالاستمداد المعرفي (الاستمداد العام) أو تعلق بالاستمداد القانوني أو الفقهي (الاستمداد الخاص).
ويزيد الأمر تعقيدا حين يتعلق الأمر بالنظرية القانونية، التي جرى فيها تهميش المدرسة المثالية التي ترى في القانون نشدانا لمثال أعلى ينبغي أن يستهدي به، لفائدة المدرسة الواقعية التي ترفض البحث الذي يتجاوز القواعد القانونية القائمة، وترفض إدخال أي شيء وراء القانون، لاعتقادها أن القانون هو ابن بيئته، وابن الواقع، وصنيعة الجماعة، فصارت نظرية التكليف الإلهي-تبعا لهذا التصنيف والتهميش أيضا، خارج دوائر الاهتمام، ليس فقط لأنها تستمد المادة القانونية من مثال أعلى، بل أيضا لأن سمة الثبات والاستقرار فيها، تجعلها عاجزة عن لا تساير تطور المجتمع، ولأنه بدلا من أن تهتم ببناء المادة القانونية وتعديلها ومراجعتها انطلاقا من حركتها في الواقع، أو انطلاقا من شكل تعاطي المجتمع معها، تعتبر أن السلوك الإنساني يفتقر إلى توجيه السماء وإرشادها.
بين يدي الكتاب
يخوض الكتاب الذي بين أيدينا" إنشاء الأحكام بين أصول الفقه وعلم الكلام: فلسفة الكم الشرعي في التراث الإسلامي" لمؤلفه عمر فرحات في جزئية جد دقيقة، تركز على سؤالين اثنين: ما السبب الذي يجعلنا نلتمس من الوحي من الإلهي الهداية لأفعالنا؟ وكيف يكون ذلك منا؟ ويجعل من التراث الإسلامي، وبخاصة التراث الكلامي والأصولي، مادته الأساسية للإجابة عنهما، بحيث لا يقتصر الكتاب على القرن الخامس الهجري وإنما يتعداه حتى لواقعنا المعاصر.
يتميز الكتاب، الذي هو عبارة عن أطروحة دكتوراه حصل عليها الباحث عمر فرحات من جامعة كولومبيا، ثم تم تطويرها، بعدم الاكتفاء بالتعمق في نظريات علم الكلام وعلم أصول الفقه، وإنما مد الباحث نظراته العميقة بتوظيف جملة أدوات منهجية ومعرفية استقاها من حقول معرفية مختلفة، مثل مباحث القانون والسوسيولوجيا والانثروبولوجيا وغير ذلك، مما أكسب الكتاب عمقا نظريا وتجريديا يصعب فهم أطروحته دون تخصص، ودون عمق وروية.
أثبت المؤلف ضمن خلاصاته المركزية في أطروحته سمتين للفكر الإسلامي الكلاسيكي، أولاهما أن العلماء حين أصلوا لمذهب أو نظرية التكليف الإلهي ولمدى الحاجة للاعتماد على الوحي بحجة عدم كفاية العقل المجرد، وبحجة جبر ما تأصل في البشر من العجر عن إدراك للأحكام الموضوعية العامة. وأما السمة الثانية، فهي نزوع التراث الفقهي إلى اعتبار إنشاء الأحكام قضية جماعية تنتظم جماعة المؤمنين.في الواقع، قد يبدو الكتاب من عنوانه، كما ولو كان مندرجا ضمن التاريخ الفكري الذي يعني بتتبع جدل وسجالات المذاهب في مرحلة تاريخية معنية، أو يعني بتتبع تشكل مفهوم من المفاهيم وتطورها في حقل من الحقول المعرفية مثل علم الكلام، لكن، الأمر هو خلاف ذلك تماما، فمع أن المؤلف اتخذ من المادة الكلامية والأصولية مستنده في هذا الكتاب، إلا أن أفقه، كان ممتدا للواقع المعاصر، وطرح معضلته الرئيسة المتمثلة في النظر في إمكان الإفادة من نظرية التكليف الإلهي في بناء القاعدة القانونية ومناقشة معقوليتها، وهل هي مجردة تماما من المعقولية، أم أن لها نسقها العقلاني، الذي من الممكن أن يكون له تأثير إيجابي على النظرية القانونية، فلم يكن قصد المؤلف وضع العلماء الذين أورد مقولاتهم ضمن قوالب نظرية، وإنما كان قصده بالدرجة الأولى، تحري الاتجاهات النظرية العامة في مصنفاتهم، والتوقف أمامها بعمق وروية من أجل الاستهداء بالأسئلة التشريعية والأخلاقية التي تعرفها المجتمعات الإنسانية، وذلك بغض النظر عن الحدود التاريخية والسياقات التي أنتج فيها هذا التراث الكلامي والأصولي.
