جريدة الرؤية العمانية:
2025-12-14@18:00:46 GMT

تسميم الأفلاج العُمانية؟!

تاريخ النشر: 3rd, June 2025 GMT

تسميم الأفلاج العُمانية؟!

 

 

مدرين المكتومية

 

يعي الجميع أنَّه في عُمان، ومنذ مئات السنين، كان الإنسان العُماني يعتمد اعتمادًا كبيرًا وتامًا على الأفلاج، وهي منظومتنا الوطنية التاريخية التي تُعد العمود الفقري للحياة الزراعية والاقتصادية والاجتماعية، ليس فقط في المناطق الزراعية؛ بل في كل شبر من أرض وطننا العزيز.

والحقيقة أنني ومنذ صغري، وفي قريتي خضراء المكاتيم، تعلمتُ من جدي- رحمه الله- ومن أبي وأعمامي، أنَّ الفلج في ثقافتنا المحلية ليس مجرد قنوات مائية؛ بل شرايين حياة نابضة، تسقي الأرض والزرع، وتحمل في جريانها عبق التاريخ وهمّة الأجداد الذين واجهوا الظروف الطبيعية القاسية، فابتكروا نظامًا مائيًا عبقريًا، يُدهش العالم حتى يومنا هذا.

الأفلاج ليست فقط مصدر ماء، بل تراث ثقافي وروحي يعكس علاقة الإنسان العُماني بالطبيعة. ولكن، وفي خضم التحولات المتسارعة، وتعاقب الأجيال، وتغيُّر أنماط الحياة، بدأنا نلحظ غيابًا واضحًا للوعي بأهمية هذه المنظومة البيئية الدقيقة. وكأننا نغض الطرف عن هذه الجوهرة المائية التي حافظت على حياتنا لقرون.

ما يبعث على القلق، أننا اليوم نشاهد مُمارسات لا مسؤولة تنتهك هذه القنوات المائية؛ فمثلًا نرى البعض يستحم في الفلج، والبعض يستخدم الصابون والمعجون والمنظفات الكيميائية، وكأنهم في حمام خاص، غير مدركين لمدى خطورة ما يقومون به. وهذه المواد التي تبدو بسيطة على السطح، تتحول إلى سموم تدخل في عروق النخيل والزرع، فتؤدي إلى تلوث المحاصيل، وتحول الغذاء النقي إلى مصدر للداء. ومثل هذه المواد الكيميائية تخترق التربة، وتتسبب في ملوحة الأرض، وربما تراكم مواد ملوثة في الثمار، ويُحتمل أن يكون أحد أسباب تفشي الأمراض المزمنة، وعلى رأسها السرطان، الذي بدأ يظهر في مناطق لم تكن تعرفه بهذا الشكل من قبل. وقد تواصلت مع خبراء في موارد المياه، وأكدوا لي أنَّه عندما يصبح ماء ري المزروعات ملوثًا، فإنَّ دورة الحياة كلها تتأثر، من التربة إلى الشجرة، ومن الثمرة إلى الإنسان.

ولا ريب أنَّ غياب الوعي مشكلة خطيرة، لكن الأخطر من ذلك هو غياب القوانين الرادعة؛ إذ لا يكفي أن نكتب مقالات نتحسر فيها ونتذمر على ما يجري؛ بل نحتاج إلى تشريعات صارمة تُنظِّم استخدام الأفلاج وتُحافظ على نظافتها، مع تفعيل دور الجهات الرقابية، وتكثيف التوعية المجتمعية، لا سيما في القرى والمناطق الزراعية، وهذه التوعية ضرورية لا سيما بين العمالة الوافدة الذين قد لا يعلمون مخاطر ما يقومون به، وأن تكون التوعية بلغاتهم لتأكيد وصول الرسالة التوعوية.

الأفلاج ليست فقط موروثًا ثقافيًا؛ بل هي شريان حياة، وإذا تلوثت ماتت الأرض، ولذلك لا بُد من تدخل حازم، وحملة وطنية تُعيد للأفلاج هيبتها، وتربي الأجيال الجديدة على احترامها، لأنها ليست فقط مجرد قنوات مائية كما ذكرت؛ بل هوية وانتماء، ومرآة لحضارة ضاربة في القدم.

