عارف بن خميس الفزاري **

persware@gmail.com

 

 

في خضم التحولات الرقمية المُتسارعة، يبرُز تقرير جامعة ستانفورد للذكاء الاصطناعي لعام 2025 بوصفه مرآة لعالم يعيش على إيقاع طفرات تقنية مُتسارعة غير مسبوقة، ويكشف التقرير عن قفزات نوعية في تبني الذكاء الاصطناعي عبر مختلف القطاعات.

وقد ارتفعت الاستثمارات العالمية في هذا المجال إلى أكثر من 252 مليار دولار أمريكي، وبلغ استخدام المؤسسات للذكاء الاصطناعي التوليدي نسبة 71% في عام في عام 2024م؛ وذلك في وظيفة واحدة على الأقل، وفقًا لمتوسط الاستخدام العالمي الذي شمل جميع المناطق الجغرافية، بما في ذلك أمريكا الشمالية (74%) وأوروبا (73%) والصين الكبرى (73%) وآسيا والمحيط الهادئ (68%) والأسواق النامية مثل الهند وأمريكا الجنوبية والشرق الأوسط (67%).

هذه التحولات لا تعكس مجرد تطور تقني، بل تُعيد رسم ملامح الاقتصاد العالمي، وتطرح تساؤلات جوهرية حول مستقبل العمل والمنافسة بين الدول والحوكمة الرقمية. ووفقًا للتقرير، تشهد الاستثمارات في الذكاء الاصطناعي نموًا لافتًا، حيث ارتفعت بنسبة 26% في عام 2024 مُقارنة بعام 2023.

الولايات المتحدة تقود السباق باستثمارات بلغت 109.1 مليار دولار، أي ما يُعادل 12 ضعف ما أنفقته الصين. الذكاء الاصطناعي التوليدي وحده استقطب 33.9 مليار دولار على المستوى العالمي، مما يعكس تحوله من أداة تقنية إلى ركيزة اقتصادية بامتياز. وعلى صعيد الناتج المحلي الإجمالي العالمي، يُتوقع أن تبلغ مساهمة الذكاء الاصطناعي نحو 15.7 تريليون دولار بحلول عام 2030، ما يعادل أكثر من 10% من الناتج العالمي، مقارنة بمساهمة تقل عن 1.4 تريليون دولار في 2020. هذه الزيادة تضاعف آفاق الذكاء الاصطناعي كأداة لتعزيز الإنتاجية وتقليص التكاليف في قطاعات مثل الخدمات اللوجستية والتصنيع والرعاية الصحية والتعليم. ففي سوق العمل، بدأت ملامح التأثير تتضح؛ حيث أفاد 49% من المستخدمين بأن الذكاء الاصطناعي حسن الإنتاجية في العمليات الخدمية، بينما أشار 43% إلى فوائده في سلاسل التوريد و41% في هندسة البرمجيات. وقد جاءت هذه النتائج من استطلاع دولي أجرته شركة McKinsey & Company في عام 2024، وشمل 1491 مشاركًا من 101 دولة، يمثلون مختلف الصناعات والمناطق والأحجام المؤسسية، وتم وزن البيانات وفق مساهمة كل دولة في الناتج المحلي الإجمالي العالمي لضمان التمثيل العادل

وعلى صعيد الحوكمة، يشير التقرير إلى بطء ملحوظ في تطوير أدوات ومعايير السلامة والشفافية. أقل من 10% من الشركات الكبرى تنشر تقييمات واضحة للسلامة، وغالبًا ما تفتقر النماذج الكبرى إلى اختبارات مسؤولية موحدة. في هذا السياق، أطلقت الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي عدة مبادرات في عام 2024، من أبرزها قانون الذكاء الاصطناعي الأوروبي، وتأسيس شبكة عالمية لمعاهد سلامة الذكاء الاصطناعي تضم الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وكندا واليابان ودولاً أخرى، حيث ترسم الدول الكبرى سياساتها في الذكاء الاصطناعي استنادًا إلى معطيات واضحة. عليه فإن التحديات والفرص التي يعرضها الذكاء الاصطناعي تمثل دعوة صريحة لتسريع بناء منظومة وطنية للذكاء الاصطناعي، ترتكز على رؤية عُمان 2040، وتستفيد من تجارب الدول الأخرى الإقليمية التي ضخت استثمارات ضخمة في البنية التحتية والحوكمة التقنية.

