ليبيا تستعيد حضورها في قمة المحيطات في نيس… لكن ما الذي ينتظر صياديها؟
تاريخ النشر: 19th, June 2025 GMT
في ميناء مدينة الخمس يجلس فرج عبدالصادق على حافة قاربه الخشبي القديم بعد رحلة صيد طويلة بدأت مع أولى ساعات الصباح. لم تكن الحصيلة وفيرة هذه المرة، بضع سمكات صغيرة وعدة زجاجات بلاستيكية عالقة في شباكه المهترئة.
يجلس فرج على حافة قاربه الخشبي، يمد ساقيه في المياه الضحلة، وينظر إلى البحر الذي كان يومًا مصدر أمل وتحول اليوم إلى عبء يومي.
فرج، البالغ من العمر 46 عامًا، لا يخفي خيبته من السنوات الأخيرة التي شهدت تدهورًا حادًا في الثروة السمكية قبالة السواحل الليبية. يقول: “أنا في البحر من عمري عشرين سنة، ولكن ما عمري شفت الوضع بهذا السوء. الأسماك قلّت، والجرافات تصيد بعمق ولم تترك شي، والنفايات في كل مكان”.
غير بعيد عن فرج، كان الصياد الشاب محمد سويسي، 29 عامًا، ينقل صناديق فارغة من قاربه إلى الرصيف. سُئل عن محصول يومه فأجاب مبتسمًا بسخرية: “محصولي؟ خيطان ممزقة وسمك لم يسد فطور طفل”.
وأشار بيده نحو البحر قائلاً: “كنا نصطاد هناك. اليوم هذا المكان ميت. أنواع كثيرة اختفت تمامًا”.
وبينما يعيش الصيادون في ليبيا هذا الواقع المتدهور يوميًا، كانت أنظار العالم البيئي تتجه إلى مدينة نيس الفرنسية، حيث انطلقت في 9 يونيو 2025 فعاليات قمة الأمم المتحدة الثالثة للمحيطات، بمشاركة أكثر من 15 ألف شخص، بينهم 55 رئيس دولة وحكومة.
و رغم أن ليبيا تمتلك أكثر من 1900 كيلومتر من السواحل على البحر المتوسط، إلا أن بنيتها التحتية البحرية تكاد تكون معدومة.
لا توجد محميات بحرية فعلية، ولا مرافئ مجهزة لدعم قطاع الصيد، ولا حتى برامج حكومية مستدامة لحماية الشعاب المرجانية أو لتنظيم الصيد. بينما تعتمد مجتمعات كاملة على البحر كمصدر دخل، يُترك الصيادون وحدهم في مواجهة التدهور البيئي.
حضور رمزيلأول مرة منذ سنوات، سجلت ليبيا حضورًا رسميًا على هذا المستوى، بوفد رفيع ضم رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي ووزير البيئة إبراهيم العربي. حضور بدأ مهمًا من حيث الشكل، لكنه لم يترجم إلى مضمون فعلي، بحسب المراقبين.
الخبير البيئي التونسي بسام إبراهيم، الذي حضر القمة ضمن الوفد التونسي قال لقناة ليبيا الأحرار،: “تابعت الوفود العربية والأجنبية، لاحظت حركة كثيفة من الجزائر، مصر، المغرب، وحتى موريتانيا. أما الوفد الليبي، فكان حضوره بروتوكوليًا لا أكثر. لم يُنظم جلسات نقاشية، لم يعلن عن شراكات، وغادر في اليوم الثاني بصمت”.
وأضاف إبراهيم: “أمضيت ساعات أبحث عن جلسة أو عرض أو حتى كتيب يتضمن رؤية بيئية ليبية. لم أجد. حتى التصريحات كانت محدودة وعامة، ولا تُغني المختصين بشيء يمكن البناء عليه دراسات حقيقية وكان مقعد ليبيا في كل الجلسات شاغرا”.
ورغم هذا الغياب عن المبادرات النوعية، خصّ رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي قناة ليبيا الأحرار بمقابلة، قال فيها: “طلبنا من ممثلي اليونسكو والاتحاد الأوروبي القيام بزيارات ميدانية إلى السواحل الليبية بهدف إعادة تفعيل الدراسات البيئية التي توقفت منذ أكثر من عشر سنوات”. وأضاف أن ليبيا تأمل بالحصول على دعم فني من أجل إعداد خارطة بيئية شاملة.
لكن التصريح، رغم أهميته الرمزية، لم يتضمّن أي جدول زمني أو خطة تنفيذ، ما جعله في نظر كثيرين مجرد وعد آخر غير مُنجز.
