تحت رماد الحرب: مزارعو وسط السودان يكافحون لإحياء أراضيهم
تاريخ النشر: 25th, May 2025 GMT
منتدى الاعلام السوداني
ود مدني: (عاين)
في ظل دمار الحرب وتوقف عجلة الحياة، يستعد المزارع عمر قوز في مشروع السوكي الزراعي بولاية سنار، وسط السودان، لاستقبال أول موسم زراعي له منذ اندلاع القتال.
مثقلاً بمخاوف من فشل محتمل يلوح في الأفق، يواجه قوز، وآلاف المزارعين أمثاله في ولايتي سنار والجزيرة، تحديات جسيمة تتمثل في انهيار قنوات الري، وتوقف التمويل، ونقص حاد في الآليات والتقنيات الزراعية.
تحديات متراكمة تهدد الموسم الزراعي: مع اقتراب الموسم الزراعي الصيفي، تبدو عمليات تحضير الأرض في ولايتي الجزيرة وسنار، اللتين تضمّان أكبر المشاريع الزراعية في البلاد، ضعيفة بشكل ينذر بتقلص المساحات المزروعة. هذا الواقع المرير يتناقض مع الخطط المبكرة التي أعلنتها الحكومات المحلية لإنجاح الموسم.
أكثر ما يؤرق المزارعين هو غياب خطط التمويل المصرفي. وتتزايد المخاوف من حرمان المزارعين المثقلين بديون سابقة لما قبل الحرب من الحصول على تمويل جديد. وقد زاد الطين بلة إصدار البنك الزراعي مطالبات بسداد المديونيات، بل وسجن بعض المزارعين في ولاية الجزيرة، وفقاً لمتابعات (عاين).
إرث الحرب الثقيلعانت ولايتا الجزيرة وسنار بشدة منذ اجتياح قوات الدعم السريع لهما في ديسمبر 2023. صاحب هذا الاجتياح توقف شبه كامل للنشاط الزراعي، ووقعت أعمال نهب واسعة طالت الآليات الزراعية، الأسمدة، المبيدات، وحتى المحاصيل الجاهزة. هذا الفقدان للمقدرات، بالإضافة إلى تراكم ديون البنك الزراعي، يجعل عودة المزارعين إلى أراضيهم، حتى بعد استعادة الجيش السوداني السيطرة على بعض المناطق، محفوفة بالمخاطر.
خطط حكومية وآمال معلقةفي محاولة لمواجهة الأزمة، طرحت حكومة ولاية سنار خطة وصفتها بالمكثفة لموسم الزراعة للعام الجاري، معتبرةً الزراعة بوابة للخروج من الأزمة الاقتصادية الطاحنة. وأعلن وزير الإنتاج والموارد الاقتصادية في ولاية سنار، المهندس الهادي الصادق، عن استعدادات مبكرة لإنجاح الموسم الزراعي 2025 “على الرغم من التحديات”.
معاناة مشروع السوكي الزراعيإلا أن هذه التصريحات لا تجد صدى كافياً على أرض الواقع في المشاريع الكبرى. يكشف المزارع عمر قوز عن مشكلات هيكلية في مشروع السوكي، أبرزها تهالك نظام الري. يقول لـ(عاين): “تبلغ مساحة المشروع 124 ألف فدان تعتمد في ريها على أربع طلمبات متهالكة تعود إلى تأسيس المشروع عام 1970. جرت محاولات لصيانتها، لكن الطلمبات الجديدة غير مطابقة للمواصفات.” ويضيف: “قنوات الري الرئيسية انهارت، والترع تحتاج إلى تطهير، ونظام الري بأكمله بحاجة لإعادة بناء. إذا أرادت الحكومة تلافي فشل الموسم، فعليها إسعاف منظومة الري بشكل عاجل”.
