18 أغسطس 1955: ومتى خلا السودان من نزاع؟ (1/2)
تاريخ النشر: 28th, August 2023 GMT
مرت في الـ18 من أغسطس (آب) الجاري الذكرى الـ68 لما عرف بـ"تمرد" الفرقة الجنوبية بمدينة توريت بجنوب السودان، وسبق ذلك التعبير القومي الجنوبي "استقلال السودان" في يناير (كانون الثاني) 1956 بسنة وبضعة أشهر، ومهما كانت
مسبباته وذيوله إلا أنه الأساس في النزاع الذي شاب العلاقة بين حكومات السودان والقومية الجنوبية حتى انفصال الجنوب في 2011.
وتواتر ذلك النزاع حتى قال عضو في اللجنة الأفريقية للكونغرس الأميركي "ما الذي يحدث في السودان غير النزاع" في سياق جلسة للجنة خصصتها لمناقشة وضع سوداني متأزم يومها، وذكر أحدهم في الاجتماع أن زعيم الحركة الشعبية الجنوبية جون قرنق نال درجة الدكتوراه من جامعة آيوا بمدينة إيمس، فقال العضو لزميله ممثل ولاية آيوا في اللجنة "أهذا من تدرسون في أيوا وما تدرسونه؟" وصار النزاع من يوم ذلك "التمرد" هو وجه السودان في العالم.
يكثر التباكي على انفصال جنوب السودان (2011) الذي كان "تمرد" 1955 لائحه الباكر بوصفه خطيئة تاريخية تبارت الأطراف في تعيين مرتكبها، وصار الانفصال عاراً سياسياً في حين يغفل الناس أنه حق لتقرير المصير وهو عنوان للرحابة والحرية لسياسيين كثر، على اختلاف عقائدهم، وبدا أن كثيراً من هؤلاء المتباكين، ممن قبلوا تباعاً بمبدأ تقرير المصير للجنوب، انتظروا أن يصوت الجنوبيون للوحدة. ولم يفعلوا.
ولم يكن للسودان مهرباً من التنزل عند مطلب تقرير المصير لأنه ربما كان البلد الوحيد الذي واجه، حتى قبل أن يستقل كما رأينا من "تمرد" 1955، مشكلة تصفية تركة الاستعمار المتمثلة في خلطة الأقوام التي لملمها في حوش مستعمرته جزافاً في كثير من الأحيان. وهي خلطة مؤذنة بالتفرق بعد انقضاء عهد صانعها إلا لمن رحم بانتهاج سياسات أريحية لم تنجح كثير من المستعمرات السابقة في اجتراحها، وترافق مع التباكي على هذه الخطيئة التاريخية بالطبع التباري في تعيين مرتكبها، ولم يكن صعباً في حالنا من تحميل الوزر للحكومات الشمالية إذا لم يكن الشماليون جملة.
ومن أكثر لائمي الحكومات الشمالية على فصل الجنوب نشاطاً الدكتور القانوني سلمان محمد سلمان في كتابه الجسيم (نحو ألف صفحة) المعنون "انفصال جنوب السودان: دور ومسؤولية القوى السياسية الشمالية" (2015)، وأذاع فيه نظريته عن انفصال الجنوب ومفادها بأن الحكومة السودانية الأولى في 1954 لم تلتزم بما وعدت به الجنوبيين بقيام الدولة الجديدة على مبدأ الفيدرالية، بهدف كسب أصواتهم في البرلمان لمصلحة التصويت للاستقلال، بخلاف ما جاء في اتفاق الحكم الذاتي (1953) المنعقد بين دولتي الحكم الثنائي، بريطانيا ومصر، بأن يستفتى السودانيون على الاستقلال أو الاتحاد مع مصر.
وكان الحزب الليبرالي الغالب في الجنوب هو من وراء المطلب، ومال إلى مصر المتمسكة بالاستفتاء لما سئم من استجابة الحكومة لمطلبه. ولكسب الليبرالي للتصويت للاستقلال داخل البرلمان جاءت الحكومة بنص في ذلك الإعلان قال "نحن أعضاء مجلس النواب في البرلمان مجتمعاً نرى أن مطالب الجنوبيين لحكومة فيدرالية للمديريات الجنوبية الثلاث ستعطى الاعتبار الكافي بواسطة الجمعية التأسيسية". وعلى بينة نقض الحكومة للعهد رأى سلمان في ذلك خطأ شمالياً جسيماً ترتبت عليه في خاتمة المطاف دعوة الجنوبيين إلى حق تقرير المصير فالانفصال.
