موقع النيلين:
2025-05-18@10:18:42 GMT

عادل الباز: كيف نرد على الإمارات؟ (1)

تاريخ النشر: 18th, May 2025 GMT

1 ما دفعني لكتابة هذا المقال، هو الغيظ الذي ظل ينتابني منذ فترة طويلة، إذ ظلّت مجموعة من الكُتّاب الذين نحسن الظن بفهمهم وقدرتهم على التحليل، في هرج متصل حول طبيعة الرد السوداني على عدوان الإمارات. بعضهم انقاد لسابلة الأسافير الذين يقودهم دائمًا الغضب الأعمى بلا رؤية، وصنفٌ ثانٍ لا يعرف كيف يرد وماذا يفعل، وللأسف فإن بعض قادة الدولة من النوع الأخير.


2
المطروح الآن هو أن نرد على الإمارات سياسيًا ودبلوماسيًا وقانونيًا واقتصاديًا وإعلاميًا، وأستبعد العسكري تمامًا لأسباب بحاجة لشرح مفصل. ولكن، كيف يكون ردّنا؟ هل بمثل هذا الهَبَل والمهازل التي نجترحها ونحن نرد سياسيًا وقانونيًا واقتصاديًا؟ أم أن هناك طرقًا أخرى أكثر حكمة وأنجع من هذا الهرج الذي نخوض فيه؟
سياسيًا: الأوفق أن نسعى لمحاصرة أفعال الإمارات العدوانية بتمتين الجبهة الداخلية وحشدها باتجاه إدانة أفعال العدوان الإماراتي، وإظهار موقف الشعب السوداني الموحد بكل أحزابه وطوائفه وقبائله ضد ذلك العدوان الذي يشنّه قادة الإمارات على الشعب السوداني. نعم، قادة الإمارات، فيشعرون حينها أن الشعب السوداني موحد تجاه عدوانهم، وأن قضيته ليست مع شعب الإمارات الذي نحبه، إنما مع قادته الحاليين الذين شنّوا علينا عدوانًا بلا سبب.
ولابد هنا من ضبط الخطاب السياسي، وهذا ما فعلته قطر أيام فرض الحصار عليها؛ فقد تعامل القطريون بذكاء كعادتهم حين ميزّوا منذ اللحظة الأولى بين قادة الحصار والمواطنين بدول الخليج. وكان الخطاب الإعلامي كله موجَّهًا للقادة، ولم يستهدفوا مطلقًا شعبًا من شعوب الدول التي حاصرتهم. وفي قمة الأزمة، كان المواطنون الخليجيون مُرحبًا بهم في الدوحة، وحافظت دولة قطر على كامل حقوقهم وأموالهم، ولم تعتدِ مطلقًا على أي فرد منهم.
إظهار موقف الشعب السوداني الموحد الرافض للعدوان ينبغي أن يكون حاضرًا في الإعلام والمهرجانات والمظاهرات. هذه هي الرسالة السياسية المطلوبة والمؤثرة.
دبلوماسيًا: هناك ثلاث جبهات:
المنظمات الإقليمية: الاتحاد الإفريقي، الإيقاد، جامعة الدول العربية.
المنظمات الدولية: مجلس الأمن، الأمم المتحدة، مجلس حقوق الإنسان، المنظمات العدلية.
الدول الإفريقية المؤثرة في الصراع الداخلي.
هذه الجبهات تحققت فيها بعض النجاحات، ولكنها لا تزال بحاجة لكثير من العمل والجهد.
ما المطلوب في هذه الجبهات الدبلوماسية؟ محاصرة النشاط الضار للإمارات وتدخلها الفجّ في ساحة ليست ضمن حيزها الجغرافي، وقد أتاحت لها أموالها القدرة على التأثير في تلك المنظمات الإقليمية.
ما العمل؟ على المستوى الإقليمي، يجب تعبئة إفريقيا عمومًا ضد النشاط الضار لدولة الإمارات، خاصة أن هناك دولًا كثيرة في القارة قد تأذت من تدخلاتها السالبة في شؤونها. هناك نماذج حاضرة: ليبيا، الصومال، السودان، غينيا.
المنظمات الإفريقية أُسست أساسًا لحماية دول القارة من العدوان الخارجي، والتضامن في وجه الغزاة، سواء لبسوا عقالًا أو اعتمروا برنيطة.
الجبهة الثانية هي جبهة المنظمات الدولية: مجلس الأمن، الأمم المتحدة، منظمات العدالة الدولية، ومنظمات حقوق الإنسان وغيرها. تأثير الإمارات في تلك الجبهات كبير جدًا نظرًا للمصالح الكبرى التي تربط الدول الفاعلة في تلك المنظمات بالإمارات، التي تمكنها أموالها من نفوذ دولي كبير تستخدمه في الضغط على الدول.
ولمواجهة النفوذ الإماراتي الضاغط على الدول الفاعلة في المنظمات الدولية، نحن بحاجة إلى ثلاثة تكتيكات:
الأول: حشد القارة الإفريقية، دولها ومنظماتها، إلى جانبنا. فمثلًا، دولة كنيجيريا مؤثرة جدًا في غرب إفريقيا ودوليًا، وكذلك جنوب إفريقيا قادرة على التأثير في محيطها ودوليًا، إضافة إلى مصر والجزائر والسعودية. هذه الدول يمكن الاستفادة من علاقاتها وتأثيرها في المحيط الدولي، وخاصة في المنظمات الدولية، وذلك لموازنة ضغوط الإمارات المتصاعدة على الدول الفاعلة. لأننا وحدنا لن نستطيع مجابهة تأثير الإمارات وقدرتها على التأثير في القرارات داخل المنظمات الدولية، ليس لأن الحق بجانبها، إنما لأن خزائنها تفيض بالأموال القادرة على الشراء في عالم كل ذمته معروضة للبيع!
الثاني: تكتيك يستفيد من دول حليفة خارج الإقليم العربي والإفريقي مثل روسيا والصين، وهي دول وازنة ومواقفها لا تزال بجانبنا إلى حد كبير.
الثالث: الاتصال الفعّال بالمنظمات المهتمة بحقوق الإنسان. وهي، حتى الآن، تقاريرها في صالح الدولة السودانية وتجرّم كل أفعال الميليشيا. لابد من التواصل الدائم معها وتزويدها بالمعلومات بصورة منتظمة، وخاصة حول انتهاكات الميليشيا وتدخل الإمارات بدعمها ميليشيا متهمة بالإبادة الجماعية.
في الحلقة القادمة سنرى كيف تم ويتم التعامل مع ثلاثة مسارات هامة (قانونية، اقتصادية وإعلامية) في سياق الرد على عدوان دولة الإمارات.
نواصل

