مهرجان الحِرفة الدولي بالسعودية يرسم لوحة ثقافية وفنية متكاملة
تاريخ النشر: 12th, May 2025 GMT
الرياض- الرؤية
أسدل الستار على فعاليات مهرجان الحِرفة الدولي بمحافظة الزلفي بمنطقة الرياض في المملكة العربية السعودية، وسط أجواء عامرة بالإبداع والإتقان وروح الأخوة والمودة وعلى بساط من كرم الضيافة وحسن الاستقبال الذي اشتهر به أهالي هذه المحافظة الجميلة، حيث تعانق نخيلها جبل طويق وتحيط بها رمال النفوذ الذهبية.
وفي مشهد ثقافي فريد مزج بين الحَرف والحِرف، وجمع بين الثقافة والأدب والفنون وامتزج فيه التراث بالتاريخ والأصالة، استقطب المهرجان مشاركات واسعة من دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية؛ حيث شاركت وفود من سلطنة عُمان ودولة الكويت ومملكة البحرين ودولة الإمارات العربية المتحدة، إلى جانب الدولة المُستضيفة المملكة العربية السعودية التي شاركت عبر وفود من مختلف محافظاتها.
وتنوعت فعاليات المهرجان بين الأنشطة الثقافية والأدبية والحِرفية والتراثية والتاريخية، مما جعله منصة متكاملة للاحتفاء بالثقافة والادب من خلال الامسيات الادبية والاوراق العلمية، وكذلك الموروث الخليجي المشترك، من خلال التراث والحِرف والفنون الشعبية والتقليدية ولعرض أوجه الثقافة والأدب في تنوعها وغناها.
وكان لسلطنة عُمان حضور بارز ولافت عبر مشاركة مجلس صحار الثقافي، الذي تميز بجناح خاص عكس ملامح الثقافة العُمانية الغنية بأبعادها المتنوعة، برز ركن الأدب العُماني تحت إشراف الإعلامي راشد الجابري الذي عرض مجموعة قيمة من الكتب والمؤلفات لكتّاب وأدباء ومثقفين عُمانيين، موفّرًا للزوار فرصة التعرف على الإنتاج الأدبي العُماني العريق.
أما من الجانب الفني فقد أبدعت الفنانة التشكيلية وجدان البريكية في الإشراف على ركن الفن التشكيلي الذي ضم مجموعة مبهرة من اللوحات التشكيلية المتقنة بألوانها الخلابة وإبداعاتها الراقية والتي لاقت إعجاب الزوار؛ لما عكسته من جماليات الطبيعة العُمانية وروحها الأصيلة.
وأضاف المصور محمد الحمداني بُعدًا بصريًا أخّاذًا من خلال ركن الصور الفوتوغرافية الذي عرض صورًا ساحرة عكست جوانب من التاريخ والتراث والطبيعة العُمانية ليأخذ الزائر في رحلة مصورة بين الزمان والمكان في ربوع عُمان الغالية.
ولم يغفل الجناح العُماني الجانب التاريخي؛ إذ جاء ركن متحف الحمراء للنقود العُمانية بقيادة حمد العبري ومحسن العبري؛ حيث عرَّف الزوار بتاريخ النقود العُمانية منذ العصور القديمة وحتى اليوم عاكسًا صورة مشرقة عن حضارة عُمان وأصالتها من خلال عرض مقتنيات نقدية نادرة وثمينة.
أما الحرف اليدوية فقد جاءت غنية ومتنوعة بمشاركة مجموعة من عضوات مجلس صحار الثقافي عبر 3 أركان متميزة قادتها عائشة الفارسية وبإشراف فاطمة البلوشية، وشاركت فيها كل من عائشة الصوافية، ومريم المزروعية، وشيخة البلوشية؛ حيث عرضن المهارات التقليدية المتوارثة في الحرف العُمانية. وتميز ركن الضيافة العُمانية بتقديم أشهى أنواع الحلوى العُمانية بطعمها الأصيل من إعداد سعيد السعيدي وادارة عبدالله العجمي، والتي نالت استحسان الحضور.
وعلى صعيد الفنون الشعبية، ترك مجلس صحار الثقافي بصمة واضحة من خلال عروض الفنون التقليدية العُمانية مثل فن العازي والرزفة بقيادة هزاع الشبلي، وكلمات الشاعر خليفة الشبلي وبمشاركة منذر الشبلي وعلي الشبلي وخالد القليعي وراشد الجابري حيث أضفت هذه العروض طابعًا احتفاليًا حيويًا عكس روح التراث العُماني.
