سيناريوهات متشائمة لهزيمة إيران في الحرب!
تاريخ النشر: 15th, June 2025 GMT
بعد فوات الأوان، وحيث لا ينفع الندم، تباكى سياسيون عرب على الاتحاد السوفييتي بعد سقوطه، إذ جعلهم في قبضة القطب الأمريكي الواحد، يبيع فيهم ويشتري كما يريد، بعد أن ضاع منهم هامش المناورة الذي كان يسمح به وجود قطب عالمي موازن. هؤلاء أنفسهم، وكما وضعوا ثروات شعوبهم قبل عقود في خدمة مخططات أمريكا لإسقاط الاتحاد السوفييتي، كرروا نفس الخطأ، ووضعوها في العقود الحالية من أجل إسقاط النظام الإيراني.
من الناحية التاريخية، إذا هُزمت إيران في هذه الحرب الأمريكية - الأطلسية - الإسرائيلية عليها، فإنها ستكون الهزيمة الثانية لمشروع استقلال هذه المنطقة عن الغرب في الـ٧٥ عاماً الأخيرة. فقد أسقطت الولايات المتحدة، وأيضا عن طريق إسرائيل وبمعاونة عربية، المشروع الاستقلالي الذي قادته مصر وعبد الناصر، والذي كان هدفه الرئيس بسيطا للغاية، وهو أن لا يظل الآخر الغربي يحرك خيوط هذه المنطقة من الخارج، وتمتلك بدلا من ذلك إرادتها الحرة، وتتمكن من توحيد شعوبها.
سيكون سقوط المشروع الاستقلالي الثاني عن الغرب والهيمنة الدولية، الذي عبّرت عنه إيران بعد ١٩٧٩، نكسة كبيرة. فإذا كان الخميني وخلفاؤه قد أصروا على شيء بعد أن شاهدوا مآسي تبعية نظام الشاه للغرب، وتحكم الموساد في أجهزته الأمنية مثل السافاك وغيره، فهو ضرورة مكافحة الهيمنة الغربية والإسرائيلية.
هذه نكسة لفكرة الاستقلال، وفكرة مقاومة الاحتلال والهيمنة، وتُخلق حالة صدمة ورعب لدى الأجيال الجديدة من التجرؤ حتى على التفكير، ربما لعقود كثيرة قادمة، في الحلم بأن يكون حكم هذه المنطقة وتوظيف ثرواتها بيد أبنائها لا بيد الرأسمال العالمي وحليفه الصهيوني في المنطقة.
من الناحية الجيوسياسية، إذا سقطت إيران ونظامها المعادي لإسرائيل، سينهار التوازن الإقليمي القائم في الشرق الأوسط. مع الغياب التام للعالم العربي، وضياع إرادته السياسية، وتولي الأدوار القيادية فيه دول تدور في الفلك الغربي، ومع التقييد التركي بقيود عضوية الناتو ـ مهما نشأت خلافات محدودة مع إسرائيل ـ فلا أحد يخدع نفسه بأن أنقرة ستستطيع وحدها الحفاظ على هذا التوازن.
انهيار إيران هو انهيار للتوازن الاستراتيجي في المنطقة، وهو انكشاف كامل للأمن القومي العربي بشكل شامل، وبشكل جزئي لكل وحدة من وحداته القُطرية.
سيفتح ذلك عصر العربدة الإسرائيلية لكامل المنطقة، والهيمنة العسكرية الجوية لطيرانها المتفوق على كل السموات العربية، مع احتفاظها لوحدها بالسلاح النووي كرادع مخيف.
ومع توجه واشنطن الاستراتيجي لتركيز قواها الشاملة في آسيا والمحيط الهادئ لمواجهة الصين، ستنقل كثيراً من المهام الموكلة للقيادة المركزية الأمريكية وقواعدها المنتشرة في الدول العربية إلى إسرائيل وجيشها.