عادل الباز

إنضم لقناة النيلين على واتساب

المصدر: موقع النيلين

كلمات دلالية: المنظمات الدولیة الشعب السودانی

إقرأ أيضاً:

ترامب بالرياض: خطاب نهاية العولمة التقليدية وبداية نهج جديد في العلاقات الدولية

في خطاب تاريخي ألقاه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب خلال زيارته إلى المملكة العربية السعودية، وجّه رسائل قوية أعادت رسم ملامح السياسة الأمريكية تجاه العالم، لا سيّما فيما يتعلق بمفاهيم العولمة، وعلاقات الدول، والتدخلات الخارجية.

خطاب ترامب لم يكن مجرد تعبير عن مواقف دبلوماسية، بل حمل تحوّلات جذرية في الفكر السياسي الأمريكي، وأطلق نقاشا واسعا حول مستقبل العلاقات الدولية.

إشادة بالنهضة الخليجية
خطاب ترامب لم يكن مجرد تعبير عن مواقف دبلوماسية، بل حمل تحوّلات جذرية في الفكر السياسي الأمريكي، وأطلق نقاشا واسعا حول مستقبل العلاقات الدولية
استهل ترامب خطابه بالإشادة بما وصفه بـ"المعجزة الخليجية"، معبرا عن إعجابه الشديد بالتطور المعماري والحضاري الذي تشهده دول الخليج، وقال في تصريح لافت: "لقد أنجزتم معجزة عصرية بطريقة عربية".

هذا الثناء لم يكن مجاملة بروتوكولية، بل جاء في سياق مقارنة واضحة بين نجاح دول الخليج في تحقيق التقدم، وفشل جهود أمريكية ضخمة لإنقاذ دول مثل العراق وأفغانستان، رغم ما أُنفق فيها من موارد هائلة.

