عود الذهب يحدث نقلة نوعية في خدمات الترجمة بمحافظة ظفار
تاريخ النشر: 3rd, June 2025 GMT
قادتها رغبتها في تأسيس كيان خاص يجمع بين شغفها باللغة وخبرتها الإدارية إلى ريادة فريدة من نوعها في محافظة ظفار، استطاعت منال علي مقيبل مؤسسة ومديرة مشروع "عود الذهب للترجمة"، أن تجعل من شركتها أول شركة ترجمة تُؤسَّس وتُدار من قبل امرأة في محافظة ظفار، مقدّمة خدمات ترجمة احترافية بمعايير عالمية.
تروي منال في هذا الحوار رحلتها من الفكرة إلى التأسيس، والتحديات التي واجهتها، ورؤيتها المستقبلية لتطوير قطاع الترجمة في سلطنة عُمان.
تقول منال: "رغم عملي كمدير عام في إحدى الشركات بالقطاع الخاص، ظل شغفي بالترجمة يدفعني للتفكير في مشروع يترجم هذا الشغف إلى واقع. بعد حصولي على البكالوريوس في الترجمة والماجستير في الإدارة العامة، قررت أن أستثمر معرفتي الأكاديمية وخبرتي العملية في تأسيس مشروع يحمل رسالة ثقافية إلى جانب كونه مشروعا تجاريا".
ما الذي يميز «عود الذهب للترجمة» عن غيره؟
يتميز مشروع "عود الذهب للترجمة " أنه يقدم خدمات ترجمة شاملة تشمل جميع اللغات العالمية، سواء للأفراد أو المؤسسات، محليًا ودوليًا، من خلال المكتب أوالمنصة الإلكترونية، تقول منال: "نحرص على الجمع بين الجودة والدقة والسرعة، كما أننا الوحيدون في محافظة ظفار الذين نوفر خدمات الترجمة الفورية باستخدام أجهزة متخصصة، إلى جانب خدمات الترجمة القانونية والطبية والتقنية والأكاديمية، وخدمات التعريب، التدقيق اللغوي، وكتابة المحتوى".
وأضافت منال بقولها :" ونُخصص قاعة تدريبية لتأهيل خريجي الترجمة، في إطار سعينا لبناء كوادر عُمانية مؤهلة في هذا المجال".
كما أشارت منال إلى أن إقناع السوق المحلي بأهمية الترجمة الاحترافية كان من أكبر التحديات، خاصة مع الاعتماد الواسع على الترجمات غير المتخصصة، ولكن بالإصرار والتخطيط المدروس وتقديم خدمة ذات جودة عالية، نجحت في كسب ثقة العملاء وتوسيع قاعدة المستفيدين من خدماتها.
وأوضحت منال أن الدعم المعنوي تلقته من زوجها وعائلتها وصديقاتها، وكان له أثر بالغ في مسيرتها، وأما الناحية المادية، فقد اعتمدت بشكل رئيسي على التمويل الذاتي، مع مساهمات محدودة من بعض الجهات، لكن كان للإرادة الشخصية والرغبة في التميز الدور الأهم في الانطلاق والاستمرار.
كذلك لفتت منال إلى أنها شاركت في المؤتمر الدولي الأول للأكاديميين والمهنيين في السياحة والضيافة، كما تم اختيار مشروعها ضمن مبادرة "عمانيون في كل مكان"، التابعة لوزارة الخارجية. وشاركت في فعاليات إقليمية عديدة بمجال الترجمة، وهو ما أتاح لها فرصا مهمة لبناء علاقات مهنية وتوسيع نطاق خدماتها.
وعن التكريم، تقول: "تشرفت بالحصول على عدد من شهادات التكريم من جهات محلية تقديرًا لدوري في دعم الترجمة وريادة الأعمال النسائية في المحافظة".
