بسبب عائلتي.. أعيش على حافة الحياة
تاريخ النشر: 24th, May 2025 GMT
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، سيدتي الفاضلة قراء الموقع الكرام، قصتي أو بالأحرى حياتي عبارة عن صراع حقيقي أنا المهزومة فيه.
فبعد وفاة والدي رحمة الله عليه أوكلت لي مسؤولية البيت، لكن ما أثقلها من مسؤولية. فمشاكل إخوتي لا تكاد تنتهي.
أحاول دوما أن أصلح بينهم لكن لا حياة لمن تنادي، فلا أحد يتقبل كلامي ولا أحد يصغي لما أقول بالرغم من أنني الأخت الكبرى.
أجل سيدتي، فبالإضافة إلى إعاقة أمي وعجزها الذي يضطرني لان أكون حريصة جدا على حالتها.
أخي المتزوج لا يعرف الاستقرار، علاقته بزوجته دوما متوترة ويتعاملون مع أولادهم بقسوة.
أما أخي الأعزب فلا عمل له سوى مواكبة الموضة وآخر الصيحات الهواتف النقالة.
ومن زادت من همي أختي التي تراجعت في مستواها الدراسي والتي بدأت تلمح من الآن أنها لن تعود للدراسة لأنها مؤكد سوف ترسب في السنة الدراسية.
وتوترات أخرى تعكر صفوة حياتنا، وأنا حقا فقدت القدرة على التحمل وأشعر بالتعب.
أصبحتُ عصبيةً ومتوَتِّرة، حتى مستقبلي وضعته على رف الانتظار إلى أجل غير مسمى. وبت ارفض كل من يتقدم لخطبتي خوفا من أن تتفاقم الأمور في بيتنا بعد غيابي.
أهملت نفسي، وأراني أذبل كوردة بلا ساقي، أصابني كسَل وجمودٌ، حتى إنني أعيش على هامِش الحياة.
بالرغم من أنني فتاة مُثقَّفة والحمد لله، وعلى قسطٍ مِن الجمال، وعندي وظيفة جيدة.
لكن فقدت الشغف في الحياة، ولم أعد أرغب في تطوير نفسي، صرت أحاول أن أقنع نفسي بأنني متماسكة ومتفائلة.
لكن في الحقيقة اليأس لفّ قلبي وصار يائسا من التحسن، فما العمل أفيدوني من فضلكم.
أختكم نصيرة من الشرق
الرد:وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته أخيتي، بعد قراءتي لرسالتك رأيت حياتك من زاوية جميلة أنت في غفلة عنها.
فأنت البذرة الحسن التي أصلها ثابت وفرعها في السماء، أنت الأخت الطيبة التي تلم الشمل وتصبر على هموم عائلتها. ليصعد أجر صبرها إلى الله ويعود عليها برحمات منه يثبتها ويزيد من همتها.
أنا لا أكلفك ما لا تطيقين، لكن اعلمي أن هذه المسؤولية لم تكن لتقع على عاتقك لو لم يرى الله فيك خيرا. فلما تفقدين الشغف في الحياة حبيبتي..؟ أتعلمين متى نفقد الشغف في الحياة؟.
حين نضيع الهدف الذي نقوم لأجله من نومنا ونمضي في لتحقيقه في يومنا، فتأخذ المشاكل المحيطة بنا الحيز الأكبر من اهتمامنا. ونغدو مكبلين بها.
أنا لا أطلب منك التخلي عن عائلتك، لا على العكس، فقمة التربية أن نكون مهتمين بالعائلة. وأن نحاول بكل ما أوتينا من حب وحنان اتجاههم مساعدتهم وإصلاح حالهم.
لكن بدلا من أن نترك تلك المشاكل تقتل كل ما هو جميل فينا. لابد أن نجعلها محفزا للتفكير في بدائل للخروج من قوقعة الصخب إلى المدى الأرحب.
هل سألت نفسك يوما، لما تستمر المشاكل بالرغم من محاولاتك المتكررة لإصلاحها؟. وهنا مربط الفرس، أنت تتعاملين مع مشاكل أسرتك بالسرد والعد فقط والنهي والأمر.
حبيبتي تتوقفي لبرهة، راجعي أسلوبك مع أفراد أسرتك، ربما هم بحاجة إلى الحب والحنان أكثر من حاجتهم إلى الآمر. والناهي والمنتقد على الدوام.
والله يقول في كتابه الكريم: “ادفع بالتي هي أحسن” فالإحسان طريق لكسب قلوب من حولنا، خاصة الصغار.
