يمانيون / تقرير

تُعد فريضة الحج الركن الخامس من أركان الإسلام، حيث يتوافد ملايين المسلمين من كل بقاع الأرض إلى مكة المكرمة لأداء مناسك الحج. إلا أن موسم الحج، الذي يفترض أن يكون مناسبة روحانية خالصة، أصبح يشهد استغلالًا كبيرًا من قبل المملكة العربية السعودية، التي تحوّل الفريضة إلى مصدر ضخم لتحقيق مكاسب اقتصادية، فضلاً عن توظيفها في أجندات سياسية أثارت انتقادات واسعة.

 

ارتفاع ممنهج في تكلفة الخدمات

تشير دراسة صادرة عن موقع “الاستقلال” إلى أن متوسط تكلفة الحج يتجاوز 8,300 ريال سعودي للحاج الأجنبي، بينما تصل إلى 4,500 ريال للحاج المحلي، حيث تتركز النفقات في الإقامة والنقل والخدمات وترتفع الأسعار بشكل ملحوظ في الفنادق القريبة من الحرمين والتي تسيطر عليها شركات خاصة مقربة من دوائر النفوذ السعودي.

رسوم إضافية وتأشيرات باهظة

أظهرت تقارير إعلامية، منها “الجزيرة نت”، أن السعودية فرضت رسومًا إضافية على تكرار العمرة، بالإضافة إلى رسوم تأشيرات وخدمات إجبارية، مثل التأمين الطبي والتنقلات، مما يضيف عبئًا ماليًا على الحجاج من الدول الفقيرة

احتكار الأسواق والخدمات

بحسب دراسة منشورة في صحيفة “الشرق الأوسط”، فإن الجهات المنظمة في السعودية تحتكر عبر شركات مختارة كل ما يتعلق بخدمات الحج، من النقل إلى الإعاشة إلى الإرشاد، بما يحرم الشركات الإسلامية المستقلة في الخارج من المشاركة المباشرة في خدمة حجاجها

مشروعات ضخمة تمولها أموال الحجاج

ضمن رؤية السعودية 2030، تهدف الحكومة إلى رفع عدد الحجاج والمعتمرين إلى 30 مليونًا سنويًا، من خلال مشروعات ضخمة في الحرمين والمرافق المجاورة. وتقدر استثمارات هذه المشروعات بما يتجاوز 150 مليار دولار، بتمويل جزئي من عوائد الحج والعمرة (الجزيرة، 2022)

تشويه للرسالة الدينية

وفقًا لتقارير اقتصادية نُشرت في “سي إن إن بالعربية”، فإن السعودية تحقق من الحج والعمرة نحو 12 مليار دولار سنويًا، ما يعادل 20% من إجمالي الدخل غير النفطي، مما يثير تساؤلات عن مدى توازن التكاليف مع الخدمة المقدمة

ويشير تقرير لـ”هيئة علماء المسلمين” في العراق إلى أن تكثيف الجانب التجاري على حساب الجانب الروحي للحج يسهم في تهميش مقاصد الفريضة، ويحولها إلى تجربة منهكة ماليًا ونفسيًا، خصوصًا للحجاج من البلدان الفقيرة.

التكسب الاقتصادي من موسم الحج

تشير تقارير اقتصادية متعددة إلى أن موسم الحج يولد عوائد مالية ضخمة للسعودية، تصل إلى عشرات المليارات سنويًا عبر رسوم التأشيرات، الإقامة، النقل، والخدمات الأخرى. بحسب دراسة لـ”الاقتصاد الإسلامي”، تقدر عوائد الحج والعمرة بنحو 12 مليار دولار ،مع توجه لزيادة هذه العوائد ضمن رؤية السعودية 2030 المشار اليها

مع ذلك، يشير مراقبون إلى أن ارتفاع الرسوم والتكاليف، خاصة في السكن والنقل، يُثقل كاهل الحجاج، خصوصًا القادمين من دول ذات دخل محدود، ما يثير تساؤلات حول مدى مراعاة الجانب الإنساني والروحي في تنظيم الحج.