تطمح منال إلى أن تُحدث الشركة تحولا في مفهوم الترجمة بمحافظة ظفار، وتقول: "نهدف إلى ترسيخ مفهوم الترجمة كجسر للتواصل بين الثقافات، وتوفير بيئة تدريبية متكاملة لخريجي تخصص الترجمة، ليصبحوا جزءا من منظومة مهنية متكاملة تخدم المجتمع وتدعم اقتصاد المعرفة".
كما تركز منال في استراتيجية التسويق لمشروعها على التسويق الإلكتروني عبر وسائل التواصل الاجتماعي، بالإضافة إلى الحضور الفعّال في المعارض والفعاليات المتخصصة، إلى جانب الإعلانات المحلية. ويُعد رضا العملاء وتوصياتهم من أقوى أدواتها التسويقية.
وقد نجحت منال علي مقيبل في تقديم نموذج ملهم لريادة الأعمال النسائية في سلطنة عُمان، ومن خلال "عود الذهب للترجمة"، أظهرت كيف يمكن لفكرة صغيرة أن تنمو وتؤثر، حينما تقترن بالشغف والإصرار والرؤية الواضحة.
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
أماني حبشي جسر الترجمة الرائق
(1)
على الرغم من عزوفها عن الأضواء وتجنبها الحديث إلى وسائل الإعلام، إلا فيما ندر، احتل اسم المترجمة الكبيرة أماني فوزي حبشي (1967-2025) موقعه بين الطبقة الأولى الممتازة من مترجمي اللغة الإيطالية وبخاصة في مضمار الأدب والنصوص الروائية. لا يمكن أن تقترح قائمة بعشرة أسماء أو حتى خمسة كبار (يترجمون من الإيطالية إلى العربية مباشرة)، ويمثلون مراجع موثوق في اختياراتهم وفي كفاءة ترجماتهم إلا وكان اسم الراحلة الكريمة أماني حبشي ضمن هذه الأسماء أو على رأس هذه القوائم.
فجعنا خبر رحيلها الأسبوع الماضي عن 58 عامًا، وهي في ذروة نشاطها وتألقها، وقد قدمت للعربية لغة وثقافة ما يزيد على الثلاثين كتابا من روائع الأدب الإيطالي والفكر الإيطالي الحديث والمعاصر، واستطاعت بجهدها ودأبها وتمكنها أن تؤكد قيمة "المترجم المحترف" فيما يقدِّمه من نصوص، اختيارا وترجمة ومراجعة.. إلخ ما هو معروف عن المترجمين الكبار الأكفاء.
أفضل المترجمين، من تصير أسماؤهم علامة مميزة و"ماركة مسجلة" على الجودة والقيمة واحترام قارئه.. واسم أماني فوزي حبشي صار علامة جودة مؤكدة على أي ترجمة منشورة من الإيطالية إلى العربية؛ وهي من المترجمات اللائي نجحن باقتدار في حفر اسمها بحروف من نور في سجل الجسور المعرفية والثقافية الإنسانية؛ وأعتبرها جسرا من جسور الترجمات الإبداعية الرائقة.
(2)
المترجمة أماني فوزي حبشي لمن لا يعرفها، وعلى وجازة وشح المادة التعريفية المتاحة عنها؛ مترجمة وأكاديمية مصرية قديرة، نالت درجة الدكتوراه في الأدب الإيطالي (2002) عن أطروحتها «في مسرح كارلو جولدوني» من كلية الألسن جامعة عين شمس.
وقد ساهمَت المترجمة الراحلة في نقل روائع الأدب الإيطالي الحديث والمعاصر إلى اللغة العربية؛ حيث عكفت على ترجمة العديد من الأعمال الإيطالية المتميِّزة، ولعل أبرزها «ثلاثية أسلافنا» للكاتب الإيطالي الشهير إيتالو كالفينو: «البارون ساكن الأشجار»، و«الفسكونت المشطور»، و«فارس بلا وجود»؛ كما ترجمت أيضا بعض أعمال الكاتبة الإيطالية سوزان تامارو؛ مثل: «اذهب حيث يَقودك قلبك»، و«القلب السمين»، و«لوزيتو»، و«اقفز يا بارت».. هذا بالإضافة إلى عديد الأعمال الأخرى؛ مثل: «بندول فوكو»، و«إيزابيلا وثلاث سُفن ومحتال»، و«القبعة ذات الأجراس».