وشهدت فعاليات المهرجان سلسلة محاضرات ثقافية قيّمة، قدّمها ذياب المزيني، تناولت موضوعات مهمة مثل المواطنة والهوية كأول محاضرة قدمها ثم فن الإتيكيت والبروتوكول، إضافة إلى المحاضرة الثالثة بعنوان المواطنة والسمت العُماني الأصيل.
وشارك كل من مريم المزروعية وشيخة البلوشية، بمحاضرة رابعة بعنوان "المرأة العُمانية بين الحاضر والماضي"، وسط إشادات من الحضور بما احتوته من معلومات ثرية وقيّمة.
ولم تغب رائحة عُمان العتيقة عن سماء الزلفي؛ حيث كان اللبان العُماني يعطّر أرجاء المهرجان بأطيب الروائح الزكية، ويجذب إليه الزوار ويأسر كل من يشم عبيره الفريد، وقد جاءت هذه المشاركة المتميزة من مصنع وادي حوجر بمحافظة ظفار الذي شارك في هذا الحدث الجميل بتشكيلة فاخرة من منتجات اللبان العُماني، قدمها الخليل الحسيني في قوالب أنيقة وجذابة نالت إعجاب الزوار؛ إذ أبدع الحسيني في عرض اللبان بصور مبتكرة تنوعت بين المنتجات العطرية والمشغولات التقليدية، مما أتاح للزائرين فرصة استكشاف هذا الكنز العُماني العريق، الذي ظل عبر القرون رمزًا للتجارة والحضارة في أرض اللبان.
وقد تفاعل الحضور بحماس مع هذا الركن المميز؛ حيث لم تكن الرائحة العطرة وحدها هي ما يجذبهم؛ بل أيضًا الحكايات التي تحكيها هذه الحبات العطرية عن تاريخ ظفار العريق ومكانتها كأرض اللبان الأصيل الذي عبر البحار ووصل إلى حضارات شتى.
وحمل مجلس صحار الثقافي معه تجربة ثقافية غنية ورسائل أدبية وتراثية أصيلة عن التاريخ والثقافة والأدب العُماني، ضمن خطته السنوية التي يحرص من خلالها على الحضور والمساهمة الفاعلة في مختلف الفعاليات الوطنية والخليجية والعربية، تأكيدًا لدوره البارز في إبراز الثقافة العُمانية على المستويات الوطنية والإقليمية والدولية، تحت إشراف وزارة الثقافة والرياضة والشباب بسلطنة عُمان.
ويواصل مجلس صحار الثقافي خطواته الواسعة والثابتة نحو مزيد من التقدم، حاملًا فكره الذي تأسس عليه ورسالته ورؤيته الثقافية والأدبية والاجتماعية، خدمةً للوطن وللمجتمع وأعضاء المجلس.
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
كلمات دلالية: مجلس صحار الثقافی الع مانیة الع مانی من خلال
إقرأ أيضاً:
المنهج السياسي العُماني الحكيم
د. صالح الفهدي
تساءلتُ حينما وقعَ حادثٌ معيَّنٌ كيف سيصاغُ البيان السياسي العُماني إِثْر ذلك الحادث، وكيف يمكنُ لسلطنة عُمان أن تخرجَ ببيانٍ متوازنٍ، واقعي، بعيدٍ عن العاطفةِ، مرتهنٍ للأسباب، فإذا بالبيان السياسي يخرجُ على درجةٍ عاليةٍ من الواقعيةِ دون إغفالِ العلاقات بين الطرفين في ذلكم الحادث.
البيانُ في الحقيقةِ ليس مجرَّد كلماتٍ جاهزةٍ تقال، وإِنما هو تأكيدٌ على المبادئ التي ترتهنُ إليها السياسة العُمانية؛ مبادئ ليست مبتدعةً، وإنما متأصِّلةً تعكسُ أصالة التاريخ العُماني، وتعبِّرُ عن المعتقدات التي تؤمنُ بها الشخصية العُمانية.