طالبت منظمات حقوق الإنسان، مثل المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، بإجراء تحقيقات دولية في هذه الممارسات، مع التأكيد على ضرورة احترام حقوق الحجاج وعدم تسييس الشعائر الدينية

كما دعت دول إسلامية كبرى، في مؤتمرات متعددة، إلى إعادة النظر في نظام توزيع الحصص، وتحسين الشفافية، وضمان تكافؤ الفرص بين المسلمين كافة دون تمييز بحسب الجزيرة نت

توزيع الحصص وتأثيره على الحجاج

في الجزائر، أثير جدل حول منح حصص أقل من المتوقع بينما تُعطى دول أخرى حصصًا أكبر رغم اختلافات عدد السكان  وخلال الأزمة الخليجية، حرمت السعودية آلاف القطريين من أداء الحج، وفرضت شروطًا معقدة للسفر عبر خطوط جوية معينة، مما أدى إلى شكاوى من التعقيدات وتأجيل أداء الفريضة

هذه الإجراءات اعتبرها مراقبون استغلالًا سياسيًا للحج، وخرقًا لمبادئ حرية العبادة التي كفلها الإسلام.

ردود الفعل الدولية والمطالبات بمراجعة النظام

دعت دول مثل تركيا وماليزيا وإندونيسيا السعودية إلى تحسين نظام توزيع الحصص، وتوفير فرص متساوية لجميع المسلمين

الحجاج اليمنيون: قيود ومعاملة تمييزية

تواجه اليمن، التي تتعرض لعدوان وحصار مستمر منذ العام 2015، صعوبات متزايدة في إرسال حجاجها إلى مكة. ووفقًا لتقرير نشرته هيومن رايتس ووتش في يوليو 2023، تُفرض قيود استثنائية على الحجاج اليمنيين لا تُطبَّق على حجاج دول أخرى، من بينها:

إجراءات تأشيرات مشددة: تُصدر تأشيرات الحج لليمنيين فقط عبر لجنة عليا للحج مرتبطة بحكومة المرتزقة التابعة لها ، وهي جهة تخضع للتنسيق المباشر مع السلطات السعودية، مما يحصر تمثيل الحجاج في مناطق دون أخرى، وفق تقرير المركز اليمني لحقوق الإنسان (2022).

رسوم إضافية وتكاليف نقل إلزامية: أفادت تقارير محلية نشرتها وكالة الصحافة اليمنية بأن الحجاج اليمنيين مجبرون على استخدام خطوط طيران معينة، بأسعار مضاعفة، ومنعوا من السفر عبر مطارات أقرب لهم جغرافيًا (مثل صنعاء)، مما يضيف أعباء مالية ويزيد من معاناتهم.

تمييز ومعاملة قاسية داخل الأراضي المقدسة: نقلت شهادات لحجاج يمنيين عبر قناة بلقيس (2022) عن تعرّضهم للتفتيش المتكرر والمعاملة المتشددة من قبل السلطات السعودية، مقارنة بحجاج من جنسيات أخرى.

تخفيض حصص الحج لأسباب “أمنية”: بحسب تقرير مؤسسة صدى اليمن، فإن السعودية خفّضت حصة الحجاج اليمنيين في عدة مواسم لأسباب قيل إنها “تتعلق بالوضع الأمني”، رغم استمرار مشاركة حجاج من دول أخرى تشهد ظروفًا مشابهة.

ردود فعل تجاه تسييس الحج

في تقريرها لعام 2023، وصفت هيومن رايتس ووتش سياسات السعودية تجاه الحجاج من بعض الدول بأنها “تسييس لفريضة دينية يجب أن تكون حقًا مكفولًا لجميع المسلمين دون تمييز”، داعية إلى فصل الجوانب السياسية عن أداء الشعائر.

وفي مقابلة مع الجزيرة نت، قال الباحث في شؤون الحريات الدينية عبد الله العجمي إن “السعودية تستخدم الحج أداةً للضغط السياسي، عبر التحكم في حصص الحج لبعض الدول والتمييز في المعاملة، وهو انتهاك صريح لمبدأ المساواة بين المسلمين”.

دعوات لإشراف إسلامي مشترك

مع تزايد الانتقادات، دعت جهات أكاديمية ودينية، من بينها الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، إلى إنشاء هيئة إسلامية مشتركة تشرف على تنظيم الحج، تضمن العدالة بين الدول، وتمنع استخدام الفريضة لأغراض سياسية أو مالية.

من جهة أخرى، يُعبّر العديد من العلماء عن رفضهم لتسييس الحج. فقد أكد مفتي الجمهورية المصرية، الدكتور شوقي علام، أن استغلال موسم الحج لتحقيق أهداف سياسية أو إثارة النعرات الطائفية “لا يجوز شرعًا” ويخالف أحكام الشريعة الإسلامية .

