البلاد – دمشق
في خطوة تعكس بداية تنفيذ بنود الاتفاق المبرم بين الحكومة السورية وقوات سوريا الديمقراطية (قسد)، زار وفد أمني رفيع المستوى تابع لجهاز الاستخبارات السوري أمس مخيم “الهول” وعدداً من مراكز احتجاز مقاتلي تنظيم داعش في شمال شرقي البلاد.
تأتي الزيارة بعد أسابيع من التصريحات المتزايدة حول إمكانية تسليم الحكومة السورية إدارة المخيمات والسجون التي تحتجز فيها قسد الآلاف من مقاتلي التنظيم المتشدد وأفراد عائلاتهم، وذلك في سياق تفاهمات أوسع أُبرمت في مارس الماضي، تهدف إلى إعادة دمج شمال شرق سوريا ضمن مؤسسات الدولة المركزية.


وأكدت مصادر أن الوفد الأمني قام بجولة ميدانية شملت عدداً من المواقع الحساسة في المنطقة، أبرزها مخيم الهول الذي يضم آلاف النساء والأطفال من عائلات مقاتلي تنظيم داعش، بالإضافة إلى مراكز احتجاز تشمل نحو 12 ألف عنصر من داعش، معظمهم من جنسيات غير سورية وينحدرون من أكثر من خمسين دولة.
وتشير المعلومات إلى أن عدد هذه المراكز يبلغ 26 مركزاً أمنياً تنتشر في المناطق التي كانت تخضع لسيطرة قسد شرقي سوريا. وتُعد هذه المنشآت، وفق مراقبين، من أخطر مراكز الاحتجاز في العالم، نظراً لطبيعة من فيها وتحديات إدارتهم أمنياً وقانونياً.
تأتي هذه التحركات تطبيقاً لبنود الاتفاق الموقع بين الرئيس السوري أحمد الشرع وقائد قوات سوريا الديمقراطية مظلوم عبدي، بتاريخ 11 مارس/آذار الماضي، والذي نص على دمج قوات قسد ضمن المؤسسة العسكرية السورية، إلى جانب تسليم إدارة المعابر الحدودية، وحقول النفط والغاز، والمرافق الحيوية في شمال شرقي سوريا إلى الدولة السورية.
الاتفاق الذي وُصف حينها بـ”التاريخي” أنهى سنوات من التوتر والتباعد بين الطرفين، وفتح الباب أمام إعادة دمج تدريجي للمؤسسات المدنية والعسكرية التي أنشأتها الإدارة الذاتية ضمن هيكل الدولة السورية.
وفي هذا السياق، أشار مراقبون إلى أن زيارة الوفد الاستخباراتي تمثل أحد الخطوات الإجرائية على طريق استلام دمشق للمسؤوليات الأمنية والإدارية الكاملة في تلك المناطق، وبخاصة ملف مقاتلي داعش، الذي بات يُمثل عبئاً أمنياً وإنسانياً معقداً للمجتمع الدولي.
الزيارة جاءت بعد أيام من لقاء جمع الرئيس السوري أحمد الشرع بالرئيس الأمريكي دونالد ترمب في الرياض، حيث تشير التقارير إلى أن ترامب دعا نظيره السوري إلى تحمل مسؤولية كاملة عن إدارة ملف مقاتلي داعش المحتجزين في سوريا، تمهيداً لحل طويل الأمد يُنهي حالة “اللا دولة” التي سادت في مناطق سيطرة قسد.
ويُقرأ هذا التحول في الموقف الأمريكي، لا سيما في ظل الدعم التاريخي الذي قدّمته واشنطن لقسد، على أنه جزء من استراتيجية إعادة التموضع الأمريكية في المنطقة، مع نقل العبء الأمني تدريجياً إلى الحكومات المركزية، في إطار ترتيبات أمنية إقليمية جديدة تشمل تركيا والعراق.
إلى جانب المراكز الأمنية، تعيش الإدارة الذاتية في الشمال السوري تحدياً كبيراً في التعامل مع ملف مخيمات النازحين وأسر مقاتلي التنظيم، أبرزها مخيم الهول ومخيم روج، اللذان يضمان آلاف النساء والأطفال في ظروف أمنية ومعيشية صعبة.
وكان شيخموس أحمد، الرئيس المشارك لمكتب اللاجئين والنازحين في الإدارة الذاتية، قد صرّح في وقت سابق أن هناك مبادرة مطروحة لتفكيك هذه المخيمات، و”إعادة النازحين إلى مناطقهم الأصلية، بمن فيهم ذوو مقاتلي التنظيم من السوريين”، في إطار خطة وطنية لإعادة الاندماج الاجتماعي ومعالجة الفكر المتطرف.
وعلى الرغم من أهمية الاتفاق من الناحية السياسية، أعربت منظمات حقوقية دولية عن مخاوف جدية بشأن مصير المعتقلين وعائلاتهم بعد نقل إدارتهم إلى الحكومة السورية، وسط سجل حقوقي مثير للجدل يتصل بطريقة معاملة المعتقلين وظروف السجون في البلاد. وترى بعض المنظمات أن نقل السيطرة قد يؤدي إلى انتهاكات ممنهجة أو تصفيات سياسية، في حال لم تترافق الخطوة مع رقابة دولية واضحة وآلية شفافة للمحاسبة.
الزيارة التي قام بها الوفد الاستخباراتي السوري إلى مخيم الهول ومراكز احتجاز عناصر داعش تُعد أول تجلٍّ ميداني واضح لتنفيذ الاتفاق بين دمشق وقسد. وبينما تسعى الدولة السورية إلى بسط سيطرتها مجدداً على شرق الفرات، تبقى ملفات المخيمات والمعتقلين تحديات مفصلية في إعادة بناء الثقة، داخلياً ودولياً، وترسيخ الاستقرار في منطقة تُعد الأكثر هشاشة في الجغرافيا السورية.
***************************
شرح صورة:

