الجزائر ـ "العُمانية": يُحاول الباحث، د. سامي الوافي، في كتابه النقدي "إنتاجية الخطاب الروائي عند واسيني الأعرج.. قراءات نقدية في أربعة نماذج مختارة" (147 ص)، الصادر عن دار ألفا دوك بالجزائر، أن يُقرّب القارئ العربي من العوالم الإبداعيّة للروائيّ الجزائري، واسيني الأعرج، من خلال 4 روايات اختارها من بين أعماله، وهي (جسدُ الحرائقِ: ن ُثار الأجسادِ المحروقةِ 1978 / مرايا الضريرِ: كولونيلُ الحروبِ الخاسرةِ 1997/ كتابُ الأميرِ: مسالكُ أبوابِ الحديدِ 2007 / مملكةُ الفراشةِ 2013).

في البداية، يؤكّد هذا الباحثُ أنّ النصّ الروائي يعدُّ من بين أكثر النصوصِ التي جذبت اهتمامَ النقادِ والباحثين المشتغلين بالحقلِ النقدي عامّةً، والسيميائي خاصّة؛ كونهُ يضُمُّ مكوّناتٍ سرديةٍ فاعلة لها وظائف متعدّدة، ممّا جعله يحتلُّ مكانةً أساسيةً في طليعةِ النصوصِ السّردية الأخرى، وحتى بين الأجناسِ الأدبية الحديثة الأخرى، كمًّا ونوعًا.

ويضيف "بما أنّ الروايةَ شكلٌ وافدٌ، فهذا معناهُ أنّ كثيرًا من قضاياها النقدية وافدةٌ أيضا، لذلك كثُرت وتباينت طُرُق تناولها تنظيرا وإجراءً، ليكونَ عنصرُ البحثِ في آلياتِ إنتاجها الذهنية / السياقية من قِبلِ المبدعِ أحدَ جزئياتِ هذه الدراسةِ، لما يُضفيه عليها من حركيةٍ وسيطرة، في الآن نفسهِ، لتخضعَ معهُ الدراساتُ المُرتبطة بها إلى تحوُّلات جذرية وعميقة؛ أي من الاهتمام بها كجوهرٍ (السياق) إلى الاهتمام بها كبنيةٍ لغوية مغلقة لا تُحيل إلاّ لذاتها ولم توجد إلاّ لأجل ذاتها (النسق)، لارتباطِها المباشر بفلسفاتٍ وتوجهاتٍ مختلفة، وهو ما بدأ بشكلٍ فعلي مع اتجاهاتِ النقد السيميائي: (سيمياءُ السردِ / سمياءُ التأويلِ)، كون الإبداعية القائمة في النصوص السردية عامة والروائية خاصّة لم تُستخرج كُلية كما يُفترض مع المناهج التقليدية، فكانت تبدو كالمتاهات العميقة والبعيدة كُلَّ البُعد عن الموضوعية التي لم يُكتشف منها إلاّ بعض النواحي، لتبقى النصوص معها مُنطوية على أسرارها بانتظارِ من يُحسنُ استدراجها ويكشفُ مكوناتها وآليات إنتاجيتها، ذلك أنها لا تبوحُ إلاّ لمن أحسنَ استنطاقها، لتنجح بذلك اتجاهاتُ النقدِ الحداثي في الخروج بهذا النوعِ من الدراساتِ السردية الروائية من الإطارِ التقليدي الضيقِ إلى الإطارِ الموضوعي الأوسعِ".