ويشير قوز إلى عقبة التمويل قائلاً: “في عام 2022، حصلت مبادرة للمزارعين على تمويل من البنك الزراعي بنحو تريليون جنيه سوداني للأسمدة والجازولين. أعضاء هذه المبادرة، وكثير منهم ليسوا مزارعين حقيقيين، لم يسددوا القرض، مما حرم المزارعين الجادين من التمويل حتى الآن”. كما يوجه قوز انتقادات لاذعة للاتحادات الزراعية، متهماً منسوبي حزب المؤتمر الوطني بالهيمنة عليها منذ التسعينيات، والاهتمام بتعزيز نفوذهم بدلاً من معالجة مشكلات المزارعين.
مشروع كساب، وعود لم تُنفذالوضع ليس أفضل حالاً في مشروع كساب الزراعي بولاية سنار. يتحدث المزارع عبد الإله النور بمرارة عن غياب أي تحضيرات حكومية، خاصة فيما يتعلق بتطهير قنوات الري. يقول لـ(عاين): “للأسف، لم تقم إدارة مشاريع النيل الأزرق المروية ولا الولاية بأي تحضيرات. طلمبة ري ‘روينا’ جاهزة، لكن البنية التحتية للمشروع، خاصة قنوات الري، منهارة تماماً”. ويكشف النور عن وعود من مستثمر بتمويل العمليات تبخرت بسبب ارتفاع التكلفة. ويؤكد أن المزارعين مستعدون وقاموا بعمليات النظافة الأولية، لكنهم “ينتظرون جهة تمولهم، فلا مصدر رزق آخر لهم سوى الزراعة”. وتُضاف فاتورة الكهرباء التي تتطلب دفعاً مقدماً كعبء آخر.
ولاية الجزيرةسجن المزارعين يفاقم الأزمة: في ولاية الجزيرة، يواجه المزارعون تحديات مماثلة، أبرزها التمويل، كما يفيد المزارع سلمان الهادي من مشروع الجزيرة. يقول لـ(عاين): “يعيش المزارعون حالة خوف شديد بسبب مطالبة البنك الزراعي بديون ما قبل الحرب، والتي لم يتمكنوا من سدادها لفشل موسم الحصاد ونهب قوات الدعم السريع للمحاصيل”. ويضيف بقلق: “أُدخِل مزارعون في محلية القرشي السجن مؤخراً بسبب بلاغات من البنك الزراعي، ومن المتوقع أن تطال هذه الإجراءات آلاف المتعثرين، مما يهدد بإفشال الموسم الزراعي ما لم تتم معالجة عاجلة”.
يُذكر أن مشروع الجزيرة والمناقل، الذي تأسس عام 1925 ويمتد على مساحة 2.2 مليون فدان، يُعد من أكبر المشاريع المروية في أفريقيا، ويعيش فيه ويعتمد عليه ملايين السودانيين.
آراء الخبراء.. تكاليف باهظة وغياب للدعميرى المهندس الزراعي محمد عثمان أن نقص التمويل وارتفاع تكاليف المدخلات يهددان تحقيق الاكتفاء الذاتي. ويشير إلى عدم توفر الجرارات لتحضير الأراضي، والارتفاع المطرد في أسعار الجازولين. ويقول لـ(عاين): “التمويل المتاح بشروط الشركات أو البنوك له تأثير سلبي بسبب ارتفاع تكلفة المدخلات، مما يدفع المزارعين لتقليص المساحات والتركيز على محاصيل أقل تكلفة كالذرة، وهو ما يؤثر على التنوع والإنتاجية”.
من جهته، يؤكد المهندس الطيب عبد الله، مدير إحدى شركات المدخلات الزراعية بولاية سنار، أن التغير السريع في قيمة العملة أدى لارتفاع كبير في أسعار المدخلات، مما كبّد الشركات خسائر فادحة. وفيما يتعلق بالوقود، يقول لـ(عاين): “المشكلة ليست في توفره بقدر ما هي في تصديقات الحصول عليه، فضلاً عن أن تكلفة الجازولين والأسمدة عالية جداً، والوقود في حد ذاته شحيح”.
