فقد وجوع.. أمهات غزة يعشن واقعا مأساويا
تاريخ النشر: 11th, May 2025 GMT
بين ألم الفقد وقسوة الجوع ومعاناة النزوح، تعيش الأمهات الفلسطينيات بقطاع غزة -في ظل الإبادة والحصار الإسرائيليين المستمر على القطاع- واقعا إنسانيا يزداد مأساوية مع مرور كل يوم.
وتكافح الأمهات كثيرا من أجل البقاء في مخيمات النزوح بمدينة خان يونس جنوبي قطاع غزة، بعد أن فقدن أزواجهن وأبناءهن ومنازلهن، ويعشن في ظروف قاسية لا تليق بالكرامة الإنسانية.
وخلال حرب الإبادة، قتلت إسرائيل أكثر من 12 ألفا و400 امرأة، وفقدت أكثر من 14 ألف امرأة زوجها، بينما تواجه نحو 60 ألف سيدة حامل خطرا حقيقيا بسبب انعدام الرعاية الصحية، وفق بيانات المكتب الإعلامي الحكومي في غزة.
كما نزح أكثر من 90% من سكان القطاع، بعضهم أكثر من مرة، ويقيمون في ملاجئ مكتظة أو في العراء، وسط تفشي الأمراض ونقص المياه، بحسب تقارير محلية ودولية.
وحيدة مع 7 أطفال
في خيمة تفتقر لأدنى مقومات الحياة في خان يونس، تعيش الفلسطينية أم محمد أبو دقة مع أطفالها السبعة بعد أن فقدت زوجها وأحد أبنائها خلال قصف إسرائيلي.
وقالت: "زوجي وابني استشهدا خلال الحرب، وأعيش داخل خيمة بظروف صعبة، أطفالي مصابون وبحاجة لعلاج غير متوفر بسبب الحصار وإغلاق المعابر".
تفتقر أم محمد لأبسط مقومات الحياة، وتعاني حر الصيف وبرد الشتاء، ولا تجد ما يسد رمق أطفالها.
إعلانوأضافت: "نعاني الجوع ولا يوجد من يعيلنا، لجأت إلى طحن المعكرونة لصناعة الخبز بعد نفاد الدقيق".
وفي رسالة موجعة، دعت أمهات العالم للوقوف إلى جانب أمهات غزة، والمطالبة بوقف الإبادة ورفع الحصار، وتقديم الدعم الإنساني لأسر فقدت كل شيء.
جوع وقهر
حال مشابهة تعيشها أم أيمن، التي فقدت زوجها وطفلها ومنزلها في القصف، وتضطر للإقامة في خيمة مصنوعة من النايلون والقماش المهترئ، منذ أن دمرت إسرائيل بيتها قبل عدة أشهر.
وقالت: "فقدت ابني وزوجي وبيتي، وأعيش في خيمة لا يوجد فيها طعام أو شراب، غير قادرة على مواصلة الحياة، وخاصة بعد الفقد".
ولفتت إلى أنها تمشي مسافات طويلة للحصول على القليل من المياه، سواء للشرب أو الطهي، وأوضحت أن خيمتها المصنوعة من القماش والنايلون لا تقيها حر الصيف ولا برد الشتاء وتأمل أن تنتهي الإبادة.
وتناشد، الأم الغزية، أمهات العالم أن يقفن إلى جانب الأمهات الفلسطينيات، ويطالبن بوقف الحرب ورفع الحصار وإنهاء المجاعة.
مأساة الإبادة
أما صابرين أبو دقة، التي فقدت زوجها وشقيقها، فقالت إنها تعيش مع أطفالها الخمسة في ظروف غاية في الصعوبة، وأضافت: "لا يوجد بسكويت أو عصائر أو وجبات صحية نطعم بها أطفالنا، نعيش على المعكرونة فقط".
ودعت العالمين العربي والإسلامي، والمؤسسات الإنسانية، للوقوف بجانب أطفال غزة، في ظل الوضع الكارثي الذي خلفته الإبادة.
وفي شهادة أخرى، قالت أم فلسطينية فقدت زوجها ومنزلها، ووضعت طفلها يتيما بعد مقتل والده في قصف إسرائيلي، إنهم يعيشون مجاعة حقيقية.
وأضافت دون ذكر اسمها: "لا طحين، لا أكل، لا شرب"، مشيرة إلى أن أوضاع النساء في قطاع غزة مأساوية.
