انهيار الأسطورة الصهيونية أمام الرد الإيراني.. نهاية التفوق العسكري المزعوم
تاريخ النشر: 17th, June 2025 GMT
يمانيون – تحليل
مع تصاعد حدة الحرب بين الجمهورية الإسلامية الإيرانية والكيان الصهيوني، تعود إلى الواجهة مجددًا خيوط مشروع “الشرق الأوسط الجديد” الذي أعدّته الولايات المتحدة الأمريكية والكيان الصهيوني منذ عقود، كأداة استراتيجية لإعادة رسم خارطة المنطقة بما يتوافق مع مصالح قوى الهيمنة والاستكبار، ويخدم تمدد المشروع الصهيوني على أنقاض الدول العربية والإسلامية المفككة والمنهكة عسكريًا واقتصاديًا.
فليست هذه الحرب المستعرة مجرد جولة تصعيد أو ردع متبادل، بل تأتي في سياق مشروع استراتيجي شامل تسعى من خلاله واشنطن وتل أبيب إلى استكمال هندسة شرق أوسط مفصّل على مقاس أطماعهما السياسية والاقتصادية، يقوم على تدمير الجيوش، وتفكيك المجتمعات، وتحويل الدول إلى كيانات وظيفية تابعة سياسيًا ومشلولة عسكريًا.
من بغداد إلى دمشق فصنعاء… فطهران!
لم تبدأ فصول هذا المشروع اليوم، بل منذ غزو العراق عام 2003، حين تم تفكيك الجيش العراقي كليًا، وتدمير البنية التحتية العسكرية والعلمية العراقية، وإسقاط الدولة المركزية. تبع ذلك تدمير ممنهج للجيش السوري في حرب استنزافية مفتوحة، ثم الدفع بالمؤسسة العسكرية المصرية إلى حافة التحييد، بعد أن كانت تمثل أكبر كتلة عسكرية عربية.
وكان لا بدّ من استكمال المخطط باستهداف إيران، بوصفها رأس محور المقاومة وحجر عثرة أمام الهيمنة الأمريكية الصهيونية، خصوصًا بعد أن أثبتت خلال العقدين الأخيرين قدرتها على نقل المواجهة إلى عمق الكيان، وتوسيع شبكة نفوذها الاستراتيجي من اليمن إلى لبنان، ومن سوريا إلى العراق.
إيران في قلب المواجهة… وصمت عربي مخزٍ
اليوم، تخوض إيران مواجهة عسكرية مفتوحة مع الكيان الصهيوني، في ظل عدوان متصاعد استخدم فيه العدو كل أدواته التقليدية وغير التقليدية، مستهدفًا منشآت حيوية وإعلامية وعسكرية داخل العمق الإيراني، في محاولة لضرب القدرات الدفاعية الإيرانية وإحداث صدمة استراتيجية تقود إلى تحجيم النفوذ الإيراني المتصاعد.
وفي المقابل، جاء الرد الإيراني قويًا ومفاجئًا، ميدانيًا وتقنيًا، إذ نفذت طهران خلال الأيام الماضية هجمات دقيقة بصواريخ متقدمة وطائرات مسيرة اخترقت عمق الكيان الصهيوني، وتسببت في انهيار منظوماته الدفاعية التي ظهرت عاجزة حتى عن حماية نفسها، كما أظهرت التقارير الأخيرة التي رصدت “نيران صديقة” أصابت بطاريات دفاعية إسرائيلية في النقب.
وسط هذا المشهد، تقف الأنظمة العربية – باستثناء اليمن – عاجزة وصامتة، تكتفي ببيانات خجولة لا تتجاوز سقف الإدانات الشكلية، رغم أن الخطر القادم لا يقف عند حدود إيران، بل يطرق أبواب الجميع، في إطار خطة أمريكية صهيونية أوسع للهيمنة على الثروات العربية واستعباد شعوب المنطقة.
الهيمنة الأمريكية وابتزاز الخليج
الولايات المتحدة التي تحاول تقديم نفسها كحامية للمنطقة، تمارس في الحقيقة أبشع أشكال الاستعمار الاقتصادي، من خلال ابتزاز أنظمة الخليج ماليًا وأمنيًا، وبيع أوهام الحماية مقابل مليارات الدولارات، بينما تحوّل هذه الأنظمة إلى كيانات مستهلكة لا تملك قرارها، وتُحرم من أبسط مقومات السيادة أو حتى الدفاع عن نفسها.
