مايكروسوفت تمنع موظفيها من استخدام تطبيق ديب سيك الصيني
تاريخ النشر: 10th, May 2025 GMT
أعلن براد سميث، نائب رئيس مجلس الإدارة ورئيس شركة مايكروسوفت، خلال جلسة استماع في مجلس الشيوخ الأمريكي أمس، أن موظفي مايكروسوفت ممنوعون من استخدام تطبيق الذكاء الاصطناعي "DeepSeek"، بسبب مخاوف تتعلق بأمن البيانات واحتمالات الترويج للدعاية الصينية.
وقال سميث: "في مايكروسوفت، لا نسمح لموظفينا باستخدام تطبيق DeepSeek"، مشيرا إلى أن الحظر يشمل نسخة التطبيق المتوفرة على كل من أجهزة الكمبيوتر والهواتف الذكية، وأوضح أن مايكروسوفت لم تدرج التطبيق في متجر تطبيقاتها الرسمي لنفس الأسباب الأمنية".
ورغم أن العديد من المؤسسات والدول فرضت قيودا على استخدام تطبيق الذكاء الاصطناعي الصيني DeepSeek، إلا أن هذه هي المرة الأولى التي تعلن فيها مايكروسوفت صراحة عن قرار الحظر.
وأرجع سميث القرار إلى مخاوف من تخزين بيانات المستخدمين على خوادم داخل الصين، وهو ما يجعلها خاضعة للقوانين الصينية، التي تلزم الشركات بمشاركة البيانات مع الأجهزة الاستخباراتية.
وأضاف أن الأجوبة التي يقدمها التطبيق قد تكون متأثرة بما وصفه بـ"الدعاية الصينية".
وبحسب ما ذكره موقع "techcrunch"، توضح سياسة الخصوصية الخاصة بـDeepSeek أن بيانات المستخدمين تخزن على خوادم في الصين، ما يعزز المخاوف بشأن خضوع هذه المعلومات لقوانين رقابة مشددة، كما يعرف عن DeepSeek فرضه رقابة صارمة على المواضيع الحساسة بالنسبة للحكومة الصينية.
ورغم هذه الانتقادات، أقدمت مايكروسوفت في وقت سابق من هذا العام على إتاحة نموذج الذكاء الاصطناعي "DeepSeek R1" ضمن خدمات الحوسبة السحابية "أزور"، بعد أن لاقى رواجا واسعا.
لكن هذا لا يعني أن الشركة وفرت التطبيق نفسه، فبفضل طبيعة DeepSeek مفتوحة المصدر، يمكن لأي جهة تحميل النموذج وتشغيله على خوادمها الخاصة دون إرسال بيانات إلى الصين.
مع ذلك، لا تلغى بذلك جميع المخاطر، مثل احتمال أن يتضمن النموذج محتوى دعائيا أو ينتج شيفرات غير آمنة.
وخلال الجلسة، أشار سميث إلى أن مايكروسوفت قامت بتعديل النموذج داخليا بهدف إزالة ما وصفه بـ"الآثار الجانبية الضارة"، دون الكشف عن تفاصيل فنية دقيقة، وصرحت الشركة سابقا بأن DeepSeek خضع لاختبارات أمنية صارمة قبل إتاحته عبر Azure.
ورغم أن DeepSeek يعد منافسا مباشرا لتطبيق "Copilot" التابع لـ مايكروسوفت، إلا أن الشركة لم تحظر جميع منافسيها من متجر تطبيقات ويندوز، فعلى سبيل المثال، لا يزال تطبيق "Perplexity" متاحا في المتجر، في حين لم تظهر تطبيقات شركة جوجل مثل متصفح "Chrome" أو مساعد الذكاء الاصطناعي "Gemini" ضمن نتائج البحث.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: مايكروسوفت تطبيق ديب سيك الذكاء الاصطناعي الذکاء الاصطناعی استخدام تطبیق
إقرأ أيضاً:
د. محمد بشاري يكتب: الذكاء الاصطناعي .. وسيلة مساعدة أم سلطة بديلة
إنّ النّاظر بعين البصيرة في حركة الواقع المعاصر، ليُدرك بلا عناء أنّنا إزاء تحوّل حضاريّ غير مسبوق، بلغ من التّعقيد ما جعل أدوات العقل البشريّ الكلاسيكيّة عاجزةً عن ملاحقة إيقاعه المتسارع.
ولعلّ من أبرز مظاهر هذا التّحوّل ما يُعرف اليوم بتقنيات الذّكاء الاصطناعيّ، لا سيّما ما اصطلح عليه أهل الصناعة بـ “النّظم الخبيرة”، التي أُنيط بها تقليد العقل البشريّ في التّحليل والتّصنيف والاستنتاج. وليس من قبيل المصادفة أن تجد هذه الأدوات طريقها إلى مختلف المجالات، ومنها الحقول المعرفيّة المرتبطة بالشّريعة الإسلاميّة، خاصّة في علم الحديث رواية ودراية.