وفي رسالتها إلى نساء العالم قالت: "أتمنى يقفوا معنا، يساندونا، ويحسوا بمعاناتنا".
ومطلع مارس/آذار الماضي، صعَّدت إسرائيل من جرائمها باتخاذ قرار تعسفي بإغلاق جميع المعابر المؤدية إلى القطاع، ومنع إدخال المساعدات الإنسانية والإغاثية وشاحنات الوقود بشكل كامل.
إعلانويعتمد فلسطينيو غزة البالغ عددهم 2.2 مليون نسمة اعتمادا كاملا على تلك المساعدات بعدما حولتهم الإبادة الجماعية التي تواصل إسرائيل ارتكابها منذ 19 شهرا إلى فقراء، وفق ما أكدته بيانات البنك الدولي.
وبدعم أميركي ترتكب إسرائيل منذ السبع من أكتوبر/تشرين الأول 2023 إبادة جماعية بغزة خلفت أكثر من 172 ألف شهيد وجريح من الفلسطينيين، معظمهم أطفال.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات فقدت زوجها أکثر من
إقرأ أيضاً:
فقدتُ ساقَيَّ الاثنتين: فلسطينيون يتسلقون جدار الفصل على أمل العمل
اعتقد ساهر، في وقت مبكر من صباح أحد أيام الأحد، أن الفرصة مواتية، حيث ظنّ أن قوات الاحتلال الإسرائيلي ستكون منشغلة بردّات الفعل على الهجمات الصاروخية الإيرانية، فبدأ بتسلق جدار الفصل الإسرائيلي.
احتاج ساهر (26 عاما) إلى نحو 15 دقيقة لعبور الجدار. لكن أثناء تسلقه، ظهرت دورية إسرائيلية فجأة. قال ساهر "شعرت بالذعر، فأفلت الحبل وسقطت".
سقط من أعلى الجدار -وهو حاجز أسمنتي يصل ارتفاعه في بعض المناطق إلى 8 أمتار- وارتطم بالأرض بعد سقوطه من ارتفاع 4 أمتار.
يقول ساهر "لبرهة، ظننت أنني متّ"، وأضاف "سمعت أصواتا بالعبرية، ثم بدأ الألم يتسلل إلى جسدي".
نقلته سيارة إسعاف فلسطينية إلى مستشفى رام الله، حيث شُخّصت حالته بكسور متعددة في الأضلاع، ووُضعت له دعامة طبية.
كان ساهر، الذي يعمل في البناء، يحاول الوصول إلى عمله في مدينة ريشون لتسيون داخل إسرائيل. وقد تحدث إلى الجزيرة شريطة عدم كشف هويته، خوفا من الملاحقة بسبب دخوله غير القانوني.
وقبل بدء الحرب على غزة في أعقاب 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، اعتمد نحو 390 ألف عامل فلسطيني على وظائف داخل الأراضي الإسرائيلية. لكن مع اندلاع الحرب، ألغت السلطات الإسرائيلية تصاريح العمل، وأجبرت العمال على المغادرة.
ومع استمرار الحرب واشتداد العمليات العسكرية الإسرائيلية في الضفة، يخاطر بعض الفلسطينيين، خصوصا في قطاعات البناء والضيافة، بحياتهم للعودة إلى إسرائيل بحثا عن عمل مؤقت.
ومع إغلاق المعابر وانخفاض أعداد المهرّبين الذين كانوا ينقلون الناس بالسيارات منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، لم يبقَ أمام الكثيرين سوى خيار واحد وخطير: تسلق الجدار. وقد أصبح هذا الخيار أكثر فتكا مع تشديد إسرائيل لإجراءاتها الأمنية، وازدياد التوترات في المنطقة.
وأصبح الجدار الآن خاضعا لمراقبة شديدة عبر الطائرات المسيّرة والحساسات والدوريات العسكرية.
إعلان "بين نارَين"ومع وصول معدل البطالة في الضفة الغربية إلى مستويات حرجة، يدفع اليأس البعض إلى تسلق الجدار. يقول عاهد رزق (29 عاما) وهو ممدد على سريره في مستشفى رام الله: "يا رب، خذني وريحني من هذا العذاب".
ويعاني رزق، الذي تزوج حديثا، ليس فقط من الألم الجسدي بل من عجزه عن إعالة أسرته حيث فقد القدرة على استخدام ساقيه بعد سقوطه من جدار الفصل أثناء محاولته دخول إسرائيل في منتصف يونيو/حزيران.