وأنت قلت أن هناك مشكلة في تربي أخاك وزوجته لأولادهم، إذا كوني أنت العمة الحنون وساهمي في تربيتهم ونيل الأجر من الله. فالعمة مكمن الحب والرحمة أيضا.
فيما يخص الأخ، والأخت الآخرين، أظن أنه طيش شباب وسرعان ما سيعودان إلى رشدهما.
وكل ما يحاجانه حلول فعلية كان تدفعيهما إلى عمل تربصات تؤهلهم للحياة العملية، لكن بأسلوب الترغيب. أما والدتك فبرها وطاعتها وخدمتها واجب عليكم لا نقاش فيه.
عزيزتي، إن التفكك الأسري وافتقاد المودة يؤدي دوما إلى التنافر بين أفراد العائلة. لذا حاولي قدر المستطاع ترميم جسور المودة بين أفراد عائلتك.
كما أنصحك أن ترجعي حساباتك في مسألة زواجك، فإن جاءك من ترضين دينه وخلقه فكري مليا واستخيري الله. ثم أبدا لا تهملي نفسك وصحتك. فالعمر يمر، والله يحاسبنا على كل لحظة فيما أفنيناها.
فاستغلي كل أوقاتك الاستغلال الحسن، في الطاعات وإقامة علاقات طيبة. واعلمي انك قوية وسوف تبقين كذلك وأن أخر الصبر جبرا بإذن الله.
إضغط على الصورة لتحميل تطبيق النهار للإطلاع على كل الآخبار على البلاي ستور
المصدر: النهار أونلاين
إقرأ أيضاً:
همسات على حافة الوعي
إضاءةنحن من نصنع كلماتنا، لهذا لا مناص من أن ندرك ما تفعله الكلمات، إنها تقدمنا ككيان لمن يقرأها أو يسمعها، كذلك أفعالنا؛ الحياة قيمة تتطلب الإيجابية والإيجابية ليست وهم نفس ولا ترفا فكريا يوهمك حتى فناء العمر، وليس من الصواب أيضا النظر لهذا الكلام باستصغار الحياة كقيمة أو انتقاص العمل في إعمارها وزيادة العبادات كمناسك وفروض، فالبناء من مهام البشرية، والتدين غريزة كما التملك وحب السيادة غريزة، فتقوية غريزة على غريزة ليس بها النجاة؛ وإنما فهم الخلق وأسبابه والحقوق والمعاملات يبعدك عن عبادة الفانيات الزائلات ويضع كلا في محله كي تسير الحياة وتقوم بواجب عمارة الأرض؛ باستخدام منظومتك العقلية وليس بترك غرائزك تستعمرك.
فالتعبد الغريزي بلا فهم لا ينعكس على رعايتك للقيم، وحب التملك والسيادة لا يجعلك متمكنا في الحياة، فكل هذا كما يرتفع ينخفض، فلا قوة باقية إلا ما فعلت بها ما خُلقت له، ولا مال أنت مالكه إلا ما زهدت عنه بعطائك له لمن يحتاجه وبنيت حياة أو أسعفت كرامة، ولا صوم وصلاة تنفع وهي ستار أذاك للآخرين.
همسات على حافة الوعي
على حافة وعيك، قف قليلا وتأمل، الإدراك للحياة ليس بالرفاهية التي تذهب بالعقلية، بل هي ضرورة وجودية، الإدراك بأن كل لحظة تعيشها هي أمانة، وكل نفس تنفسه هو فرصة لترميم الداخل قبل الخارج.
لكن هل يعني هذا أن ننظر للحياة باستصغار؟ أن ننبذها بدعوى الزهد ونتخلى عن العمل بحجة الفناء؟ كلا. فالحياة قيمة عليا، وقد خُلقنا فيها لنعمر لا لنهدم، لنبني لا لننعزل، لنُضيف للحياة جمالا وقيمة، لا لنكون متفرجين على انقضائها. فحتى التدين، إذا انفصل عن فهم الخلق وأسبابه، قد ينقلب إلى عادة غريزية بلا أثر، كما أن حب التملك والسيادة، إن لم يُضبط بالعقل والقيم، قد يتحول إلى عبودية جديدة يُستعبد فيها الإنسان لأوهام القوة والمال، ألم تر أن هذا ما يحصل فعلا!