غزو بلاستيكيمن جانبه، قال القائم بالأعمال الليبي في باريس، فتحي أميمة، في تصريح لموفد قناة “ليبيا الأحرار”، بعد تمثيله للدولة الليبية في قمة إفريقيا من أجل المحيط، إن حماية المحيطات والبحار من التلوث الناتج عن النفايات البلاستيكية والصيد الجائر أصبحت ضرورة ملحّة، لما لهذه الظواهر من تأثيرات بيئية تهدد الحياة البشرية.
وأوضح أن المحيطات تولد نحو نصف كمية الأكسجين على كوكب الأرض، وتلعب دوراً محورياً في استقرار المناخ العالمي، حيث تعتمد الحياة على الأرض بشكل غير مباشر على هذا التوازن الحيوي. كما أشار إلى أن ما يزيد عن 80% من التجارة العالمية تمر عبر المحيطات والبحار، في وقت يُتوقع أن تتجاوز كمية البلاستيك في المياه حجم الأسماك خلال العقود القادمة، إذا لم يتم اتخاذ إجراءات حاسمة.
بدوره، اعتبر الخبير البيئي عبدالمجيد مليطان مشاركة ليبيا في القمة خطوة رمزية لا أكثر، قائلاً: “ما جرى في نيس لم يتجاوز الحضور الشكلي. البحر لا تُنقذه المناسبات، بل السياسات الفعلية، والقرارات الجريئة، وبرامج الحماية والمحميات البحرية”. وأضاف: “ما تبقى من الحياة البحرية في ليبيا يتلاشى بوتيرة مقلقة، ونحن نقترب من نقطة لا عودة إذا استمر هذا الإهمال”.
وتابع: “المسألة ليست مجرد سمك أو ماء، بل مجتمعات بأكملها تعيش على البحر. الصياد اليوم لا يملك بديلاً، والبحر يُنهب أمام عينيه، دون رقابة أو محاسبة أو قوانين مُطبقة. نحن أمام كارثة بيئية صامتة”.
مبادرة 30×30ويشير الخبراء إلى أن ليبيا متأخرة كثيرًا عن جيرانها في الانضمام إلى المبادرات البيئية الدولية. فبينما تعمل تونس ومصر بجدية لتنفيذ التزام “30×30” العالمي، الذي يهدف لحماية 30% من المناطق الساحلية والبحرية بحلول 2030، لم تعلن ليبيا عن أي رؤية مشابهة أو حتى خطة أولية.
في قمة نيس، تمحورت النقاشات حول قضايا الصيد غير القانوني، والتلوث البحري، وتغير المناخ، وشهدت القمة طرح مبادرات من عدة دول تهدف إلى حماية النظم البيئية البحرية، وتنظيم عمليات الصيد، ووضع خرائط للمحميات البحرية. في المقابل، غابت ليبيا كليًا عن هذه الجهود، دون طرح أي رؤية أو التزام واضح يعكس مسؤوليتها كدولة متوسطية.
في الخمس، لا تعني فرج عبدالصادق تفاصيل المؤتمرات أو البيانات الرسمية، فكل ما يريده هو دعم حقيقي. يقول: “نحن نشتري الشباك من جيوبنا، ونصلّح القوارب بالديون. البحر لم يعد يعيلنا، وكل شيء أصبح غاليًا بشكل لا يُطاق. نريد فقط أن تنظر الدولة إلى حالنا”.
ويعتقد السويسي أن الأمل يكمن في إشراك الصيادين في اتخاذ القرار. “نحن نعرف البحر أكثر من أي مسؤول في مكتب. نستطيع أن نعيد له الحياة… فقط أعطونا الوسائل”.
ورغم إحباطه، لا يُخفي السويسي أمله بأن تكون هذه المشاركة، ولو رمزية، بداية لتحرك فعلي. ويختتم بقوله: “إذا كانت هناك نية حقيقية، فليبدأوا منّا. نحن نعرف البحر، ونعرف كيف نعيد له عافيته… فقط استمعوا إلينا”.
ومع نهاية النهار، تنخفض الشمس نحو الأفق، ويستعد الصيادون لطيّ شباكهم ليوم آخر لا يعدهم بالكثير.
تم إعداد هذه المادة ضمن زمالة قمة الأمم المتحدة للمحيطات 2025 بتنظيم من شبكة صحافة الأرض التابعة لمنظمة “إنترنيوز”
إسلام الأطرش – نيس، فرنسا Total 0 Shares Share 0 Tweet 0 Pin it 0المصدر: ليبيا الأحرار
كلمات دلالية: الاتحاد الأوروبي يوهان يونيسيف يونيسف يونغ بويز يونسيف
إقرأ أيضاً:
غياب الحوكمة يقلص دور المستثمرين في حماية المحيطات
أسفرت حملة الأمم المتحدة لحشد الاستثمارات لحماية محيطات العالم عن صفقات بنحو 10 مليارات دولار في مؤتمر المنظمة الدولية الثالث للمناخ الذي عقد الأسبوع الماضي في نيس الفرنسية، وهو مبلغ أقل من المتوقع، فيما يطالب المستثمرون بوضع قواعد تنظيمية أكثر وضوحا لإدارة المحيطات قبل الالتزام بالأموال.
