اتفاق الشراكة على المحك.. هل تفتح أوروبا جبهة اقتصادية ضد إسرائيل؟
تاريخ النشر: 20th, May 2025 GMT
في ظل استمرار الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، وتنامي الإدانات الدولية، دخلت الأزمة طورًا جديدًا من الضغوط الغربية، ليس فقط على الصعيد السياسي والإنساني، بل من بوابة العلاقات الاقتصادية والاتفاقيات الاستراتيجية.
إذ بدأت دول أوروبية كبرى، على رأسها فرنسا وبريطانيا، تلوّح بمراجعة أو إلغاء واحدة من أبرز الاتفاقيات التي تربط الاتحاد الأوروبي بإسرائيل، في خطوة غير مسبوقة تهدد بإعادة صياغة العلاقة بين الطرفين بعد أكثر من ربع قرن من التعاون.
فهل يمكن أن تصل الأمور إلى حدّ فرض العقوبات الاقتصادية؟ وما هو تأثير ذلك على الاقتصاد الإسرائيلي؟
في بيان مشترك صدر أمس الاثنين، وجّهت كل من فرنسا وبريطانيا وكندا تحذيرًا شديد اللهجة إلى إسرائيل، ملوّحين بفرض عقوبات مباشرة على إسرائيل في حال استمرار العملية العسكرية في غزة، واستمرار القيود على دخول المساعدات الإنسانية.
وفي خطوة نوعية، أعلن وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو الثلاثاء، عن دعم باريس لمراجعة اتفاقية الشراكة بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل، داعيًا المفوضية الأوروبية إلى فتح تحقيق رسمي بشأن مدى التزام إسرائيل بالمادة الثانية من الاتفاقية، والتي تشترط احترام حقوق الإنسان والمبادئ الديمقراطية كأساس للتعاون.
بارو أوضح أن تسهيل إسرائيل وصول بعض المساعدات إلى غزة "غير كافٍ على الإطلاق"، مشددًا على الحاجة إلى تدخل إنساني فوري وكبير.
من جانبه، صعّد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لهجته، وندّد بسياسة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، واصفًا تعامل حكومته مع الملف الإنساني بأنه "مخزٍ وغير مقبول"، وداعيًا الدول الأوروبية إلى دراسة فرض عقوبات إضافية، بما يشمل إعادة تقييم الاتفاقيات الاقتصادية القائمة مع إسرائيل.
وفي هذا السياق، يناقش وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي، في اجتماعهم ببروكسل، إمكانية مراجعة الاتفاقية أو تعليقها، وهو ما قد يشكل سابقة منذ توقيعها.
ويأتي ذلك وسط شعور متنامٍ داخل أوروبا، بأن إسرائيل لم تعد تلتزم بالمعايير المشتركة التي وضعت كأساس للتعاون المستمر منذ ربع قرن.
ما هي اتفاقية الشراكة الأوروبية الإسرائيلية؟وقّع الاتحاد الأوروبي وإسرائيل اتفاقية الشراكة في بروكسل عام 1995، ودخلت حيز التنفيذ عام 2000 بعد مصادقة جميع البرلمانات الأوروبية والكنيست الإسرائيلي.
وتُعد هذه الاتفاقية حجر الأساس في العلاقات الثنائية، إذ تنظم التعاون السياسي والتجاري والاستراتيجي بين الجانبين، وتشمل محاور رئيسية أبرزها:
تحرير شبه كامل للتجارة: عبر إلغاء الرسوم الجمركية والحواجز التجارية.تعاون استراتيجي واسع: يشمل مجالات مثل التعليم، البحث العلمي، الزراعة، الأمن، النقل، والثقافة.إدماج تدريجي لإسرائيل في السوق الأوروبية: بمنحها امتيازات مماثلة لتلك التي تتمتع بها بعض دول الاتحاد.مجلس شراكة ثنائي: يُعنى بمتابعة وتنفيذ بنود الاتفاق.غير أن المادة الثانية من الاتفاقية أصبحت اليوم في قلب الخلاف الأوروبي الإسرائيلي، إذ تنص صراحة على أن "جميع أحكام الاتفاقية تقوم على احترام حقوق الإنسان والمبادئ الديمقراطية". وهذه المادة، التي لطالما اعتبرها الأوروبيون رمزية، أصبحت حاليًا القاعدة التي يُبنى عليها مطلب المراجعة وربما الإلغاء، في ضوء اتهامات متزايدة لإسرائيل بانتهاك هذه المبادئ في غزة.
