«إنذار» لرابطة حقوق الإنسان التونسية؟
تاريخ النشر: 21st, May 2025 GMT
أحد أبرز مكتسبات المجتمع السياسي والمدني في تونس يبدو مهدّدا هذه الأيام. لا أحد يدري بعد المدى الذي يمكن أن يصل إليه هذا التهديد، وما إذا كانت خطورته تكمن في أنه تهديد من داخلها أم من خارجها، أم من كليهما.
«الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان» التي حصلت على تأشيرتها القانونية في مثل هذا الشهر من عام 1977، وكان مؤسسوها الأوائل من التيار الديمقراطي والليبرالي للحزب الحاكم الذي تركوه، مع وجوه أخرى من تيارات سياسية مختلفة، قومية ويسارية ومستقلة، هي أول جمعية من نوعها تظهر بإفريقيا والبلاد العربية وتتمثل أهدافها في «الدفاع عن حقوق الإنسان والحريات الأساسية الفردية والعامة المنصوص عليها بالدستور التونسي وقوانين البلاد وبالإعلان العالمي لحقوق الإنسان والمواثيق الدولية».
ما استدعى الحديث عن وجود مثل هذا التهديد هو ما حصل في اجتماع أخير لإحدى هيئاتها القيادية حين اقتحمت مجموعة من العناصر النسائية المنتمية للرابطة وهن «في حالة من الهيجان وتوزيع التهم على الحاضرين من الشتائم والتخوين» وفق ما أعلنه رئيسها المحامي بسام الطريفي الذي ربط ما حصل بما قامت به الرابطة من «فضح الانتهاكات التي تقوم بها السلطة» حيث أن هؤلاء «لم يرق لهن خطاب الرابطة الواضح والدقيق في رفض هذه الانتهاكات والتشهير بها».
لا فائدة في الدخول في تفاصيل ما حدث، وخاصة هؤلاء الذين قاموا بما قاموا به، فمثل هذه الصراعات ليست جديدة وقد شهدتها الرابطة في منعطفات عدة زمن حكم الرئيسين الراحلين الحبيب بورقيبة وزين العابدين علي، اشتد فيها القمع والتعذيب والمحاكمات السياسية. المختلف هذه المرة أنها تجري في أجواء لم تعرفها بهذا الشكل زمن هذين الرئيسين إذ حدثت تلك الصراعات السابقة بين أنصار الحكم ومنتقديه، سواء داخل هيئات الرابطة نفسها أو خارجها، وفي البلاد «كوابح» قادرة على منع انزلاق الأمور إلى نقطة اللاعودة، وهو ما لم يعد موجودا اليوم.
البلاد تعاني تصحّرا سياسيا مخيفا وضمورا رهيبا في دور منظمات المجتمع المدني، كما أن السلطة لم تعد في وارد أن تستمع إلى أحد سوى لصدى صوتها يتردد كانت هناك وقتها مجموعة من الأحزاب السياسية القادرة على دعم الرابطة والوقوف معها في وجه ما تتعرّض له من حملات إعلامية وتضييقات أمنية، وكان «الاتحاد العام التونسي للشغل» (نقابة العمال) في معظم المراحل، قويا ومهابا وقادرا على المقاومة، وكانت هناك نخبة سياسية محترمة وازنة تتمثل في شخصيات تحظى بالإشعاع والاحترام قادرة ليس فقط على التضامن مع الرابطة وانتقاد محاصرتها وتشويهها، وإنما أيضا على لعب دور الساعي لتخفيف حدة الاحتقان واجتراح حلول لعديد الأزمات التي عرفتها العلاقة بين السلطة والرابطة.
لا شيء من هذا ظل على حاله. هذه المرة، يأتي ما يمكن اعتباره إنذارا من السلطة إلى الرابطة، ولو عبر طرف من داخلها، والبلاد تعاني تصحّرا سياسيا مخيفا وضمورا رهيبا في دور منظمات المجتمع المدني، كما أن السلطة لم تعد في وارد أن تستمع إلى أحد سوى لصدى صوتها يتردد. لقد انزعجت السلطة، على ما يبدو، مما أعلنته الرابطة و«المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية» عن اعتزامهما تنظيم «المؤتمر الوطني للحقوق والحريات ومن أجل الدولة الديمقراطية» آخر هذا الشهر والذي «سيكون مفتوحا في اجتماعاته التحضيرية لكافة الفاعلين من أجل بلورة أرضية عمل مشتركة للمرحلة القادمة».
ويبدو أن ما أزعج السلطة أكثر من غيره أن هدف هذه المبادرة، كما أعلن الطرفان هو «تجميع قوى المعارضة والتفكير في إيجاد آليات عمل جماعية ومتضامنة ودائمة من أجل الدفاع عن الحقوق والحريات والمطالبة بإطلاق سراح كافة المساجين والموقوفين وإلغاء القوانين والتشريعات القاتلة للحريات، ورفع التضييقات على الإعلام والصحافيين ونشاط الجمعيات والأحزاب السياسية المعارضة».
