لماذا يُعدّ التنافس العام على الحقائب الوزارية خطراً على الدولة؟
تاريخ النشر: 19th, June 2025 GMT
*الوهم الإلكتروني في تشكيل الحكومات: لماذا يُعدّ التنافس العام على الحقائب الوزارية خطراً على الدولة؟*
في سياق ما بعد الحرب، لا تكون خيارات الدولة رفاهية سياسية، بل ضرورة وجودية تُبنى على الواقعية، والانضباط المؤسسي، وفهم دقيق لتعقيدات المرحلة. وفي خضم هذه المعادلة الحساسة، يبرز ما طُرح مؤخراً من اتجاهات لتشكيل حكومة سودانية جديدة عبر “ *فتح التقديم العام للوزارات* ” كفكرة تحتاج إلى مراجعة عميقة، بل وتصحيح مفاهيمي صارم…
إن طرح الوزارات السيادية والتنفيذية للتنافس العام، عبر بوابات إلكترونية أو معايير نظرية، ليس تجسيداً للشفافية كما قد يُروَّج له، بل هروبٌ غير مسؤول من جوهر بناء الدولة، وتفكيك خطير لفكرة المؤسسات نفسها.
في هذه المرحلة الانتقالية الدقيقة، المطلوب ليس “ *المزادات العلنية المقنّعة* ” لاختيار الوزراء، بل تفعيل الإرادة الوطنية عبر مؤسسات سودانية مهنية ومسؤولة، قادرة على ترشيح، تقييم، ومراقبة من يشغلون هذه المناصب على أساس مشروع وطني واضح، لا عبر اختبارات تقنية أو آليات استعراض شكلية. فالتحوّل من حكم فوضوي إلى دولة راشدة لا يتم عبر خطوات رمزية، بل عبر استعادة هيبة القرار المؤسسي..
إن الاعتماد على “ *التقديم العام* ” في اختيار وزراء الدولة، يحمل في طياته عدة مخاطر استراتيجية:
1. تذويب السلطة التنفيذية في منطق السوق، وتحويلها إلى حقل تجريبي بلا هوية أو قيادة سياسية منسجمة..
2. إضعاف دور المؤسسات الوطنية، خصوصاً الأجهزة الرقابية والتشريعية والإدارية، التي يُفترض بها ترشيح ومتابعة الأداء التنفيذي لا أن تُقصى لصالح آليات مبهمة..
3. تغليب الخطاب الشعبوي على *الكفاءة المؤسسية* ، في مرحلة تتطلب قرارات صلبة وغير شعبية في كثير من الأحيان.
4. تكرار الفشل الإداري الذي عانت منه تجارب سابقة حاولت استبدال المؤسسات الوطنية بـ” *لجان فرز* ” أو “ *لجان أكاديمية* ” بلا أدوات تنفيذ أو صلاحيات حقيقية…
إن أخطر ما قد تنتجه هذه المبادرة هو إعطاء الانطباع بأن الحكومة تُبنى على “ *شرعية السيرة الذاتية”، لا* على “ *شرعية المشروع السياسي الوطني* ”. والنتيجة المباشرة لذلك هي إنتاج حكومة مفككة، متباينة الأجندات، بلا مركز ثقل ولا انسجام استراتيجي، وهو ما يمثل وصفة للفشل الإداري والسياسي في لحظة مفصلية من تاريخ السودان.
بدلاً من ذلك، المطلوب اليوم هو إعادة الاعتبار لدور المؤسسات الوطنية، من خلال:
• تمكين الأجهزة الدستورية المختصة والإدارية السودانية من لعب دورها في التعيين والمراقبة..
• استدعاء الكفاءات الوطنية عبر قنوات مؤسسية، لا عبر التقديم المفتوح.
• إخضاع الاختيار الأنسب بحسب معايير ترتبط بخطة الدولة لا بمزاج المرحلة…
*ختامًا*
إن أي محاولة لتصوير “ *الفرز الإلكتروني* ” كأداة ديمقراطية هي تبسيط مخل لمسألة بالغة التعقيد….
فبناء الدولة ليس مسابقة مفتوحة، بل عملية تراكم مؤسسي يقتضي الحذر، والعمق، والانضباط المؤسسي..
والحكومات تُبنى من داخل الدولة، لا من منصات التوظيف….
السودان لا يحتاج الآن إلى حماسة شكلية، بل إلى عودة الدولة إلى مؤسساتها، وعودة الثقة إلى معاييرها، وعودة القرار التنفيذي إلى فضائه السيادي، بعيدًا عن كل ما يُعيد إنتاج الفوضى ولو بأدوات مغلفة بلغة “ *الشفافية* ”……
*وطن و مؤسسات….*
*السودان أولا و أخيراً…*
*د. عبدالعزيز الزبير باشا..*
*18/6/2025*
المصدر: موقع النيلين
إقرأ أيضاً:
باحث في شئون التنظيمات الإسلامية: الإخوان ضد مفهوم الدولة الوطنية وأداة رئيسية في إعادة تشكيل الشرق الأوسط
أكد عمرو فاروق، الباحث في شؤون التنظيمات الإسلامية، أن جماعة الإخوان الارهابية تمثل “الأداة الفاعلة في مشروع إسقاط الأنظمة والسيطرة على الدولة وبناء ما يُعرف بالدويلات” مشيرا إلى أن مفهوم "نظرية المؤامرة" الذي كان البعض يسخر منه سابقًا، بدأ يتغير في ضوء المشهد الحالي.
أوضح فاروق خلال مداخلة هاتفية ببرنامج "اليوم" مع الإعلامية دينا عصمت على قناة دى ام سى أن هناك محاولات "لإعادة تشكيل الشرق الأوسط بما يتماشى مع الغرب"، وأن جماعة الإخوان تعد "محورا مهما في تطبيق هذا الأمر".
وتابع قائلا : أن الإخوان "دائما ما يسخرون من الأوضاع الداخلية" ولهم مشروعات قائمة ويلعبون دورا مهما من خلال السوشيال ميديا.
وأوضح فاروق أن الإخوان يعملون "ضد مفهوم الدولة الوطنية"، ويسيرون في “أكثر من محور تنظيمي وحركي” كما يسعون إلى "تقسيم الانتماء دينيا عن وطنيا" وتحقيق "العزلة لأفرادها عن المجتمع" للسيطرة على العناصر التي يجندونها. وأكد أن الهدف من ذلك هو "الضغط على المجتمع وإسقاط الدولة"، مشيرا إلى أن “إسقاط الدولة دائما يأتي من الداخل وليس الخارج” .