وفي حين اتخذ الزعماء السياسيون في مؤتمر الأمم المتحدة في نيس خطوات لمعالجة الصيد الجائر والتلوث الذي يهدد النظم البيئية البحرية الحساسة والأشخاص الذين يعتمدون عليها، فقد ثبت أن إقناع البلدان بالموافقة على حوكمة أفضل أمر صعب.
اقرأ أيضا list of 4 itemslist 1 of 4سمكة "المهرج" تواجه تغيّر حرارة المحيط بالتقلصlist 2 of 4علماء يحددون نطاقين بالمحيطات بمعدلات حرارة قياسيةlist 3 of 4علماء يضعون خريطة للبلاستيك بالمحيطات والنتائج صادمةlist 4 of 4كينيا تستضيف مؤتمر "محيطنا" في 2026end of listولم تُصدّق سوى 50 دولة على معاهدة جديدة لأعالي البحار، والتي تُحدّد قواعد اتفقت عليها أكثر من 130 دولة عام 2023 لتنظيم المياه الدولية والحدّ من الممارسات الضارة.
وكانت الولايات المتحدة، التي انسحبت من مبادرات مناخية مختلفة بقرار من الرئيس دونالد ترامب، من بين الدول التي لم تصدق على المعاهدة بعد.
وقال أوليفر ويذرز، رئيس قسم الطبيعة في بنك ستاندرد تشارترد البريطاني، إن الافتقار إلى إطار حاكم واضح وبيانات وقواعد قوية تتعلق بالمحيطات أدى إلى إعاقة تمويل القطاع الخاص حتى الآن.
وأضاف أن العامل الرئيسي الذي لا ينطبق على اليابسة هو أن أعالي البحار لا تنتمي إلى أي سلطة سيادية فردية، ولا توجد سلطة سيادية واحدة مسؤولة عن أعالي البحار، وهو ما يمثل تحديا كبيرا وعائقا أكبر.
ومن بين الصفقات التي أبرمت في فرنسا، جاء الجزء الأكبر من البنوك في القطاع العام، بما في ذلك 2.5 مليار دولار من التمويل من قبل بنك التنمية لأميركا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي (CAF) و3 مليارات يورو (3.5 مليارات دولار) من مجموعة من بنوك التنمية لمكافحة التلوث البلاستيكي.
ورغم أن المبلغ الإجمالي يُعدّ خطوة للأمام، فإنه أقل بكثير من المطلوب. فبين عامي 2015 و2019، لم يُستثمر سوى 10 مليارات دولار، مقارنةً بتقديرات الأمم المتحدة المقدرة بـ175 مليار دولار من التمويل السنوي المطلوب.
إعلانوقالت نائبة مدير مكتب دعم السياسات والبرامج في برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، فرانسين بيكاب، "التمويل العام لا يكفي، لكن التمويل الخاص أقل من ذلك بكثير. لذا أعتقد أن هذا المجال لا يزال في بداياته".
وحتى الآن، لم يحصل مجال حماية المحيطات إلا على شريحة صغيرة من إجمالي الأموال، وفقا للبيانات التي اطلعت عليها رويترز من شركة سايتلاين كلايمت لرصد الصناعة.
وفي الفترة ما بين عامي 2020 و2025، لم تتلقَّ تكنولوجيا المحيطات سوى 0.4% من إجمالي 202 مليار دولار مستثمرة في جميع القطاعات خلال تلك الفترة، على الرغم من أن البيانات أظهرت بداية أقوى بحلول عام 2025.
وقال رئيس قسم التنوع البيولوجي في إدارة الأصول في بنك "بي إن بي باريبا"، روبرت ألكسندر بوغاد، "ما نسعى إليه كمستثمرين هو أن تعالج الحكومات وصناع السياسات المخاطر النظامية"، مضيفا أنه سيرحب بالمعاهدة إذا كانت لديها الكثير من القوة وآليات التنفيذ".
وشكّلت عمليات جمع الأموال المتعلقة بالمحيطات أقل من 1% من الإجمالي خلال السنوات الخمس الماضية، ويتطلب إصلاح العجز في التمويل بذل جهود متضافرة من جانب صناع السياسات والمستثمرين لمعالجة التحديات المتداخلة لحماية التنوع البيولوجي البحري وصحة المحيطات.