وتطرحُ هذه الدراسةُ العديد من الإشكاليات، أهمُّها ما الذي ميّزَ نصُوصَ واسيني الأعرج الروائية في ارتباطها المُباشرِ بالوضعِ: الاجتماعي/ السياسي في الجزائرِ، بصفته مؤوّلا لهُ؟ وكيف تجسَّدت الآلياتُ السياقيةُ في هذه النُصوصِ الروائية؟ وكيف حقّقت انسجامها المداري الناتج عن التحويلات الذهنيةِ من قبلِ المبدع؟ وهل تحكَّمت في وعي المبدع واسيني الأعرج وفي رؤيته للعالمِ الموسوعةُ المعرفيةُ المُكتسبةُ المُعاشةُ المُتّصلة بفضاءِ الجزائرِ الإيديولوجي لحظةَ الإنتاجِ؟ وهل منعَ المبدعَ تناظرُ البُعدِ السياقي والإيديولوجي العام في نصوصهِ الروائية من خلقِ تمايُزها وتنوعِها؟ وهل تأثَّرَ وعيهُ أثناءَ فعلِ الإنتاجِ والتأليفِ بالراهنِ المتغيّرِ الذاتي للمبدعِ والسياسي/ الاجتماعي للجزائر؟ وهل النموذج الذي يُبدعه القارئ للنص هو النموذج الذي يتنبأ به المبدعُ أو يقصده؟

وقد قسّم الباحث هذه الدراسة النقدية إلى: فصلٍ أول عنوانُه (المؤلّفُ ومفسّروه)؛ وضّح فيه طرائق استخلاص المعنى المقصود، التي سيساهم الحوارُ بين تشكلاتِ النص: (آلياته/ تقنياته) وترهينات القارئ بين ذخيرة النص والمخزون المعرفي القبلي للمبدع لحظةَ خلقه وتأليفه في كشفه؛ باعتباره تمَّ في إطار جدلية السؤال والجواب المستمرّ والمتجدّد عبر السّيرورة التاريخية، لارتباطِ كلّ مبدع بغايةٍ محدّدة في إبداعه.

أمّا الفصل الثاني (المدار السردي ودينامية التشعب: مقاربة في الإنتاج الروائي لواسيني الأعرج، مختارات من نصوصه أنموذجا)؛ فقام خلاله الباحث بتحليل أربعة نصوصٍ روائية: جسدُ الحرائقِ (نُثار الأجسادِ المحروقةِ) 1978، مرايا الضريرِ (كولونيلُ الحروبِ الخاسرة) 1997، كتابُ الأميرِ (مسالكُ أبوابِ الحديدِ) 2007، مملكةُ الفراشةِ 2013، بهدف كشفِ وتحديدِ جُملة الآليات التي تحكّمت في كلِّ ظاهرةٍ ملازمة لكلِّ تظهير، انطلاقا من تفعيل نظرية المؤولات السَننية الثقافية/ الموسوعية والسياقية والبلاغية، التي ستكون نتيجة نهائية مُحدّدة لسيرورات الفرضيات المُجسّدة للمتلقّي الباحثِ في النصّ عن العلاقة بين الواقعِ الشارطِ للإنتاج وخلفيةُ المبدعِ (الواقعي/ الضمني).

وفي الفصل الثالث (الرواية والتاريخ والهوية السردية.. رواية كتاب الأمير: مسالك أبواب الحديد أنموذجا)، تناول الباحث طبيعة الرواية التاريخية لتجسُّدها كعمل سرديّ يطمح إلى إعادة بناء حقبة من الماضي بطريقة تخييلية يتداخل فيها الواقعي مع المتخيل، اعتمادا على مادة تاريخيّة تتشكلُ بواسطةِ السردِ، يضطلعُ من خلالها المبدعُ في ابتكارِ حبكة للمادة التاريخية بتحويلها إلى مادة سردية، كنصّ كتاب الأمير الذي يُعتبر روايةً أطروحةً عابرة للثقافات، تدعو لحوارِ الحضارات، وتحرّضُ على التعايش السلمي، مُنطلقها كان وعي الفكرة الاستعمارية، ووعي الكتابة كاستراتيجية تقويضية وتفكيكية للاستعمار، الذي تتشظّى فيه الهوية القومية وتذوب مع الهويات الإثنية لصالح الهوية السردية التي اندمج فيها السرد التاريخي بالسرد التخييلي، باعتباره إحالة مرجعية تُحقّق مصداقية يمكن إثباتها تاريخيا، بمحاولة تسريب حقائق هي في واقع الأمر مجموعة من الأحكام الإيديولوجية والتصوُّرات الخاصّة بالهوية والزمن والماضي والحاضر.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: واسینی الأعرج