يتألف الكتاب من مقدمة وبابين وخاتمة، ويضم كل باب ثلاثة فصول، وقد حرص المؤلف في مقدمة كتابه أن يعرض بدقة للسؤال البحثي الذي يشتبك معه، إذ اختار أن يجعل من المادة التراثية (الفكر الإسلامي الكلاسيكي) مجسدة في علم الكلام وعلم الأصول، متنا للجواب عن إشكاليات ما بعد العلمانية، أي إمكان الإفادة من نظرية التكليف الإلهي في بناء القاعدة القانونية، أو على الأقل إمكان أن تقدم هذه النظرية جوابا عن الإشكالات والتحديات التي انتجتها النظريات القانونية المشحونة بالخلفية العلمانية.
تناول المؤلف في الباب الأول، ثلاثة إشكالات مختلفة داخل علم الكلام الكلاسيكي، يتعلق الأول بالبحث في التراث الكلامي عن مصدر المعرفة، وهل العقل يستقل بها، أم أنه يقصر عن إدراك الكلام الكلامي، ويتعلق الثاني بمقام الإله بين البشر من خلال ميتافيزيقا علم الكلام، ويتعلق الثالث بماهية الكلام الإلهي في علم الكلام الكلاسيكي.
وأما الباب الثاني، فقد كان مصدر البحث فيه، في التراث الأصولي، وتحديدا في مباحث الأمر (ماهية الأمر الإلهي في النظرية الأصولية الكلاسيكية، والتكليف بصيغة الأمر)، كما ناقش المؤلف في الفصل الثالث من هذا الباب (الفصل السادس في الكتاب) بقاء القانون الطبيعي في علم أصول الفقه، وختم بحثه بجملة خلاصات مهمة، كلها تقريبا مرتبطة بالإشكالات التي تعرض لعالمنا المعاصر، وتحديدا التحديات التي تطرحها النظريات القانونية العلمانية، أو الإشكالات التي نتجت عنها (إشكالات ما بعد العلمانية).
في سمات النموذج الإسلامي للتكليف الإلهي
أثبت المؤلف ضمن خلاصاته المركزية في أطروحته سمتين للفكر الإسلامي الكلاسيكي، أولاهما أن العلماء حين أصلوا لمذهب أو نظرية التكليف الإلهي ولمدى الحاجة للاعتماد على الوحي بحجة عدم كفاية العقل المجرد، وبحجة جبر ما تأصل في البشر من العجر عن إدراك للأحكام الموضوعية العامة. وأما السمة الثانية، فهي نزوع التراث الفقهي إلى اعتبار إنشاء الأحكام قضية جماعية تنتظم جماعة المؤمنين.
وقد انتهى المؤلف في استقرائه لمدارس علم الكلام (الأشعرية والاعتزالية) إلى أن الاتهامات بالنصوصية والإرادية والتحكم التي طالما وصفت بها نظريات التكليف الإلهي تفتقد إلى الدقة العلمية، وتغفل جوانب مهمة من نظم إنشاء الكلام في التراث الكلاسيكي، وقد ذكر منها خمسة جوانب أساسية، أولها الشكوكية المعرفية، سواء اتصلت بإمكان إدراكنا للقيم الأخلاقية ام تعلقت بقدرتنا على الوقوف على المراد الإلهي.
ويتعلق الثاني بالفصل الميتافزيقي الصارم الذي يتبوأ فيه الإله منزلة لا تحيط بها تجارينا الدنيوية.