ويرى الكاتب العربي محمود عبد اللطيف أن الحل الأمثل لحماية المقدسات الدينية في مكة المكرمة والمدينة المنورة هو تحويلها إلى مناطق محايدة سياسيًا، غير خاضعة للسلطة السعودية، بحيث تُدار من قبل منظمة المؤتمر الإسلامي أو مؤسسة بديلة تُنشأ بالتوافق بين الدول الإسلامية .

الآثار الناتجة عن هذه الإجراءات اقتصادياً وسياسياً ودينياً

ارتفاع تكلفة أداء الفريضة وتحوُّل الحج إلى “مشروع تجاري” خلق فجوة بين الهدف الديني والأداء الفعلي ألقت بآثارها أيضاً على توتر العلاقات مع بعض الدول العربية والإسلامية نتيجة إصرار المملكة على تحويل الحج إلى ميدان لتصفية الحسابات السياسية.

خاتمة:

في وقت يأمل فيه ملايين المسلمين أن يكون الحج تجربة روحانية تتجاوز الحدود والسياسات، لا تزال الحاجة قائمة لمسألة السياسات التي تمس جوهر هذه الفريضة، خاصة حين تتحول إلى أداة للربح والتمييز على حساب الشعوب الضعيفة والمحرومة.

المصدر: يمانيون

كلمات دلالية: موسم الحج إلى أن

إقرأ أيضاً:

جامعة محمد بن زايد للعلوم الإنسانية تنظم ندوة “تنظيم الإخوان المسلمين .. خطاب التطرف والتضليل”

نظمت جامعة محمد بن زايد للعلوم الإنسانية، اليوم بمقرها في أبوظبي ندوة بعنوان “تنظيم الإخوان المسلمين .. خطاب التطرف والتضليل”، ضمن ندواتها الفكرية الموجهة للمجتمع بهدف تعزيز الرؤى التي تتبناها دولة الإمارات، للحد من الأفكار الهدامة التي تتبناها التيارات المتطرفة، وتعزيز قيم التعايش والتسامح ونبذ الغلو والتطرف.

وسلطت الندوة التي شارك فيها نخبة من أساتذة الجامعة، الضوء على خطاب الإخوان المسلمين، وكشفت توظيفهم للدين في خدمة مشاريع سياسية تتجاوز حدود الدولة الوطنية، والرسائل المضللة التي ينتهجها تنظيم الإخوان المسلمين، وأوضحت أثر التنظيم في تهديد بنية الدولة الوطنية وتقويض مفاهيم المواطنة.

كما هدفت الندوة إلى تفكيك الأسس الفكرية التي يقوم عليها مشروع الإخوان من خلال تحليل مفاهيمه الدينية والسياسية، وتبيان مخاطر المشروع الإخواني على وحدة المجتمعات واستقرارها، إلى جانب دعم خطاب الاعتدال الديني والمؤسسات الدينية الرسمية في مواجهة الفكر المتطرف، كما كشفت عن الممارسات الخطيرة التي يعتمد عليها تنظيم الإخوان في المجتمعات المسلمة.

وتناولت الندوة عددا من الأوراق قدمها نخبة من أساتذة الجامعة، حيث جاءت الورقة الأولى بعنوان “الإخوان المسلمون وتحريف المفاهيم الدينية” قدمها سعادة الدكتور خليفة مبارك الظاهري مدير جامعة محمد بن زايد للعلوم الإنسانية، أكد فيها أن دولة الإمارات تواصل جهودها في تعزيز قيم التسامح والمواطنة وفي مجابهة جماعة الإخوان المسلمين الإرهابية، من خلال تفكيك بنيتها التنظيمية وضرب الأسس الفكرية للحفاظ على قيم السلام والوئام، وتعزز وعي المجتمع بما يقيه من الجهل والأفكار المغلوطة والشعارات الزائفة.

وقال إن الإسلام ليس نظرية سياسية ولا مشروع حاكمية ولا منظومة حزبية، فالإسلام دين محبة ورحمة وأخلاق جاء لتكريم الإنسان ونشر قيم السلام والوفاء والمحبة، ⁠وأضاف : نشأ تنظيم الإخوان الإرهابي متأثراً بالحركات العنيفة، مقتبسا من النازية والسرية، فأسّس كتائب ومنظمات سرية، ونظَّر لفرض التغيير بالقوة تحت شعار “تغيير المنكر”.

وأشار إلى أن الإخوان شبكة أيديولوجية ممتدة تتلون وتتشكل، تتخفى حينًا وتظهر حينًا آخر، لكنها تحتفظ بثوابت التخريب والانقضاض على الدولة مستغلة أزمات الشعوب، ومروّجة لخطاب الضحية، تارة باسم المظلومية، وتارة باسم “الربيع”.

