لجريدة عمان:
2025-11-22@17:09:04 GMT

هواجس عن الخوارزميات والذوق

تاريخ النشر: 22nd, November 2025 GMT

لم ألغِ اشتراكي في (نتفليكس) لأسباب تتعلق بدعمه لإسرائيل فقط، على أهمية هذا السبب من حيث المبدأ؛ ولكن، ولكي أكون صادقًا أكثر، يهمني أن القول أيضًا بأن قائمة اقتراحاته كانت تضجرني، وهذا ما جعل حذف حسابي من المنصة قرارًا غير مأسوف عليه بالمرة. فبعد تجربة استخدام معقولة انتهت مع بداية حرب الإبادة على غزة، كنت قد توصلت إلى قناعة تامة بأن خوارزميات هذه المنصة لا تفهمني كما تظن، ولا تفهم حساسيتي الخاصة تجاه السينما.

وحتى لو حاولتُ البحث بنفسي فنادرًا ما أجد أعمالًا «أصيلة» أو مستقلة، فمعظم محتوى المنصة يخضع لمعايير الرؤية التجارية (الأمريكية) للسينما المولعة دائمًا بالجريمة والإثارة والجنس والمثلية، أو بإنزالات الحلفاء في النورماندي خلال الحرب العالمية الثانية، أو بالهولوكوست وملاحقة النازيين لليهود، فضلًا عن مساق كامل من الأفلام والمسلسلات التي تتحدث عن «القاتل المتسلسل»، والتي تهمش الضحايا لتحتفي ببطولة القتل. تشعرك نتفليكس أحيانًا بأن الناس كلهم باتوا يحلمون بأن يصبحوا ذلك القاتل المتسلسل في المستقبل. هناك تطبيع عنيف مع الصورة العنيفة، ينمو معه إعجاب خاص بالعنف في سياق الجريمة والجنس، وهذا طبعًا لا يعفي المشاهدين المهووسين بهذا النوع من مسؤولية اختياراتهم أو انبطاحهم لتوصيات المنصة.

موقع الأبحاث الخاص بنتفليكس (Netflix Research) يؤكد لنا أن نظام التوصية الذي يعمل على المنصة هو جزء جوهري من تجربة المستخدم. فوفقًا لنتفلكس نفسها، ومن خلال تحليلها لسلوك المستخدمين، فإن أكثر من 80% من المحتوى الذي يقع عليه المستخدمون يُكتشف عبر التوصيات المعروضة في الصفحة الرئيسية، أي ما يقترحه نظام التوصية الخوارزمي من غير جهد شخصي في البحث.

توصيات يوتيوب هي الأخرى تخضع لخوارزميات مخيفة تدفعك للاعتقاد حقًا بأن هذه التطبيقات تتنصت علينا لا محالة. تستفزني فكرةُ أن خوارزميات تعتقد أنها تعرفني وتعرف مزاجي وما أحب أكثر مني! تطبيق الموسيقى المتفرع عن يوتيوب مثلًا، أجده يحصرني في نمط محدد من الأغاني، خاصةً أثناء قيادة السيارة، حيث لا يكون بوسعي البحث بسهولة عن أغنية محددة أتذكرها في الطريق. استمعتُ هذا الأسبوع مرارًا وتكرارًا لأغنية وائل كفوري «قلبي مشتاق» حتى سئمتها، ثم بدأتُ التفكير بنمط مشابه يحدث بصورة مستمرة في علاقتي ببعض الأغنيات التي تعرفت عليها خلال فترة معينة من حياتي في السنوات الأخيرة فأدمنتها حتى السأم.

قبل أيام اقترح عليّ أحد الأصدقاء مشاهدة فيلم «قمران وزيتونة» من تأليف وإخراج السوري عبداللطيف عبدالحميد. وبعد أن رحبتُ بالتوصية وشاهدت الفيلم للمرة الأولى ثم الثانية خلال يومين فقط، أدركتُ أنه واحد من أجمل الأفلام التي شاهدتها في حياتي، ما كان للخوارزميات أن تقترح علي فيلمًا كهذا يختبئُ في سكة نائية من يوتيوب بجودة لا بأس بها. فكرتُ بالتوصية نفسها مليًا، فقد مرَّ وقت طويل لم أشاهد فيه فيلمًا مقترحًا من أحد الأصدقاء، فخشيت أن يكون زمن التوصيات البشرية قد انتهى.

يصف الباحثون مكيدة الخوارزميات بأنها أدوات «استبطان» تساعدنا على معرفة الانحيازات الشخصية عبر توكيدها أو توجيهها. تستشعر أذواقنا الأولية قبل أن تعيد إنتاجها لنا في صورة معالَجة، وهذا بخلاف ما يراه عالم الاجتماع الفرنسي بيير بورديو عن مسألة الذوق الذي لا يُختزل في الحالة الطبيعية كنزعة ذاتية، بل يتشكل ضمن شبكة معقدة من التفاعلات الاجتماعية بين الفرد والآخرين.

