الصين تستعرض دبلوماسيتها لمعالجة النزاعات الإقليمية في لقاء مع الصحفيين العرب
تاريخ النشر: 19th, May 2025 GMT
◄ مسؤول صيني يثمن دور عُمان في المباحثات الأمريكية الإيرانية
بكين- فيصل السعدي
نظّمت وزارة الخارجية الصينية لقاءً مع عدد من الصحفيين العرب في مقر المركز الإعلامي التابع للوزارة بالعاصمة بكين، بحضور جيان فانغ نينغ نائب مدير عام إدارة شؤون غرب آسيا وشمال أفريقيا. واستعرض المسؤول الصيني خلال اللقاء دور الدبلوماسية الصينية في معالجة النزاعات والقضايا الدولية الراهنة، مشيرًا إلى التغيرات غير المسبوقة التي يشهدها العالم في السنوات الأخيرة، مع تصاعد الصراعات والتوترات الإقليمية.
وقال جيان فانغ نينغ خلال اللقاء: "إن العالم يواجه تحديات وصعوبات متزايدة، وفي هذا السياق، تدعو الصين إلى بناء تعددية الأقطاب العالمية المتسمة بالمساواة، إلى جانب تعزيز العولمة الاقتصادية المتسمة بالنفع للجميع والشمول".
وأضاف أن الصين طرحت مفاهيم ومبادرات جديدة تهدف إلى تحقيق التنمية المشتركة مثل؛ مفهوم مجتمع المستقبل المشترك للبشرية، ومبادرة التنمية العالمية، ومبادرة الحضارة العالمية، كما تسعى إلى تنفيذ مبادرة "الحزام والطريق" بجودة عالية، بما يعزز التنمية الشاملة والمستدامة، مع زيادة حضورها في أسواق الدول النامية.
ولفت المسؤول الصيني إلى أهمية دور الصين السياسي في الحفاظ على السلام العالمي وتعزيز التنمية المشتركة، إذ تسعى الصين إلى إقامة مستقبل مشترك للبشرية والتعاون مع الدول المختلفة لتعزيز تعددية الأقطاب العالمية نحو الاتجاه الصحيح، إضافة إلى تطوير نظام الحوكمة العالمية بنهج أكثر عدلاً وعقلانية.
وقال جيان: "الولايات المتحدة رفعت التعريفات الجمركية ما ألحق أضرارًا جسيمة بالصين وجميع شركائها، وأثر سلبًا على النظام الدولي، مما شكل خطرًا كبيرًا على سلاسل الصناعة والإمداد العالمية، وهذه الإجراءات قوبلت برفض واسع النطاق من قبل المجتمع الدولي، وفي اليومين العاشر والحادي عشر من هذا الشهر، عقد الجانبان الصيني والأميركي مباحثات رفيعة المستوى حول القضايا الاقتصادية والتجارية في جنيف، وقد أسفرت هذه المحادثات عن إنجازات ملموسة، حيث اتفق الطرفان على تخفيض متبادل وكبير للرسوم الجمركية".
وأكد جيان أن هذه الخطوة تتوافق مع مصالح البلدين والمصالح المشتركة للمجتمع الدولي، لافتا إلى أن الصين تتمتع بالصبر والصلابة، وتمتلك الوسائل الكافية للتعامل مع هذه المسألة، وأن الصين لن تساوم على مبادئها الأساسية أو تتراجع عن حماية مصالحها الجوهرية، إلى جانب التزامها بالحفاظ على العدالة وسيادة النظام الاقتصادي الدولي.
وأوضح نائب مدير عام إدارة شؤون غرب آسيا وشمال أفريقيا بوزارة الخارجية الصينية أن منطقة الشرق الأوسط تمثل جزءًا مهمًا من الدبلوماسية الصينية، لافتا إلى سعي الصين الدؤوب لتعزيز السلام والاستقرار في المنطقة، إذ إن الصين قدمت خلال السنوات الأخيرة عدة مبادرات مهمة لتحقيق هذا الهدف، من بينها مبادرة النقاط الخمس للسلام في الشرق الأوسط، ومبادرة النقاط الأربع للحل السياسي في سوريا، وأفكار النقاط الثلاث لتنفيذ حل الدولتين بين فلسطين وإسرائيل.