التأثيرات الاقتصادية المحتملة على إسرائيلأي تعليق أو إلغاء لاتفاق الشراكة من قبل الاتحاد الأوروبي سيشكّل ضربة موجعة للاقتصاد الإسرائيلي، الذي يعتمد بنسبة كبيرة على أوروبا في معاملاته التجارية. وتشير البيانات إلى أن 31% من واردات إسرائيل و24% من صادراتها تتم مع دول الاتحاد الأوروبي، ما يجعل أوروبا الشريك التجاري الأكبر لتل أبيب.
ورغم الظروف الحربية، بلغت صادرات إسرائيل إلى أوروبا في الربع الأول من عام 2024 نحو 4.27 مليار يورو، ساهمت في تحقيق فائض تجاري ملموس. كما تستفيد الجامعات والمؤسسات البحثية الإسرائيلية من التمويل الأوروبي ضمن برامج علمية مشتركة، حصلت من خلالها على 126 مليون يورو منذ اندلاع الحرب الأخيرة فقط.
ويرى محللون أن ما يميز الحراك الأوروبي الحالي هو تجاوزه للمواقف الإعلامية إلى خطوات مؤسساتية فعلية، مثل التحركات داخل البرلمان الأوروبي والمبادرات الوطنية، كما في هولندا وفرنسا. ويشير ذلك إلى احتمال حدوث تحول جذري في نمط العلاقات الأوروبية الإسرائيلية، ما يعمّق من الأزمة السياسية والاقتصادية التي تواجهها إسرائيل، ويضعها أمام "أخطر أزمة دبلوماسية اقتصادية منذ عقود"، بحسب وصف مراقبين غربيين.
التهديدات الأوروبية لم تعد مجرد ضغوط دبلوماسية، بل تحوّلت إلى تهديد مباشر للبنية الاقتصادية والتجارية للعلاقات مع إسرائيل. وإذا ما قرر الاتحاد الأوروبي تعليق أو إلغاء اتفاقية الشراكة، فإن تل أبيب قد تواجه عزلة اقتصادية غير مسبوقة، تضيف إلى أزماتها الأمنية والدبلوماسية والإنسانية، في وقت يتزايد فيه الاستياء الدولي من سياساتها في غزة والضفة الغربية. الأيام المقبلة قد تكون حاسمة في رسم مستقبل هذه العلاقة الاستراتيجية الممتدة منذ أكثر من ربع قرن.
وفي هذا السياق، رحّب الدكتور محمد محمود مهران، أستاذ القانون الدولي، بالبيان الثلاثي الصادر عن بريطانيا وفرنسا وكندا، معتبراً أنه يمثل تحولاً في مواقف بعض الدول الغربية وتحملها لمسؤولياتها القانونية والأخلاقية.
واعتبر مهران، البيان بأنه اعترافاً ضمنياً بأن إسرائيل ترتكب جرائم حرب، خاصة من خلال منع دخول المساعدات الإنسانية، وهو ما يشكل انتهاكاً لاتفاقيات جنيف وللقانون الدولي الإنساني.
إسرائيل تستخدم التجويع كسلاحأضاف مهران في تصريحات لـ “صدى البلد”، أن سماح إسرائيل بدخول تسع شاحنات فقط من المساعدات لا يعدو كونه خطوة دعائية لتجميل صورتها أمام العالم، في وقت يعيش فيه أكثر من مليوني فلسطيني تحت حصار يرقى إلى استخدام التجويع كسلاح، وهو ما يندرج أيضاً ضمن جرائم الحرب حسب نظام روما الأساسي.
وشدد على ضرورة البناء على البيان الثلاثي لتحريك موقف دولي أوسع، خصوصاً بعد انضمام أكثر من 22 دولة للمطالبة بفتح المعابر وإدخال المساعدات. كما دعا إلى خطوات عملية مثل فرض العقوبات الاقتصادية والدبلوماسية، وتفعيل مبدأ الولاية القضائية الدولية لمحاكمة المسؤولين الإسرائيليين المتورطين في انتهاكات جسيمة.
وفي الختام، دعا الدكتور مهران إلى تحرك عربي موحد يستثمر هذا التحول الدولي، مؤكداً أن الاكتفاء بالتصريحات لن يكون كافياً، محذراً من أن استمرار ازدواجية المعايير سيقوّض مصداقية النظام الدولي ويفاقم حالة الإحباط من فاعلية القانون الدولي في إنصاف الشعوب المظلومة.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: الحرب الإسرائيلية غزة دول أوروبية فرنسا الاتحاد الأوروبی اتفاقیة الشراکة أکثر من
إقرأ أيضاً:
البديوي: اجتماع مجلس التعاون والاتحاد الأوروبي يؤكد متانة الشراكة الإستراتيجية الممتدة منذ 4 عقود
أكد معالي الأمين العام لمجلس التعاون لدول الخليج العربية الأستاذ جاسم محمد البديوي، أن الاجتماع بين مجلس التعاون والاتحاد الأوروبي يؤكد متانة الشراكة الإستراتيجية بين الجانبين، والقائمة على الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة، التي وضعت أسسها اتفاقية التعاون التي أبرمها الجانبان في عام 1988م، وعززت قواعدها القمة المشتركة الأولى بينهما الذي جاء انعقادها أواخر العام الماضي، معبرة عن عمق الروابط بين المنظمتين والممتدة إلى نحو أربعة عقود.
