العقوبات الأمريكية على السودان- لحظة محورية أم تعميق للمأزق؟
تاريخ النشر: 23rd, May 2025 GMT
zuhair.osman@aol.com
في 22 مايو 2025، أعلنت وزارة الخارجية الأمريكية فرض عقوبات جديدة على الحكومة السودانية، في خطوة وصفتها دوائر دبلوماسية بأنها تمثل "أعلى مستويات التصعيد" منذ اندلاع الحرب الأهلية في البلاد في أبريل 2023.
وجاءت هذه الإجراءات عقب اتهامات باستخدام أسلحة كيميائية في دارفور، في انتهاك صارخ للقانون الدولي الإنساني، كما وصفها المتحدث باسم الخارجية الأمريكية بقوله:
"العدالة تقتضي أن تتحمل الجهات المسؤولة تبعات أفعالها، ولا يمكن للولايات المتحدة أن تقف مكتوفة الأيدي أمام خروقات فظيعة لحقوق الإنسان".
هذه العقوبات لا تأتي في فراغ، بل تُشكّل تطورًا نوعيًا في سياق دولي ظلّ حذرًا ومتردّدًا في تجاوز الإدانة الخطابية إلى الفعل التنفيذي. ومع تفاقم الكارثة الإنسانية وانهيار مؤسسات الدولة، تُطرح تساؤلات جدّية حول ما إذا كانت هذه العقوبات ستغير شيئًا في المعادلة، أم ستزيدها تعقيدًا.
أثر العقوبات: بين الرمزية والفعالية
رغم أن أثر العقوبات على توازن القوى العسكرية في المدى القريب قد يكون محدودًا، بالنظر إلى وجود مصادر دعم وتسليح متنوعة لطرفي النزاع، فإن الأثر الأهم يتجلى في المجال السياسي والدبلوماسي، حيث تهدف واشنطن إلى عزل الحكومة السودانية
وحرمانها من الشرعية الدولية، في تمهيد واضح لمحاسبة قانونية لاحقة، أو إعادة ترتيب شروط أي تسوية مستقبلية.
وبينما يذكّرنا تاريخ العقوبات على السودان، خاصة خلال التسعينيات، بآثارها المؤلمة على المدنيين أكثر من النخب، فإن الصيغة المستهدفة لهذه العقوبات الجديدة – التي تطال قطاعات محددة وأفرادًا نافذين – تمثّل تطورًا يعكس تعلمًا من التجارب السابقة.
لكن يبقى هناك سؤال مفتوح حول ما إذا كانت العقوبات تستثني المساعدات الإنسانية، إذ أن غياب هذه التفاصيل قد ينذر بتضييق جديد على المدنيين، في بلد يواجه واحدة من أسوأ الأزمات الغذائية والصحية في العالم.
التحالف الإقليمي في مأزق الخيارات
أبرز ما تكشف عنه هذه العقوبات هو الإحراج المتزايد الذي تواجهه الدول العربية الداعمة للجيش السوداني، والتي استند دعمها في السابق إلى دوافع استراتيجية تشمل كبح النفوذ الإسلامي، وحماية مصالح أمنية وتجارية على البحر الأحمر
واستثمار الفراغ الجيوسياسي في شرق إفريقيا.
لكن مع تلويح واشنطن – عبر تصريحات مسؤولين في وزارة الخزانة – بأن العقوبات قد تشمل شركاء يدعمون "المنتهكين للقانون الدولي"، بدا وكأن باب العقوبات الثانوية قد فُتح. وهكذا، يجد التحالف الإقليمي نفسه مضطرًا إلى مراجعة خياراته
في توازن دقيق بين الإبقاء على نفوذه في السودان وعدم خسارة العلاقة الحيوية مع واشنطن.
حتى الآن، اختار التحالف الصمت، وربما المراقبة، بانتظار ما إذا كانت هذه العقوبات خطوة مؤقتة أم بداية لسلسلة أشمل من الإجراءات.
الصوت المدني... الغائب الحاضر
في كل هذا، يظل الصوت المدني السوداني الأكثر تغييبًا والأكثر حاجة للدعم.
الحركات المدنية التي حملت راية الثورة السودانية في 2019 لا تزال في حالة تشرذم، إذ أن التنافس بين مكوناتها، وغياب مشروع سياسي موحّد، قد أفقدها فاعليتها. ومع ذلك، تواصل لجان المقاومة والمنظمات المحلية نضالها على الأرض،
في ظروف قاسية، دون غطاء دولي كافٍ.
