◄ مسؤول صيني يثمن دور عُمان في المباحثات الأمريكية الإيرانية

بكين- فيصل السعدي

نظّمت وزارة الخارجية الصينية لقاءً مع عدد من الصحفيين العرب في مقر المركز الإعلامي التابع للوزارة بالعاصمة بكين، بحضور جيان فانغ نينغ نائب مدير عام إدارة شؤون غرب آسيا وشمال أفريقيا.   واستعرض المسؤول الصيني خلال اللقاء دور الدبلوماسية الصينية في معالجة النزاعات والقضايا الدولية الراهنة، مشيرًا إلى التغيرات غير المسبوقة التي يشهدها العالم في السنوات الأخيرة، مع تصاعد الصراعات والتوترات الإقليمية.

 

وقال جيان فانغ نينغ خلال اللقاء: "إن العالم يواجه تحديات وصعوبات متزايدة، وفي هذا السياق، تدعو الصين إلى بناء تعددية الأقطاب العالمية المتسمة بالمساواة، إلى جانب تعزيز العولمة الاقتصادية المتسمة بالنفع للجميع والشمول".

وأضاف أن الصين طرحت مفاهيم ومبادرات جديدة تهدف إلى تحقيق التنمية المشتركة مثل؛ مفهوم مجتمع المستقبل المشترك للبشرية، ومبادرة التنمية العالمية، ومبادرة الحضارة العالمية، كما تسعى إلى تنفيذ مبادرة "الحزام والطريق" بجودة عالية، بما يعزز التنمية الشاملة والمستدامة، مع زيادة حضورها في أسواق الدول النامية. 

ولفت المسؤول الصيني إلى أهمية دور الصين السياسي في الحفاظ على السلام العالمي وتعزيز التنمية المشتركة، إذ تسعى الصين إلى إقامة مستقبل مشترك للبشرية والتعاون مع الدول المختلفة لتعزيز تعددية الأقطاب العالمية نحو الاتجاه الصحيح، إضافة إلى تطوير نظام الحوكمة العالمية بنهج أكثر عدلاً وعقلانية.

وقال جيان: "الولايات المتحدة رفعت التعريفات الجمركية ما ألحق أضرارًا جسيمة بالصين وجميع شركائها، وأثر سلبًا على النظام الدولي، مما شكل خطرًا كبيرًا على سلاسل الصناعة والإمداد العالمية، وهذه الإجراءات قوبلت برفض واسع النطاق من قبل المجتمع الدولي، وفي اليومين العاشر والحادي عشر من هذا الشهر، عقد الجانبان الصيني والأميركي مباحثات رفيعة المستوى حول القضايا الاقتصادية والتجارية في جنيف، وقد أسفرت هذه المحادثات عن إنجازات ملموسة، حيث اتفق الطرفان على تخفيض متبادل وكبير للرسوم الجمركية".

وأكد جيان أن هذه الخطوة تتوافق مع مصالح البلدين والمصالح المشتركة للمجتمع الدولي، لافتا إلى أن الصين تتمتع بالصبر والصلابة، وتمتلك الوسائل الكافية للتعامل مع هذه المسألة، وأن الصين لن تساوم على مبادئها الأساسية أو تتراجع عن حماية مصالحها الجوهرية، إلى جانب التزامها بالحفاظ على العدالة وسيادة النظام الاقتصادي الدولي.

وأوضح نائب مدير عام إدارة شؤون غرب آسيا وشمال أفريقيا بوزارة الخارجية الصينية أن منطقة الشرق الأوسط تمثل جزءًا مهمًا من الدبلوماسية الصينية، لافتا إلى سعي الصين الدؤوب لتعزيز السلام والاستقرار في المنطقة، إذ إن الصين قدمت خلال السنوات الأخيرة عدة مبادرات مهمة لتحقيق هذا الهدف، من بينها مبادرة النقاط الخمس للسلام في الشرق الأوسط، ومبادرة النقاط الأربع للحل السياسي في سوريا، وأفكار النقاط الثلاث لتنفيذ حل الدولتين بين فلسطين وإسرائيل.