وبالتوازي مع تلوث الأفلاج نجد أيضًا تلوث آبار المياه، لا سيما بعد الأنواء المناخية، وقد اطلعت على إحصائيات بعض الجهات في أعقاب الحالة المدارية "شاهين"؛ حيث أظهرت نتائج فحص 50 بئرًا في ولايات السويق والخابورة وصحم أنها جميعا، باستثناء واحدة، غير صالحة للاستخدام البشري؛ بسبب التلوث بمخلفات الأودية والكائنات الحيَّة التي نفقت في تلك الأثناء.

ومن أجل الحفاظ على الموارد المائية، على الجهات المعنية البحث عن حلول مُبتكرة، وليس فقط الاكتفاء بحملات تنظيف هنا وهناك ولا يجب أن يكون الأمر معتمدًا فقط على التوعية؛ إذ لا تكفي وحدها. ومن بين الحلول المُبتكرة التي يمكن تطبيقها:

تغطية الأفلاج بالكامل لضمان حمايتها من التلوث وسوء الاستخدام، وكذلك الحفاظ عليها من التبخُّر. وضع مرشحات عضوية في مجرى الفلج، يما يحافظ على نقاء المياه واستدامتها. الاستفادة قدر المُستطاع من مياه الأمطار في مختلف المواسم، لا سيما في فترات الهطول الشديد. ابتكار أساليب نوعية تسمح بنقل جزء من مياه السدود بعد معالجتها وتنقيتها، إلى قنوات الأفلاج، لزيادة المنسوب المائي فيها.

وبالتوازي مع هذه الجهود، يجب تعميم آلية إعادة تدوير مياه الصرف الصحي في ري المساحات الخضراء التجميلية، مثل الحدائق العامة، والدواوير، والأشجار التي تُزرع على جانبي الطرق أو في منتصفها.

وبعد كل ما سبق، عرضه، علينا أن نؤمن جميعًا بأنَّ المياه فعلًا مصدر الحياة، وأن هذا الشريان الحيوي، أي الأفلاج، نعمة كبيرة طوّرها الإنسان العُماني منذ القدم، وعلينا نحن الأحفاد أن نُراعي ونحفظ ما اخترعه الأجداد والآباء.

ويبقى السؤال المُلِح: أين الجهات المختصة من كل هذا التلويث والتسميم لأفلاجنا ومواردنا المائية؟!

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

وزير الموارد المائية والري ووزيرة التضامن الاجتماعي يبحثان التعاون في تدوير ورد النيل لإنتاج مشغولات يدوية للأسر الأولى بالرعاية


 

استقبل الدكتور هاني سويلم وزير الموارد المائية والري، الدكتورة مايا مرسي وزيرة التضامن الاجتماعي، لبحث سبل التعاون المشترك بين الوزارتين في مجال تدوير نبات ورد النيل لإنتاج منتجات ومشغولات يدوية متميزة من خلال السيدات بالأسر الأولى بالرعاية، إلى جانب الإعداد لإطلاق مبادرة "تمكين المرأة في مجال المياه وتدوير ورد النيل" خلال احتفالات اليوم العالمي للمياه في مارس 2026، والمقرر عقده تحت عنوان "دور المياه في المساواة بين الجنسين".

وفي مستهل اللقاء، أعرب الدكتور هاني سويلم عن تقديره للتعاون المتواصل بين الوزارتين، والذي نتج عنه العديد من النماذج الناجحة، مثل الانتهاء من تجهيز مركز استقبال أبناء العاملين بالوزارة في مبنى الوزارة بالعاصمة الإدارية الجديدة، والمقرر افتتاحه قريبًا.

وأوضح وزير الري أن مركز التدريب الإقليمي للموارد المائية والري نفّذ بالفعل مجموعة كبيرة من البرامج التدريبية للسيدات في مجال تدوير نبات ورد النيل، شملت 16 نشاطًا تدريبيًا بمقر المركز وفروعه في محافظات (كفر الشيخ – دمياط – دمنهور – إسنا)، واستفادت منه 391 سيدة، مؤكدًا استمرار تنفيذ برامج تدريبية مماثلة خلال الفترة المقبلة.