إن الرهان الحقيقي لإنهاء الحرب لا يكمن في العقوبات وحدها، بل في بناء بديل سياسي مدني قادر على ملء الفراغ، وتقديم مشروع جامع للسلام والمواطنة والعدالة الانتقالية.
احتمالات المستقبل: بين التدويل والانهيار
تمثّل العقوبات الأمريكية اليوم عتبة محتملة لتدويل أوسع للصراع، قد يشمل لجان تقصّي حقائق دولية، أو طرح الملف أمام مجلس الأمن. لكن الانقسامات الدولية – خاصة بين الولايات المتحدة من جهة، وروسيا والصين من جهة أخرى – تجعل هذا المسار
محفوفًا بالعراقيل.
في المقابل، الاقتصاد السوداني المنهار هو الطرف الأضعف في هذه المعادلة. فالعملة المحلية تفقد قيمتها يوميًا، والتضخم بلغ مستويات قياسية، والمجتمع يرزح تحت الفقر وانعدام الأمن. وقد يؤدي هذا الانهيار إلى فرض تنازلات من الأطراف المتقاتلة
لكنه يحمل أيضًا خطر تحلل الدولة بالكامل، بما لا يبقي شيئًا للتفاوض عليه.
نظرة نقدية: بين الادعاءات والمساءلة
يجب على المجتمع الدولي أن يتعامل بحذر مع الاتهامات بخصوص استخدام الأسلحة الكيميائية، عبر تحقيقات مهنية وشفافة. إذ أن عدم إثباتها بشكل قاطع قد يُحوّل العقوبات إلى أداة سياسية مثيرة للجدل، ويُضعف موقف الولايات المتحدة أخلاقيًا في عيون البعض.
كذلك، فإن أية عقوبات لا تترافق مع ممرات آمنة للمساعدات، ودعم واضح للجهود الإنسانية والديمقراطية، قد تُنظر لها كعقاب جماعي، لا كوسيلة ضغط سياسية عادلة.
الحل سوداني أولًا - تمثل العقوبات الأمريكية لحظة فارقة في تاريخ الصراع السوداني، وتضغط على اللاعبين الإقليميين والدوليين لإعادة التفكير في تموقعاتهم.
لكنها ليست عصا سحرية، ولن تنهي الحرب وحدها. بل هي فرصة – إن أحسن السودانيون قراءتها – للانتقال من معادلة الحرب إلى معادلة الحل السياسي.
وفي نهاية المطاف، السلام الدائم لا يُفرض من الخارج، بل يُبنى من الداخل، عبر مشروع وطني جامع يُنهي عهد الانقلابات والميليشيات، ويؤسس لدولة عادلة، مدنية، ومزدهرة.
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: هذه العقوبات
إقرأ أيضاً:
كامل إدريس الطيب رئيس الوزراء السوداني
كامل إدريس الطيب سياسي وأكاديمي ودبلوماسي سوداني بارز. وُلد في 26 أغسطس/آب 1954 بمدينة أم درمان. شغل منصب المدير العام للمنظمة العالمية للملكية الفكرية (ويبو) بين عامي 1997 و2008. وفي 19 مايو/أيار 2025، عين رئيسا لمجلس الوزراء السوداني.
المولد والنشأةولد كامل الطيب إدريس عبد الحفيظ في 26 أغسطس/آب 1954 في مدينة أم درمان، إحدى المدن الثلاث المشكلة للعاصمة الخرطوم.
ينحدر من أسرة نوبية تنتمي إلى قرية الزورات الواقعة شمال دنقلا في الولاية الشمالية في السودان.
والده هو الطيب إدريس عبد الحفيظ، ووالدته هي أمونة حاج حسين محمد جمعة، وهو متزوج من الدكتورة عزة محيي الدين أحمد مبروك، ولهما 5 أبناء هم: محمد ودينار وداليا ودعد ومؤمن.
نشأ في بيئة تقليدية محافظة، وتلقى تعليمه الأولي في السودان، متأثرا بالقيم الثقافية والدينية لمجتمعه المحلي.