إقرأ أيضاً:

يسري جبر: الاجتهاد عمل علمي منضبط يستند إلى النصوص القطعية

قال الدكتور يسري جبر، أحد علماء الأزهر الشريف، إن الاجتهاد في الإسلام هو بذل الإنسان أقصى ما عنده من طاقة علمية وفكرية للوصول إلى حكم شرعي، مشددًا على أن المجتهد يصل في نهاية اجتهاده إلى شعور داخلي يقول فيه: "لا مزيد، لم أجد زيادة على ذلك، كل ما عندي استفرغته وأعطيته، ولم يكن في مقدوري أن أزيد على ذلك".

الدكتور يسري جبر: الاجتهاد استفراغ الوسع في إطار النصوص الشرعية الثابتة

وأضاف الدكتور يسري جبر، خلال تصريحات تلفزيونية، اليوم الجمعة، حول قضايا الاجتهاد، أن هذا الشعور لا يتأتى إلا بعد تأهيل علمي عميق وزمن طويل تتكون خلاله عقلية المجتهد، مؤكدًا أن الاجتهاد يكون في إطار النص الشرعي، ويقصد بذلك القرآن الكريم وسنة النبي صلى الله عليه وسلم.

يسري جبر: التغافل سر السعادة الزوجية.. وجنازتك أهون من جوازتك التانيةيسري جبر: تجنُّب أذى الأقارب ليس من قطيعة الرحم لكن بشرطيسري جبر: حب الله لا يأتي إلا باستشعار النعميسري جبر: حديث السقاية يكشف عن تكريم المرأة وإثبات حقها

وأوضح الدكتور يسري جبر أن الإمام الشافعي كان يطلق على القرآن الكريم والسنة النبوية لفظ "النص الشريف"، مبينًا أن النص الشريف يقع في مركز الدائرة، لأنه ثبت لدينا ثبوتًا قطعيًا، وليس محلاً للنقاش أو الشك، فقول الله في القرآن الكريم، وما بلغه النبي صلى الله عليه وسلم من الوحي المتواتر، قطعي الثبوت، نقطع بصحته ولا خلاف حوله.

وتابع الدكتور يسري جبر أن هذا "المركز الثابت" هو المرجعية الأولى التي ينطلق منها الاجتهاد، محاطًا ببقية النصوص من السنة بدرجاتها المختلفة، والتي قد تكون محل خلاف، لكنها تبقى ضمن الإطار الشرعي المعتمد.

وأكد الدكتور يسري جبر أن الاجتهاد هو عمل علمي منضبط، يستند إلى النصوص القطعية، ويعتمد على عقلية تأهلت عبر سنوات من الدراسة والتدبر والوعي الشرعي، وليست آراء عشوائية أو انعكاسًا لأهواء شخصية.

طباعة شارك الدكتور يسري جبر الأزهر علماء الأزهر الاجتهاد في الإسلام الاجتهاد الإسلام

مقالات مشابهة

  • الأماكن وتجلياتها في الإبداع الأدبي والفني
  • باحث أمني: المواطن خط الدفاع الأول والعين الساهرة لحماية المجتمع
  • من النص إلى الواقع.. جدلية التربية وحقوق الإنسان في العالم العربي قراءة في كتاب
  • مستثمرو جمصة: نسعى لبناء اقتصاد إنتاجي حديث قائم على الشراكات الدولية
  • 7 حيل مذهلة مع شات جي بي تي ستغير طريقة استخدامك للأداة!
  • يسري جبر: الاجتهاد عمل علمي منضبط يستند إلى النصوص القطعية
  • 7 حيل مذهلة مع شات جي بي تي تخطط وتحل مشكلاتك في ثوان!
  • مقال بواشنطن بوست: حتى المدافعون عن إسرائيل بدؤوا أخيرا الاعتراف بالحقيقة
  • عالية المهدي: طباعة النقود بدون مقابل إنتاجي أدت إلى ارتفاع الأسعار
  • «بعد طرحها».. كلمات أغنية «النص اللي يخص» لـ جنات