إننا نخدع أنفسنا حين نظن أن إشباع الغرائز يكفي لإقامة حياة متوازنة، الغريزة بلا وعي تستعبد صاحبها، الإيجابية الحقيقية ليست في إنكار هذه الغرائز، بل في ضبطها وإدراك موضعها الطبيعي في دورة الحياة، بحيث لا تصبح غاية وهي حقيقتها وسيلة للحياة.
المال الذي هو الطريق الممهد إلى الحاجات من أجل البناء والكرامة، لكنه حين يسكن النفس بدل اليد يستعمرها، ويصبح سيدا قاسيا يستهلك العمر بوهم الرفاهية. القوة كذلك، إن لم توظف لرفع المظلومين فهي كهيجان ثور لا يثنيها إلا أن تخضع لمن يأكل صاحبها. لا بد أن ندرك أننا في مهمة السلالة والحفاظ عليها والإعمار، فإن لم نكُ البنائيين نكن الممهدين، وهذا لا يقبل ما نفهم من معاني الرفاهية في وحي الأنانية. هنا تأتي الإيجابية كوعي: أن تدرك أن مُلكك ليس ما أخذت، بل ما أعطيت، ليس ما تزعمه بل ما تترك أثره في الأنفس من بعدك. الإيجابية هي أن تجعل كل طاقتك لبناء ما يبقى، لا للانغماس فيما يزول، أن تعيش كل يومك وكأنك تبذر بذورا ستظل تزهر حتى بعد أن ترحل، فما أقصر عمر الإنسان الممتلئ بالحكمة وإن طال بالسنين، فهنالك الكثير من الكلام الذي سيرافقه إلى القبر.
أأكون واعظا؟
أأكون واعظا حين أقول إن الإنسان الصفري الغائب عن الوعي وهو يرى نفسه ويتصور أنه يحقق إنجازا بطغيانه وتوسيع ملكه وظلمه؟ هو إنسان ميت لأن نفسه التي كرمها الله تلوثت أو غائبة في جب الشهوات التي استعمرت البعض وبنت فيهم قيمها التي ستلقيهم في حساب يأتيهم فجأة، "مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ، هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ". والهلاك هو من لا امتداد له؛ في لحظة صمت داخلي. ربما تدرك هذه الحقيقة؛ كل ما ترفعه اليوم من قصور مادية أو عروش معنوية سيزول لكن الكلمة الطيبة واليد التي امتدت لتسعف لا لتفسد، النفس التي صبرت على الألم ولم تظلم، كل هذه ستبقى، وستشهد أنك كنت هنا، وأنك تركت الحياة أفضل قليلا لمن بعدك، أما إن تركتها أسوأ فلا ملكتَ ولا أثريتَ أو تسلطت بل ملئ رصيدُك باللعنات.
إنها همسات تأتيك على حافة الوعي لتذكرك بأن الإيجابية ليست شعارا لتجميل اليأس، ولا وهْما ورديا للهروب من الواقع. الإيجابية هي أن تعيش بفهم، أن تعطي بغنى، أن تعمل بإخلاص، أن تتعبد بوعي، وأن تحب بصدق، لأنك حينها فقط تحقق الغاية من وجودك: عمارة الأرض وحفظ السلالة.
الخلود في العطاء
العمر فانٍ لا شك، لكن ما تزرعه فيه من معنى يبقى خالدا، ممتدا كظل شجرة وارفة لا تدري كم نفسا ستستظل بظلها بعدك. فلا قوة تبقى إلا إذا سخّرتها لما خُلقت لأجله، ولا مال يخلّد صاحبه إلا ما أحيا به حياة أو أعان به ملهوفا. لقد أدرك الرعيل الأول هذا فتخلى ليصنع المجد وينشر القيم ويحرر البشر، جاءتهم الدنيا فأعطوها بعدل ولم يستأثروا، كانت ولادات جديدة بعد ضياع وموت النفوس، وكان التسامح أداة احتضان للبنّائين الذين كانوا بالأمس يهدمون، كذلك رأينا الصحابة وولادتهم وكيف يحس كل من كان يعرفهم حينها بشعاع التغيير عندما آمنوا، فقد آمنوا ولم يدعوا الإيمان فقط.
ونحن اليوم نقف أمام إمكانية ولادة، والولادة لأنفسنا وليس لأجسادنا الولادة للآدمية التي غادرها الكثير بالأنانية التي حولت إبليس شيطانا، ألم يئن الأوان ليدرك من يجب أن يدرك من معرفته ليولد، فالتاريخ لا يكتبه مخدوعون، ومن يكتب يسجل سواد الحُجب التي تعمي البصيرة.