والثالث، اعتبار الكلام الإلهي صفة قديمة، لا فعلا، واعتبار الأمر الإلهي صفة متعالية ذات أثر معياري.
والجانب الرابع، وهو أن الأحكام العملية الناشئة عن نظام إنشاء الكلام في التراث الكلاسيكي ليست محض استنباط من الكلام الإلهي، وإنما تبنى هذه الأحكام على التداول الجماعي، ويتعلق الخامس، بوجود سيادة اعتبارات المعقولية والعملية في المناهج الأصولية الموضوعة للنظر في النص الإلهي على الرغم من استمدادها المركزي من الوحي.
على الرغم من الطابع التجريدي والتخصصي للكتاب، إلا أن السؤال البحثي الدقيق الذي اشتغل عليه، ونوع المقاربة التي اختارها، فضلا عن النتائج التي انتهى إليها، تعزز الحاجة إلى ابتكار مناهج وآليات جديدة لمناقشة الفرضيات العلمانية، والتي أضحت تشكل مسبقات جاهزة، تحكم المعرفة بكل حقولها، وتهيمن على الباحثين حتى في العلوم ذات العلاقة بالتراث الإسلامي.تركيب هذا النقد الذي صاغه المؤلف بكل نسبية وهو يتحدث عن جوانب مغفلة في دراسة نظرية التكليف الإلهي من لدن الدارسين لاسيما منهم الغربيين، أن المقولات الجاهزة التي توصم بها هذه النظرية، تحتاج إلى مراجعة شاملة، وأن هناك حاجة للتدقيق في الآثار السلبية للنظريات القانونية العلمانية، والتي تحجب عن أي نظرية قانونية تجعل من الوحي مستندها لبناء الأحكام، خصائصها العقلانية والموضوعية، وتنسبها بتحكم مسبق إلى معاداة العقل أو معاداة التطور الذي بصم عليه المجتمع العلماني، إذ بينت هذه الدراسة الحاجة إلى دراسة البعد العقلاني في التراث الكلامي والأصولي المؤسس لنظرية التكليف الإلهي، وأن استناد النظرية إلى الوحي، لا يعني تجردها من المعقولية، وأن ما يؤكد خطأ هذا الادعاء غير العلمي، أن عملية بناء الأحكام، مع ارتكازها على الوحي، كانت تتم ضمن فضاء تداولي جماعي، وكان التعليل والتعليل المضاد، محكوما بقواعد عقلانية، بل كان الترجيح أيضا يحتكم إلى هذه القواعد، وليس مجرد استنباط من الوحي، وفهم لدلالات النص القرآني.
في حاجة واقع ما بعد العلمانية للإفادة من نظرية التكليف الإلهي لترشيد النظرية القانونية
يشير الباحث في أهم خلاصات بحثه إلى ظاهرة الإهمال التي طالت نظرية التكليف الإلهي في الدرس الحديث للقانون والأخلاق، ويعزو هذا الإهمال إلى سيادة فرضية عامة تقضي بوجود تنازع مبدئي بين الحقول الفكرية التي تسلم بالمفاهيم الإيمانية، كالوحي، وتتخذها منطلقا من جهة، وبين الفكر الفلسفي والنظري الصحيح من جهة أخرى، إذ يقع على عاتق المفكر تبعا لذلك أن يثبت قدرته على الامتثال الناجع لمقتضيات العقل العلماني. وأن ذلك ما يفسر شيوع مقاربات القانون الطبيعي في الأخلاق الإيمانية في الدرس المعاصر، بحكم أن منظري القانون الطبيعي سلموا بطائفة من الفرضيات الأخلاقية العلمانية المسبقة عن القصور الجوهري للفكر المستند إلى الوحي.
وقد كان من بين أهداف المؤلف في أطروحته أن يناقش هذه الفرضيات ويبين قصورها ووهنها وذلك بالاستناد إلى تقديم قراءة للنظريات الإسلامية الكلاسيكية في باب الكلام والأمر الإلهي.
