كانت المفاوضات الأمريكية الإيرانية تجري بشكل إيجابي من خلال جهود بلادنا سلطنة عمان الديبلوماسية؛ بهدف الوصول إلى اتفاق يبعد الحرب والتصعيد عن المنطقة. وكانت الجولة السادسة من المفاوضات على وشك الانطلاق الأحد الماضي، لكن كانت خفافيش الظلام في الكيان الصهيوني تخطط لإفشال كل المساعي الحميدة للتوصل إلى اتفاق عادل وملزم يضمن سلمية البرنامج النووي الإيراني من خلال الإشراف الكامل لوكالة الطاقة الذرية مع رفع العقوبات الاقتصادية عن الجمهورية الإسلامية الإيرانية.

الخداع الاستراتيجي بين الكيان الصهيوني والإدارة الأمريكية هدف إلى خلط الأوراق والقيام بعدوان عسكري غاشم على إيران دون مبرر ما خلق أجواء صادمة بإشعال حرب عدوانية.

الرئيس الأمريكي ترامب هو جزء أساسي من الخداع الاستراتيجي، وكان يعلم بمخطط العدوان الإسرائيلي منذ البداية. ومن هنا فإن مصداقيته تلاشت حتى على صعيد عدد من المفكرين والمراقبين للشأن الأمريكي؛ حيث يقول الشيء ونقيضه في نفس الوقت، ولا يحترم الأسس القانونية والسلوك السوي الحضاري للعلاقات الدولية. ومن هنا فإن المشهد المتوتر في المنطقة جاء بسبب عدم الإحساس بالمسؤولية من قبل رجل مهزوز لا يعي أهمية قيادة دولة كبرى في العالم كان ينبغي أن تحافظ على السلم والأمن الدوليين، وخضع لحكومة صهيونية متطرفة يقودها متطرف ومجرم حرب مطلوب للعدالة الدولية.

ولعل السؤال الجوهري هنا: كيف يمكن الثقة بمصداقية رئيس الولايات المتحدة الأمريكية وهو يناقض أقواله وأفعاله بشكل يومي، ويهاجم الصحفيين، وينعتهم بأوصاف لا تليق بزملاء المهنة؟ وعلى ضوء ذلك؛ فإن الرجل خضع بشكل واضح للأجندة الصهيونية التي قدمت له الملايين من الدولارات؛ للوصول إلى السلطة في البيت الأبيض، وهو الآن ينفذ الوعود حتى لو كانت على حساب مصالح الولايات المتحدة الأمريكية نفسها.

إذن الخداع الاستراتيجي حدث مع انطلاق جولات المفاوضات. وكانت المعلومات حول سير المفاوضات تنقل إلى الكيان الإسرائيلي، بل إن بعض المسؤولين في الكيان الصهيوني وجدوا في روما لمتابعة سير المفاوضات؛ لأن الكيان الصهيوني يرفض أي نجاح لتلك المفاوضات. كما أقنع ترامب عام ٢٠١٨ بالانسحاب من الاتفاق النووي الذي لعبت من خلاله الديبلوماسية العمانية دورا محوريا وجنب منطقة الخليج العربي أهوال الحرب. ومن هنا؛ فإن مصداقية الرئيس الأمريكي ترامب أصبحت متدنية، ومن الصعب الثقة في أقواله وتصريحاته الغامضة، فهو ينفذ أجندة الصهيونية العالمية بامتياز.