وتابع قائلا: "طرحت الصين العديد من منصات الحوار متعددة الأطراف في منطقة الخليج، وسعت إلى تعزيز التعاون المشترك والدائم من خلال إنشاء معادلات جديدة للتعاون الإقليمي، والهدف الاستراتيجي من المبادرات الصينية يتمثل في تشجيع دول المنطقة على تعزيز التضامن، وتقوية قدراتها الذاتية، وتسوية الخلافات والنزاعات فيما بينها عبر الحوار والتشاور، مع الابتعاد عن التدخلات الخارجية، وضرورة احترام سيادة دول الشرق الأوسط ووحدة أراضيها، وهو ما أكد عليه وزير الخارجية الصيني في أكثر من مناسبة".

وحول القضية الفلسطينية، ذكر: "الصين تتبنى موقفًا عادلًا وموضوعيًا تجاه القضية الفلسطينية، وتدعم استعادة الشعب الفلسطيني حقوقه الوطنية المشروعة، كما تعمل منذ اندلاع الجولة الجديدة من الصراع في قطاع غزة على تهدئة الأوضاع والدفاع عن المصالح المشروعة للشعب الفلسطيني".

وأشار جيان إلى تصريحات الرئيس الصيني شي جين بينغ، خلال الجلسة الافتتاحية للدورة العاشرة للاجتماع الوزاري لمنتدى التعاون الصيني العربي، حيث جدّد موقف الصين الداعم للقضية الفلسطينية. كما أكد شي أنه لا يجوز استمرار الحرب في ظل غياب العدالة، مشددًا على دعمه الواضح لإقامة دولة فلسطينية مستقلة، وحصول فلسطين على عضوية كاملة في الأمم المتحدة، إلى جانبا الإعلان عن تقديم دفعة جديدة من المساعدات الإنسانية العاجلة للشعب الفلسطيني بقيمة 500 مليون يوان.

وتطرق المسؤول الصيني إلى الدور البارز الذي تقوم به الحكومة الصينية في الدفاع عن حقوق الشعب الفلسطيني على الساحة الدولية، وخاصة في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، مشيرا إلى الجهود الحثيثة التي بذلها وزير الخارجية الصيني في هذا السياق والتي تأكد على أهمية إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة ومعارضة أي محاولات لتهميش القضية الفلسطينية.

وذكر جيان: "لقد قام المبعوث الخاص للحكومة الصينية لشؤون الشرق الأوسط بجولات دبلوماسية مكثفة استهدفت الحد من التداعيات الناجمة عن الصراع بين فلسطين وإسرائيل، كما أبدت الصين التزامًا واضحًا بدعم جهود المصالحة بين الفصائل الفلسطينية، ففي يونيو من العام الماضي، نظم الجانب الصيني حوارًا للمصالحة في العاصمة بكين، بمشاركة 14 فصيلًا فلسطينيًا، حيث أسفر الاجتماع عن توقيع "إعلان بكين"، الذي مثّل خطوة مهمة نحو تعزيز الوحدة والتضامن بين الفصائل الفلسطينية من خلال الحوار والتشاور، فبتالي تواصل الصين التزامها الثابت بدعم القضية الفلسطينية والعمل على تحقيق السلام والاستقرار في المنطقة".

واستعرض المسؤول الصيني دور الصين الفعال في الوساطة بين دول الشرق الأوسط، مشيرًا إلى نجاح الصين في تحقيق المصالحة التاريخية بين المملكة العربية السعودية والجمهورية الإسلامية الإيرانية، واستئناف العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، إذ إن هذه الخطوة شكلت إضافة نوعية لدعم الأمن والاستقرار في المنطقة. 