وتابع قائلا: "طرحت الصين العديد من منصات الحوار متعددة الأطراف في منطقة الخليج، وسعت إلى تعزيز التعاون المشترك والدائم من خلال إنشاء معادلات جديدة للتعاون الإقليمي، والهدف الاستراتيجي من المبادرات الصينية يتمثل في تشجيع دول المنطقة على تعزيز التضامن، وتقوية قدراتها الذاتية، وتسوية الخلافات والنزاعات فيما بينها عبر الحوار والتشاور، مع الابتعاد عن التدخلات الخارجية، وضرورة احترام سيادة دول الشرق الأوسط ووحدة أراضيها، وهو ما أكد عليه وزير الخارجية الصيني في أكثر من مناسبة".
وحول القضية الفلسطينية، ذكر: "الصين تتبنى موقفًا عادلًا وموضوعيًا تجاه القضية الفلسطينية، وتدعم استعادة الشعب الفلسطيني حقوقه الوطنية المشروعة، كما تعمل منذ اندلاع الجولة الجديدة من الصراع في قطاع غزة على تهدئة الأوضاع والدفاع عن المصالح المشروعة للشعب الفلسطيني".
وأشار جيان إلى تصريحات الرئيس الصيني شي جين بينغ، خلال الجلسة الافتتاحية للدورة العاشرة للاجتماع الوزاري لمنتدى التعاون الصيني العربي، حيث جدّد موقف الصين الداعم للقضية الفلسطينية. كما أكد شي أنه لا يجوز استمرار الحرب في ظل غياب العدالة، مشددًا على دعمه الواضح لإقامة دولة فلسطينية مستقلة، وحصول فلسطين على عضوية كاملة في الأمم المتحدة، إلى جانبا الإعلان عن تقديم دفعة جديدة من المساعدات الإنسانية العاجلة للشعب الفلسطيني بقيمة 500 مليون يوان.
وتطرق المسؤول الصيني إلى الدور البارز الذي تقوم به الحكومة الصينية في الدفاع عن حقوق الشعب الفلسطيني على الساحة الدولية، وخاصة في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، مشيرا إلى الجهود الحثيثة التي بذلها وزير الخارجية الصيني في هذا السياق والتي تأكد على أهمية إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة ومعارضة أي محاولات لتهميش القضية الفلسطينية.
وذكر جيان: "لقد قام المبعوث الخاص للحكومة الصينية لشؤون الشرق الأوسط بجولات دبلوماسية مكثفة استهدفت الحد من التداعيات الناجمة عن الصراع بين فلسطين وإسرائيل، كما أبدت الصين التزامًا واضحًا بدعم جهود المصالحة بين الفصائل الفلسطينية، ففي يونيو من العام الماضي، نظم الجانب الصيني حوارًا للمصالحة في العاصمة بكين، بمشاركة 14 فصيلًا فلسطينيًا، حيث أسفر الاجتماع عن توقيع "إعلان بكين"، الذي مثّل خطوة مهمة نحو تعزيز الوحدة والتضامن بين الفصائل الفلسطينية من خلال الحوار والتشاور، فبتالي تواصل الصين التزامها الثابت بدعم القضية الفلسطينية والعمل على تحقيق السلام والاستقرار في المنطقة".
واستعرض المسؤول الصيني دور الصين الفعال في الوساطة بين دول الشرق الأوسط، مشيرًا إلى نجاح الصين في تحقيق المصالحة التاريخية بين المملكة العربية السعودية والجمهورية الإسلامية الإيرانية، واستئناف العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، إذ إن هذه الخطوة شكلت إضافة نوعية لدعم الأمن والاستقرار في المنطقة.
وفي هذا السياق، لفت إلى إنشاء لجنة مشتركة بين الصين والسعودية وإيران لمتابعة تنفيذ اتفاقية بكين، التي جاءت تتويجًا لجهود دبلوماسية مكثفة. وتهدف هذه اللجنة إلى ترسيخ المصالحة وتعزيز النتائج الإيجابية التي تحققت، إلى جانب تعزيز التعاون المثمر بين الدول الإقليمية لتحقيق المزيد من الاستقرار والتنمية المشتركة.
وأكد المسؤول الصيني أهمية السعي نحو حل سياسي ودبلوماسي للملف الإيراني النووي، حيث قدمت الصين مبادرة تتضمن خمس نقاط رئيسية تهدف إلى معالجة هذا الملف المعقد. مشيدًا بالدور الإيجابي الذي تلعبه سلطنة عمان في تسهيل المفاوضات بين كل من إيران والولايات المتحدة، مثمنا الجهود العُمانية الدبلوماسية في حل القضايا الساخنة في المنطقة والحد من التوترات الإقليمية.