 

المصدر: صحيفة البلاد

كلمات دلالية: مخیم الهول

إقرأ أيضاً:

معهد واشنطن: داعش زاد من هجماته ضد الحكومة السورية الجديدة

قال معهد واشنطن، إن تنظيم الدولة، منذ تسلم الحكومة الجديدة للسلطة في سوريا، زاد من وتيرة هجماته، وباتت ملحظومة أكثر، منذ بدء الانسحاب الأمريكي في نيسان/أبريل الماضي.

وأوضح أن المتوسط الشهري للهجمات ارتفع من خمس هجمات إلى 14 هجوما. أما على مستوى المواقع، فقد كانت كل العمليات حتى الأمس تقع في مناطق تسيطر عليها "قوات سوريا الديمقراطية"، المدعومة من الولايات المتحدة.

لكن هجوم الميادين، الذي وقع في منطقة خاضعة للحكومة على الضفة المقابلة لنهر الفرات، مثل تصعيدا خطيرا من الناحيتين الرمزية والعملياتية.

وعلى الرغم من أن وجود تنظيم الدولة، لم يعد بالقوة التي كان عليها سابقا، فإن المؤشرات الميدانية توضح أن التهديد لا يزال قائما.
وأعلن في 15 أيار/مايو مسؤوليته عن تنفيذ 33 هجوما في عام 2025.

وإذا استمرت هذه الوتيرة، فسيبلغ إجمالي الهجمات هذا العام 89 عملية، وهو أدنى رقم منذ دخول التنظيم إلى الساحة السورية عام 2013، لكنه لا يزال رقما مقلقا.

وفي هذه الأثناء، تواصل السلطات الجديدة معركتها ضد تنظيم الدولة، سواء عبر الملاحقة الأمنية أو العمل القضائي. ففي 11 كانون الثاني/يناير، أحبطت الأجهزة الأمنية مخططا لتفجير ضريح السيدة زينب الشيعي في ضواحي دمشق، كما كشفت عن خطة لاغتيال الرئيس الشرع.