وفي هذا السياق، لفت إلى إنشاء لجنة مشتركة بين الصين والسعودية وإيران لمتابعة تنفيذ اتفاقية بكين، التي جاءت تتويجًا لجهود دبلوماسية مكثفة. وتهدف هذه اللجنة إلى ترسيخ المصالحة وتعزيز النتائج الإيجابية التي تحققت، إلى جانب تعزيز التعاون المثمر بين الدول الإقليمية لتحقيق المزيد من الاستقرار والتنمية المشتركة.

وأكد المسؤول الصيني أهمية السعي نحو حل سياسي ودبلوماسي للملف الإيراني النووي، حيث قدمت الصين مبادرة تتضمن خمس نقاط رئيسية تهدف إلى معالجة هذا الملف المعقد. مشيدًا بالدور الإيجابي الذي تلعبه سلطنة عمان في تسهيل المفاوضات بين كل من إيران والولايات المتحدة، مثمنا الجهود العُمانية الدبلوماسية في حل القضايا الساخنة في المنطقة والحد من التوترات الإقليمية. 

وشدد جيان على أهمية استمرار التنسيق والتواصل مع كافة الأطراف المعنية، معربًا عن مواصلة الصين دورها في بناء وتعزيز الحلول السياسية والدبلوماسية التي من شأنها ضمان أمن واستقرار المنطقة.

واستشهد نائب مدير عام إدارة شؤون غرب آسيا وشمال أفريقيا بقول  الرئيس الصيني شي جين بينج: "إن العلاقات الصينية العربية تعيشفي أوج مراحلها التاريخية"، حيث ترتقي هذه العلاقات إلى مستوى الشراكة الاستراتيجية الشاملة بين الصين و20 دولة عربية، بالإضافة إلى جامعة الدول العربية. وقد أثمر هذا التعاون عن توقيع الصين لوثائق شراكة مع جميع الدول العربية وجامعة الدول العربية، بهدف بناء مبادرة "الحزام والطريق" التي تسعى لتعزيز التنمية المستدامة والتكامل الاقتصادي بين الجانبين.

وتابع قائلا: "تعد الدول العربية أولى المناطق التي وقعت وثيقة مع الصين لإنشاء رابطة مؤسسات فكرية، مما يعكس الرغبة المشتركة في تعزيز الحوار الثقافي والتبادل الفكري بين الشعوب، كما أنها المنطقة الأولى التي توصلت إلى توافق مع الصين بشأن مبادرة الحكومة العالمية في مجال الذكاء الاصطناعي، وهو ما يفتح آفاقاً جديدة للتعاون في المجالات التقنية والابتكار، وتؤكد هذه الإنجازات على عمق الروابط التاريخية بين العالم العربي والصين، وتبرز التزام الجانبين بتعزيز التعاون والشراكة في مختلف المجالات بما يخدم المصالح المشتركة ويحقق التنمية والازدهار للجميع.".

وبين المسؤول الصيني أن التعاون الصيني العربي أثمر عن تنفيذ أكثر من 200 مشروع كبير في إطار مبادرة الحزام والطريق، ما ساهم في تحقيق فوائد ملموسة لأكثر من ملياري نسمة من شعوب الجانبين. 

وشملت هذه المشاريع العديد من القطاعات التنموية والبنية التحتية، حيث تم إنجاز العديد من المشاريع البارزة، من بينها: البرج الأيقوني في مصر، والطريق السريع الذي يربط الشمال والجنوب في الجزائر، وجسر محمد السادس في المغرب، ومشروع السد المروي في السودان، ومحطة الطاقة الكهروضوئية في السعودية، ومحطة العطارات لتوليد الكهرباء في الأردن، ومحطة تخزين الطاقة الكهروضوئية في العراق، وجسر نواكشوط في موريتانيا، ومشروع معدات نقل النفايات في اليمن.

وأضاف أن هذه المشاريع أسهمت بشكل كبير في إيجاد حلول للعديد من التحديات التنموية التي تواجه الدول العربية، كما عززت من العلاقات الصينية العربية على مختلف الأصعدة، مما يعكس التزام الصين بدعم التنمية المستدامة وتحقيق التقدم المشترك مع الدول العربية.