وشدد جيان على أهمية استمرار التنسيق والتواصل مع كافة الأطراف المعنية، معربًا عن مواصلة الصين دورها في بناء وتعزيز الحلول السياسية والدبلوماسية التي من شأنها ضمان أمن واستقرار المنطقة.
واستشهد نائب مدير عام إدارة شؤون غرب آسيا وشمال أفريقيا بقول الرئيس الصيني شي جين بينج: "إن العلاقات الصينية العربية تعيشفي أوج مراحلها التاريخية"، حيث ترتقي هذه العلاقات إلى مستوى الشراكة الاستراتيجية الشاملة بين الصين و20 دولة عربية، بالإضافة إلى جامعة الدول العربية. وقد أثمر هذا التعاون عن توقيع الصين لوثائق شراكة مع جميع الدول العربية وجامعة الدول العربية، بهدف بناء مبادرة "الحزام والطريق" التي تسعى لتعزيز التنمية المستدامة والتكامل الاقتصادي بين الجانبين.
وتابع قائلا: "تعد الدول العربية أولى المناطق التي وقعت وثيقة مع الصين لإنشاء رابطة مؤسسات فكرية، مما يعكس الرغبة المشتركة في تعزيز الحوار الثقافي والتبادل الفكري بين الشعوب، كما أنها المنطقة الأولى التي توصلت إلى توافق مع الصين بشأن مبادرة الحكومة العالمية في مجال الذكاء الاصطناعي، وهو ما يفتح آفاقاً جديدة للتعاون في المجالات التقنية والابتكار، وتؤكد هذه الإنجازات على عمق الروابط التاريخية بين العالم العربي والصين، وتبرز التزام الجانبين بتعزيز التعاون والشراكة في مختلف المجالات بما يخدم المصالح المشتركة ويحقق التنمية والازدهار للجميع.".
وبين المسؤول الصيني أن التعاون الصيني العربي أثمر عن تنفيذ أكثر من 200 مشروع كبير في إطار مبادرة الحزام والطريق، ما ساهم في تحقيق فوائد ملموسة لأكثر من ملياري نسمة من شعوب الجانبين.
وشملت هذه المشاريع العديد من القطاعات التنموية والبنية التحتية، حيث تم إنجاز العديد من المشاريع البارزة، من بينها: البرج الأيقوني في مصر، والطريق السريع الذي يربط الشمال والجنوب في الجزائر، وجسر محمد السادس في المغرب، ومشروع السد المروي في السودان، ومحطة الطاقة الكهروضوئية في السعودية، ومحطة العطارات لتوليد الكهرباء في الأردن، ومحطة تخزين الطاقة الكهروضوئية في العراق، وجسر نواكشوط في موريتانيا، ومشروع معدات نقل النفايات في اليمن.
وأضاف أن هذه المشاريع أسهمت بشكل كبير في إيجاد حلول للعديد من التحديات التنموية التي تواجه الدول العربية، كما عززت من العلاقات الصينية العربية على مختلف الأصعدة، مما يعكس التزام الصين بدعم التنمية المستدامة وتحقيق التقدم المشترك مع الدول العربية.
ولفت جيان إلى وجود تعاون عملي وثيق بين الجانبين الصيني والعربي، أسهم في الارتقاء بالعلاقات إلى مستويات رفيعة من الشراكة الاستراتيجية، حيث توزع هذا التعاون على العديد من المجالات الحيوية، أبرزها تقنية المعلومات والاتصالات، والطيران والفضاء، والبيانات الضخمة، والذكاء الاصطناعي.
وأشار إلى أن الجانبين أنشآ العديد من المراكز المتخصصة في مجالات النقل التكنولوجي، والطاقة المتجددة، ومنظومة "بايدو" للملاحة عبر الأقمار الاصطناعية، بالإضافة إلى مبادرات لمكافحة الجفاف والتصحر وتدهور الأراضي الزراعية. كما تم التركيز على تحفيز ريادة الأعمال وتعزيز الأبحاث العلمية المشتركة، بما يساهم في دفع عجلة التنمية والابتكار على المستويين الإقليمي والدولي.