يطرح هذا المقال بعض السيناريوهات المحتملة لاختلال التوازن، وبزوغ «العصر الإسرائيلي» في حال هزيمة إيران عسكرياً، أو سقوط نظامها الاستقلالي، أو توقيعها على اتفاق مذل يُنهي قدراتها الصاروخية الباليستية، وينهي برنامجها النووي على الطريقة الليبية:
مع تجاوز الإسرائيليين كل الخطوط الحمراء، واستهدافه لكل منشآت البرنامج النووي، بما في ذلك الموجودة في بوشهر القريبة من دول مجلس التعاون الخليجي، ستزداد احتمالات توسع الحرب لتشمل باقي المنطقة، وتنشر تلوثاً نووياً وبيئياً، وخطراً داهماً على موارد تحلية المياه وماء الشرب لسكان الخليج.
ستتم التصفية التدريجية ولكن النهائية للقضية الفلسطينية، على النحو التالي:
سيتم تنفيذ التهجير الفلسطيني من قطاع غزة «ولاحقاً من الضفة الغربية» بالقوة، أو بفعل التغيير المخيف في معادلات توازن القوى، فتقبل به الدول التي رفضته أو يُفرض عليها.
النقل الفعلي للقيادة الفلسطينية. تم تعيين السيد حسين الشيخ نائباً للرئيس الفلسطيني محمود عباس، والانتقال الرسمي مسألة وقت.. لكن التعامل سيتم عمليا مع هذه القيادة الجديدة من قبل الإسرائيليين والأمريكيين ومعسكر اتفاقات إبراهيم. هذه القيادة مستعدة لحل يُنشئ كيانا فلسطينيا يحمل اسم الدولة، ولكن ليس له من حقيقتها شيء. يشتمل على إبقاء الاستيطان الإسرائيلي، والتخلي عن غور الأردن، وتبادل أراض صحراوية بدلا من أراض استراتيجية في الضفة ستؤول للمحتل. الدولة أو الكيان المزمع ستكون منزوعة السلاح، ومرتبطة كليا بالاقتصاد الإسرائيلي.
احتمالات تخلي حركة حماس عن المقاومة والعمل المسلح، والتحول نحو حزب سياسي، إذا استمر النزيف في قيادات الجناح العسكري ـ ذات الطابع الثوري، والتي حافظت على تقدير وامتنان كبير لدعم طهران للمقاومة ـ ومن ثم انتقال الأمور إلى عناصر في الجناح السياسي سيكونون واقعين تحت التأثير التركي والإخواني المحافظ.
مسار اتفاقات إبراهام سيجتاح المنطقة العربية، وستزول كل العوائق أمام التطبيع الاقتصادي والخضوع العسكري، وتتحكم إسرائيل في مستويات تسليح الجيوش العربية، وما هو مسموح لها بحيازته وما هو غير مسموح، وسيتم نزح ثروات البترودولار العربية لتُوضع أخيراً في مخطط تنفيذ مشروع شمعون بيريز عن «العقل الإسرائيلي والمال الخليجي والأيدي العاملة العربية الرخيصة».
عربياً، سيتم تمزيق خريطة العالم العربي التي عرفتها شعوبه منذ انهيار الخلافة العثمانية والحرب العالمية الأولى، واتفاقيات سايكس-بيكو، ودول ما بعد خروج بريطانيا من شرق السويس بعد ١٩٦٨.
ستسعى إسرائيل لإقامة الدولة الانفصالية الكردية، على الأقل في العراق «كردستان العراق»، من قوى فيها كانت باستمرار من أحد أقرب حلفاء إسرائيل. وهناك أدلة على وجود استخباراتي إسرائيلي راسخ فيها منذ عقود، وهناك معلومات عن استخدام أجوائها من قبل الطيران الإسرائيلي في عدوانه الحالي على إيران.
ستسعى لإقامة الدولة الدرزية في سوريا إذا تراجع النظام الحالي في دمشق عن سياسته الراهنة في التقرب من تل أبيب وواشنطن. سيتم التلاعب بقضية الأقليات الإثنية في الجزائر ولبنان والسودان وغيرها لتفتيت الدولة الوطنية إلى دويلات متناثرة، أو على الأقل كأداة ضغط للسيطرة على النظام الحاكم وإخضاعه لشروط إسرائيل. سيتم تحريك صراعات عربية - عربية بسبب الحدود أو تداخل الثروات الطبيعية، واستغلال النفوذ الذي خلقته إسرائيل، خاصة مع الدول الإبراهيمية. ومن ذلك احتمال تحويل الصراع السياسي بين الجزائر والمغرب إلى صراع عسكري واستنزاف البلدين فيه. ستكون مصر وجيشها الهدف الرئيس لإسرائيل بعد إيران.
