الحرب النفسية: اليمن يُعيد تعريف معادلة الصراع
تاريخ النشر: 30th, May 2025 GMT
مريم السبلاني
في قلب الحروب الحديثة، قد تصبح الكلمة أكثر فتكاً من القذيفة. الحرب النفسية، التي كانت تاريخياً أحد أذرع القوى الكبرى، باتت اليوم في متناول الفاعلين غير التقليديين، ليس فقط كوسيلة ردع، بل كأداة لبناء توازنات معنوية وميدانية جديدة.
في هذا السياق، برز اليمن، خلال الأشهر الأخيرة من معركة الإسناد لغزة، كحالة لافتة في تطوير وتوظيف أدوات الحرب النفسية، ليس فقط عبر استنساخ أساليب العدو، بل عبر تنويعها وإعادة تشكيلها ضمن منظومة ردع متكاملة.
من أولى المؤشرات التي لفتت الأنظار في الأداء الإعلامي والعسكري للقوات المسلحة اليمنية كان استخدام أسلوب التحذير المسبق، بطريقة تعكس ما اعتادت إسرائيل فعله مع خصومها.
فبينما كانت تل أبيب ترسل رسائل تحذيرية عبر الناطقين باسم جيشها موجهة إلى سكان مناطق مثل غزة أو جنوب لبنان واليمن، بدأ الأخير بتوجيه تحذيرات مشابهة -شكلاً لا مضموناً- إلى مطارات ومواقع استراتيجية إسرائيلية، مثل مطار بن غوريون.
هذه الصيغة لم تكن مجرد محاكاة بل تمثل نقلة في الخطاب النفسي: تحويل التحذير من أداة تحييد إلى أداة تهديد. بذلك، لا يكون التحذير اليمني عملاً أخلاقياً بقدر ما يكون رسالة صلبة: نحن نملك القدرة على الإيذاء، ونمنحكم وقتاً للتفكير في العواقب.
من أدوات الحرب النفسية الأكثر بروزاً، اللجوء إلى تسمية العمليات العسكرية بأسماء ذات رمزية، كالإصرار اليمني على تسمية المدن والبلدات الفلسطينية بأسمائها الأصلية، لا تلك اليهودية، وهي خطوة تعكس رسالة محمّلة بدلالات دينية وتاريخية وسياسية.
من ناحية أخرى، وعلى الرغم من أن اليمن بما يمتلك من قدرات، إلا أنها ليست كافية -كقدرة نارية واسعة نتيجة البعد الجغرافي- للتأثير الفعلي الكبير على المرافق الحيوية في الكيان، ولذلك، كان استهداف البنية التحتية للملاحة الجوية الاسرائيلية خياراً عمليّاً، وبصاروخ واحد. وبهذا استطاعت صنعاء أن تثبت في وعي الاحتلال ومستوطنيه أن السماء لم تعد آمنة، وأن المعركة اقتربت من العصب الحيوي للكيان. وهنا تتضح القوة النفسية للتسمية: إنها تجعل من كل إعلان عن عملية، تهديداً مركّباً يتغلغل في الإدراك الجمعي للمستوطنين.
يُعد التوقيت في الضربات اليمنية أيضاً جزءاً من تكتيك الحرب النفسية، لا مجرد قرار عسكري. فقد اختارت صنعاء توقيتات دقيقة لتنفيذ ضرباتها، غالباً ما تكون متزامنة مع أحداث إسرائيلية داخلية أو تطورات إقليمية حساسة. في بعض الأحيان، كان التوقيت يحمل رسالة مبطّنة: «نحن نراقب، ونستطيع مفاجأتكم في اللحظة التي تظنون فيها أنكم في أمان».
هذا الاستخدام الذكي للتوقيت لا يسبب فقط أذى ميدانياً، بل يبني حالة من الترقب والقلق الدائم. كل ساعة تمر، هي احتمال لصفعة نفسية جديدة.
بيانات القوات المسلحة اليمنية تطورت خلال الأشهر الأخيرة لتصبح أداة حرب نفسية قائمة بذاتها. اللغة المستخدمة في هذه البيانات واثقة، حادة، تنطوي على تهديد مباشر ومدروس. لم تعد البيانات مجرد إعلانات بل رسائل موجهة لا إلى الداخل اليمني فحسب، بل إلى الحكومة الإسرائيلية، وإلى جمهورها، وإلى محيطها الإقليمي.
يضاف إلى ذلك نشر مشاهد مصورة للعمليات أو لمرحلة ما بعد التنفيذ، كتوثيق استهداف سفن في البحر الأحمر أو لقطات لطائرات مسيّرة في الأجواء. هذه الصور لا تكتفي بالإخبار، بل تبث رسائل ميدانية ذات طابع نفسي صارم: نحن نملك اليد، والعين، والسلاح.
من أكثر التحولات اللافتة في الحرب النفسية اليمنية، الاتجاه نحو مخاطبة الجبهة الداخلية الإسرائيلية مباشرة، أحياناً باستخدام اللغة العبرية أو رموز معروفة في الخطاب الإسرائيلي. هذا النوع من الخطاب يكسر الحاجز النفسي التقليدي بين المقاتل العربي والشارع الإسرائيلي، ويضعه وجهاً لوجه مع خصم يعرفه، ويخاطبه، ويهدده بلغته.
