قداسة البابا لاون الرابع عشر يترأس قداس عيد حلول الروح القدس
تاريخ النشر: 9th, June 2025 GMT
ترأس قداسة البابا لاون الرابع عشر، قداس عيد حلول الروح القدس (عيد العنصرة)، وذلك بساحة القديس بطرس، بالفاتيكان.
في عظةٍ عميقة ومؤثرة، توقّف البابا عند رمزية علّية صهيون التي ما تزال تتجدّد في قلب الكنيسة وفي حياة كل مؤمن، مشدّدًا على أنّ عطية الروح القدس لا تقتصر على حدث تاريخي بل تتواصل اليوم كريح تهزّ، وكدويّ يوقظ، وكشعلة تنير وتُلهب القلوب.
وقال: "لقد أشرق لنا اليوم المفرح، ذلك اليوم الذي فيه أرسل الرب يسوع المسيح، الممجد بصعوده إلى السماء بعد قيامته، الروح القدس". واليوم أيضًا يتجدد ما حدث في علّية صهيون: كريح عاصفة تهزّنا، وكدويّ يوقظنا، وكنارٍ تنيرنا، تنزل علينا عطية الروح القدس.
وتابع الأب الأقدس يقول: كما سمعنا في القراءة الأولى، يعمل الروح شيئًا استثنائيًا في حياة الرسل. فهؤلاء، بعد موت يسوع، انغلقوا على أنفسهم في الخوف والحزن، ولكنهم الآن ينالون أخيرًا نظرة جديدة وفهمًا عميقًا للقلب يساعدهم على تفسير ما جرى، وعلى أن يختبروا بشكل حميم حضور القائم من بين الأموات: لقد انتصر الروح القدس على خوفهم، وكسر القيود الداخلية، وهدّأ جراحهم، ومسحهم بالقوة، ومنحهم الشجاعة لكي يخرجوا للقاء الجميع ويعلنوا لهم أعمال الله.
يخبرنا سفر أعمال الرسل أن أورشليم كانت في ذلك الوقت مزدحمة بأناس من أصول مختلفة، ومع ذلك "كان كل واحد منهم يسمعهم يتكلمون بلغة بلده". وهكذا إذًا، في يوم العنصرة، تُفتح أبواب العلّية لأن الروح يفتح الحدود. وكما يؤكّد البابا بندكتس السادس عشر: "إنَّ الروح القدس يمنح الفهم. فهو يتجاوز الانقسام الذي بدأ في بابل – تشويش القلوب الذي يضعنا في مواجهة بعضنا البعض – ويفتح الحدود. على الكنيسة أن تصبح دائمًا ما هي عليه في الأصل: عليها أن تفتح الحدود بين الشعوب، وتحطم الحواجز بين الطبقات والأعراق. فلا يمكن أن يكون فيها منسيّون أو محتقرون. في الكنيسة لا يوجد سوى إخوة وأخوات يسوع المسيح الأحرار".
وأضاف الحبر الأعظم يقول: إنها صورة بليغة للعنصرة، أرغب في أن أتوقّف عندها للتأمل معكم حولها. إنَّ الروح يفتح الحدود أولًا في داخلنا. إنه العطية التي تفتح حياتنا على المحبة. وهذا الحضور الإلهي يذيب صلابتنا، وانغلاقنا، وأنانيتنا، والمخاوف التي تشلّنا، والنرجسيات التي تجعلنا ندور حول أنفسنا فقط. إنَّ الروح القدس يأتي لكي يتحدّى في داخلنا خطر حياة تنكمش وتمتصها الفردية.
من المحزن أن نلاحظ كيف أنَّنا في عالم تتكاثر فيه فرص التواصل، نجد أنفسنا – بشكل متناقض – أكثر وحدة؛ "متصلون" على الدوام، ولكننا عاجزون عن "بناء شبكة"، نغوص دائمًا في الزحام ومع ذلك نبقى مسافرين تائهين ووحيدين. بالمقابل، يكشف لنا روح الله طريقة جديدة لرؤية الحياة وعيشها: يفتحنا على اللقاء مع ذواتنا، أبعد من الأقنعة التي نرتديها؛ يقودنا إلى اللقاء مع الرب، ويربّينا لكي نختبر فرحه؛ ويقنعنا – بحسب كلمات يسوع التي سمعناها – بأننا إذا ثبتنا في المحبة ننال القوة أيضًا لكي نحفظ كلمته وبالتالي أن تحوِّلنا. هو يفتح الحدود في داخلنا، لكي تصبح حياتنا فُسحة مضيافةً.
وتابع الأب الأقدس يقول: كذلك يفتح الروح أيضًا الحدود في علاقاتنا مع الآخرين. في الواقع يقول يسوع إن هذه العطية هي المحبة التي تجمعه بالآب، والتي تأتي لتسكن فينا. وعندما تسكن محبة الله في قلوبنا، نصبح قادرين على الانفتاح على الإخوة، وعلى التغلُّب على قساوتنا، وعلى تخطي الخوف من الآخر المختلف، وعلى تهذيب الأهواء المضطربة في داخلنا. لكنَّ الروح يحوّل أيضًا تلك المخاطر الخفية التي تلوّث علاقاتنا، مثل سوء الفهم، والأحكام المسبقة، والاستغلال المتبادل. أفكر – وبألم كبير – في العلاقات التي يُفسدها السعي للهيمنة على الآخر، وهو سلوك ينتهي كثيرًا، وللأسف، بالعنف، كما تدل على ذلك العديد من حالات قتل النساء التي نشهدها في أيامنا. أما الروح القدس، فهو يُنضج فينا الثمار التي تساعدنا على عيش علاقات صادقة وسليمة: " المحبة والفرح والسلام والصبر واللطف وكرم الأخلاق والإيمان، والوداعة والعفاف".
