ترجمة: أحمد شافعي -
في محاولة السيطرة على برنامج إيران النووي، تواجه إدارة ترامب معضلة شائكة.
وجزء من هذه المعضلة هو من صُنع الرئيس نفسه، ففي عام 2018 انسحب الرئيس ترامب من اتفاقية نووية قائمة -هي خطة العمل الشاملة المشتركة- بعد وصفه لها بأنها «أسوأ صفقة على الإطلاق». وفي السنوات التالية إلى الآن، توسعت إيران توسعًا هائلًا في برنامجها النووي، مضيفة الآلاف من أجهزة الطرد المركزي المتطورة، ومنها ما هو مدفون في أعماق الأرض، ويقال إنها خصبت قدرا من اليورانيوم يكفي لإنتاج أسلحة نووية عديدة في غضون أسابيع، وبموجب الاتفاقية السابقة، التي كانت أغلب بنودها هذه لتبقى سارية حتى عام 2031، كان يلزم للقيام بذلك شهور كثيرة بل عام كامل.
لقد وفرت الاتفاقية لإيران تخفيفًا جزئيًا للعقوبات في مقابل قيود طويلة الأجل على برنامجها التخصيبي ونظام تفتيش صارم، ولحمل طهران على الموافقة على هذه الشروط، كان على الولايات المتحدة أن تقبل تنازلات معينة من قبيل السماح لإيران بمواصلة تخصيبها المحلي وإدراج «إنهاء السريان» على بنود معينة. ولم تعالج الاتفاقية أيضا برنامج الصواريخ الباليستية الإيراني أو تمويلها «لميلشيات» كانت مصدرًا للصراع والاضطراب في عموم الشرق الأوسط على مدى عقود، ولكن إدارة أوباما نجحت في تحقيق غرضها الأساسي -أي إعاقة طريق إيران إلى إنشاء سلاح نووي- واجتناب الاضطرار إلى محاولة القضاء على برنامج طهران النووي باستعمال القوة.
واليوم، وقد انهزم وكلاؤها العسكريون في المنطقة وضعفت دفاعاتها الجوية بسبب الضربات الإسرائيلية، يمكن القول إن إيران أضعف مما كانت عليه في أي وقت منذ ثورة 1979، ولكن قادتها في ما يتعلق بالقضايا النووية مصرون على التحدي، إذ يصر قادة إيران على أنهم لن يتخلوا عن برنامجيهما لتخصيب اليورانيوم أو للصواريخ الباليستية، وأنهم لن يوافقوا على اتفاقية جديدة ما لم توفر ارتياحا اقتصاديًا كبيرًا وضمانات لعدم انسحاب الولايات المتحدة في المستقبل من أي اتفاقية جديدة، فلعلهم يناورون، لكن ما لم تتراجع طهران، فسوف يتعين على الرئيس ترامب في نهاية المطاف إما قبول اتفاقية نووية تبدو شديدة الشبه بالاتفاقية التي رفضها، أو أن يستعمل القوة العسكرية لدفع البرنامج النووي القهقرى، مع عواقب جسيمة غير متوقعة.
وقد يكون هناك مخرج من هذا.
فبدلا من تحديث اتفاقية 2015 على أسس مشابهة تماما -«المثل في مقابل المثل»- يمكن أن يعرض الرئيس ترامب «المزيد في مقابل المزيد»: أي المزيد من تخفيف العقوبات مقابل المزيد من القيود الطويلة على برنامج إيران النووي، وقد توافق الولايات المتحدة على توفير ارتياح اقتصادي تحتاج إليه إيران احتياجا ماسا، ويتضمن رفع العقوبات الثانوية على مبيعات النفط، ضمن اتفاقية طويلة الأجل أو مفتوحة، وقيودًا أكبر كثيرا على البرنامج النووي وغيره من الأنشطة التي تتسبب في الاضطرابات، وسوف يتحتم القبول بواقع برنامج التخصيب الإيراني مع الإصرار على قيود أكبر وأوسع نطاقا على أجهزة الطرد المركزية المتقدمة، وحكم ومستوى مخزون اليورانيوم والتخصيب تحت الأرضي، وكذلك المزيد من آليات التحقق الأكثر شمولا، ولو كان تخفيف العبء الاقتصادي كبيرا بالقدر الكافي، فقد يتضمن أيضا قيودا على برنامج صواريخ إيران الباليستية بعيدة المدى ودعمها العسكري لخصوم الولايات المتحدة من قبيل روسيا والحوثيين في اليمن.