وقد قدم المؤلف من خلال هذه الأطروحة أجوبة موضوعية على الاعتراضات العلمانية الأساسية على الفكر الإيماني، فكشف ابتداء أن اتجاهي القانون الطبيعي والتكليف الإلهي في علم الكلام الكلاسيكي إنما صدرا عن خلاف معرفي أساسي لا عن تمسك مسبق بالوحي أو إعراض عنه. وبين في الفصل الأول من كتابه وجها من وجوه النفع المثمرة لعلماء الأخلاق المؤمنين المعاصرين، وذلك بسبر نواحي القصور في الأخلاق غير الإيمانية من خلال اتخاذ صورة من صور الشكوكية المعرفية، واعتبر المؤلف أن شأن هذه الشكوكية أن تهيئ للوحي سبيلا لإنشاء ضرب من الأحكام العامة بناء على التجربة البشرية المعتادة وليس المعجزة.
كما قدم في الباب الثاني الذي اتخذ التراث الأصولي مستندا ومادة للبحث، أدلة أخرى إضافية لتبديد الاعتراضات العلمانية، منها أن مناقشة رأي الأصوليين في الإرادة الإلهية لإيقاع الفعل من الأفعال، وهل ترجع إلى حسن الفعل، أن الأمر صفة إلهية قديمة سابقة عن مفهوم الحسن، وقدم في مناقشة الخلافات بين المدارس الأصولية، ما يبدد جزءا من الاعتراضات العلمانية على نظرية التكليف الإلهي.
على أن الحجة الأظهر في الكتاب للرد على هذه الاعتراضات العلمانية، هي ما بينه المؤلف في الفصل الخامس، وذلك حين بحث العمليات الدلالية والتفسيرية التي يثمر الأمر الإلهي من خلالها إنشاء للإحكام الأخلاقية، فانتهى في نقاشه إلى أن التمسك بالمذهب لم يكن حاسما في تشكيل الأقوال الأصلية، وأن الأصوليين قد اتخذوا من بعض صور البناء الاجتماعي منهجا جماعيا لإنشاء الأحكام، كما توقف على أثر الاتجاهات المستقلة عن الوحي في النظريات الأصولية، والتي تستند إلى التعليل المصلحي والمقاصدي، ولا تكتفي باستثمار الأحكام من النص دلالات اللغة.
على الرغم من الطابع التجريدي والتخصصي للكتاب، إلا أن السؤال البحثي الدقيق الذي اشتغل عليه، ونوع المقاربة التي اختارها، فضلا عن النتائج التي انتهى إليها، تعزز الحاجة إلى ابتكار مناهج وآليات جديدة لمناقشة الفرضيات العلمانية، والتي أضحت تشكل مسبقات جاهزة، تحكم المعرفة بكل حقولها، وتهيمن على الباحثين حتى في العلوم ذات العلاقة بالتراث الإسلامي.
وقد أحسن الباحث، بالإفادة من أدوات معرفية ومنهجية مستوحاة من حقول معرفية مختلفة، من المناقشة الحذرة للأطروحة العلمانية، ومن بيان تهافت حججها، وبيان قصورها ووهنها، ومدى الحاجة إلى ترشيدها وتطوير المعرفة الإنسانية، بالإفادة من نظريات التكليف الإلهي، ودراسة نسق المعقولية الخاصة بها.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي أفكار كتب تقارير كتب الكتاب المغرب كتاب عرض نشر كتب كتب كتب كتب كتب كتب أفكار أفكار أفكار سياسة أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة القانون الطبیعی التراث الإسلامی إنشاء الأحکام الحاجة إلى علم الکلام أصول الفقه المؤلف فی فی التراث من الوحی فی علم
إقرأ أيضاً:
فتاوى وأحكام| هل يجوز الصلاة بأهل بيتي جالسا؟.. حكم أخذ الأحكام الشرعية من الكتب دون الرجوع للعلماء.. هل يجوز ترك الاستيقاظ لصلاة الفجر بسبب الإرهاق؟
فتاوى وأحكام
هل يجوز الصلاة بأهل بيتي جالسا؟
حكم أخذ الأحكام الشرعية من الكتب دون الرجوع للعلماء
هل يجوز ترك الاستيقاظ لصلاة الفجر بسبب الإرهاق؟
نشر موقع صدى البلد خلال الساعات الماضية عددا من الفتاوى والاحكام التى يتساءل عنها كثير من الناس نستعرض ابرزها فى التقرير التالى.