وستستكمل تل أبيب، مع دول طامحة للقيادة في العالم العربي، خطة لحصار القاهرة وعزلها عن المشرق العربي، وحصرها في إفريقيا. وسيتم محاولة تقييد تسليح جيشها ووجوده على أراضيه الوطنية في سيناء.
ستكون الدول القديمة مثل مصر وسوريا والعراق وعُمان... إلخ، والتي تتمتع بتقاليد حضارية ومجتمعات متجانسة، هدفاً عاماً للنفوذ الإسرائيلي، باعتبارها حجر عثرة في إتمام هيمنته التامة على المنطقة. وستسعى دول لاستصحاب النفوذ الإسرائيلي في التنمر والحصول على نفوذ إقليمي أو على الدول المجاورة.
كل هذا إذا هُزمت إيران، ولكن هزيمة إيران لن تكون سهلة كما يتمنى البعض، إذا تمكنت من استخدام عناصر قوتها بشجاعة وحنكة.
حسين عبد الغني كاتب وصحفي مصري.
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
تقدير استراتيجي: سيناريوهات لمستقبل السلطة الفلسطينية بعد طوفان الأقصى
جاءت معركة "طوفان الأقصى" بوصفها لحظة فاصلة في تاريخ القضية الفلسطينية، إذ فرضت واقعاً جديداً على مجمل البيئة السياسية في فلسطين، وجعلت من مستقبل السلطة الفلسطينية سؤالاً مفتوحاً على احتمالات متعددة، بعضها وجودي.
في هذا السياق، نشر مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات تقديراً استراتيجياً مهماً، أعدّه الباحثان الغزيّان وائل عبد الحميد المبحوح وربيع أمين أبو حطب، يتناول مستقبل السلطة الفلسطينية في ضوء تداعيات هذه المعركة التاريخية، ويستقرأ خمسة سيناريوهات رئيسية قد ترسم ملامح المرحلة المقبلة.
السيناريو الأول: استمرار الوضع الراهن (الجمود والانقسام)
يرجّح هذا السيناريو بقاء السلطة الفلسطينية بشكلها الحالي في الضفة الغربية، مع بقاء حركة حماس على إدارة غزة، ما يعني استمرار الانقسام السياسي والجغرافي، في ظل عجز النظام السياسي الفلسطيني عن التجدد أو الإصلاح.
فرص التحقق: عالية على المدى القريب، لكنها مهددة بانفجارات داخلية وتغيرات خارجية تجعلها هشة وغير مستدامة.
السيناريو الثاني: عودة السلطة إلى غزة بعد الحرب
ينطوي على إعادة هيمنة السلطة الفلسطينية (برئاسة رام الله) على قطاع غزة، كما كان الحال قبل انتخابات 2006، ما يعني إنهاء حكم حماس لغزة، سواء بترتيب دولي أو بضغط إقليمي.
فرص التحقق: منخفضة، ما لم تحدث صفقة شاملة تنص على إعادة ترتيب البيت الفلسطيني بإجماع وطني، وهو ما لا تتيحه المعادلات الحالية.
السيناريو الثالث: تفكيك السلطة وعودة الاحتلال المباشر
يناقش احتمال قيام الاحتلال الإسرائيلي بحل السلطة الفلسطينية، وإعادة السيطرة المباشرة على الضفة الغربية وربما غزة، ضمن مشروع ضمّ واسع، مترافق مع تهجير قسري وتغيير ديموغرافي.