وبهذه الطريقة، يوسّع الروح حدود علاقاتنا مع الآخرين، ويفتحنا على فرح الأخوّة. وهذا معيار حاسم أيضًا بالنسبة للكنيسة: نحن نكون حقًا كنيسة القيامة وتلاميذ العنصرة فقط إذا لم تكن بيننا حدود ولا انقسامات؛ إذا عرفنا كيف نتحاور ونقبل بعضنا البعض داخل الكنيسة، مندمجين في تنوعنا؛ وإذا أصبحنا ككنيسة فسحة مضيافة تستقبل الجميع.
وأضاف الحبر الأعظم يقول: وأخيرًا، يفتح الروح الحدود بين الشعوب أيضًا. ففي العنصرة، يتحدث الرسل بلغات الذين يلتقون بهم، وتتبدَّد فوضى بابل أخيرًا بالانسجام الذي يخلقه الروح.
فالاختلافات، عندما يوحّد النفَس الإلهي قلوبنا ويجعلنا نرى في الآخر وجه أخٍ لنا، لا تعود مناسبة للانقسام والصراع، بل تصبح إرثًا مشتركًا يمكن للجميع أن يستقوا منه، ويضعنا جميعًا في مسيرة معًا في الأخوّة. إنَّ الروح يكسّر الحدود، ويهدم جدران اللامبالاة والكراهية، لأنه "يعلمنا كل شيء" و"يذكّرنا بكلمات يسوع"؛ ولهذا، فإن أول ما يعمله هو أن يعلّمنا ويذكّرنا وينقش في قلوبنا وصية المحبة، التي وضعها الرب في محور وذروة كل شيء. وحيث تكون المحبة، لا مكان للأحكام المسبقة، ولا للمسافات الوقائية التي تبعدنا عن القريب، ولمنطق الإقصاء الذي نراه للأسف يظهر أيضًا في القومية السياسية.
واختتم قداسة البابا لاوُن الرابع عشر عظته بالقول في احتفاله بعيد العنصرة: لاحظ قداسة البابا فرنسيس أن "هناك في عالم اليوم الكثير من الانقسام والتفرقة. نحن جميعًا متصلون، ومع ذلك نجد أنفسنا منفصلين عن بعضنا، مخدَّرين باللامبالاة ومثقَّلين بالوحدة". والحروب التي تهز كوكبنا ما هي إلا علامة مأساوية على هذا الواقع كلِّه. لنطلب روح المحبة والسلام، لكي يفتح الحدود، ويهدم الجدران، ويبدّد الكراهية، ويساعدنا على أن نعيش كأبناء للآب الواحد الذي في السماوات.
أيها الإخوة والأخوات، إن العنصرة هي التي تجدّد الكنيسة والعالم! لتهُبّ علينا وفي داخلنا ريح الروح القدس العاتية، ولتفتح حدود القلوب، وتمنحنا نعمة اللقاء مع الله، وتوسّع آفاق المحبة، وتعضد جهودنا من أجل بناء عالم يسوده السلام. لترافقنا مريم الكلية القداسة، سيّدة العنصرة، العذراء التي زارها الروح القدس، والأم الممتلئة نعمة، ولتتشفّع من أجلنا.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: البابا لاو ن قداس عيد حلول الروح القدس عيد حلول الروح القدس الفاتيكان العنصرة الكنيسة عید حلول الروح القدس قداسة البابا یفتح الحدود على أن
إقرأ أيضاً:
نشاط رعوي مكثف.. الأنبا بولا مطران طنطا يزور منطقة «الأرشيديوسس» شمال كاليفورنيا
زار نيافة الأنبا بولا مطران طنطا منطقة الأرشيديوسس (شمالي كاليفورنيا والساحل الغربي للولايات المتحدة الأمريكية).
وشهدت زيارة نيافته نشاطًا رعويًّا مكثفًا، حيث عقد في أول أيام الزيارة اجتماعًا لكهنة شمالي كاليفورنيا انضم إليه كهنة ولايات واشنطن وأوريجون وكولورادو ويوتا online عبر تطبيق zoom عن طريق شبكة الإنترنت، وتحدث نيافته خلاله مع الآباء عن رعاية الكاهن لأسرته، وأجاب عن أسئلتهم بخصوص بعض موضوعات الأحوال الشخصية.
وصلى نيافته القداس الإلهي في كنيسة الشهيد مار جرجس بسان هوزيه، ثم صلي العشية مساء نفس اليوم في كنيسة الشهيد مار مينا بكونكورد وألقي العظة بعنوان معجزات إلهية.
التواصل بين الزوجينكما صلى قداس اخر في كنيسة القديس الأنبا أنطونيوس بهيوارد وألقى محاضرة للشعب عقب القداس بعنوان "كيف تفهم الآخر".
وصلي قداس ليكون قداس ختام الزيارة، وصلًّاه نيافته، في كنيسة السيدة العذراء والقديس مار يوحنا، بليزنتون ثم ألقى نيافته محاضرة عقب القداس للشعب بعنوان "التواصل بين الزوجين".