جاء ذلك خلال انعقاد اجتماع المجلس الوزاري المشترك الـ 29 بين مجلس التعاون والاتحاد الأوروبي، اليوم، بدولة الكويت، برئاسة مشتركة بين معالي وزير الخارجية لدولة الكويت رئيس الدورة الحالية للمجلس الوزاري عبدالله علي اليحيا، ومعالي الممثلة العليا للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية نائبة رئيس المفوضية الأوروبية كايا كالاس، ووزيرة الدولة لسياسة الخارجية بمملكة الدنمارك لوتي ماكهون، وحضور أصحاب المعالي والسعادة وزراء خارجية دول مجلس التعاون والاتحاد الأوروبي.
وقال معاليه في بداية كلمته: “بالرغم أن هذا الاجتماع الوزاري المشترك بين مجلس التعاون والاتحاد الأوروبي هو التاسع والعشرون، إلا أنه يتخذ طابعًا خاصًا بوصفه أول اجتماع يعقده الجانبان على المستوى الوزاري في فترة ما بعد القمة الخليجية الأوروبية الأولى، التي يولي مجلس التعاون أهمية استثنائية لمواصلة تنفيذ مخرجاتها، فقد وضعت القمة خارطة طريق واضحة لمزيد من التعاون المثمر، وأعرب القادة خلالها عن آمالهم وتطلعاتهم الطموحة إزاء تلك الخطة، التي نواصل العمل بجدية على ترجمتها إلى خطوات عملية وملموسة تعنى بتعزيز الشراكة الاقتصادية والتبادلات التجارية والاستثمارية، وتوسيع آفاق التعاون في مجالات الطاقة والتحول الأخضر، وتطوير المشاورات السياسية والتعاون الأمني، ومعالجة التحديات العالمية بما فيها التغير المناخي، وحل النزاعات وتسوية الخلافات، وتوطيد العلاقات بين شعوب المنطقتين”.
وأضاف معاليه “أن التنفيذ الفاعل لمخرجات القمة من شأنه أن يحقق الرؤية المشتركة لنبرهن بأن شراكتنا الإستراتيجية يجسدها التزامنا العملي لبناء مستقبلا أكثر أمانًا واستقرارًا وازدهارًا لمنطقتينا مع تأكيد مواصلة العمل الدؤوب مع الشريك الأوروبي الموثوق لضمان متابعة دورية وفعالة لتنفيذ تلك المخرجات للتوصل إلى النتائج المنشودة على نحو ملموس وعملياتي على أرض الواقع.
أعرب معالي الأمين العام عن تطلعاته إلى مواصلة العمل لوضع تدابير عملية وجادة لتحقيق الإعفاء التام عن تأشيرات الدخول، بين منطقة شنغن في الاتحاد الأوروبي ودول مجلس التعاون، كون هذه الخطوة لا تسهم في تيسير إجراءات التنقل بين المنطقتين فحسب، بل تخلق آفاقًا أوسع للتبادلات التجارية والاستثمارية والأكاديمية والثقافية والسياحية، وهو ما يدعم في جملته النمو الاقتصادي المستدام، ويعزز الروابط الإنسانية، ويرسخ أركان جسور التفاهم الممتدة بين الخليج وأوروبا، ولا سيما أن المواطن الخليجي أثبت أن وجوده في دول الاتحاد الأوروبي هو وجود إيجابي وله منافع عديدة على الدول الأوروبية.
وأشار معاليه إلى المقترحين اللذين تقدمت بهما الأمانة العامة لمجلس التعاون للجانب الأوروبي وهما عقد المنتدى الأول للطاقة بين الجانبين، إضافة إلى تنظيم منتدى حول الاقتصاد الرقمي والتجارة الرقمية بتنسيق مشترك بين دولة الرئاسة الأوروبية القادمة قبرص ومجلس التعاون ومنظمة التعاون الرقمي، معربًا عن تطلعاته بأن تحقق الشراكة الخليجية الأوروبية الأهداف المرجوة منها وصولًا لنتائج ملموسة لتتوج هذه الشراكة الإستراتيجية المتميزة.