صادق بن محمد بن سعيد اللواتي
يقول تعالى: (فلا تَقُلْ لَهُمَا أَفًّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كريمًا" (الإسراء: 23)، ويقول أيضًا: "واخفض لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا" (الإسراء: 24)
في يوم 21 يونيو من كل عام يحتفل العالم بـ"عيد الأب"، الذي يأتي ويمضي دون أن يُلاحظه أحد، تمامًا كعيد الشجرة.
الأب هو الرجل الوحيد في العالم الذي يأخذ من نفسه ليعطيك. قد لا يكون قد أعطاك كل ما تمنيته أو رغبت فيه أو طمحت إليه. لكن كن على يقين أنه أعطاك كل ما يملك، وسيترك لك كل ما يملك سواء كان كثيراً أو قليلًا، فهل بعد كل هذا ستحجز له مكانًا بعيداً عن سكنك ليقضي فيه بقية حياته؟ وقد أنشأت وزارة التنمية الاجتماعية دارًا لرعاية المسنين، وأشكرهم وأقدر هذا الإنجاز الذي قد يُرحب به البعض. مع ذلك، أعتقد أن وضع الوالدين مع أبنائهم في منازلهم بدلًا من دور الرعاية واجب ديني وأخلاقي وإنساني، بغض النظر عن مستوى الرعاية المقدمة في دار الرعاية. فالأب الذي بذل قصارى جهده في تربية أبنائه، وجاع لإطعامهم، وارتدى ملابس قديمة ليشتري لهم ملابس جديدة، وعمل عشر ساعات يوميًا لتلبية احتياجاتهم، لا يستحق أن يعيش سنواته الأخيرة بعيدًا عن أبنائه في مكان غريب ومع أناس لا يعرفهم ولم يلتق بهم قط. لا أعرف، ولا أستطيع أن أتخيل شعور الأب عندما يجد نفسه في هذه البيئة الغريبة. عندما لا يكون للأب ابن ولا ابنة، فإن دار الرعاية هي أفضل مكان يقضي فيه بقية حياته.
ذهب رجل إلى دار رعاية مسنين بعد وفاة زوجته، وهو في حالة صحية حرجة. بينما نجله لم يتمكن من استضافته في منزله بسبب شرط خطيبته، اليت اشترطت عليه قبل زواجهما ألا يسكن منزلها أحد من عائلته. قبل الشرط، غير مدرك أن والدته ستموت وسيُترك والده وحيدًا. حاول جاهدًا إقناع زوجته بالسماح لوالده بالبقاء تحت رعايته في نفس البيت، لكنها رفضت وهددت بمغادرة المنزل إذا عاش والده معها. من أجل الأطفال، لم يصر الرجل على بقاء والده في منزلها لتجنب تشتيت الأسرة وحرمانه من تربية أبنائه. فبحث عن حل فوجدها في دار الرعاية التي أنشأتها وزارة التنمية الاجتماعية.
ذهب الرجل إلى دار رعاية مسنين ليحجز مكانًا لوالده. دار الحوار التالي بين الرجل والمدير دار الرعاية. سأله الرجل عن الوثائق المطلوبة لتسجيل وقبول والده. نظر إليه مدير فقال: "وثائق عادية":
1. صورة لوالدك وهو يتجه مع والدتك إلى المستشفى قبل ولادتك.
2. صورة لوالدك وهو يحملك بعد ولادتك، فرحاً وسرورًا، ويؤذن في أذنيك.
3. صورة لوالدك وهو عائد متعبًا من العمل ليعولك أنت وإخوتك.
4. صورة لوالدك وهو يحملك وهو يركض إلى المستشفى في منتصف الليل وفي البرد القارس بسبب ارتفاع حرارتك.
5. صورة لوالدك بعد أن أوصلك إلى المنزل، جالسًا على الأرض بجانب المنز، ويده على جبينك بين الحين والآخر لقياس حرارتك.
6. صورة لوالدك وهو يصطحبك إلى المدرسة.
7. صورة لوالدك وهو يصطحبك إلى روضة الأطفال.
8. صورة لوالدك وهو يصطحبك إلى المسجد في شهر رمضان لدروس القرآن الكريم
9. صورة لوالدك وهو يصطحبك إلى المأتم للمحاضرة وتناول الغذاء.
لم يكن لديه ما يقوله ردًا على المدير، فغادر دار الرعاية، وقلبه يبكي، بل جسده كله يبكي. كان في حيرة من أمره. لم يستطع تأمين مكان لأبيه في دار رعاية المسنين. لم تقبله زوجته في بيتها، مع أنه بيته. ربما لم يقبل أبناءه جدهم المريض في بيتهم. ما الحل يا رب؟ جاءه الحل من السماء. رن هاتفه، فعرف أنه هاتف والده. رد على المكالمة بيدين مرتعشتين. سمع خادمة والده تقول: "والدك مات".
سألتُ أحدَ أحفادي الصغار: ما رأيكَ، هل تقبلُ جدَّكَ العجوزَ المريضَ في بيتِكَ؟ قال: نعم، وبكلِّ سرور. أنا جزءٌ من لحمِه ودمه، جده. سأُهيئُ له سريري وأنامُ على الأرض. باركَ اللهُ فيه وفي جميعِ أحفادكم.