نهب ممنهج وتدهور أمنييشدد عبد الله على أن المحليات الغنية بالزراعة المطرية مثل الدالي، المزموم، الدندر، والسوكي، شهدت عمليات نهب واسعة للمحاصيل والآليات من قبل قوات الدعم السريع، مما أدى لخسائر فادحة وعجز مالي للمزارعين. كما تعرضت مشاريع الري لتخريب كبير في الطلمبات والترع. وما زالت مناطق كالدالي والمزموم تعاني من تدهور أمني بسبب قربها من مناطق سيطرة قوات الدعم السريع، مما يلقي بظلال قاتمة على الموسم الصيفي المقبل.
وعلى الرغم من الصورة القاتمة، يتوقع المهندس الطيب عبد الله أن يُزرع القطن على مساحة 400 ألف فدان، والذرة والسمسم بمساحات أكبر في محليات الدندر، شرق سنار، والسوكي. ويختم قائلاً: “هناك تفاؤل لدى بعض المواطنين الذين قاموا ببيع ممتلكات شخصية لتمويل زراعتهم، لكن الانقطاع في عملية الإنتاج الزراعي بشكل عام يظل هو السمة الغالبة”.
بينما يكافح المزارعون في وسط السودان بشجاعة لإعادة الحياة إلى أراضيهم، فإن غياب الدعم المالي، وتهالك البنية التحتية، والتهديدات الأمنية، والممارسات المصرفية القاسية، كلها عوامل قد تحول آمالهم إلى سراب. يبقى الموسم الزراعي القادم رهناً بتدخلات عاجلة وجذرية لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، وضمان قوت الملايين الذين تعتمد حياتهم على هذه الأرض.
ينشر منتدى الإعلام السوداني والمنظمات الأعضاء فيه، هذا التقرير من اعداد “شبكة عاين” بهدف تسليط الضوء على التحديات التي تواجه المدنيين في ولاية الجزيرة في سعيهم لإنجاح الموسم الزراعي.
منتدى الإعلام السوداني الوسومالجزيرة الجيش الحرب الدعم السريع السودان سنار محلية القرشي مشروع كساب ود مدنيالمصدر: صحيفة التغيير السودانية
كلمات دلالية: الجزيرة الجيش الحرب الدعم السريع السودان سنار ود مدني قوات الدعم السریع الموسم الزراعی البنک الزراعی ولایة الجزیرة قنوات الری ولایة سنار فی ولایة
إقرأ أيضاً:
قوافل حجاج السودان تشق طريقها إلى مكة رغم الحرب
بقلوب يملؤها الشوق وأرواح تواقة لأداء الركن الخامس من أركان الإسلام، تدفقت قوافل حجاج السودان من أطراف البلاد المترامية، متجاوزين مشاق السفر ومآسي الحرب، مرددين التلبية والتكبير، وعيونهم تفيض بالدمع، وألسنتهم تلهج بذكر الله، متشبثين بالحلم الذي طال انتظاره.
يمثل مشهد قوافل الحجاج السودانيين هذا العام صورة نادرة للإصرار على العبادة وسط محنة وطن، ففي وقت تشتد فيه الأزمات السياسية والإنسانية في البلاد، لم يثن الحجاج ما تمر به مناطقهم من نزاعات عن تحقيق حلم الوقوف بعرفات.
تُروى على شفاههم حكايات أمل، ويعلو في سماء رحلتهم دعاء صادق بأن تنعم البلاد بالسلام، في مشهد تجلّى فيه الإيمان، وتقدمت الروح على الجراح.
فبعد رحلة استمرت 3 أيام، وصلت الحاجة آمنة إبراهيم حامد من ولاية جنوب كردفان إلى ميناء سواكن، وتقول للجزيرة نت إن الطرق الوعرة نتيجة الأمطار في منطقتها كانت من أبرز التحديات، لكن الفرحة بتحقيق حلمها طغت على كل الصعاب.