هل يجوز الصلاة بأهل بيتي جالسا؟
أوضح الشيخ أحمد ممدوح، أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية، أن العلماء اختلفوا في حكم الصلاة خلف إمام يصلي جالسًا، مبينًا أن مذهب الشافعية أجاز ذلك في حال كان جلوس الإمام لعذر، وهو الرأي الذي تعمل به دار الإفتاء المصرية.
وأكد أن المأمومين يجب أن يصلوا قيامًا لأن القيام فرض لا يسقط إلا بالعجز، موضحًا أن إمامة الجالس جائزة، لكن من الأفضل إذا وُجد شخص يستطيع القيام أن يتولى الإمامة خروجًا من الخلاف.
وفي مسألة أخرى، تلقى الشيخ أحمد ممدوح سؤالًا من طفل صغير عبر بث مباشر لدار الإفتاء، قال فيه: "أنا عايز أصلي بأبويا وأمي وأنا حافظ كذا سورة من القرآن وبابا مش موافق، أعمل إيه؟"، فأجاب ممدوح موضحًا أن الإسلام يقر مفهوم "الصبي المميز"، وهو الطفل الذي لم يبلغ بعد لكنه قادر على الوضوء وإدارة شؤونه ومعرفة أركان الصلاة، فإذا صحت صلاته لنفسه صحت لغيره.
وأشار إلى أنه يجوز للأب أن يُقدّم ابنه الصغير للإمامة حتى يعتاد الصلاة ويحبها، بشرط أن يكون قادرًا على أدائها على وجهها الصحيح، أما إن لم يكن متمكنًا من الصلاة، فيجوز أن يقف والداه خلفه دون الاقتداء به، من باب التدريب والتشجيع.
أما عن حكم إمامة المرأة لزوجها في الصلاة، فقد أوضح الشيخ علي فخر، أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية، خلال بث مباشر عبر صفحة الدار على فيسبوك، أن ذلك غير جائز سواء في صلاة الفرض أو النفل. وقال إن صلاة الرجل خلف المرأة لا تصح بإجماع العلماء، حتى وإن كانت المرأة أحفظ لكتاب الله أو كان الزوج كبير السن.
وأضاف فخر أن الإمام النووي ذكر في كتابه المجموع أن الأئمة اتفقوا على عدم جواز صلاة الرجل أو الصبي خلف امرأة، سواء في الفرائض أو النوافل، وهذا هو مذهب جمهور العلماء من السلف والخلف، ومنهم الأئمة مالك وأبو حنيفة وسفيان وأحمد وداود.
واختتم أمين الفتوى تصريحه بالتأكيد على أن المرأة التي ترغب في الخير يمكنها أن تعلم زوجها القرآن وتفقّهه في الدين، لكن لا تؤمه في الصلاة، لأن الإمامة في الإسلام موكولة للرجال دون النساء.
حكم أخذ الأحكام الشرعية من الكتب دون الرجوع للعلماء
أكدت دار الإفتاء أنه لا يجوز للعامي أن يعتمد على الكتب الدينية في استنباط الأحكام الشرعية دون الرجوع إلى العلماء وأهل الاختصاص في الفتوى، مشيرة إلى أن الشرع الحنيف أمر غير المتخصصين بسؤال أهل العلم، استنادًا إلى قوله تعالى: ﴿فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾ [النحل: 43]، وقوله تعالى: ﴿وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ﴾ [النساء: 83].
وأوضحت الدار أن الإمام القرطبي ذكر في تفسيره الجامع لأحكام القرآن أن العلماء أجمعوا على وجوب تقليد العامة لعلمائها، مؤكدًا أن المقصود بقول الله تعالى: ﴿فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ﴾ هم العلماء الذين يُرجع إليهم في الفتوى.
وأضافت دار الإفتاء أن السلف الصالح كانوا يتبعون هذا النهج في حياتهم العلمية والعملية، مستشهدة بقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه في مسألة الجد: "إني رأيت في الجد رأيًا، فإن رأيتم أن تتبعوه فاتبعوه"، فرد عليه عثمان رضي الله عنه قائلاً: "إن نتبع رأيك فإنك رشد، وإن نتبع رأي الشيخ قبلك فنعم ذو الرأي كان"، وهو ما رواه عبد الرزاق في المصنف والدارمي في السنن وغيرهما من كتب الحديث.