ولفت جيان إلى وجود تعاون عملي وثيق بين الجانبين الصيني والعربي، أسهم في الارتقاء بالعلاقات إلى مستويات رفيعة من الشراكة الاستراتيجية، حيث توزع هذا التعاون على العديد من المجالات الحيوية، أبرزها تقنية المعلومات والاتصالات، والطيران والفضاء، والبيانات الضخمة، والذكاء الاصطناعي. 

وأشار إلى أن الجانبين أنشآ العديد من المراكز المتخصصة في مجالات النقل التكنولوجي، والطاقة المتجددة، ومنظومة "بايدو" للملاحة عبر الأقمار الاصطناعية، بالإضافة إلى مبادرات لمكافحة الجفاف والتصحر وتدهور الأراضي الزراعية. كما تم التركيز على تحفيز ريادة الأعمال وتعزيز الأبحاث العلمية المشتركة، بما يساهم في دفع عجلة التنمية والابتكار على المستويين الإقليمي والدولي.

وأكمل قائلا: وفي إطار التعاون العملي المشترك، تم إنشاء ميناء صحار الذكي في سلطنة عُمان، والذي يعد أول ميناء ذكي في منطقة الشرق الأوسط، ليشكل خطوة متقدمة في تعزيز البنية التحتية الذكية في المنطقة، وإنشاء منظومة بايدو للملاحة عبر الأقمار الاصطناعية في تونس، والذي يُعد أول مركز من نوعه خارج الصين، مما يعكس عمق الشراكة الاستراتيجية بين الصين والدول العربية في مجالات التكنولوجيا المتطورة والملاحة.