وفي 15 شباط/فبراير، أُعلن عن اعتقال القيادي "أبو الحارث العراقي"، المتورط في تلك المؤامرة، والذي كان له دور أيضا في اغتيال "أبو مريم القحطاني"، أحد قادة "هيئة تحرير الشام" سابقا.

كما شهدت محافظتا درعا وحلب عمليات أمنية أسفرت عن تفكيك خلايا للتنظيم واعتقال عدد من عناصره. ففي 17 أيار/مايو، فجر أحد عناصر تنظيم الدولة نفسه خلال مداهمة أمنية في حلب، بينما أسفر هجوم الميادين في اليوم التالي عن مقتل عناصر من قوى الأمن.

من جانبها، نفذت "قوات سوريا الديمقراطية" نحو ثلاثين عملية اعتقال ضد خلايا التنظيم منذ بداية العام، في مؤشر على استمرار التهديد رغم انخفاض عدد العمليات مقارنة بالأعوام السابقة.

وقال معهد واشنطن، إن كل هذه التطورات "تعكس حقيقة مقلقة، وهي تنظيم "داعش"، رغم تراجعه، لا يزال قادرا على زعزعة الاستقرار، مستغلا الفجوات في الهيكلين الأمني والإداري خلال مرحلة الانتقال السياسي، ولهذا، فإن أي سحب كامل للقوات الأمريكية قبل استكمال دمج قوات سوريا الديمقراطية ضمن المؤسسات العسكرية للدولة قد يكون خطوة سابقة لأوانها".

وبحسب المعهد يتمثل "أحد محاور الخطر في محافظة دير الزور، معقل التنظيم التاريخي، حيث لا تزال مناطق السيطرة منقسمة بين الحكومة وقسد".

ويبدو أن الهجوم الأخير جاء نتيجة استغلال هذا الانقسام، ويتطلب الحد من هذا التهديد تسريع تنفيذ اتفاق تسليم السيطرة الكاملة للحكومة المركزية في دمشق، ما من شأنه توحيد الإدارة ومنع التنظيم من استغلال الثغرات الأمنية.

إضافة إلى ذلك، لا يزال نحو تسعة آلاف من مقاتلي تنظيم الدولة محتجزين لدى قسد، إلى جانب آلاف النساء والأطفال من عائلاتهم. وقد حث التنظيم مؤخرا عبر نشرته الرسمية "النبأ" أنصاره على تنفيذ عمليات إطلاق سراح واسعة، داعيا مقاتلي "هيئة تحرير الشام" إلى الانشقاق والانضمام إلى صفوفه.

مقالات مشابهة

  • وفد حكومي سوري يزور مخيم الهول.. يضم عائلات عناصر تنظيم الدولة
  • لأول مرة.. وفد من دمشق يزور الهول لبحث عودة السوريين لمناطقهم
  • لأول مرة.. وفد من الحكومة السورية يزور مخيم الهول للاجئين الفلسطينيين
  • واشنطن تتوصل لاتفاق مع بوينغ لإسقاط تهم جنائية بعد تحطم طائرتين
  • قرار تاريخي يهز المشهد السوري: بالأسماء واشنطن ترفع العقوبات عن دمشق وتعيد الحياة الاقتصادية للواجهة
  • معهد واشنطن: داعش زاد من هجماته ضد الحكومة السورية الجديدة
  • الصحة تنفي وجود حالات كوليرا في مخيم الهول بريف الحسكة
  • تحت تهديد السلاح... احتجاز محافظ السويداء السورية مقابل الإفراج عن سجين
  • وزير الثقافة خلال لقاء مع الفنان السوري العالمي جهاد عبدو: نعمل على إعادة هيكلة المؤسسات المعنية بالسينما