هذه المقدمة ضرورية للدخول في مشهد الحرب العدوانية التي شنها الكيان الصهيوني بغدر فجر الجمعة الماضي على الجمهورية الإسلامية الإيرانية والتي كانت تواصل المفاوضات مع الولايات المتحدة الأمريكية؛ بهدف الوصول إلى اتفاق كان على وشك الحدوث. ومن هنا كان العدوان صادما وغير مبرر، وأدخل المنطقة في مناخ من التوتر وعدم الاستقرار، خاصة إذا تمددت الحرب إلى مدى أبعد جغرافيا في ظل توسع الحرب العدوانية التي طالت عددا من المنشآت النووية؛ حيث خطر الإشعاع النووي ليس فقط علي إيران، ولكن على دول المنطقة القريبة جغرافيا من الساحل الإيراني خاصة مفاعل خورمشهر. كما أن سقوط عشرات الأبرياء من المدنيين الإيرانيين يعيد للأذهان عدوانية الكيان الصهيوني، وجريمته الكبرى ضد المدنيين في قطاع غزة؛ حيث استشهد أكثر من ٥٥ ألف إنسان معظمهم من الأطفال والنساء، وتدمير القطاع الصحي، وقطع الإمدادات الغذائية. كما أن الكيان الصهيوني يريد وفق مشروعه المشبوه السيطرة على المنطقة بكل مقدراتها لتصبح إسرائيل هي المتسيدة على الشرق الأوسط كما قال المتطرف نتنياهو.

الجمهورية الإسلامية الإيرانية محاصرة منذ عام ١٩٧٩ من الولايات المتحدة الأمريكية؛ لأن إيران لها مشروع علمي وتقني للنهوض بأوضاع التنمية المستدامة، خاصة وأنها دولة لها إمكانات بشرية وطبيعية وقدرات. كما أن القيادة الإيرانية أكدت على عدم نيتها امتلاك السلاح النووي خاصة وأنها موقعة على معاهدة عدم الانتشار. كما أن وكالة الطاقة الذرية تتابع النشاط النووي الإيراني في مجال الطاقة السلمية، وفرضت عقوبات قاسية على إيران لعقود. ورغم ذلك استطاعت إيران أن تكيف أوضاعها وخبرتها الوطنية في المجال العلمي.

الحرب الآن مشتعلة بين الكيان الصهيوني وإيران، ووصلت الصواريخ الباليستية إلى قلب مدن الكيان خاصة تل أبيب وحيفا وهي مسألة ردع العدوان في حين دمرت إسرائيل مجمعات مدنية وحتى مبنى الإذاعة والتلفزيون الإيراني وهو مبني مدني. كما أن الولايات المتحدة الأمريكية مشاركة في الحرب من خلال مد الكيان الصهيوني بالسلاح والمعلومات الاستخباراتية والتقنية علاوة على عدد من الدول الغربية. ومن هنا فإن الحرب هي في حقيقتها بين إيران من ناحية والكيان الصهيوني والولايات المتحدة الأمريكية والغرب من ناحية أخرى، كما هو الحال في الحرب على قطاع غزة.

إن الكيان الصهيوني لوحده لا يستطيع أن يشن حربا عدوانية على دولة كبيرة ومهمة كإيران، ولكن الولايات المتحدة الأمريكية والدول الغربية هي التي تساعد الكيان عسكريا ولوجستيا. ومن هنا فإن المعادلة العسكرية ليس بها توازن، ورغم ذلك فإن الأداء العسكري الإيراني كان مزلزلا خاصة على صعيد إرسال الصواريخ الباليستية والمسيرات.

وأمام الحرب العدوانية التي يشنها الكيان الإسرائيلي دون مبرر فإن الحالة السياسية تفرض بذل الجهود الديبلوماسية لإنهاء عدوان الكيان الصهيوني من خلال مساع روسية وتركية وعمانية وقطرية؛ حيث إن امتداد الحرب ودخول واشنطن للحرب ضد إيران سوف يشعلان المنطقة لتشهد حربا إقليمية كبيرة يصعب السيطرة عليها، وهذا الأمر هو ما يسعى إلى تحقيقه المتطرف نتنياهو وحكومته المتشددة. كما أن موضوع الإشعاع النووي في غاية الخطورة، خاصة إذا تدخلت واشنطن في الحرب في ظل تناغم المواقف الأمريكية وحكومة الكيان الصهيوني. كما أن وجود المتشددين الصهاينة في حكومة ترامب يحرض على دخول واشنطن للحرب خاصة وأن افتعال أي أزمة في ظل تواصل الخداع الاستراتيجي قد يوفر أرضية لتهور ترامب.