وهذا اتفاق يصب في مصلحة إيران، فبعد سنين من معاناة طاعون سوء الإدارة وانهيار أسعار النفط حاليا، يمر الاقتصاد الإيراني بوضعٍ مزرٍ، مع ركود النمو، وارتفاع التضخم إلى أكثر من 30% والبطالة إلى أكثر من 10%، وتسجيل عملتها انخفاضا قياسيا مقابل الدولار، وبما أن الشعب الإيراني -الذي انتخب في العام الماضي رئيسا جديدا هو مسعود بزشكيان على أساس برنامج لإنقاذ الاقتصاد- يتوق توقًا شديدًا إلى الراحة فلا شك أنه سوف يبتهج بأي اتفاق نووي يوفر هذه الراحة، وسيكون ذلك في الوقت نفسه نصرًا للرئيس ترامب يهيئ له الزعم بأنه توصل إلى اتفاقية «أفضل» من اتفاقية الرئيس أوباما، فهي ذات قيود أكبر على برنامج إيران النووي ومنافع للاقتصاد الأمريكي في الآن نفسه.
يبدو أن إيران تعرف كيف تلفت انتباه الرئيس ترامب، فوزير خارجيتها عباس عراقجي يروّج جهارًا للاقتصاد الإيراني قائلًا: إنه يمثل «فرصة بترليون دولار» ويشيع احتمال إبرام صفقات مع شركات من قبيل بوينج من شأنها أن توفر فرص عمل لأمريكيين، وقد يكون رفع الحظر الأمريكي رفعا تاما عن إيران أمرا مستبعدا، وقد يكون مفتقرًا إلى الحكمة أيضا، ما دام نظام الحكم الراهن قائما في السلطة، ولكن بوسع الرئيس ترامب، بشروط مناسبة، أن يطرح رخصا تصديرية معينة لشركات أمريكية كي تستثمر في إيران أو تبيع سلعًا لها، بما يتيح للشركات التابعة أن تستأنف العمل في إيران، وتروج صادرات المزارع -التي تعاني حاليا من جراء سياسته الجمركية الجديدة- في ظل إعفاءات إنسانية.
ولا شك في وجود جوانب سلبية واضحة في تحقيق ارتياح اقتصادي لنظام حكم لا يزال عميق المعاداة للولايات المتحدة ولا يزال يثبت أركان الاضطراب في الشرق الأوسط وخارجه. لكن إيران، في الوقت نفسه، تقوم بكل تلك الأفعال قليلة التكلفة نسبيا حتى في ظل القيود الصارمة، فحين تمتلك إيران سلاحا نوويا ستكون خطرًا أكبر كثيرا على الولايات المتحدة والعالم.
لم يسنح قط خيار جيد للتعامل مع برنامج إيران النووي، إنما انتقاء من خيارات سيئة، ويجب لاتفاق نووي على مبدأ «المزيد في مقابل المزيد» أن يكون جذابًا للرئيس ترامب: فهو «صفقة أفضل» من صفقة الرئيس أوباما، وفرص اقتصادية جيدة للولايات المتحدة، واجتناب حرب مكلفة في الشرق الأوسط، ولعل الأهم من ذلك كله أنه الصواب الذي يجب القيام به.