وقد حازت الدكتورة أماني حبشي الكثيرَ من الجوائز الرفيعة، منها: الجائزة الوطنية في الترجمة من وزارة الثقافة الإيطالية عن مُجمَل ترجماتها من الإيطالية عام 2002، ووسام فارس من الحكومة الإيطالية عام 2003 عن إسهاماتها في مجال الترجمة عموما، وعن ترجماتها إلى اللغة العربية بالأخص.
خلال السنوات الخمس الأخيرة، احتلت أماني حبشي مكانة رفيعة جدا في أوساط القراء من محبي الأدب الإيطالي والثقافة الإيطالية، ومثل توقيعها على أي ترجمة جديدة "صك الجودة" و"براند الثقة"، وحققت المعادلة الصعبة التي يتمناها أي مترجم أصيل؛ الجمع بين جودة المحتوى ودقته ومستواه وقبول القراء وذيوع الترجمة وانتشارها وصولا إلى احتلالها مراكز متقدمة فيما عرف بقوائم الأكثر مبيعا..
بعض ترجمات أماني حبشي طبعت مرارا منها ما تجاوز الطبعات الأربع والطبعات الخمس، وصار اسمها علامة على جودة الأعمال والنصوص المترجمة من الإيطالية.. عدد قليل من المترجمين عن اللغات الأخرى حاز هذه المكانة وهذه الثقة.. (مثلًا؛ القدير أنور إبراهيم عن الروسية، ومحسن فرجاني عن الصينية، وسمير جريس عن الألمانية، هذه مجرد أمثلة فقط).
(3)
من بين أهم ما ميز اختيارات أماني حبشي قدرتها على الإنصات إلى المشترك الإنساني في الوقت الذي تظهر فيه ملامح الحياة الإيطالية وخصوصيتها وفرادتها، اختيارات يمكن وصفها "بواقعية رومانسية شاعرية" إن جاز هذا الجمع، سأتوقف عند عملين من الأعمال التي ترجمتها أماني حبشي في الأعوام الثلاثة الأخيرة؛ لأدلل على ما أقصده بالمشترك الإنساني (المشاعر الإنسانية التي لا تتغير مهما تغير الزمان أو المكان) وفي الوقت نفسه إبراز الخصوصية الإيطالية في الحياة والسلوك والمواقف المختلفة..
«المُعَادة»؛ بضم الميم وفتح العين، عنوان غريب وغير مألوف في عناوين الروايات، وهو عبارة عن صيغة اشتقاقية من الفعل "أُعيد" المبني للمجهول؛ بمعنى "من تمت إعادته أو تمت إعادتها". نص روائي يدور حول فتاة في الثالثة عشرة من العمر، لا يُعرف لها اسمًا إلا لارمينوتا (المُعَادة)، تكتشف أن مَنْ عاشت معهما ليسا والديها الحقيقيين، وأن عليها العيش مع والديها البيولوجيين من الآن فصاعدًا. وما إن تصل إلى شقّة عائلتها المتهالكة، حتى تكتشف عالمًا غارقًا في الفقر والبؤس. هذه هي الأجواء التي تدور فيها الرواية التي ترجمتها أماني حبشي للأديبة الإيطالية دوناتيلّا دي بيترانطونيو.
أما النص الثاني؛ فبعنوان «بورغو سود» للكاتبة الإيطالية ذاتها، وفيه تُلحق دوناتيلا دي بيترانطونيو هذه الرواية بروايتها سالفة الذكر «المُعادة»، بأسلوبٍ حيوي شاعري تصّور فيه الرابطة المضطربة والمتناقضة بين الأختين، ومشاعر الحب المضطربة والمتباينة. الحب في مقابل الخيانة، والهجر، والانسحاب إلى الداخل، والأسرار المدمرة.