مع بداية دخولي العالم الافتراضي، ومنذ أن أصبحت مواطنًا في دولة افتراضية زرقاء اسمها فيسبوك، أذكر أن التوصيات المتبادلة للكتب والأفلام والموسيقى كانت واحدةً من أجمل الأشياء التي تحدث هناك بين من يتشاركون نفس الاهتمامات من سكَّان ذاك التطبيق. أجمل ما في الأمر أن تبادل الاقتراحات والتوصيات يغدو حيلةً رائعة ومسلية للتعارف واكتشاف علاقات جديدة خارج إطار علاقات الواقع المباشر والمحدود. وهو ما يعني أن ذائقتنا الجمالية تشكلت أيضًا بفضل أصدقاء افتراضيين في فضاء من التأثير المتبادل. ولكن، تدريجيًا، أصبحت الخوارزميات هي البديل، فلا تحتاج للسؤال عن فيلمٍ يقترحه الأصدقاء لسهرة الخميس، كل ما عليك فعله هو دخول إحدى تلك المنصات الشهيرة لتحصل على كم هائل من التوصيات المصممة لإرضائك، ولكن من غير معرفة إنسانية حقيقية بتاريخك الشخصي ومواقفك الفكرية والسياسية، ولا بتقلباتك النفسية التي قد يفهمها الأصدقاء أو لا يفهمونها، لكنهم على الأقل يهدونك اقتراحاتهم بسخاء جميل وفقًا لما يعرفونه بصدق عنك وعن ذائقتك.

غني عن القول إن النقاش حول تأثير الخوارزميات في صناعة الرأي العام وانحيازاتنا السياسية، أو في توجهاتنا الاستهلاكية، لا ينفصل عن مسألة تصميم الذائقة الجمالية التي باتت تخضع لمفهوم الـExternalization الذي تشير إليه الدراسات المتعلقة بالخوارزميات، والذي يمكن ترجمته إلى عملية «الإسناد الخارجي» التي يصبح معها إسناد عمليات التفكير والبحث والإدراك لآليات وأدوات خارج عقولنا، وصولًا إلى تحديد ما نحب أو نكره في عملية خارجية، أشبه بما اعتدنا عليه في عمليات الحفظ، حين أصبحنا نعتمد على ذاكرة الأجهزة كذاكرة بدلية عن ذاكرتنا.

قلقي الشخصي الأكبر يتعلق بمستقبل لغتي في ظل ما يحدث من استباحة للذائقة في كل الاتجاهات. ماذا سيحدث للغتي التي هي رأسمالي وأغلى ما أملك في هذا الوجود؟ ماذا سيحدث بعد هذا التطور المخيف لآليات التوليد الرقمي وصعود الأدب الاصطناعي الذي سيؤسس لوجود الإنسان المعدَّل بالآلة والدخول في مرحلة ما بعد الإنسان؟! أشعر بالخوف والتهديد والقلق، ولم أعد أستطيع إخفاء ذلك. وأرى أن حياتي تتعرض كل يوم للعدوان.

سالم الرحبي شاعر وكاتب عُماني

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

إطلاق منصة قاف بلس.. وجهة تعليمية سعودية بميزات مبتكرة وتطبيق إلكتروني متكامل

في إطار التطور المتسارع للتعليم الرقمي في المملكة العربية السعودية، تم إطلاق منصة قاف بلس كوجهة تعليمية رائدة تهدف إلى توفير تجربة تعلم حديثة ومتكاملة للطلاب من المرحلة الابتدائية وحتى الثانوية. تجمع المنصة بين المحتوى التفاعلي، والمتابعة الأكاديمية، والدعم المستمر، عبر تطبيق إلكتروني سهل الاستخدام يراعي احتياجات الطالب السعودي ويواكب المعايير التعليمية الحديثة.

محتوى تعليمي تفاعلي بتصميم مبتكر

يعتمد محتوى قاف بلس على منهجية تعليمية جذابة تجمع بين الشرح الواضح والتطبيق العملي. تقدم المنصة دروساً تفاعلية مزودة برسوميات بصرية وشروحات مبسطة تناسب مختلف مستويات الطلاب. كما توفر اختبارات دورية تساعد الطالب على معرفة تقدمه بشكل مستمر. وتتميّز التمارين بشرح خطوة بخطوة، مما يعزز فهم المفاهيم الأساسية ويجعل عملية التعلم أكثر سهولة ومتعة. هذا التنوع في المحتوى يجعل الطالب أكثر تفاعلاً ويزيد من دافعيته للاستمرار.

متابعة أكاديمية شخصية لكل طالب

تدرك قاف بلس أن لكل طالب قدراته واحتياجاته، لذلك توفر المنصة متابعة أكاديمية فردية تعتمد على تحليل أداء الطالب وتحديد نقاط القوة والضعف لديه. يحصل كل طالب على خطة تعليمية خاصة به تساعده على التحسن بوتيرة مناسبة لقدراته. ويساهم هذا النظام في تحسين مستوى الطالب بشكل واضح، ويمنح المعلم القدرة على تقديم التوجيه الصحيح في الوقت المناسب. هذه المتابعة الشخصية تعزز النتائج الأكاديمية وتجعل الطالب يشعر بأن هناك من يدعمه طوال رحلته التعليمية.