فيليب إتش جوردن باحث في مؤسسة بروكنجز، عمل مستشارًا للأمن الوطني لنائبة الرئيس كمالا هاريس ومنسقا في البيت الأبيض لشؤون الشرق الأوسط في ظل ولاية الرئيس باراك أوباما.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: برنامج إیران النووی الولایات المتحدة الرئیس ترامب الشرق الأوسط على برنامج فی مقابل
إقرأ أيضاً:
ترفض التفتيش.. إيران تعلن تفاصيل زيارة نائب مديرالطاقة الذرية
أعلن وزير خارجية إيران عباس عراقجي أن نائب المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية سيزور طهران اليوم الاثنين.
وهذه الزيارة هي الأولى لمسؤول كبير في الوكالة الدولية للطاقة الذرية منذ علّقت إيران التعاون معها الشهر الماضي في أعقاب الحرب مع إسرائيل التي استمرت 12 يومًا.
أخبار متعلقة بشأن أوكرانيا.. ماذا تريد أوروبا من الاتفاق المنتظر بين أمريكا وروسيا؟عاجل: زلزال بقوة 6.1 ريختر يضرب غرب تركياإطار جديد للتعاونوقال عراقجي للصحفيين "ستركز محادثاتنا مع الوكالة على إطار جديد للتعاون، ولن يبدأ التعاون قبل التوصل إلى اتفاق بشأن إطار جديد".
وأضاف أنه ليس من المقرر أن يجري نائب المدير العام للوكالة الدولية ماسيمو أبارو "عمليات تفتيش أو زيارات" للمواقع النووية، وفق ما نقلت وكالة أنباء الجمهورية الإسلامية (إرنا).
هجمات غير مسبوقةفي منتصف يونيو، شنت إسرائيل حملة هجمات غير مسبوقة استهدفت مواقع نووية وعسكرية إيرانية، وطالت أيضًا مناطق سكنية.
وانضمت الولايات المتحدة إلى الحملة بقصف 3 منشآت نووية في فوردو وأصفهان ونطنز.
الشهر الماضي، علقت إيران رسميًا تعاونها مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، مشيرة إلى عدم إدانتها الضربات الإسرائيلية والأمريكية على مواقعها النووية.
.article-img-ratio{ display:block;padding-bottom: 67%;position:relative; overflow: hidden;height:0px; } .article-img-ratio img{ object-fit: contain; object-position: center; position: absolute; height: 100% !important;padding:0px; margin: auto; width: 100%; } الضربات الأمريكية استهدفت المنئآت النووية الإيرانية - متداولة
وأدت الهجمات إلى تعطيل المحادثات النووية بين إيران والولايات المتحدة والتي بدأت في أبريل.
ومثلت تلك المحادثات أعلى مستوى اتصال بين طهران وواشنطن منذ انسحبت الولايات المتحدة أحاديًا عام 2018 من اتفاق دولي بشأن الأنشطة النووية الإيرانية.
إيران تطالب بضماناتمنذ الحرب التي استمرت 12 يومًا، طالبت إيران بضمانات بعدم الإقدام على أي عمل عسكري ضدها قبل استئناف أي مفاوضات مع الولايات المتحدة.
وقال عراقجي إن إيران "تلقت رسائل" من الجانب الأمريكي بشأن استئناف المحادثات، وأوضح أنه "لم ينته من أي شيء" في هذا الشأن.
في 25 يوليو، التقى دبلوماسيون إيرانيون نظراءهم من ألمانيا وبريطانيا وفرنسا والذين هددوا بتفعيل عقوبات دولية ضد طهران بحلول نهاية أغسطس في حال عدم التوصل إلى اتفاق بشأن برنامجها النووي.
وتتيح "آلية الزناد" إعادة فرض عقوبات الأمم المتحدة بموجب الاتفاق النووي المبرم عام 2015 بين إيران والقوى الدولية.
وينتهي العمل بهذه الآلية في أكتوبر المقبل، وحذرت طهران من عواقب في حال تفعيلها.
وقال عراقجي إن "اتصالاتنا مع الأوروبيين مستمرة"، مضيفًا أن موعد الجولة المقبلة من المحادثات لم يتحدد بعد.