أما الحاج عبد الله سعيد، القادم من ولاية النيل الأزرق برفقة 192 حاجًّا، فقد عبر عن سعادته الغامرة بالوصول، مشيرا إلى أن رحلتهم استغرقت يومين، وقال إنه يحج للمرة الثالثة، ويعد نفسه محظوظا لأداء الفريضة رغم الظروف القاسية التي تمر بها البلاد.
في تصريح خاص للجزيرة نت، كشف الأمين العام للمجلس الأعلى للحج والعمرة ورئيس مكتب شؤون حجاج السودان، سامي الرشيد محمد، أن عدد الحجاج السودانيين لهذا العام بلغ 11 ألفا و500 حاج وحاجة، بينهم 8 آلاف و216 من القطاع العام، وألفان و784 من القطاع السياحي، إضافة إلى 500 من بعثة القوات النظامية.
إعلانوأوضح الرشيد أن التحضيرات بدأت باختيار حزم الخدمات المتعلقة بالسكن والنقل، بالتنسيق مع القنصلية السودانية بجدة، لضمان تقديم أفضل الخدمات في ظل هذه الظروف الاستثنائية.
وأشار إلى أن أول 4 أفواج وصلت بالفعل إلى السعودية عبر البحر، وبلغ عددهم نحو 5 آلاف حاج، في حين ينتظر أن تنقل بقية الأفواج في الأيام المقبلة. وبيّن أن هذا العدد هو الأكبر منذ جائحة كورونا، مقارنة بـ6 آلاف و500 حاج العام الماضي، و9 آلاف حاج في عام 2022.
وتصدرت ولاية الخرطوم قائمة الولايات من حيث عدد الحجاج بأكثر من ألف حاج، تلتها ولايتا كسلا والبحر الأحمر.
من جانبه، أوضح مسؤول التفويج البحري والجوي بالمجلس الأعلى للحج، حامد أزهري، أن التفويج بدأ في 13 مايو/أيار الجاري، إذ نقل الفوج الأول من 4 ولايات إلى المدينة المنورة، يليه فوج ثان من 5 ولايات، ثم فوج ثالث من 9 ولايات، في حين يُنتظر أن يغادر الفوج الرابع في 27 من الشهر نفسه، ويشمل ولايات دارفور.
وأشار أزهري إلى أن بعض الحجاج من غرب السودان وصلوا إلى جدة عبر تشاد، مؤكدا وجود تنسيق محكم مع أمناء الحج في الولايات لتسهيل وصول الحجاج بأمان.
ورغم التحديات الأمنية الكبيرة، خاصة في مناطق النزاع، فقد تمكنت الجهات المشرفة من تفويج الحجاج. وقال الأمين العام للحج والعمرة بولاية جنوب كردفان، عثمان التوم محمد، إن الولاية تواجه وضعا استثنائيا، إذ تحاصرها من جهة قوات الدعم السريع، ومن الجهة الأخرى الحركة الشعبية (قطاع الحلو)، مما يجعل حركة التنقل محفوفة بالمخاطر.
وأضاف التوم محمد، في حديثه للجزيرة نت، أنهم تمكنوا من تجهيز 4 أفواج تضم 232 حاجًّا، رغم تعذر المرور عبر بعض الطرق المؤدية إلى شمال كردفان، واستغرقت الرحلة من كادوقلي إلى الأبيض 3 إلى 4 أيام.
إعلانوأشار إلى أن الحجاج وفدوا من مناطق مثل كادوقلي والدلنج وأبو جبيهة ورشاد والعباسية وتلودي وغيرها، مشيدا بقدرة الأهالي على تجاوز الصعوبات خلال 3 مواسم حج متتالية رغم ظروف الحرب.