دعم تعليمي متواصل وإجابات فورية

تُعد خدمة الدعم الفوري إحدى أبرز ميزات قاف بلس، إذ تتيح للطلاب التواصل مع معلمين متخصصين على مدار الساعة للحصول على إجابات سريعة ودقيقة لأي استفسار. إضافة إلى ذلك، تضم المنصة مجموعات نقاش تفاعلية تجمع بين الطلاب والمعلمين في تأسيس الكيمياء، الفيزياء، الأحياء، وأيضاً الرياضيات، ما يعزز التفاعل والتعلم الجماعي. هذه الخدمة تمنح الطلاب شعوراً بالثقة وتخفف من القلق الذي قد يواجهونه أثناء الدراسة أو التحضير للاختبارات.

تكامل كامل مع أولياء الأمور

تسعى قاف بلس لإشراك الأسرة في العملية التعليمية، لذلك توفر تقارير أداء شاملة تُرسل بشكل دوري لأولياء الأمور، إضافة إلى إشعارات فورية عند إتمام الطالب للدروس أو الاختبارات. هذا التكامل يعزز دور ولي الأمر في متابعة ابنه وتشجيعه، ويسمح ببناء علاقة تعليمية صحية بين الأسرة والمنصة.

معلمون بخبرات عالية

تعتمد قاف بلس على نخبة من المعلمين ذوي الخبرة الواسعة في المناهج المحلية وأساليب التعليم الحديثة. تم اختيارهم بعناية لضمان تقديم محتوى احترافي يجمع بين الجودة والسهولة. ويُعد هذا الاعتماد على الكفاءات الوطنية عنصر ثقة إضافياً لأولياء الأمور، باعتبار أن أبناءهم يتلقون التعليم من خبرات محلية مؤهلة ومتمكنة.

تجربة استخدام سهلة عبر تطبيق متكامل

يتميز تطبيق قاف بلس بتصميم مبسط وواضح يسهّل على الطلاب التنقل بين الدروس، وحل التمارين، والدخول إلى الاختبارات في أي وقت ومن أي مكان. التطبيق متوافق مع الأجهزة الذكية كافة، ويقدم تجربة تعلم سلسة ومتاحة للجميع دون تعقيدات تقنية.

مسارات تأسيسية شاملة لجميع المواد

تقدم المنصة مسارات تأسيس قوية تشمل التأسيس الكمي واللفظي، إلى جانب مواد العلوم الأساسية: الكيمياء، الفيزياء، الأحياء، والرياضيات. تم تصميم هذه الدورات وفق المنهاج السعودي وبأسلوب مبسط يساعد الطالب على بناء قاعدة معرفية قوية تمهيداً للتقدم الأكاديمي.

تحضير شامل لاختبارات القدرات والتحصيلي

تقدم قاف بلس تدريباً متخصصاً يساعد الطلاب المقبلين على اختبارات القدرات والتحصيلي من خلال محتوى محاكي للاختبار الفعلي، وتمارين تفاعلية، واختبارات تجريبية كاملة. هذه الأدوات تعزز ثقة الطالب وتساعده على تحقيق درجات عالية.

أساليب تعليم حديثة وتنشيط التفاعل

تدمج المنصة بين الشروحات النظرية ومقاطع الفيديو القصيرة والرسوم التوضيحية، إضافة إلى الأنشطة التفاعلية بعد كل درس. تساعد هذه الأساليب الطالب على فهم الدروس بسرعة وتثبيت المعلومات بشكل أفضل.

انضم الآن إلى قاف بلس

لا تفوّت فرصة الانضمام إلى منصة تعليمية متطورة تساعدك على تحقيق التفوق. قم بالتسجيل الآن أو حمّل التطبيق، وابدأ رحلتك نحو مستقبل أكاديمي أفضل مع أدوات تعليمية مبتكرة ودعم مستمر.

مقالات مشابهة

  • غرفة تجارة عمّان تطلق منصتين رقميتين لتعزيز المشاركة التشريعية
  • وزارة الحج: 4 مزايا توفرها منصة نسك عمرة
  • أول رد من الحكومة اليمنية على الوقفات القبلية المسلحة التي تقيمها مليشيا الحوثي
  • الرئيس الكوري في جامعة القاهرة: أنتم القوة التي ستصنع مستقبل العلاقات بين مصر وكوريا
  • مبادرة شبكة الأمان الوطني للخدمات الأساسية
  • الحكومة تعتمد عدد من التوصيات الصادرة عن اللجان .. تفاصيل
  • على غرار «أمازون لوكر».. ما هي خدمة «بوست كوليكت» التي طرحها البريد المصري؟
  • إطلاق منصة قاف بلس.. وجهة تعليمية سعودية بميزات مبتكرة وتطبيق إلكتروني متكامل
  • بوقرة: “لم أحسم بعد القائمة النهائية التي ستشارك في كأس العرب”