تضع معركة "طوفان الأقصى" الفلسطينيين أمام لحظة الحقيقة: فإما الانخراط في مشروع وطني جامع يعيد بناء النظام السياسي الفلسطيني على أساس الشراكة والمقاومة، أو الانزلاق إلى مشاريع التصفية والتفكيك التي تخدم الاحتلال. وبين هذه وتلك، يبقى قرار الفلسطينيين أنفسهم هو الحاسم في تحديد السيناريو الذي سيغدو واقعاً.فرص التحقق: تتصاعد في ظل حكومة إسرائيلية يمينية متطرفة، لكنها تصطدم بمعيقات دولية وميدانية، كما أنها قد تشعل انتفاضة فلسطينية شاملة.
السيناريو الرابع: إلحاق غزة بمصر والضفة بالأردن
يقوم هذا السيناريو على فكرة تصفية القضية الفلسطينية من خلال فصل الجغرافيا وتوزيعها: غزة تُلحق إدارياً أو أمنياً بمصر، والضفة تُربط بالأردن، في إعادة تدوير لمشاريع قديمة.
فرص التحقق: ضعيفة حالياً، لكنها مطروحة في كواليس بعض المفاوضات وتزداد في ظل العجز عن بلورة مشروع فلسطيني موحد.
السيناريو الخامس: إصلاح شامل أو بناء نظام سياسي جديد
يتضمن هذا السيناريو إمّا إصلاح السلطة الفلسطينية الحالية عبر دمج كل الفصائل في نظام ديمقراطي تشاركي، أو إنشاء نظام سياسي فلسطيني جديد برعاية إقليمية ودولية، دون إقصاء، يقود مرحلة ما بعد الحرب.
فرص التحقق: متوسطة، وتزداد في حال تشكّلت جبهة فلسطينية موحدة تدير معركتي الحرب والسياسة معاً، وتفرض حضورها كقوة شرعية أمام المجتمع الدولي.
العوامل المرجّحة أو المعيقة للسيناريوهات
يستعرض التقدير مجموعة من المحددات الجوهرية التي تعزز أو تُضعف فرص تحقق هذه السيناريوهات، أبرزها:
ـ قدرة حركة حماس على التكيّف مع الوقائع السياسية والإنسانية في غزة، واستمرار حضورها المقاوم والسياسي.
ـ موقف الحاضنة الشعبية في غزة تجاه المقاومة بعد المجازر والتدمير والتهديد بالتهجير.
ـ التدخل الدولي في إنهاء الحرب وفرض تسوية سياسية أو إنسانية.
ـ الوضع الداخلي في إسرائيل وتماسك الحكومة اليمينية، ومدى ضغط المعارضة والشارع الإسرائيلي.
ـ مدى استعداد السلطة الفلسطينية للإصلاح الحقيقي ومواجهة واقعها المأزوم.
ـ تطورات الجبهة الشمالية (حزب الله) وسقوط نظام الأسد أو تغير أولويات النظام السوري.
التوصيات: نحو جبهة وطنية لمواجهة المرحلة
أوصى التقدير الاستراتيجي بعدد من الخطوات السياسية الملحة، أبرزها:
ـ اعتبار مستقبل غزة والضفة شأناً فلسطينياً خالصاً، ورفض أي مشاريع خارجية لتفتيت الجغرافيا أو الهوية.
ـ تشكيل جبهة وطنية موحدة تقود عمليات الحرب والتهدئة على قاعدة التشاركية ورفض الإقصاء.
ـ تعزيز ثقافة المواطنة والمشاركة السياسية في صفوف الحركات والفصائل.
ـ رفض تجريم المقاومة بكل أشكالها، ودعمها سياسياً وشعبياً.
التحرك نحو تجريم الاحتلال دولياً ومعاقبته على جرائمه في غزة، والسعي لوقف الحرب والتهجير.
تضع معركة "طوفان الأقصى" الفلسطينيين أمام لحظة الحقيقة: فإما الانخراط في مشروع وطني جامع يعيد بناء النظام السياسي الفلسطيني على أساس الشراكة والمقاومة، أو الانزلاق إلى مشاريع التصفية والتفكيك التي تخدم الاحتلال. وبين هذه وتلك، يبقى قرار الفلسطينيين أنفسهم هو الحاسم في تحديد السيناريو الذي سيغدو واقعاً.