لقد وعد الرئيس الأمريكي ترامب عند انتخابه وخلال حملاته الانتخابية أنه سوف ينهي الحروب والصراعات في المنطقة، وسوف يركز على التعاون والازدهار الاقتصادي، ولكن الصورة الآن متناقضة كتناقض سلوكه السياسي،؛حيث ضرب بتلك الوعود عرض الحائط، وبدأ بسياسة متهورة لا تتماشى مع الدور المفترض لدولة كبرى ينبغي أن تقود العالم للسلام والاستقرار. وعلى ضوء ذلك؛ فإن المشهد السياسي في غاية الخطورة إذا لم يُلجم نتنياهو ومشروعه الخبيث للمنطقة العربية ومواردها، ودخل التطبيع الخطير على منطقة لها جذورها التاريخية والحضارية والإسلامية وعاداتها وتقاليدها الراسخة؛ حيث إن الكيان الصهيوني يهدف إلى إدخال المنطقة العربية في أتون المشروع الصهيوني العالمي، وهذا مشروع في غاية الخطورة بل إن إسقاط النظام السياسي في إيران هو جزء أساسي من مشروع إدماج إيران في مشروع الشرق الأوسط الكبير الذي تكون قاعدته الأساسية إسرائيل.

ومن هنا فإن أهداف الحرب العدوانية الحالية التي شنها الكيان الصهيوني على الجمهورية الإسلامية الإيرانية لا تقتصر على تدمير البرنامج النووي الإيراني فقط، ولكن إشعال فوضى شعبية في إيران، وخلق حالة تسيطر من خلاله إسرائيل على المشهد العربي والإسلامي ليتواصل المشروع الصهيوني إلى بقية الدول العربية والإسلامية.

إن الدول العربية أمام أوقات صعبة ومعقدة، وتحتاج إلى تكاتف وتنسيق سياسي واستراتيجي؛ لأن أهداف الكيان الصهيوني لن تنتهي حتى مع اختفاء المتطرف نتنياهو وحكومته المتطرفة من المشهد السياسي؛ لأن المشروع تسنده الصهيونية العالمية وأذرعها المختلفة من خلال أدوات ناعمة وصلبة. ومن المهم الآن وقف العدوان وعودة المفاوضات؛ بهدف التوصل إلى اتفاق ملزم وعادل، وهو ما تحرص عليه الديبلوماسية العمانية المخلصة لإيجاد السلام والاستقرار. ومع ذلك فإن مصداقية الرئيس الأمريكي أمام شعبه وأمام المفكرين ووسائل الإعلام الأمريكية أصبحت محل شك، وهذه أصعب نتيجة قد يصل لها رئيس دولة كبرى كالولايات المتحدة الأمريكية.

عوض بن سعيد باقوير صحفـي وكاتب سياسي وعضو مجلس الدولة

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الجمهوریة الإسلامیة الإیرانیة الولایات المتحدة الأمریکیة الخداع الاستراتیجی الکیان الصهیونی الرئیس الأمریکی الحرب العدوانیة إلى اتفاق من خلال کما أن

إقرأ أيضاً:

معهد أمريكي: قوات صنعاء نجحت في ادارة الحرب غير المتكافئة مع القوات الأمريكية في البحر الأحمر