وأكد على أنه لا ينبغي أن ننخدع بأي تبدل في خطابها، أو ما يُظهر من مرونة ظاهرية توحي بأنها تصالحت مع الدولة الوطنية أو قبلت بأسسها الحديثة، فذلك ليس إلا مظهرًا من مظاهر الخداع السياسي، والمخاتلة الأيديولوجية، غايته كسب التعاطف، واختراق المجتمعات، وتهيئة الطريق للوصول إلى السلطة.

وعرض الأستاذ الدكتور رضوان السيد عميد كلية الدراسات العليا بالجامعة ورقة بعنوان” الدولة الوطنية ومواجهة التآمر الإخواني” لافتا إلى أن جماعة الإخوان سعت منذ نشأتها إلى استخدام العنف بشتى أنواعه لبناء “دولة الأمة” على أنقاض الدولة الوطنية التي كانت وماتزال خصمهم الرئيسي.

وقال إن الإخوان المسلمين تنظيم سياسي في جوهره يستغل المشاكل والتحديات الاقتصادية والاجتماعية في الدول، للوصول إلى السلطة وهدم الوطن تحت شعار “تطبيق الشريعة وتحسين الأوضاع”.

إلى ذلك قدم الدكتور عدنان إبراهيم مستشار مدير الجامعة ورقة “الإخوان المسلمون والتهديد الفكري”، أوضح فيها أن تنظيم الإخوان يرى الدولة بمنظور عقائدي عابر للحدود لا يعترف بالوطن وحدوده الجغرافية، وهذا خلط خطير يقوم عليه الفكر المتطرف الذي يهدف لزعزعة الأوطان وقيم المواطنة، وقال : يجب على العلماء دعم حكوماتهم ودولهم في تعزيز الأمن والاستقرار والبناء والنماء وليس العكس، وعليهم مسؤولية فضح أسس الفكر المتطرف وتفكيكه وتحصين المجتمع ضده.

وأشار إلى أن الفكر الإخواني المتطرف يفرض طاعةً عمياء تُفضي إلى سلب الحقوق، وإقصاء الآخر، ومصادرة الضمائر، وانتهاك حرمات الأوطان وتطبيق مبادئ الفكر الفاشي الإقصائي.

وفي ورقته بعنوان “مشروع الإخوان المسلمين التخريبي في المجتمعات المسلمة”، أوضح الدكتور خالد الإدريسي عضو الهيئة التدريسية بجامعة محمد بن زايد للعلوم الإنسانية أن الاختراق الذي تتمكن من خلاله الجماعات الدينية المتطرفة من زعزعة أمن الدولة يكون بإثارة الفتن وتبخيس مؤشرات النجاح وممارسة الابتزاز السياسي لخلق اربتاك داخلي أو من خلال التسرب لقنوات التعليم وتشويه المفاهيم والخطاب الديني، وقال : إننا مطالبون بالانتقال من جيو- سياسة الرعب التي أرستها هذه المنظمات إلى جيو- سياسة التعارف الإنساني التي ينتظرها العالم أجمع.

وتناولت الورقة الأخيرة في الندوة “الحاكمية عند الإخوان خطاب التضليل” قدمها الدكتور يوسف حميتو عضو الهيئة التدريسية بالجامعة، أشار فيها إلى أن الفكر الإخواني يُخرج الدين من المرجعية الأخلاقية والتشريعية المرنة، إلى كونه مشروعًا سياسيا كليا لا يقبل التعدد.


مقالات مشابهة

  • جامعة محمد بن زايد للعلوم الإنسانية تنظم ندوة “تنظيم الإخوان المسلمين .. خطاب التطرف والتضليل”
  • “الإسلامية”: إطلاق برنامج بـ”اليوتيوب” لتوعية الحجاج
  • إيران: نثمن جهود المملكة في خدمة الحجاج ونرفض المساس بوحدة المسلمين
  • سعيود: عودة 11 قطارا من نوع “كوراديا” إلى الخدمة
  • السعودية: لن نسمح بأي مخالفات تؤثر على الحجاج
  • السعودية: لن نسمح بأي مخالفات في الحج ولم نرصد أي أوبئة
  • “ترجمة وإرشاد” بلغات عدة في المدينة المنورة لضمان راحة الحجاج
  • وزير سعودي: وصول 94% من الحجاج إلى الأراضي المقدسة عبر المنافذ الجوية
  • مناسك الحج بالترتيب.. ما خطوات أداء الفريضة؟ ‏