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

الاقتصادات العربية من التكيّف إلى صناعة المستقبل


يمرّ الاقتصاد العربي في طور دقيق من التغير تتداخل فيها الأزمات العالمية مع التحديات الإقليمية. أسواق الطاقة غير المستقرة، وحركة التجارة العالمية التي تعاني من توترات متواصلة، والمراكز الصناعية الجديدة في آسيا التي تزداد تأثيراً في الأسواق العالمية، كلها مجتمعة أصبحت تغيّر موازين الاقتصاد الدولي. في هذا المشهد المتقلب، تحتاج المنطقة العربية إلى نموذج اقتصادي قادر على الصمود والتطور، يقوم على مبادئ التنويع والإنتاج والمعرفة.
المشهد الدولي المتغيّر
من الواضح بأن الاقتصاد العالمي يشهد انتقالاً تدريجياً في مراكز النفوذ الاقتصادي. فالصين والهند أصبحتا من أبرز القوى المحركة للإنتاج والتكنولوجيا والاستثمار، بينما توسّع تكتلات مثل "بريكس" ومنظمة "شنغهاي" مجالات التعاون بين الاقتصادات الصاعدة. هذا التحول يُغيّر خريطة النمو العالمي، ويمنح الدول خيارات أوسع لبناء شراكات جديدة خارج النفوذ الغربي التقليدي.
وتقع الاقتصادات العربية في دائرة التأثر المباشر بهذه التحولات. اعتماد العديد من دول المنطقة على صادرات النفط والغاز يجعل موازناتها مرتبطة بأسعار الطاقة العالمية. أكثر من ثلثي الإيرادات الحكومية في بعض الدول الخليجية ما زالت تأتي من قطاع الطاقة، مما يجعل أي تراجع في الطلب أو تشدد في سياسات خفض الانبعاثات عاملاً مؤثرًا في الاستقرار المالي.
وتزيد الاضطرابات الجيوسياسية في مناطق العبور البحري - مثل البحر الأسود وبحر الصين الجنوبي - من كلفة النقل والتأمين، وهو ما ينعكس على حركة التجارة العالمية، خصوصًا في الدول التي تعتمد على استيراد المواد الأساسية وتصدير الطاقة عبر هذه الممرات.
ورغم هذه التحديات، يحمل التحول العالمي في مجالات عدة فرص مهمة أمام المنطقة العربية. فالتوسع على سبيل المثال في الطاقة المتجددة والهيدروجين الأخضر يمكن أن يشكّل أساسًا لمرحلة جديدة من النمو، ويمنح الاقتصادات العربية موقع متقدم في منظومة الطاقة المستقبلية، خاصة إذا ارتبط هذا التوجه بسياسات واضحة للبحث العلمي والتصنيع المحلي.
الأوضاع الإقليمية وضعف التكامل
البيئة الاقتصادية العربية ما زالت تواجه أزمات سياسية وأمنية في عدد من الدول، مثل اليمن وسوريا وليبيا والسودان، وهي نزاعات تستنزف الموارد وتضعف ثقة المستثمرين. كما أن محدودية التعاون بين الدول العربية تقلل من فرص بناء سوق إقليمية متكاملة. فالتجارة البينية لا تشكّل سوى نحو 10% من إجمالي التجارة العربية، وهي نسبة منخفضة جداً مقارنة بالمستويات التي حققها الاتحاد الأوروبي، حيث تتجاوز التبادلات الداخلية بين دوله 60% من حجم تجارته. هذا التفاوت يوضح حجم الفجوة في التكامل الاقتصادي، ومدى ما يمكن أن يحققه التعاون العربي إذا توفرت الإرادة السياسية والإطار المؤسسي الفاعل.
في الوقت نفسه، يزداد الضغط على الأمن الغذائي والمائي. ندرة المياه، والجفاف، وتراجع المساحات الزراعية، تفرض تحديات وجودية على بعض الدول. الاعتماد الكبير على استيراد الغذاء يجعل المنطقة عرضة لتقلبات الأسعار العالمية. لذلك، فإن التعاون في مجالات الزراعة الحديثة وإدارة المياه يصبح شرطًا أساسيًا لاستمرار التنمية واستقرارها.
عناصر القوة وفرص المنافسة
رغم هذه التحديات، تمتلك المنطقة العربية مقومات قوية يمكن أن تشكل أساساً للنهوض الاقتصادي. فهي تملك أكبر احتياطي من النفط في العالم ونسبة عالية من الغاز الطبيعي، إضافة إلى موقع جغرافي يربط آسيا بأوروبا وإفريقيا ويمر عبره جزء كبير من تجارة الطاقة العالمية.
العنصر البشري يمثل ثروة أخرى مهمة، فمعظم سكان المنطقة من فئة الشباب. هذه الطاقة البشرية قادرة على دفع التنمية إذا تم الاستثمار فيها من خلال التعليم الموجه نحو المهارات والتقنيات وريادة الأعمال. بعض الدول العربية بدأت بالفعل في هذا الاتجاه، مثل الإمارات والسعودية والمغرب، التي توسعت في مجالات التكنولوجيا والطاقة النظيفة والسياحة والصناعة الحديثة، بينما لا زالت بقية الدول العربية في طور ترجمة الخطط التنموية إلى برامج إنتاج حقيقية قابلة للتنفيذ.