إنَّ صنع التوازنات مع الثبات على المبادئ في مختلف المواقف ليس أمرًا يسيرًا في عالمٍ تتجاذبه القوى على اختلافها؛ قوى لا تعرفُ في كثيرٍ من الأحيان إلا منطق القوةِ القاهرة، بينما تسوِّقُ-زيفًا وكذبًا- شعارات الديمقراطيةِ، وحقوق الإنسان، وغيرها من الشعارات التي تروِّجُ لها وسائل قواها الناعمة.
في هذا العالم يدفعُ الثابتُ على المبدأ الواضح السليم أثمانًا لمبادئه، وكثيرًا ما يقفُ بين عداوةٍ بسبب ثباته، أو صداقة زائفةً بسبب ميولهِ عن المبادئ التي تأسس عليها أو يُغرى بمصالحَ مؤقَّتة لتخديره وشراء مواقفه.
بينما تثبتُ سلطنة عُمان على مبادئها العادلة الشرعية في الدفاعِ عن الظلمِ، وعدم جواز التدخل في شؤون الغير، ولا في جواز التدخل في شؤونها، وتؤمنُ بحرية الشعوب في تقريرِ مصيرها، ساعيةً في ذلك إلى تحقيق السلام العادل الأصيل، والارتباط بالعلاقات السَّامية مع الدول والشعوب.
ولهذا فإِننا نجدُ أن صوتَ سلطنة عُمان لا يتردَّدُ أبدًا في إظهارِ تنديدهِ بأيِّ عدوان سافرٍ على دولةٍ ذات سيادةٍ دون وجهِ حق، أو شعبٍ دونَ وجهِ حق، حتى وإن كانت القوى العظمى في العالم هي المعتدية، فلا صوتَ يعلو صوتَ المبدأ الحُر، فهذا الصوت تعبيرٌ عن السيادةِ بما فيها من مبادئ وأُسس لا يمكنُ إخفاؤها، ولا المساومة عليها.
وإذا كانت العبارة السائدة في السياسة تقول "لا عداوة دائمة ولا صداقة دائمة وإنما مصالح دائمة" هي عبارةٌ تصدقُ في العلاقات السياسية، وتبرهنُ على ذلك المواقف التاريخية فإننا نتوقفُ عن كلمة "المصالح" التي تقبلُ الوجهين: مصالحَ فيها من الخذلان والإذلالِ، أو فيها من حفظِ السيادة والقرار، وهُنا نجدُ أن السياسة العُمانية حكيمةً في واقعية "المصالح" لكنها أيضًا حازمةً في أن لا تكون هذه المصالح على حساب المبادئ التي آمنت بها الدولة العُمانية وقامت عليها أركانها.
وإذ إنها دولةُ سلام أصيل، فإنها ليس لديها من مواقفَ ظاهرةً وباطنة، وليس لديها مصالح فوق الطاولةِ، وتحت الطاولة، وليس لديها نوايا ظاهرة وأُخرى مبطَّنة، وإنما لديها مبادئ جليَّةً لا تساومُ عليها، ولذلك وثقَ بها من وثق، وأعرضَ عنها من لم توافقهُ هذه السياسة السامية المنهج.
إنَّ الأثر النفسي والوطني من هذا المنهج السياسي العُماني على المواطن العُماني لهو أثرٌ بالغُ الأهمية؛ فالمواطنُ العُماني يرى في مواقف بلده نحو القضايا العادلة، والمواطن الذي يتابع البيانات السياسية في مختلف الأحدث ليشعرُ بأن هذا صوته النابع من القناعة الراسخة، بل يشعرُ أن هذا صوتُ التاريخ العُماني ورجالاته، ولذلك كان هذا التناغم والانسجام بين السياسة العُمانية والمواقف الشعبية أكان على صعيد المستوى أم على صعيد الأفكار واضحًا لا ازدواجيةَ فيه، وهُنا كانت مساحة الحرية للتعبيرِ عن الرأي الشعبي واسعةً ما دامَ ذلك الرأي مستندًا إلى أُسس بنَّاءةً وليس مشاعرَ انفعاليةً عارضة.
المنهج السياسي العُماني مصدرُ فخرٍ للإنسان العُماني، ولا شكَّ بأنه أسهم في تكوين نظرة الشخصية العُمانية الوازنة نحو مختلف الأحداث والوقائع بما تأسس عليه من مبادئ كريمة تحفظُ للوطنِ سيادته ورفعته، وتصونُ لمواطنيه العزة والحرية والكرامة.
رابط مختصر