غير أنّ الفقيه الأصوليّ، إذا ما استحضر الأصول التي عليها مدار التّكليف والاجتهاد، يجد نفسه مدفوعًا إلى التّمييز بين الوسائل والغايات، على ما قرّره الإمام الشاطبي في “الموافقات” حين بيّن أنّ الوسائل تأخذ حكم مقاصدها، ولا يُعتبر بها في ذاتها إلّا من حيث ما تفضي إليه. فليست النّظم الخبيرة غايةً في ذاتها، بل هي من جملة الوسائل التي تخضع لسلطان المقاصد وضوابط الشّرع. وهي لذلك، لا تُسلّم لها زمام النّظر، ولا يُستبدل بها اجتهاد المجتهدين، بل تُجعل خادمة لما يُحصّله النّظر البشريّ المنضبط، لا منافسة له ولا قاضية عليه.
وإذ ننظر في طبيعة هذه النّظم، نجدها تشتغل وفق معادلات رياضيّة خالية من الوعي المقاصديّ، عاجزة عن إدراك روح النّص ومآلاته. فهي قد تحسن التّصنيف العدديّ والتّرابط الصّوريّ، غير أنّها تفتقر إلى ملَكة الاجتهاد الذي يُقدّر الألفاظ بمقاصدها، ويربط السّياقات بتاريخها، ويفهم النّصوص في ضوء عللها وغاياتها. وليس ذلك من باب المثلبة على هذه الأدوات، وإنّما من باب وضعها في موضعها الطّبيعيّ، دون غلوّ في الاعتماد عليها، أو تعسّف في تحقيرها.
وقد تقرّر في قواعد الأصول أنّ الحكم على الشّيء فرعٌ عن تصوّره. فمن أراد أن يحكم على هذه الأدوات بحكم شرعيّ، لزمه أوّلًا أن يتبيّن حقيقتها وحدودها، وما تحسنه وما تعجز عنه، ثمّ يردّ ذلك إلى مقاصد الشّريعة ومصالح الأمّة. ومن المعلوم أنّ الشّريعة جاءت بتحصيل المصالح ودرء المفاسد، والمصلحة كما بيّن أهل الأصول ليست محصورةً في الظّاهر المحسوس، بل تتعدّاه إلى ما يُبقي على الهويّة والرّوح والمقصد. ولأجل ذلك، فإنّ من أعظم المفاسد أن تُسلّم هذه النّظم لقيادة عمليّة التّوثيق والتّصحيح دون رقابة علميّة بشرية مؤهّلة.
كما أنّ من القواعد القطعيّة في الشّريعة أنّ وسائل العلم يجب أن تكون مأمونة الضّبط، مصونة من العبث والغلط. وأيّما وسيلةٍ غلب على الظّنّ تسرّب الخلل إليها، وجب تقييدها أو منعها. ومن ثمّ، فإنّ إخضاع النّظم الخبيرة لمعايير التّدقيق الشّرعيّ والعلميّ، هو من لوازم تحصيل اليقين، وصيانة مقام السنّة النّبويّة من التّحريف والتّزييف. وليس في ذلك حجرٌ على الابتكار، بل هو من قبيل توجيه الابتكار في مساره الشّرعيّ الصّحيح.
ويُضاف إلى ما سبق أنّ العلم في الإسلام ليس تكديسًا للمعلومات، ولا جمعًا للمرويّات، بل هو تمييزٌ بين الحقّ والباطل، والصّحيح والضعيف، والرّاسخ والزّائل. وهذا ما عبّر عنه الإمام مالك، حينما كان ينتقي من مئات الآلاف من الأحاديث ما يراه صالحًا لبناء الأمّة، غير ملتفتٍ إلى مجرّد كثرة المرويّات. فالعبرة ليست بالكثرة العدديّة، بل بالتحقيق المقاصديّ.
ومن هنا، فإنّ الموقف الأصوليّ الرّشيد يقتضي أن تُدرَس هذه النّظم في ضوء المقاصد الكلّيّة للشّريعة، وأن تُستثمر فيما تُحسنه، دون أن تُتَّخذ ذريعةً لتعطيل ملكات الاجتهاد، أو استبعاد المؤهّلين من أهل العلم. والواجب أن تبقى الكلمة الفصل بيد العلماء الرّاسخين، ومجامع الفقه المعتبرة، التي لها وحدها الحقّ في تقويم هذه الأدوات، وضبط معايير الإفادة منها.
وما لم يتحقّق هذا التّوازن، فإنّ الخطر كلّ الخطر أن تتحوّل هذه النّظم من وسيلة خادمة إلى قوّة مهيمنة، تفرض سلطتها على النّصوص والمناهج، وتدفع بالأمّة إلى الاستغناء عن العلماء. وإنّ من أعظم الفتن أن يستبدل النّاس الصّنعة الآليّة بالبصيرة البشريّة، وأن يظنّوا أنّ الخوارزميات تُغني عن الفقهاء والمحدّثين.
ولهذا، فإنّ التّعويل يجب أن يكون على الجمع بين العقل البشريّ والنّظم الذّكيّة، في شراكةٍ تحفظ للإنسان مقامه، وتستثمر في الآلة طاقتها، دون أن تُعطيها ما ليس من شأنها. وهذا هو الميزان الّذي تقتضيه مقاصد الشّريعة، وسنن الله في خلقه، وبه يكون الابتكار مأمون العاقبة، محفوظ الغاية، منصرفًا إلى خدمة الحقّ دون أن يتحوّل إلى أداة طغيان على عقول العلماء ومناهجهم. والله أعلم.