وبين الطفرات التقنية والتحديات التنظيمية، يُثبت تقرير ستانفورد أن الذكاء الاصطناعي لم يعد تقنية مستقبلية؛ بل حاضرًا يفرض نفسه على السياسات الاقتصادية والاجتماعية. والمطلوب اليوم ليس فقط اللحاق بالركب؛ بل المساهمة الفعّالة في توجيه المسار، بضوابط أخلاقية واستراتيجيات مرنة توازن بين الابتكار والمسؤولية.

** باحث دكتوراة في إدارة المعرفة

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

مظاهرات ضد غوغل بسبب الذكاء الاصطناعي

اندلعت مظاهرة مناهضة لسرعة تطوير الذكاء الاصطناعي أمام مقر "غوغل ديب مايند" (Google DeepMind) في لندن بقيادة مجموعة النشطاء "بوز إيه آي" (Pause AI)، وذلك حسب تقرير موقع "بيزنس إنسايدر" (Business insider).

نددت هتافات المجموعة بسرعة تطوير تقنيات الذكاء الاصطناعي المشاركة في هذا السباق المستعر، الذي تسعى كل شركة فيه لتقديم نموذج ذكاء اصطناعي جديد قبل المنافسين، على خلفية شعارات رنانة مثل "اختبر ولا تفترض"، التي تؤكد أن الشركات لا تقوم بالاختبارات اللازمة.

وأقامت المجموعة محاكمة تخيلية كان المتهم فيها "غوغل ديب مايند" ماثلا أمام لجنة من المحلفين وقاض يحمل مطرقة العدالة، إذ اتهمت "بوز إيه آي" الشركة بإهمال اختبارات أمان الذكاء الاصطناعي وتجاهل الوعود التي قدمتها في قمة الذكاء الاصطناعي بمدينة سول الكورية العام الماضي، إذ وعدت باختبار التقنيات على نحو واضح من قبل جهات خارجية محايدة، والكشف عن تدخل هذه الجهات والجهات الخارجية مثل الحكومة وغيرها في عمليات تطوير الذكاء الاصطناعي.

ومن جانبها، قالت غوغل -على لسان المتحدث الرسمي لمشروع "ديب مايند"- إنها ملتزمة بتطوير الذكاء الاصطناعي بشكل آمن يحافظ على المجتمع، مضيفا أن الشركة تواصل تطوير نماذج الاختبار والإبلاغ الخاصة بها للاستجابة للتغيرات السريعة في التكنولوجيا مع الكشف عن المعلومات التي تدعم الاستخدام المسؤول لنماذج الذكاء الاصطناعي الخاصة بها.

وعن هذه التصريحات قالت مجموعة "بوز إيه آي" -على لسان إيلا هيوز المديرة المنظمة للمجموعة- إنها لن تترك غوغل تفلت من العقاب بعد إخلاف وعودها، مؤكدة أن المجموعة لن تدع غوغل تفلت من العقاب، وأضاف جويب مينديرتسما مؤسس المجموعة "بوز إيه آي" أن التنظيم العالمي لوضع الذكاء الاصطناعي في وضع سيئ للغاية.

إعلان

ويأمل مينديرتسما أن الدعم العالمي للمجموعة سيزداد في الأيام المقبلة، مشيرا إلى الاستطلاعات التي أجرتها المجموعة في عدة مناسبات، فضلا عن تكوينها الفريد الذي يضم أفرادا ذوي خلفيات متنوعة، بدءا من العاملين في قطاع التقنية سابقا وحتى الحقوقيين والقانونيين.

مقالات مشابهة

  • الذكاء الاصطناعي يكتب ملاحظات المجتمع في منصة إكس
  • العلماء قلقون: الذكاء الاصطناعي يتلاعب ويكذب
  • الذكاء الاصطناعي يتوقع نسبة تأهل الهلال إلى المربع “الذهبي” لمونديال الأندية 2025
  • الذكاء الاصطناعي يتوقع نسبة تأهل العراق لكأس العالم 2026
  • الخوف من الذكاء الاصطناعي
  • مظاهرات ضد غوغل بسبب الذكاء الاصطناعي
  • سباق مواهب الذكاء الاصطناعي يشتعل.. إسرائيل في المقدمة وغياب العرب
  • الناتج المحلي الإجمالي في مصر يرتفع بنسبة 4.77% خلال الربع الثالث من 2025 | تقرير
  • «الاقتصادي العالمي» يطلق تقرير أفضل 10 تقنيات ناشئة لعام 2025
  • غرفة مكة تنظّم ورشة عمل “الذكاء العاطفي والمرونة في بيئة العمل” لدعم الناتج الاقتصادي