الدراسة والتكوين العلمي
بدأت رحلة كامل إدريس التعليمية بحصوله على شهادة الثانوية العامة بتفوق، ثم التحق بجامعة القاهرة-فرع الخرطوم وفيها نال بكالوريوس الفلسفة بمرتبة الشرف، وبعدها انتقل إلى جامعة الخرطوم، وحصل على البكالوريوس في الحقوق.
ولم يتوقف عند ذلك، بل سعى لتوسيع آفاقه الأكاديمية، فحصل على دبلوم في الإدارة العامة بامتياز من معهد الإدارة العامة في الخرطوم.
وتوجه إلى الولايات المتحدة الأميركية لاستكمال دراساته العليا، فحصل على ماجستير في الشؤون الدولية من جامعة أوهايو، واحتل الرتبة الأولى في دفعته، ثم أكمل دراسته في أوروبا، ونال درجة الدكتوراه في القانون الدولي من المعهد العالي للدراسات الدولية بجامعة جنيف، بتقدير امتياز، عن أطروحة بعنوان "دراسة حول المعاهدة المنشئة لمنطقة التجارة التفضيلية لدول شرق وجنوب أفريقيا".
إعلانلم تقتصر دراساته على هذه الدرجات الأكاديمية، بل واصل تعميق معرفته في مجالات متعددة، فشارك في دراسات تكميلية في الاقتصاد الدولي والتاريخ الدولي والعلوم السياسية والقانون الدولي للتنمية والقانون الدولي للملاحة والقانون الدولي للنظام المالي والبنكي، وذلك في المعهد العالي للدراسات الدولية في جنيف.
التجربة السياسية والعمليةكان كامل إدريس ناشطا في الحركة الطلابية والسياسية في السودان أثناء سنوات دراسته الجامعية، وبعد ذلك بدأ العمل مع مؤسسات الأمم المتحدة ومنظمات دولية أخرى، خاصة في مجال الاستشارات القانونية وقضايا الملكية الفكرية.
كذلك عمل في مجال التحكيم الدولي، وساهم في تقديم حلول عملية ودبلوماسية لكثير من النزاعات التجارية والدولية.
وفي عام 2000، تولى رئاسة المنظمة العالمية للملكية الفكرية (ويبو)، وعمل على تطوير العديد من البرامج والمبادرات التي تهدف إلى تعزيز التعاون الدولي في هذا المجال.
ترأس أيضا الاتحاد الدولي لحماية الأصناف النباتية الجديدة (أوبوف)، وهو منظمة تركز على تطوير الأنظمة القانونية لحماية النباتات والمزارع.
وكان له دور بارز في محافل دولية أخرى تتعلق بمكافحة الجرائم الاقتصادية، وساهم في تطوير التشريعات الدولية لمحاربة الفساد.
وساهم في العديد من الهيئات الاستشارية الدولية التي ساعدت في صياغة التشريعات والقوانين الدولية الخاصة بالتجارة وحماية البيئة.
وفي 2010، أعلن ترشحه للرئاسة في السودان مرشحا مستقلا، وقدم برنامجا تحت شعار "إنسان السودان أولا"، ودعا إلى بناء دولة مدنية تقوم على سيادة القانون، واستقلال القضاء والعدالة الاجتماعية والتنمية المستدامة، لكنه خسر السباق نحو الرئاسة.
وفي 19 مايو/أيار 2025، عينه رئيس مجلس السيادة الانتقالي عبد الفتاح البرهان في منصب رئيس وزراء السودان.
وجاء تعيين كامل إدريس بعد فترة من الفراغ الحكومي عقب استقالة رئيس الوزراء السابق عبد الله حمدوك في أغسطس/آب 2021، إثر إجراءات سياسية اتخذها الجيش في أكتوبر/تشرين الأول 2021.
إعلانوفي تلك الفترة نفسها جرت مشاورات داخلية وخارجية لتعيين شخصية توافقية تقود المرحلة الانتقالية، وكان اسم كامل إدريس من بين الأسماء المطروحة.
الوظائف والمسؤوليات المدير العام للمنظمة العالمية للملكية الفكرية (ويبو) من نوفمبر/تشرين الثاني 1997 حتى سبتمبر/أيلول 2008. الأمين العام للاتحاد الدولي لحماية الأصناف النباتية الجديدة (أوبوف). عضو لجنة القانون الدولي التابعة للأمم المتحدة. أستاذ الفلسفة والقانون بجامعات القاهرة وأوهايو والخرطوم. رئيس مجلس الوزراء السوداني (19 مايو/أيار 2025).