وفات على سليمان هنا أن الجنوب لم يثبت على دعوة الفيدرالية لما يتزحزح منها أبداً، فلم يدع الجنوبيون إلى الفيدرالية في كل أطوار حركتهم القومية، بل قبلوا بالحكم الذاتي الأدنى درجة عن الفيدرالي باتفاق أديس أبابا مع نظام الرئيس نميري الذي أسعد القوميين الجنوبيين لعقد كامل ما بين عامي 1972 و1983، ناهيك عن أن الجنوب كان قد تخلى عن الفيدرالية منذ الثمانينيات الأولى بظهور الحركة الشعبية لتحرير السودان وجيشها الشعبي. فلا نعرف دعوة إلى وحدة السودان معززة بقوة الخيال والرجال مثل دعوة الحركة للسودان الجديد تخلت فيها حتى عن خصوصية مسألة الجنوب لأن كل السودان عندها جنوب. فليست للجنوب، في قول دعاتها، مشكلة بذاتها قائمة علاجها في الفيدرالية، خلافاً لإلحاح سلمان، أو الانفصال. فميثاق الحركة (1983) صريح في القول إن الحركة لا تريد تحرير الجنوب بالفيدرالية أو الانفصال بل تحرير كل السودان.
وقال سلمان نفسه إن الحركة تبنت بذلك الخط منهجاً وطنياً شاملاً لكل السودان تقاطر له الناس من كل فج في حرب تحرير أهلية لم تعد تقتصر على الجيش الشمالي وحركة جنوبية، فتغيرت الحال تغيراً صار به الشمالي يقاتل جنباً إلى جنب مع رفيقه الجنوبي ضد القوات المسلحة على أمل تحقيق السودان الجديد، وهكذا سقطت لقرابة 30 عاماً، هي عمر حركة السودان الجديد، دعوة الفيدرالية التي يقول سلمان إنها أس مشكلة الجنوب وإن نقض الحكومات الشمالية لها هو الذي ساق إلى فصل الجنوب.
وعاد سلمان إلى نكث العهود مرة أخرى، لكن ليرمي به الحركة الشعبية هذه المرة ويلطفه، فمعلوم أن الحركة الشعبية لم تتمسك بدعوة السودان الجديد الموحد خلال اتفاق السلام الشامل (2005) بينها وحكومة الإنقاذ (1989-2019)، وأرجأت بدلاً من ذلك القرار حول استمرار الجنوب في وحدة مع الشمال أو تقرير مصيره حتى تنقضي الفترة الانتقالية التي ستشارك الإنقاذ فيها إلى 2011 لترى رأيها، فإذا لم تجد الوحدة جاذبة (وهي العبارة) خلال تلك الفترة فزعت إلى حقها في الاستفتاء على تقرير المصير المنصوص عليه في الاتفاق.
وغير خاف أن الحركة الشعبية لم تجد الوحدة السودانية جاذبة بعد تجربتها مع نظام الإنقاذ فسلكت سبيل الاستفتاء الذي جاء التصويت فيه لمصلحة الانفصال. وحصل.
وفطن سلمان هنا إلى أن الحركة قد نقضت وعدها في ميثاقها بتنزيل سودان جديد بحد السلاح ومهما كلف، وغادرت السودان نهائياً، رامية بالدعوة إلى السودان الجديد على قارعة الطريق، ولم يجد سلمان مع ذلك مانعاً من أن يلقي لها المعاذير بقوله "فإذا كانت الحركة الشعبية قد نكثت بوعودها الرامية للسودان الجديد الموحد، فكم من الوعود كانت الأحزاب الشمالية قد نقضتها قبل ذلك؟ الفرق أن الحركة قد أدت دورها بذكاء وحنكة كانا غائبين غياباً تاماً في أحزاب الشمال".
وهكذا وجد سلمان للحركة الشعبية مخرجاً من عيب نكث العهد عنها بالتنويه لا بوسامتها الفكرية فحسب، بل بوسامة عقيدته القائلة إن نقض حكومة الشمال لعهد الفيدرالية هو الذي ساقنا إلى الانفصال على رغم أن دعوة الفيدرالية تبخرت من الخطاب الجنوبي القومي منذ 1983.