التحديات العميقة
معدلات البطالة في المنطقة العربية ما زالت مرتفعة، وتتجاوز في بعض الدول 30%. الفقر ينتشر في عدد من الدول، والإنفاق على البحث العلمي لا يصل إلى واحد في المئة من الناتج المحلي الإجمالي. هذه الأرقام تعكس ضعف القدرة على بناء اقتصاد معرفي متنوع.
كما أن الطابع الريعي للاقتصادات العربية ما زال يقيّد النمو المستدام. الاعتماد على الموارد الطبيعية دون تطوير الصناعة والخدمات ذات القيمة المضافة يجعل الاقتصادات أكثر عرضة لتقلبات الأسعار العالمية. كما أن البيروقراطية وكثرة الإجراءات الحكومية وضعف الشفافية تعيق الاستثمار المحلي والأجنبي، وتحدّ من قدرة القطاع الخاص على التوسع والابتكار.
خطوات التحول الاقتصادي
التغيير المطلوب لا يمكن أن يتحقق بالمعالجات السطحية، بل بخطط شاملة تعيد تنظيم العلاقة بين التعليم والإنتاج، وتفتح المجال أمام الابتكار والتكامل الإقليمي. البدء بتقليل الاعتماد على النفط ضرورة أساسية من خلال تطوير الصناعات التحويلية والزراعة الحديثة والسياحة المستدامة. إدماج التكنولوجيا في إدارة المؤسسات العامة والخاصة يسهم في تقليل التكاليف وتحسين الأداء. كما أن التعاون العربي في مجالات الطاقة والغذاء والمياه والبيانات يمكن أن يخلق شبكة اقتصادية واسعة قادرة على مواجهة الأزمات الخارجية.
تنويع الشراكات مع آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية يمكن أن يمنح الاقتصادات العربية مرونة أكبر، ويتيح فرصاً جديدة في مجالات البنية التحتية والتقنيات الخضراء. أما الاستثمار في التنمية البشرية، فيبقى الأساس لأي تحول حقيقي. الخطوة الأولى تبدأ من منظومة التعليم التي ينبغي أن تتحول إلى أداة لبناء المهارات والإبداع، عبر برامج تطبيقية ترتبط مباشرة بسوق العمل ومشاريع ريادة الأعمال.
الرؤية المستقبلية
الاقتصاد العربي يواجه تحديات صعبة، لكنه يمتلك في الوقت نفسه فرصة نادرة لإعادة بناء نفسه على أسس جديدة. المرحلة المقبلة تتطلب سياسات أكثر وضوحاً واستقراراً، ومؤسسات تملك صلاحيات حقيقية لإدارة التنمية ومراقبة تنفيذها. الشفافية في إدارة الموارد والالتزام بالحوكمة هما الطريق إلى استعادة الثقة وبناء قاعدة اقتصادية قوية.
المنطقة العربية تمتلك كل ما تحتاجه لتكون شريكاً فاعلاً في الاقتصاد العالمي إذا استطاعت تحويل مواردها الطبيعية والبشرية إلى طاقة إنتاجية حقيقية. لكن ما يجب إدراكه هو أن الاقتصادات الوطنية العربية لن تتقدم بمواردها فقط، وإنما بقدرة مجتمعاتها على توجيهها بوعي وكفاءة. العالم يعيش تغيرًا سريع الإيقاع، ومن يتباطأ أو لا يواكب هذا التغيير بوعي يفقد موقعه في حركة التاريخ. 
أمام الدول العربية فرصة للانتقال من مرحلة التكيّف مع الأزمات إلى مرحلة صنع السياسات التي تحدد مستقبلها. المرحلة القادمة تحتاج إلى مشروع تنموي يجعل من المعرفة والإنتاج أساس القوة الاقتصادية الجديدة في المنطقة.

مقالات مشابهة

  • ترامب يحذر الدول التي تغرق الولايات المتحدة بالأرز الرخيص
  • سلوى بكر: الدول العربية تمتلك أدبا يستحق نوبل
  • وفد من منطقة نينغشيا الصينية يزور جامعة الدول العربية لهذا السبب
  • وزيرة التخطيط تُشارك في ورشة العمل الإقليمية لإدارة الديون لعام 2025 التي تنظمها «الإسكوا»
  • أبو الغيط: بعض الدول العربية تستورد 90% من احتياجاتها الغذائية
  • عاجل- رئيس الوزراء يشارك في المؤتمر السنوي لممثلي المكاتب الإقليمية والقطرية لمنظمة الفاو
  • العُمدة عز العرب يكشف سر نجاح الجلسات العرفية في إنهاء أخطر النزاعات ببني سويف
  • الخارجية الصينية: الصين تحث اليابان بقوة على التوقف فورًا عن تحركاتها الخطيرة
  • الصين تتهم اليابان بإعاقة تدريبات بحرية في مياهها الإقليمية
  • الاقتصادات العربية من التكيّف إلى صناعة المستقبل