الجديد برس| قال “المعهد الوطني لدراسات الردع” في الولايات المتحدة إن قوات صنعاء نجحت في إدارة الحرب غير المتكافئة وذلك من خلال إجادة توظيف إمكاناتها الأقل كلفة من إمكانات خصومها لتحقيق تأثيرات اقتصادية ومعنوية كبيرة، الأمر الذي يجعل من الصعب على القوى “المتفوقة” في الإمكانات تحقيق أي ردع ضد صنعاء. ونشرت مجلة “جلوبال سيكيوريتي ريفيو” الإلكترونية التابعة للمعهد، تقريراً تناولت فيه أسباب فشل محاولات ردع قوات صنعاء وإيقاف هجماتهم البحرية على السفن المرتبطة بإسرائيل. وتطرق التقرير إلى استراتيجيات قوات صنعاء في إدارة الحرب غير المتكافئة من حيث التكاليف والإمكانات، مشيراً إلى أن “الحوثيين لا يعتمدون على منصات باهظة الثمن أو تقنيات متطورة، حيث تعتمد قدراتهم على أسلحة منخفضة التكلفة وعالية التأثير، مثل الطائرات المسيرة، وصواريخ كروز، والقوارب المتفجرة المُسيّرة عن بُعد، والألغام البحرية”. وأضاف: “من الأمثلة على هذه الأسلحة الفعّالة من حيث التكلفة صاروخ حوثي بقيمة 20 ألف دولار، تمكّن من إسقاط طائرة (إم كيوم -9) المسيّرة بقيمة 30 مليون دولار”. ورأى التقرير أن “العقيدة البحرية غير المتكافئة للحوثيين تعتمد على حقيقة مفادها أن كل ضربة ناجحة، حتى لو لم تكن حاسمة استراتيجياً، لأن لها تأثيراً اقتصادياً ونفسياً هائلاً، بما في ذلك تعطيل الشحن، وتعزيز سردية العجز العسكري الغربي والعربي”. وفقاً للتقرير فإن “ضربة جوية واحدة بطائرة مسيرة تُلحق الضرر بسفينة أو تُؤخرها قد ترفع أقساط التأمين العالمية، وتُجبر شركات الشحن على تغيير مسارها حول رأس الرجاء الصالح، والأهم من ذلك، تُقوّض الثقة في الهيمنة البحرية الغربية والإقليمية”. وقالت المجلة إن “هذا العبء الاقتصادي والنفسي هو بالضبط نوع التأثير الذي يسعى إليه الحوثيون، مما يُظهر أن قوةً متمردةً متواضعةً قادرةٌ على تحدي طرق التجارة العالمية وإظهار صمودها في وجه القوى المتفوقة، وبذلك، يحافظ الحوثيون على مزيدٍ من الدعم المحلي ويستعرضون قوتهم الرمزية في جميع أنحاء المنطقة، مُفعّلين بذلك قوىً فاعلةً أخرى غير حكومية، ومتحدّين نماذج الردع القائمة على القوة المتفوقة”. وأضافت: “يصعب القضاء على التهديد الحوثي تماماً، وقد شكّل هذا تحدياً حتى للولايات المتحدة”. واعتبرت أن “التهديد الحوثي يستمر لأنه يتحدى المنطق العسكري التقليدي، ويزدهر في ثغرات البنية الأمنية الراسخة”، مشيرة إلى أنه “برغم شن الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وإسرائيل غارات جوية على البنية التحتية للحوثيين، فإن قدراتهم المسلحة تبدو بعيدة كل البعد عن التقلص الفعال”.

مقالات مشابهة

  • إيران.. إنشاء مجلس أمني جديد بعد الحرب مع إسرائيل
  • اليمن والحلف الأمريكي الصهيوني.. المواجهة الفاصلة تُقرع طبولها من صنعاء
  • من الحرب العراقية.. إيران تعيد إحياء مجلس الدفاع الوطني
  • مسيرات طلابية في ريمة تنديدا بجرائم الكيان الصهيوني بحق أطفال غزة
  • معهد أمريكي: قوات صنعاء نجحت في ادارة الحرب غير المتكافئة مع القوات الأمريكية في البحر الأحمر
  • وقفة طلابية في إب تنديدًا بجرائم الكيان الصهيوني في قطاع غزة
  • ضربة تقضي على النووي .. مخاوف من عودة الحرب بين إيران و إسرائيل
  • بالفارسية.. الخارجية الأمريكية تحذر رعاياها من السفر إلى إيران
  • “الرشق”: ترمب يكرّر أكاذيب الكيان الصهيوني وتحقيق أمريكي يفنّد مزاعم سرقة المساعدات
  • إيران: الاتهامات الأمريكية بشأن مخططات الخطف والاغتيال مضحكة