لم يخل عمل الرابطة في السنوات الماضية، كما لم تخل مواقف وتصريحات بعض قيادييها، من مواقف غير موفّقة خاصة في تقدير ما قام به الرئيس قيس سعيّد منذ انقلابه على الدستور في يوليو/ تموز 2025 ومجمل النظام السياسي بعد ذلك، بسبب تغليب البعد السياسي على الحقوقي والقانوني، وبسبب سيطرة عقلية المناكفة في العلاقة مع الخصوم السياسيين على حساب الاعتبارات ذات العلاقة بالدفاع السامي عن حقوق الإنسان، حتى وإن كان هذا الإنسان من ألد هؤلاء الخصوم السياسيين أو العقائديين.
ورغم مرور الرابطة بمراحل صعود ونزول طوال العقود الماضية، ورغم ما كان يُلام عليها من سيطرة ألوان سياسية معيّنة على هياكلها، واختلاف وزن من تداولوا على تحمل المسؤوليات القيادية فيها، فقد ظل التحديان الأبرز أمامها، كما كانا دائما، هما من جهة إدارة التجاذبات بين تيارات سياسية مختلفة داخلها، ومن جهة أخرى محاولة النأي بها عن الصراعات السياسية خارجها، مع ضرورة إعطاء الأولوية دائما لقيم حقوق الإنسان التي يفترض أن تنتصر للحرية والقانون والعدالة بغض النظر عن اللون السياسي لمن يتعرض إلى المظالم، اتفقنا معه أم اختلفنا، وهو ما نجحت فيه الرابطة أحيانا وفشلت فيه في أحيان أخرى.
(القدس العربي)
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات قضايا وآراء كاريكاتير بورتريه تونس تونس النهضة قيس سعيد مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة صحافة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة حقوق الإنسان
إقرأ أيضاً:
محمود كارم: تقرير المجلس القومي لحقوق الإنسان يقدم تقييما موضوعيا ومتوازنا
أكد السفير محمود كارم رئيس المجلس القومي لحقوق الإنسان، أن التقرير السنوي الثامن عشر للمجلس، يأتي التزامًا بالدور الدستوري والقانوني للمجلس، وحرصه على الشفافية وحق المجتمع في المعرفة، وتعزيز الحوار العام بشأن قضايا الحقوق والحريات.
جاء ذلك خلال كلمة للسفير كارم ضمن المؤتمر الصحفي ابذي يعقده المجلس القومي لحقوق الإنسان، لإطلاق تقريره السنوي الشامل حول أوضاع حقوق الإنسان في جمهورية مصر العربية عن الفترة من 1 يوليو 2024 - 30 يونيو 2025.
وأوضح رئيس المجلس، أن التقرير لا يقتصر على الرصد والتوثيق، بل يمثل ثمرة جهد مؤسسي متكامل شارك فيه أعضاء المجلس ولجانه النوعية وخبراؤه، واستند إلى منهجية مهنية مستقلة شملت المتابعة الميدانية، وتلقي الشكاوى، وتحليل التشريعات والسياسات العامة، والاستماع إلى مختلف الأطراف المعنية، بما في ذلك مؤسسات الدولة والمجتمع المدني والمواطنين.
وأشار إلى أن التقرير يأتي في ظل سياق وطني وإقليمي ودولي بالغ التعقيد، تواجه فيه الدول تحديات متشابكة تتعلق بالأمن والاستقرار والتنمية الاقتصادية والعدالة الاجتماعية، مؤكدًا أن حقوق الإنسان بمفهومها الشامل تظل الركيزة الأساسية لتحقيق التنمية المستدامة.
وأكد رئيس المجلس أن التقرير حرص على تقديم تقييم موضوعي ومتوازن، أبرز الجهود المبذولة خلال العام المنصرم لتعزيز منظومة حقوق الإنسان، خاصة على صعيد الإصلاح التشريعي، وإطلاق الاستراتيجيات الوطنية، وتحسين أوضاع الفئات الأولى بالرعاية، وفي مقدمتها المرأة والطفل وذوو الإعاقة وكبار السن والشباب، مع عدم إغفال التحديات وأوجه القصور التي تتطلب معالجة جادة.
ولفت إلى أن التقرير تضمن عددًا من التوصيات الواضحة والعملية لتعزيز حماية حقوق الإنسان وترسيخ سيادة القانون وتطوير السياسات العامة، وتحقيق التوازن بين متطلبات الأمن واحترام الحقوق والحريات، مشددًا على أن هذه التوصيات تعكس استقلال المجلس وتستند إلى الدستور والمعايير الدولية التي التزمت بها الدولة المصرية.
وأكد رئيس المجلس، أن المجلس القومي لحقوق الإنسان شريك وطني في مسيرة البناء والإصلاح، وأن هدفه دعم الجهود الجادة وفتح مساحات للحوار وتعزيز الثقة، والعمل من أجل كرامة الإنسان المصري وحقوقه دون تمييز، مثمنًا في الوقت ذاته التعاون القائم مع مؤسسات الدولة، مع التأكيد على أهمية استمرار هذا التعاون في إطار من الاحترام المتبادل والحفاظ على استقلال المجلس ودوره الرقابي والاستشاري.
واختتم رئيس المجلس تصريحاته بالتأكيد أن طرح التقرير للرأي العام يمثل دعوة مفتوحة للنقاش المسؤول والمشاركة المجتمعية في تطوير منظومة حقوق الإنسان في مصر، موجهًا الشكر لكل من أسهم في إعداد التقرير ووسائل الإعلام لدورها الحيوي في نقل الحقائق وتعزيز الوعي وترسيخ ثقافة حقوق الإنسان.