وأضاف أن الوزارة تتطلع للتعاون مع وزارة التضامن الاجتماعي لتطوير عملية تسويق منتجات ورد النيل، وزيادة أعداد السيدات المتدربات، وذلك من خلال دمج مستفيدات برنامج "تكافل وكرامة" في البرامج التدريبية المقدمة. كما أشار إلى سعي الوزارة لتحسين أساليب تدوير ورد النيل باستخدام طرق حديثة للتجفيف والمعالجة، مع تصميم منتجات عصرية ذات قبول مجتمعي.

من جانبها، رحّبت الدكتورة مايا مرسي وزيرة التضامن الاجتماعي بالمبادرة، مؤكدة أن هذا التعاون يساهم في مساعدة الأسر الأولى بالرعاية على الخروج من دائرة الاحتياج إلى الإنتاج، بما يحقق الاستقلال الاقتصادي للمرأة.

وأوضحت وزيرة التضامن أن هذه المبادرة يمكن دمجها ضمن برنامج المنظومة المالية الاستراتيجية للتمكين الاقتصادي الذي يضم عدة وزارات ومؤسسات، ويستهدف دعم التمكين الاقتصادي والشمول المالي لمستفيدي "تكافل وكرامة".

كما أشارت إلى أن صندوق دعم الصناعات الريفية والبيئية التابع للوزارة يمكنه الإسهام بفاعلية من خلال إنشاء خط إنتاج يضمن استدامة المشروع، إلى جانب دور الرائدات الاجتماعيات في تعزيز الوعي المجتمعي بالاستخدام الأمثل لنبات ورد النيل وتحويله إلى منتجات صديقة للبيئة بدلًا من إهداره.

حضر اللقاء من جانب وزارة الموارد المائية والري كل من:
المهندس وليد حقيقي رئيس قطاع الإدارة الإستراتيجية،
الدكتور أحمد مدحت رئيس القطاع المشرف على مكتب الوزير،
الدكتورة سلوى أبو العلا رئيس مركز التدريب الإقليمي للموارد المائية والري،
والدكتورة يسرا علام مستشار الوزير للاتصال والعلاقات الخارجية.

كما حضر من وزارة التضامن الاجتماعي:
الأستاذة دينا الصيرفي مساعد وزيرة التضامن للتعاون الدولي والعلاقات والاتفاقات الدولية،
والأستاذ رأفت شفيق مساعد وزيرة التضامن للحماية الاجتماعية وبرامج دعم شبكات الأمان الاجتماعي والتمكين الاقتصادي والمدير التنفيذي لبرنامج "تكافل وكرامة".

1000660267 1000660264 1000660265 1000660266 1000660263

مقالات مشابهة

  • وزير المياه يلتقي السفير الأميركي لمناقشة التحديات المائية ومشاريع الاستدامة
  • وزير الري: تنفيذ مشروعات كبرى لتعظيم كفاءة المنظومة المائية والعائد من وحدة المياه
  • الموارد المائية:الأمطار الأخيرة عززت الرصيد المائي في السدود إلى أكثر من (700) مليون متر مكعب
  • اتفاق لتوسيع مشاركة المؤسسات العُمانية في معرض "مراعي" بالبحرين
  • 20 ميدالية لنادي أبوظبي للرياضات المائية
  • البانة بعبري.. بلدة الأفلاج العريقة وواحة التاريخ والطبيعة
  • وزير الموارد المائية والري ووزيرة التضامن الاجتماعي يبحثان التعاون في تدوير ورد النيل لإنتاج مشغولات يدوية للأسر الأولى بالرعاية
  • “قداسة البابا “: من الأسرة يخرج القديسون وهي التي تحفظ المجتمع بترسيخ القيم الإنسانية لدى أعضائها
  • الأرصاد تكشف حالة الطقس غدًا وتحذر من الشبورة المائية
  • ماذا نعرف عن إبراهيم السالمي رئيس التحرير الجديد لوكالة الأنباء العُمانية؟