وأصيبت إحدى ساقيه بالشلل، والأخرى تحطمت كليا. وخضع لعملية جراحية استغرقت 6 ساعات بعد سقوطه من ارتفاع 5 أمتار تقريبا، حيث انقطع الحبل الذي كان يتسلق عبره تحت وطأة وزنه البالغ 140 كلغ.
وقال رزق "ليست هذه المرة الأولى لي، لكنّها كانت الأخطر. كنت أدخل سابقا مع مهرّبين مقابل أجر. لكن منذ بداية الحرب، عمّت الفوضى، لم تكن هناك سيارات، والجنود كانوا في كل مكان".
وأضاف "كنت بين نارَين: إما أن أموت أثناء العبور أو أعجز عن العمل وإعالة عائلتي".
وأوضح أن عشرات العمال كانوا يتجمعون قرب الجدار بين بلدة الرام والقدس المحتلة. وبما أنهم لم يمتلكوا سلّما بارتفاع كافٍ، استخدموا سلّما قصيرا وحبلا مربوطا من الجهة الأخرى.
لكن أثناء صعوده، انقطع الحبل. وأوضح أنه سقط "فوق شاب آخر كان يتسلق. أُصيب بكدمات، لكنني فقدت ساقَيّ. ذهب البقية إلى العمل. ابن عمي فرّ حين اقترب الجيش، وبقيت وحدي".
"لا خيار آخر"ويقول شاهر سعد، الأمين العام لاتحاد نقابات عمال فلسطين، إن الفلسطينيين يُجبرون على محاولات عبور خطيرة منذ سنوات طويلة. وأضاف للجزيرة "عقود من البطالة المرتفعة لم تترك لآلاف الأشخاص أي خيار آخر".
لكن العبور بات أكثر فتكا منذ بدء الحرب، وفقا لسعد. فقد أُطلق الرصاص على فلسطينيين أو سقطوا حتى الموت أثناء محاولاتهم. وأوضح أن ما لا يقل عن 35 عاملا فلسطينيا لقوا حتفهم أثناء محاولاتهم الدخول إلى إسرائيل للعمل في عام 2025، دون وضوح الأعداد التي توفيت جراء إطلاق النار أو السقوط.
وأشار سعد إلى أن القيود الإسرائيلية المشددة تمنع وصول العمال إلى مسارات عمل رسمية، وغالبا ما تكون ظروف العمل في المواقع الإسرائيلية سيئة: "معظم المواقع تفتقر لأدنى معايير السلامة. لا تُوزّع معدات الوقاية، وبعض الإصابات سببها الجهل بإجراءات السلامة".
تعميق التهميش الاجتماعيويرى المحلل السياسي المستقل ساري عرابي، المقيم في رام الله، أن إستراتيجية إسرائيل المتمثلة في فرض القيود والحصار العسكري تهدف إلى تعميق التفاوت بين الإسرائيليين والفلسطينيين.
وقال للجزيرة "هي سياسة تقوم على تقييد الحركة ومنع الوصول إلى الموارد، وتضع المدنيين أمام خيارَين: الجوع أو الخطر الجسدي".
وأضاف "هذه السياسة التي تعتمد على العزل الجغرافي والسيطرة العسكرية تُعمّق التهميش الاجتماعي وتزيد الاعتماد على المساعدات. إنها تزرع اليأس والفقر".
وفي قرية نعلين غرب رام الله، روى عثمان الخواجا (37 عاما) -وهو أب لـ3 أطفال- كيف فتحت القوات الإسرائيلية النار عليه أثناء محاولته تسلق الجدار في مارس/آذار الماضي، حيث سقط أرضًا وكُسرت ساقاه. كان يعمل في مجال البلاط وقال إنه تسلق الجدار عدة مرات من قبل خوفا من عدم قدرته على إعالة أسرته.
إعلانوتابع "الخوف يعمي البصيرة أحيانا". وخضع الخواجا لعملية جراحية لتركيب قضبان معدنية في ساقيه. وبعد 3 أشهر من العلاج، تمكن من المشي مجددا.
وقال الخواجا "الله كتب لي حياة جديدة". ثم أضاف "لن تُقدّر قيمة الحياة إلا إذا واجهت الموت، عندها تتعلم القبول بما يأتيك".
هذا التقرير نُشر بالتعاون مع منصة "إقلب"