إنها رسائل قصيرة، لكنها موجّهة بدقة: «نحن نراكم»، أو «نحن نعرف مفاتيح التأثير عليكم». وهذا النوع من التواصل يشكل ضغطاً على القيادة السياسية والعسكرية الإسرائيلية التي تجد نفسها ملزمة بالرد أمام جمهور بات يشعر أن جبهته الداخلية لم تعد بمنأى عن الخطر.
في معركة الإسناد لغزة، أثبت اليمن أن الحرب النفسية ليست فقط سلاحاً تكميلياً، بل ركيزة استراتيجية في بناء معادلة ردع جديدة. لقد تجاوزت صنعاء مرحلة استنساخ أدوات العدو إلى مرحلة إعادة إنتاج أدوات نفسية متعددة الوظائف: تهدد، وتربك، وتحفّز، وتخترق.
وإذا كان ميزان القوى العسكري ما زال يميل لصالح إسرائيل، فإن المعركة النفسية باتت مفتوحة، وقابلة للتطوير، وبعيدة عن الحسم. في هذا السياق، يمثل اليمن اليوم مختبراً متقدماً في الحرب النفسية السيادية، يعيد تعريف معادلة الصراع في المنطقة.
المصدر: يمانيون
كلمات دلالية: الحرب النفسیة
إقرأ أيضاً:
“بين الأشهر والأشطر”… مؤتمر “EATN” يعيد تعريف دور الطبيب في العصر الحديث
تحت شعار: “مين الناس بتروح له أكتر: الدكتور الأشهر ولا الأشطر؟”، تُعقد الجمعية المصرية للتغذية العلاجية والأمراض المرتبطة بالسمنة (EATN) مؤتمرها السنوي الثالث – والسادس على مستوى عدد المؤتمرات – يوم الجمعة 30 مايو 2025، بفندق هيلتون النيل (جراند نايل تاور سابقًا).
ويحمل المؤتمر هذا العام بُعدًا مختلفًا، حيث يُعد الأول من نوعه الذي يجمع بين العلوم الطبية وريادة الأعمال في القطاع الصحي، في إطار سعي الجمعية إلى دعم تمكين الأطباء ليس فقط على مستوى التشخيص والعلاج، بل أيضًا على مستوى التأثير والتواصل مع المجتمع.
ومن جهته صرح رئيس الجمعية المصرية للتغذية العلاجية ورئيس المؤتمر الدكتور أحمد الغريب،، بأن المؤتمر هذا العام يهدف إلى إعادة تعريف دور الطبيب في 2025، مشيرًا إلى أن “الطبيب لم يعد مجرد معالج، بل هو قائد للرأي ومسؤول عن نشر الوعي في مواجهة الانفجار المعلوماتي وانتشار بيع الوهم على منصات التواصل الاجتماعي”.
وأوضح " الغريب " أن أهم استثمار ممكن يقدمه الطبيب لنفسه الآن هو إنه يطور فهمه للتغذية العلاجية من منظور الطب الوظيفي، لأنها أصبحت مفتاح أساسي في تشخيص وعلاج كل الأمراض، مش بس السمنة أو السكر أو الضغط.”
كما شدد على أهمية مهارات التواصل والبيع لدى الطبيب، موضحًا أن “الطبيب في 2025 لازم يعرف يبيع الفكرة اللي مؤمن بيها، ويقنع المريض بيها، لأننا مش بنبيع دواء، إحنا بنبيع وعي”.
وأشار إلى أن مفهوم “البيع” هنا لا يرتبط بالتجارة، بل يرتبط بقدرة الطبيب على التأثير الحقيقي والإيجابي على مرضاه.
“بيع الوعي مش عيب، العيب إن المريض يقتنع بوهم على السوشيال ميديا لأنه كان أكتر إقناعًا من الطبيب الحقيقي.”
وأشار رئيس الجمعية المصرية للتغذية العلاجية ان اهتمام كبرى الشركات بهذا الحدث يعود لنجاح النسخ السابقة من المؤتمر والتي جذبت أكثر من 1500 مشارك، وحققت نجاحًا كبيرًا في 2022 و2023، ما جعل شركات كبرى مثل Novo Nordisk، Penta Pharma، Parkville، LEVANA، Phoenix، وغيرها، تدخل بقوة كداعم رسمي للنسخة القادمة.
وأضاف رئيس المؤتمر ان المنافسة الشريفة بين الأطباء كانت أيضًا أحد محاور حديث الغريب، حيث أكد أن الطبيب اليوم يجب أن يتقن بناء علامته الشخصية، ويطور من مهاراته الإدارية والتسويقية، حتى يكون له تواجد حقيقي ومستمر بين النخبة.
وان الفعاليات في EATN ليست مجرد مؤتمر إنه اتجاه جديد. مدرسة فكرية، ومسار مهني يجمع بين الذكاء العلمي والإداري.
واختتم الغريب تصريحه قائلًا “EATN “مش بس مؤتمر… ده مدرسة جديدة في الطب، بترسّخ لمفهوم إن الطبيب لازم يكون قائد وملهم، مش مجرد شخص بيوصف علاج.