إن سياسة الابتزاز هذه، وإن بدت اليوم موجهة لدول الخليج، فإنها تتسع لتشمل كل المنطقة، عبر مخطط يهدف إلى إحكام السيطرة على منابع الطاقة، وسوق العمل، والممرات البحرية، تحت شعارات كاذبة كـ”السلام الإبراهيمي” و”الأمن الإقليمي المشترك”، والتي لا تعدو كونها واجهات لمشروع استعمار ناعم يُدار من تل أبيب وواشنطن.
مشروع الشرق الأوسط الجديد في مراحله الأخيرة
المؤشرات المتصاعدة من المواجهة الإيرانية الصهيونية تؤكد أن الولايات المتحدة والكيان الصهيوني بصدد تنفيذ المراحل الأخيرة من مشروع الشرق الأوسط الجديد، والهدف الآن هو رأس المحور الإيراني: تدمير القدرات الصاروخية والعلمية، وإحداث اختراق داخلي يُفضي إلى تفكيك الدولة الإيرانية من الداخل، كما حدث في العراق وسوريا.
لكن إيران اليوم، وبعد سنوات من الحصار والاستهداف، تدخل هذه المعركة وهي تمتلك قدرات عسكرية نوعية، وتجربة واسعة في إدارة الحروب غير المتماثلة، وشبكة حلفاء فاعلين على امتداد الجغرافيا العربية، وفي طليعتهم اليمن، الذي يؤكد حضوره الناري في معادلة الردع من خلال عمليات متواصلة تستهدف عمق الكيان الصهيوني بالصواريخ والمسيّرات.
اليمن.. صوت المقاومة الوحيد
وفي الوقت الذي يصمت فيه الجميع، تمثل الجمهورية اليمنية – بقيادتها الثورية – الاستثناء الوحيد، إذ أعلنت منذ بداية العدوان الصهيوني على غزة، ثم العدوان على إيران، موقفًا مبدئيًا وشجاعًا، عبّرت عنه ميدانيًا عبر عمليات متصاعدة ضد أهداف عسكرية وملاحية للعدو، وجعلت البحر الأحمر ساحة حرب مفتوحة تقيّد حركة الكيان وتكلفه خسائر باهظة.
اليمن اليوم، هو الدولة الوحيدة في العالم العربي التي لا تكتفي بالبيانات، بل تحارب فعليًا، وتربط مصيرها بمصير القدس وطهران وغزة، وهو ما يعيد الروح لمفهوم “أمة واحدة في وجه عدو واحد”، بعدما مزّقته السياسات الأمريكية والصهيونية على مدى عقود.
وفي الختام..
إن مشروع “الشرق الأوسط الجديد” ليس مجرد مخطط نظري، بل هو واقع عملي يتم تطبيقه على مراحل، والقصف على طهران جزء منه، تمامًا كما كان غزو العراق، وتدمير سوريا، وإفقار لبنان، وتفكيك اليمن. والخطورة تكمن في استمرار صمت الأنظمة العربية، التي إن لم تتحرك اليوم فستكون هي الهدف القادم.
وحده وعي الشعوب، ومواقف قوى المقاومة، هي ما تبقّى من عناصر القوة في هذه المنطقة، وعلى الجميع أن يدرك أن المعركة اليوم لا تخص إيران وحدها، بل تمسّ حاضر ومستقبل الأمة بأسرها.
فالعدو لن يكتفي بطهران، كما لم يكتف ببغداد، ومن يظن أنه بمنأى عن هذا المشروع سيكون أول ضحاياه.
المصدر: يمانيون
كلمات دلالية: الشرق الأوسط الجدید الکیان الصهیونی
إقرأ أيضاً:
غزة .. وإسقاط الأسطورة
على مدار المواجهات المتكررة مع قطاع غزة، برزت بوضوح إخفاقات الاحتلال الصهيوني في تحقيق أهدافه العسكرية والسياسية، لتتوج هذه الإخفاقات اليوم بطوفان الأقصى ومحرقة غزة الكبرى. لم يعد هذا مجرد انطباع فلسطيني أو رؤية ميدانية محدودة، بل تحول إلى واقع ملموس يعترف به قادة الاحتلال ومفكروه الاستراتيجيون، الذين يعترفون بسقوط ما كان يُعتبر “الجيش” الأسطورة، الذي استند لسنوات على الردع والقوة العسكرية الساحقة.