وأكمل قائلا: وفي إطار التعاون العملي المشترك، تم إنشاء ميناء صحار الذكي في سلطنة عُمان، والذي يعد أول ميناء ذكي في منطقة الشرق الأوسط، ليشكل خطوة متقدمة في تعزيز البنية التحتية الذكية في المنطقة، وإنشاء منظومة بايدو للملاحة عبر الأقمار الاصطناعية في تونس، والذي يُعد أول مركز من نوعه خارج الصين، مما يعكس عمق الشراكة الاستراتيجية بين الصين والدول العربية في مجالات التكنولوجيا المتطورة والملاحة.
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
المسند يكشف: 7 أسباب صادمة تجعل موجات الحر قاتلة في أوروبا دون الدول العربية
الرياض
يتساءل كثيرون عن أسباب ارتفاع الوفيات في أوروبا بسبب موجات الحر، رغم أن درجات الحرارة هناك أقل من المعدلات المعتادة في الدول العربية.
وقال الدكتور عبدالله المسند، أستاذ المناخ السابق بجامعة القصيم: “من أكثر الأسئلة تكرارًا عند تأثر بعض الدول الأوروبية بموجات حر قاتلة: كيف ولماذا تسجل أوروبا وفيات بأعداد كبيرة، رغم أن درجات الحرارة هناك أقل من درجات الحرارة المعتادة في دول الخليج والعالم العربي؟ الجواب باختصار: الوفيات تحدث غالبًا بين كبار السن، خاصة من تجاوز سن 65 عامًا، وتصل نسبتهم في بعض الحالات إلى 95% من الوفيات المسجلة أثناء موجات الحر”.
وتابع أن هذه الظاهرة تعود إلى عدة أسباب بيئية وصحية وعمرانية وسلوكية، وشرحها بالتفصيل، ضعف التكيّف المناخي: أجسام الأوروبيين لم تتكيف مع درجات الحرارة المرتفعة كما هو الحال في سكان المناطق الحارة كالدول العربية” .
وأضاف: “نظامهم الحيوي ونمطهم المعيشي مهيأ للبرودة أكثر من الحرارة، غياب أجهزة التبريد: لا تتوفر المكيفات (ولا حتى المراوح) في الكثير من البيوت الأوروبية، خاصة القديمة منها، ومساكن كبار السن”.
كما أشار إلى أن ثقافة الاعتماد على التهوية الطبيعية ما زالت سائدة، تصميم المباني ضد البرد لا الحر، المباني مصممة لعزل البرودة والاحتفاظ بالدفء، وليس للتبريد أو مقاومة الحرارة، الغرف صغيرة، والأسقف منخفضة، ما يؤدي إلى تركيز الحرارة في مساحات ضيقة، وترتفع درجة الحرارة بسرعة داخلها، ارتفاع نسبة الرطوبة، الغابات، والأنهار، والبحيرات، وقرب المدن من البحار والمحيطات، كلها ترفع الرطوبة الجوية”.
واستكمل : “عند اجتماع الرطوبة المرتفعة مع الحرارة، تتوقف فعالية التعرق، فيفقد الجسم وسيلته الطبيعية في التبريد، ما يؤدي إلى الإجهاد الحراري وربما الوفاة، صفاء السماء من الغبار، خلو الأجواء الأوروبية من الغبار والعوالق الجوية يجعل الإشعاع الشمسي أكثر قوة ونفاذًا، مما يزيد من الشعور بالحر، سمك الغلاف الجوي أقل، في العروض العليا، يكون الغلاف الجوي أقل سمكًا، وبالتالي يحجب الإشعاع الشمسي بشكل أقل من المناطق الاستوائية، مما يؤدي إلى شدة تأثير الشمس المباشر، طول النهار صيفًا، النهار في أوروبا أطول من النهار في منطقتنا، وقد يزيد على 2 إلى 3 ساعات عن مدن مثل الرياض أو مكة، طول فترة التعرض للشمس يعني ارتفاع الحمل الحراري على الجسم” .
واختتم المسند حديثه، قائلًا : “قد يكون أحد هذه العوامل أو كلها مجتمعة سببًا في جعل موجات الحر الأوروبية أكثر فتكًا، ومع استمرار ارتفاع حرارة الأرض بفعل الاحتباس الحراري وازدياد انبعاثات غازات الدفيئة، فإن موجات الحر ستزداد قوة وتكرارًا واتساعًا. فهل سألتم: أنى لنا هذا؟ قال تعالى: (قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنْفُسِكُمْ)، هذا والله أعلم” .