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
ذا أتلانتيك تكشف: عميل إيراني منشق شارك في اغتيال عماد مغنية
كشفت مجلة "ذا أتلانتيك" الأمريكية، عبر تقرير موسع نشره مراسلها شين هاريس، تفاصيل جديدة حول مقتل محمد حسين طاجيك، أحد أبرز عناصر الاستخبارات السيبرانية الإيرانية السابقين، الذي تحول إلى متعاون مع وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية (CIA)، ثم انتهت حياته عام 2016 مقتولا على يد والده المقرب من النظام الإيراني، وفق ما نقلته المجلة.
مراسلات سرية
وقال هاريس إنه تواصل لأول مرة مع طاجيك بعدما ظهر عنوان بريده الإلكتروني على لوحة إعلانات نشرتها مجموعة قرصنة إيرانية، داعية الآخرين للتواصل معه. ومن خلال تلك المراسلات، روى طاجيك تفاصيل حياته داخل الجهاز الأمني، وكيف ورث نشاطه الاستخباري عن والده الذي كان عميلا لجهاز الأمن الإيراني خلال ثورة 1979، قبل أن يترقى لاحقا إلى منصب رئيس وحدة الحرب السيبرانية في إيران.
وأشار هاريس إلى أن موهبة طاجيك في الرياضيات والحوسبة، إضافة إلى نفوذ والده، مكنته من الحصول على وظيفة في وزارة الاستخبارات وهو لا يزال في الثامنة عشرة من عمره.
من أرامكو إلى شبكة الكهرباء التركية
وبحسب ما نقله هاريس عنه، أكد طاجيك أن إيران ركزت عملياتها الإلكترونية على إسرائيل والسعودية، مشيرا إلى مشاركته في الهجوم الإلكتروني الشهير عام 2012 على شركة أرامكو السعودية، حيث تم حذف بيانات واسعة من أجهزة الشركة.
كما تحدث عن تنسيق سيبراني بين طهران وموسكو، ودور إيراني في هجوم استهدف شبكة الكهرباء التركية عام 2015، إضافة إلى تورط إيران في الهجوم على البنك المركزي البنغلاديشي عام 2016 الذي سرق خلاله 81 مليون دولار، في عملية اتهمت فيها لاحقا ثلاثة قراصنة من كوريا الشمالية.
وأفاد بأن إيران قامت أيضا بـتدريب عناصر من حزب الله اللبناني على اختراق نظام "سويفت" المصرفي الدولي، زاعما أن الحزب نقل المعلومات التي حصل عليها إلى كوريا الشمالية مقابل صواريخ.
عمليات كبرى ضد إيران وحلفائها
ووفق تقرير "ذا أتلانتيك"، بدأ طاجيك التعاون مع الـCIA في توقيت كانت الوكالة تسجل فيه نجاحات استخباراتية مؤثرة ضد إيران. ونقل هاريس عنه قوله إنه لعب دورا في اغتيال القيادي البارز في حزب الله عماد مغنية في دمشق عام 2008 ضمن عملية مشتركة أمريكية – إسرائيلية.
كما أشار التقرير إلى أن طاجيك ساهم في كشف منشأة فوردو السرية لتخصيب اليورانيوم، والتي تعرضت لاحقا لضربات أمريكية في 2009، لكنه لم ينسب الفضل لنفسه في ذلك.
ونقل هاريس عن مصادر في الاستخبارات الأمريكية أن الوكالة أنهت علاقتها بطاجيك بعدما أصبح "خارج السيطرة"، مع سلوك متقلب يتراوح بين الوعي الكامل وحالات “جنون العظمة”، إضافة إلى خرقه بروتوكولات الوكالة عبر تصوير محتوى من الحاسوب الذي زودته به الـ"CIA"
السجن والتعذيب في إيران
وبعد انكشاف أمره، اعتقلته السلطات الإيرانية، ونقل عام 2013 إلى سجن إيفين، حيث تعرض — وفق هاريس — إلى التعذيب بالماء المغلي وإجباره على الاستلقاء في حفرة ضيقة تشبه القبر.
وبعد أكثر من عام، نقل إلى الإقامة الجبرية في 2014 كـ"تكريم" لوالده الذي كان يعرف شخصيا قاسم سليماني.
قتل على يد والده
قبل شهر من مقتله، عرّف طاجيك الصحفي هاريس على المعارض الإيراني روح الله زم، الذي نقل له لاحقا أن طاجيك قتل في 5 تموز/يوليو 2016 داخل منزله على يد والده، في محاولة أخيرة لـ"حماية شرف العائلة" بينما كان الابن يخطط للهروب خارج إيران.
وتشير سجلات المقبرة الإلكترونية في طهران إلى أن الوفاة سجلت في 7 تموز/يوليو 2016، دون ذكر سببها أو إجراء تشريح للجثة.
وتشير تقارير إيرانية أخرى — نقلتها المجلة — إلى احتمال أن يكون طاجيك قتل قبل شهرين من الإعلان الرسمي، عبر وحدة خاصة من النظام بعدما اشتبهت السلطات بأنه كان يعمل لصالح جهات أجنبية منذ 2013.
المفارقة، كما يشير هاريس، أن روح الله زام — الذي كشف له تفاصيل مقتل طاجيك — وقع لاحقا في فخ استخباراتي بعد استدراجه إلى العراق، ليختطف ويعدم شنقا في إيران عام 2020.