كشفت غزة هشاشة تلك الأسطورة، وأظهرت أن الاعتماد على قواعد الاشتباك التقليدية وكثافة النيران والعمليات العسكرية الممنهجة ضد المدنيين لا تحقق الانتصار ولا تؤسس لمعادلات مستقبلية ناجحة. إذ تجاوزت المقاومة الفلسطينية، من خلال إرادتها الصلبة وقدراتها التكتيكية، الحواجز التقنية والجدران الذكية، لتضرب العمق الاستراتيجي للكيان المحتل وتضعه أمام تآكل متسارع على الصعد العسكرية والسياسية والاجتماعية.
في ظل هذه المعطيات، يواجه القرار الصهيوني أزمة استراتيجية عميقة، حيث تجلت حالة الانقسام والتباين داخل المجتمع وأطيافه السياسية المتطرفة، ما أدى إلى تعثر في صياغة موقف حاسم تجاه ملف غزة، وفتح الباب أمام سيناريوهات محفوفة بالمخاطر لاستعادة الردع المفقود، التي يراها محللون عسكريون (إسرائيليون) مغامرات قد تفضي إلى كارثة.
وفي هذا السياق، تبدو محاولات الاحتلال في قتل المدنيين وتجويع السكان، من أعلى المستويات السياسية إلى القيادة العسكرية، مساعي يائسة لإعادة رسم صورة “إسرائيل القادرة”. غير أن المعطيات الميدانية تؤكد أن إسقاط غزة بات مستحيلاً، وأي مغامرة من هذا النوع قد تمثل المسمار الأخير في نعش الكيان الظالم الذي لم يكتب له الاستمرار لما بعد العقد الثامن.
اعترافات متزايدة من داخل الأوساط الأمنية والسياسية الصهيونية تكشف عن فشل الاستراتيجية الحربية، التي تحولت من شعارات “النصر الكامل” و”إبادة المقاومة” إلى أعباء ثقيلة مع تزايد الخسائر البشرية واستنزاف القوات، وتراجع الدعم الدولي، وانهيار صورة الجيش في أعين الرأي العام العالمي وحتى داخل صفوف الجيش نفسه، مع تحميل نتنياهو المسؤولية المباشرة عن هذا الفشل المستمر، والذي بات سؤالاً وجودياً للكيان الصهيوني بأسره.
(إسرائيل) اليوم أمام خيارات ضيقة ومأزق مركب، إما الهزيمة الاستراتيجية، وفق تحذيرات قيادات عسكرية غربية، وما يعنيه ذلك من انهيارات داخلية وتراجع على الساحة الإقليمية والدولية، أو الدخول في إدارة صراع مستدام بحدود ضيقة، تعتمد على ردع هش لا يتجاوز إطار التغطية الإعلامية والتصريحات السياسية، فيما الشعب الفلسطيني يثبت أن المقاومة التي تقاتل من أجل الوجود لا تُقهَر.
مع استمرار مأساة غزة، تتسارع الأحداث نحو أسوأ السيناريوهات المحتملة لانهيار الكيان الصهيوني، بدءاً من تصاعد الوعي الوطني الفلسطيني الذي يحول الهوية إلى مشروع تحرر ذكي وشامل، مروراً بهجمات نوعية تعرقل العمق الصهيوني تكنولوجياً ونفسياً، وانهيار الجبهة الداخلية بإشكالات نفسية وهجرات متزايدة، وصولاً إلى انكشاف الفساد الداخلي وتفكك الثقة في المؤسسات العسكرية والقضائية.
في ظل تصاعد الضغوط الديموغرافية، وتراجع الردع النووي، وامتداد حالات التمرد داخل صفوف الجنود، وانهيار الاقتصاد، تتجه (إسرائيل) نحو فوضى سياسية واجتماعية مفتوحة، تعززها انتفاضات داخلية وعمليات مقاومة في العمق، ما يؤدي إلى تدهور الأمن الداخلي وتزايد حالة الرعب بين المستوطنين، في وقت تخسر فيه تل أبيب حلفاءها الدوليين وتُترك لمواجهة مصيرها المحتوم.
في المحصلة، فرضت غزة معادلة جديدة على الصعيدين الإقليمي والدولي، حيث لم تعد (إسرائيل) وحدها من يحدد قواعد اللعبة، بل باتت المقاومة الفلسطينية طرفاً فاعلاً قادراً على هدم الأساطير السياسية والعسكرية، وخلق مآلات معقدة تتطلب من صناع القرار الإقليميين والدوليين إعادة تقييم مواقفهم. ويبقى السؤال المصيري: هل سيتجه الإقليم إلى استثمار هذا الواقع الجديد نحو إدارة تفاوضية متوازنة تنهي محرقة غزة، أم سيغرقون المنطقة في أزمات متتالية تهدد استقرارها بأسره.
*رئيس مركز غزة للدراسات والاستراتيجيات