العولمة تحت نيران النقد

في إحدى أقوى لحظات خطابه، أطلق ترامب هجوما صريحا على العولمة (Globalization)، معتبرا إياها سببا في الكثير من الأزمات الاقتصادية والاجتماعية حول العالم، ومشيرا إلى أنها "فشلت في تقديم نموذج ناجح للتنمية المستدامة".

فالعولمة في نظره جعلت أمريكا "تدفع الثمن دون مكاسب"؛ لهذا يجب أن تُعاد صياغتها على أساس المنفعة الوطنية الصافية، فدعا مثلا إلى عقد شراكات ثنائية محدودة ومشروطة -دون الحاجة إلى التقاليد الدبلوماسية الكلاسيكية- بدلا من الاتفاقيات الجماعية، مع إعطاء الأولوية لمن يدفع أو يتجاوب تجاريا.

كما هاجم ما يُعرف بالمحافظين الجدد (NeoCons) داخل الحزب الجمهوري، والداعين إلى فرض القيم الليبرالية الأمريكية على الدول الأخرى من خلال التدخلات العسكرية أو المساعدات المشروطة.
وانتقد ترامب أيضا المنظمات الخيرية الليبرالية التي -حسب وصفه- أنفقت تريليونات الدولارات دون أن تنجح في بناء دول حقيقية، مستشهدا بمدينة بغداد كمثال بارز على هذا الفشل.

السيادة الوطنية فوق كل شيء
تحوّل جذري في الخطاب السياسي الأمريكي، من نموذج القوة الناعمة والعولمة الليبرالية، إلى نهج يرتكز على الواقعية، واحترام سيادة الدول، ورفض فرض النماذج الغربية على الشعوب
ركز ترامب في خطابه على أهمية احترام السيادة الوطنية للدول، ودعا إلى العودة إلى المبادئ التقليدية التي تقوم على الاعتزاز بالهوية، والتمسك بالعادات والتقاليد، والاعتماد على الذات في تحقيق التقدم. وقال: "السلام والازدهار لا يأتيان من الخارج، بل ينبعان من الداخل، من الالتزام بالتراث والخصوصية الوطنية".

انتقادات داخلية ووصفه بـ"الانعزالي"

لم تمرّ ساعات على خطاب ترامب حتى انهالت عليه الانتقادات من وسائل الإعلام والنخب السياسية في الولايات المتحدة وأوروبا.

فقد وصفه البعض بأنه "انعزالي" (Isolationist)، في إشارة إلى معارضته للتدخلات الخارجية وتقليصه للدور الأمريكي العالمي، فيما رأى آخرون أن ما قدمه ترامب هو رؤية واقعية جديدة تتناسب مع التحديات المعاصرة، وتضع مصالح الدول فوق الشعارات الأيديولوجية.

تحوّل في الخطاب السياسي الأمريكي

يُعد خطاب ترامب في الرياض إعلانا صريحا عن تحوّل جذري في الخطاب السياسي الأمريكي، من نموذج القوة الناعمة والعولمة الليبرالية، إلى نهج يرتكز على الواقعية، واحترام سيادة الدول، ورفض فرض النماذج الغربية على الشعوب.

فقد طوى ترامب صفحة كانت سائدة في العلاقات الدولية، وأعاد التذكير بأن التطور الحقيقي يبدأ من الداخل، من ثقافة الشعوب وتاريخها وهويتها، لا من مشاريع تُفرض من الخارج تحت شعارات خادعة.

مقالات مشابهة

  • عمرو موسى: مندهش من غياب بعض قادة الدول عن القمة العربية بالعراق
  • السوداني يعلن عن 18 مبادرة اضافة الى تبرعات لغزة ولبنان
  • بوتين يدعو قادة العرب للمشاركة بالقمة الروسية العربية الأولى
  • السوداني خلال القمة العربية يعلن اطلاق 18 مبادرة وتبرعات لغزة ولبنان بـ40 مليون دولار
  • وزير الخارجية السوري: هناك محاولات لجر بلدنا إلى حرب أهلية طويلة الأمد
  • السوداني: معالجة الأزمات بالمنطقة تنطلق من حصول الشعب الفلسطيني على كامل حقوقه
  • قادة أوربيون في بيان مشترك: لن نصمت أمام الكارثة الإنسانية التي تحدث أمام أعيننا في غزة
  • قبل انطلاق القمة.. السوداني يلتقي أبو الغيط
  • ترامب بالرياض: خطاب نهاية العولمة التقليدية وبداية نهج جديد في العلاقات الدولية