IbrahimA@missouri.edu
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: السودان الجدید الحرکة الشعبیة أن الحرکة
إقرأ أيضاً:
الترشح لجائزة الإمارات للريادة في سوق العمل حتى 31 أغسطس
أعلنت وزارة الموارد البشرية والتوطين، استمرار استقبال طلبات الترشح للدورة الثالثة من «جائزة الإمارات للريادة في سوق العمل» حتى 31 أغسطس المقبل، وذلك من عبر الموقع الإلكتروني للجائزة riyada.mohre.gov.ae.
وتعتبر الجائزة الأولى من نوعها على مستوى الدولة في تكريم الممارسات الرائدة والمتميزة في سوق العمل على مستوى شركات القطاع الخاص والقوى العاملة المتميزة. وتخضع طلبات الترشُّح إلى تقييم لجان مختصة وفق معايير التوظيف والتمكين، ومعايير الصحة والسلامة المهنية، ومعيار الإبداع والابتكار، ومعيار استقطاب المهارات، ومعيار علاقات العمل والأجور، ومعيار المسؤولية المجتمعية، والعديد من المعايير الشاملة والمتكاملة الخاصة بكل فئة.
وشهدت الجائزة في دورتها الثالثة زيادة في عدد المكرمين ليصل إلى ما يقارب 100 فائز بدلاً من 84 فائزاً تم تكريمهم في الدورة الثانية، ويحصل الفائزون في جميع الفئات على جوائز قيمة منها جوائز نقدية للأفراد، فيما تحصل الشركات على مزايا عدة تتعلق بخدمات وزارة الموارد البشرية والتوطين، وهو ما يحقق لها وفراً مالياً مجزياً وسهولة في إنجاز الخدمات.
كما تم استحداث فئة فرعية ضمن «السكنات العمالية» بهدف تشجيع الشركات على تبني مبادرات وممارسات وفعاليات ترفيهية مستدامة للعاملين لديها خصوصاً في المناسبات الوطنية والأعياد، وهو ما يسهم في زيادة الإنتاجية ويعزز القيم الإيجابية للعاملين.
وتشمل الجائزة خمس فئات رئيسية، هي فئة «الشركات» وتضم 40 فائزاً، ويتم منحها للشركات التي تطبق أفضل الممارسات لمواردها البشرية بناء على عدد من المعايير أهمها، التوظيف والتمكين واستقطاب المهارات، وبيئة العمل والابتكار والجاهزية للمستقبل.
وتضم الفئة الثانية، وهي فئة «القوى العاملة المتميزة» 30 فائزاً، ضمن ثلاث فئات فرعية، الأولى هي «العمالة الماهرة» والثانية «العمالة من المستويات المهنية الأخرى»، والثالثة «العمالة المساعدة»، حيث يتم تقييم الفائزين ضمن الفئتين الثانية والثالثة بناء على واقع المسؤولية المجتمعية والإنجاز، ويتم ترشيح المشاركين فيها من قبل الشركات والمجتمع وأصحاب العمل والأسر.
وسيتم تكريم 10 فائزين ضمن الفئة الثالثة من الجائزة، وهي فئة «السكنات العمالية»، فيما تم استحداث فئة فرعية تمنح جائزتها للشركات التي تدعم وتنفذ مبادرات مستدامة لرفع مستوى رفاهية القوى العاملة وتنظيم برامج وأنشطة ترفيهية للعاملين.
كما سيتم تكريم ثلاثة فائزين ضمن الفئة الرابعة من الجائزة، وهي فئة «شركاء خدمات الأعمال» التي تنقسم إلى ثلاث فئات فرعية هي: «مكاتب استقدام العمالة المساعدة» وهي جائزة تمنح لمكاتب الاستقدام التي تطبق أفضل الممارسات، والفئة الثانية «وكالات التوظيف»، وتمنح لوكالات التوظيف التي تطبق أفضل الممارسات لاستقطاب الكفاءات البشرية، فيما تضم الفئة الفرعية الثالثة «مراكز خدمات الأعمال»، وتمنح لمراكز خدمات الأعمال الرائدة التي تمكن كوادرها البشرية من تقديم خدمات متميزة لقطاع الأعمال.
وتشمل الفئة الخامسة وهي «فئة التكريم الخاص»، فئتين الأولى هي نخبة الشركات وتضم 12 شركة سيتم تكريمها انطلاقاً من تطبيقها ممارسات مميزة ذات تأثير إيجابي في سوق العمل، بينما تشمل الفئة الأخرى 3 مكرمين من المؤثرين الاجتماعيين الذين يساهمون في التعريف بتشريعات ومبادرات سوق العمل الإماراتي.
(وام)