كما نقلت الدار عن حميد الطويل أنه قال لعمر بن عبد العزيز رضي الله عنه: "لو جمعت الناس على شيء؟"، فأجابه: "ما يسرني أنهم لم يختلفوا"، ثم كتب إلى الأمصار قائلاً: "ليقضِ كل قوم بما اجتمع عليه فقهاؤهم"، وهو ما ورد في سنن الدارمي.
واختتمت دار الإفتاء بيانها مؤكدة أن الفقهاء قرروا بالإجماع أن العامي لا مذهب له، وإنما يتبع مذهب بلده ومفتيه، لأنه غير مؤهل للنظر في الأدلة أو استنباط الأحكام بنفسه، وبالتالي فإن عليه إذا أراد معرفة حكم شرعي أن يرجع إلى المختصين في علوم الشريعة، لا إلى الكتب مباشرة.
هل يجوز ترك الاستيقاظ لصلاة الفجر بسبب الإرهاق؟
أوضحت دار الإفتاء المصرية أن أداء الصلاة في وقتها يُعد من أحب الأعمال إلى الله تعالى، مستشهدة بحديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه حين سأل النبي صلى الله عليه وسلم: «أي العمل أحب إلى الله؟» فقال: «الصلاة على وقتها».
وأكدت أن صلاة الفجر على وجه الخصوص لها مكانة عظيمة، وعلى المسلم أن يسعى قدر استطاعته إلى المحافظة عليها وعدم التفريط فيها.
وفي هذا السياق، أوضح الدكتور مجدي عاشور، المستشار السابق لمفتي الجمهورية، أن المسلم ينبغي أن يجتهد في الانتظام في الصلوات الخمس، وخاصة صلاة الفجر، لأنها مقياس حقيقي لقوة الإيمان والتعلق بالله.
وأشار إلى أن من يعود من عمله متعبًا جدًا ولا يستطيع السهر حتى موعد الفجر أو الاستيقاظ لأدائها، فعليه أن يعقد النية الصادقة والعزم القوي على الاستيقاظ، فإن صدق في نيته أعانه الله تعالى على القيام لها.
وبيّن عاشور خلال بث مباشر عبر صفحة دار الإفتاء أن من غلبه النوم دون قصد، ولم يجد من يوقظه، فلا إثم عليه في هذه الحالة، ويُشرع له أن يؤدي الصلاة فور استيقاظه، إذ لا حرج على من نام عن الصلاة بغير تعمد. فالله سبحانه وتعالى لا يُكلف نفسًا إلا وسعها، والنية الصادقة تُكتب لصاحبها حتى وإن لم يتحقق الفعل لعذر قهري.
وأضاف أن النبي صلى الله عليه وسلم أوضح الحكم في مثل هذه الحالات بقوله: «من نسي صلاة أو نام عنها، فكفارتها أن يصليها إذا ذكرها»، أي أنه يجب على المسلم أن يؤدي الصلاة فور تذكّره أو استيقاظه دون تأخير.
وأكد عاشور أن هذا الفعل يُعد قضاءً وليس أداءً، لكنه مقبول شرعًا ولا ذنب فيه ما دام الغياب عن الصلاة كان بعذر النوم أو النسيان وليس بتهاون أو تفريط متعمد.
كما استشهد بما ورد عن الصحابي صفوان بن المعطل رضي الله عنه الذي قال: "لا نكاد نستيقظ حتى تطلع الشمس"، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: «فإذا استيقظت فصل». وهو دليل واضح على أن من فاته وقت الصلاة بسبب النوم غير المتعمد يصليها متى استيقظ دون حرج.
وختمت دار الإفتاء بالتنبيه على أهمية مجاهدة النفس وتنظيم الوقت والنوم، حتى يتمكن المسلم من الاستيقاظ لصلاة الفجر، مع الدعاء الدائم لله أن يعينه على الطاعة ويُحبب إليه القيام للصلاة في وقتها.