ولم تقتصر جهود المترجمة الراحلة على تقديم الترجمات الرائقة والرائعة عن الإيطالية فقط، بل كانت معنية جدا بتدعيم جهود الترجمة من الإيطالية إلى العربية، وقد كان لها نشاط بارز في السنوات الأخيرة في الاهتمام بتوثيق نشاط الترجمة من الإيطالية إلى العربية بالتعاون مع بعض المترجمين الآخرين والمهتمين بذلك، وكان أبرز ما عرفته منها في هذه الدائرة اشتغالها على مشروع طموح لتأسيس قاعدة بيانات كاملة للترجمات التي أنجزت من الإيطالية إلى العربية (وإن كانت لم تحدد بالدقة المدى الزمني الذي يشتغل في إطار المشروع، وهل سيحدد بمدى قصير أم ممتد ويعود بجذوره لبواكير الترجمات عن الإيطالية في العصر الحديث).
(4)
وفي هذا السياق كشفت لي في حوار بيننا (ضمن سلسلة حوارات مع كبار المترجمين في العالم العربي) قبل أربع سنوات، أنها باتت تعتقد أن الوضع حاليًا بالنسبة للترجمة من الإيطالية أفضل بكثيرٍ من الفترة التي بدأتْ فيها العمل في الترجمة في عقد التسعينيات من القرن الماضي.
كشفت لي أماني حبشي أن الأوضاع الآن (2021/ 2022) باتت أفضل بكثير من حيث نوعية الأعمال وجودة الترجمات؛ وأصبح الآن في الساحة بالإضافة إلى المترجمين القدامى في العالم العربي (المخضرمين)، أسماء كثيرة جديدة، وبدأت دور النشر في مصر والعالم العربي، تهتم كثيرا بالترجمة عن الإيطالية؛ سواء بترجمة "كلاسيكيات الأدب الإيطالي" أم "الأعمال الحديثة"، وقد صارحتني بأنها هذا يعود في المقام الأول إلى معارض الكتب، وإلى نشاط المسؤولين عن الحقوق في دور النشر الإيطالية، والطريقة التي يحاولون بها بكل الطرق تسويق الأعمال الحديثة. هذا بالإضافة إلى زيادة عدد دور النشر في الفترة الأخيرة، وبالتأكيد ساهمت وسائل التواصل الحديثة في انتشار الترجمات بصورة أكبر. وعندما سألتها عمن تذكر من الأسماء الجديدة والواعدة في الترجمة عن الإيطالية، قالت لي:
تحضرني هنا أسماء كثيرة، ولكن حتى لا أنسى أحدًا سأدعو المهتمين للاطلاع على صفحة "المقهى الثقافي الإيطالي"، والتي فيها نحاول أنا، والزميل معاوية عبد المجيد، تأسيس قاعدة بيانات للترجمات من الإيطالية إلى العربية، سواء ما تم بالفعل، أو مواكبة ما يحدث على الساحة في الوقت الحالي، ومن خلالها يمكن التعرف على العديد من الأسماء الجديدة التي بدأت تبرز مؤخرًا على الساحة، بالإضافة طبعًا للأسماء المعروفة بالفعل.
ولكن لا توجد مقارنة بالفعل، فالعديد من دور النشر الآن تهتم بالأعمال من اللغات المختلفة، ونالت اللغة الإيطالية حظها أيضًا من هذا الاهتمام. يكفي متابعة الكتب المطبوعة هذا العام، على الرغم من الجائحة لتقييم هذا الأمر. ولكن بالتأكيد، بالمقارنة باللغة الإنجليزية، فما زلنا نحتاج إلى مزيد من الجهد..
أخيرًا.. تبقى السيرة والأعمال الرائعة أطول من عمر أصحابها.. التحية والسلام لروح المترجمة القديرة.